في نهاية اذار الماضي ظهرت حركة جديدة واسعة، ضد مشروع قانون العمل الفرنسي في ساحة الجمهورية بالعاصمة الفرنسية باريس، وامتدت الى مدن فرنسية كثيرة، توسعت فيما بعد لتتجاوز قضية مشروع قانون العمل لتتناول العديد من المطالب المشروعة، فهناك موسيقيون وحماة البيئة ومعاضو الراسمالية والتجارة الحرة وجمعيات ولجان مختلفة، كل شخص له حرية التعبير. واستمرت لتشمل اضرابات  في السكك الحديد، والخدمات البلدية، وفي مصافي النفط ومحطات تعبئة البنزين ومشتقات النفط الأخرى، وامتدت لمدن فرنسية كثيرة كليون ومارسيليا وغيرها.

نجما الحركة

نجم الحركة الاول هو  فرانسوا روفين مخرج فيلم “ميرسي باترون “الذي يروي قصة زوجين كانا يعملان في مجموعة  LVMH  للألبسة، فقدا وظيفتهما بسبب ترحيل المصنع. الزوجان مهددان بفقدان منزلهما. والمخرج يساعدهما في وضع خطة حيز التنفيذ لإيجاد حل لمشكلتهما مع مدير المجموعة بيرنارد أرنو، الذي يعد أغنى رجل في فرنسا، بين في حديث له مع تلفزيون يورونيوز الاوربي، انه قبل عرض فيلم” ميرسي باترون“، كان هناك شعور بوجود الكثير من الطاقة، ويتساءل الناس” ماذا يمكننا أن نفعل؟” كان هناك اقتراح التظاهر ضد قانون العمل،. وهذا هو ما حدث في 31 من آذار . الاعتصام في ساحة الجمهورية بدأ بعرض فيلم “ ميرسي باترون” مساء اليوم ذاته.”

ونجم الحركة الثاني، هو نجم الحكومة الذي بدأ يأفل، وزيرة العمل الفرنسي، الشابة مريم الخمري ذو الاصول المغاربية وخريجة جامعة السوربون، والتي اكدت عند تسلمها منصبها في ايلول الماضي بأنها ستكافح البطالة (10% أي 6 ملايين عاطل عن العمل)، حيث تقدمت بتعديل يسمح للشركات والأعمال التجارية بزيادة ساعات العمل مع دفع الحد الأدنى من التعويضات للعاملين لتغطية مكافأة نهاية الخدمة، وجعل الأمر أسهل على الشركات من حيث تسريح العاملين فيها، مما اثار سخط الفرنسيين وخرجوا بتظاهرات قدرت بنصف مليون متظاهر،  ومع استمرار الاحتجاجات تراجعت الحكومة عن بعض بنود القانون موطن الخلاف مع النقابات العمالية، خصوصاً سقف التعويضات والفصل التعسفي من العمل، وذلك بعد حوارات مع قيادات النقابات التي وجدت الخطوة الحكومية غير كافية، فيما وصف معارضو المشروع بأنه يزيد الفقراء فقراً، ووصفته النقابات العمالية بأنه "مفرط في ليبراليته". ومع وصول الطرفين إلى طريق مسدود لجأ الناس إلى الشارع تحت شعار "وقوفاً في الليل". 

رغم ان الحركة جائت مفاجئة الا انها ولدت من رحم النضال الشعبي المتراكم منذ سنين، والذي بدأ بالتبلور في السنوات الاخيرة في اوربا، نتيجة تعرض نظام التمثيلية  الديمقراطية في اوربا للصدأ، بعد سبعون عام من السلام في اوربا، بعد الحرب العالمية الثانية،  امر طبيعي ان يحدث هذا. هكذا يرى عالم الاجتماع الفرنسي البرت اوجيان، ويؤكد ان هذه الحركة لم تكن وليدة ساحة الجمهورية بباريس بل ظهرت فيها وبالتالي فسوف لن تنتهي بأخلاء الساحة.

فاجئت الحركة كل المتابعين حين اجبرت النقابات الفرنسية "سي جي تي" السلطات في الثالث والعشرين من الشهر الجاري على السماح لها بالتظاهر، عندما أسفر اجتماع عقده وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف مع الأمينين العامَين لنقابتَي "سي جي تي" فيليب مارتينيز و"أف أو" جان كلود مييه، عن تسوية تجيز التظاهرة، بعد توتر أثاره قرار محافظ باريس حظر التظاهرة التي دعت إليها النقابات السبع المعارضة لقانون العمل، حفاظاً على السلامة العامة وبهذا تجاوزت  فرنسا اختباراً بالغ الخطورة، في ضوء مواقف قياديين اشتراكيين ويساريين ونقابيين، أصرّت على التظاهر رغم الحظر، هذه التضاهرات اعطت للحركة زخماً جديداً وكبيراً بعد ان توقع لها بعض المحللين بأنها سوف تتراجع.