الحزب الشيوعي العراقي، (3)/ فيصل الفؤادي
المبحث الاول
الفترة الممتدة منذ تأسيس الحزب عام 1934 حتى اندلاع ثورة 14 تموز 1958
قبل وبعد تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 , عارض كثير من فئات شعبنا الاحتلال البريطاني، وكان لثورة العشرين تأثيراً كبيراً على مسار الحياة السياسية العراقية. وبرغم مجيء ملك حجازي للتهدئه الا أن شعبنا قال كلمته من خلال موقفه الرافض للاحتلال ومقاومته له , واصبحت الفئات الوطنية والمثقفة من أبناء شعبنا خلال هذه الفترة تلعب دورا متميزا في توعية الناس البسطاء وتوضيح دور المحتل وأساليبه الخبيثة في بث روح الفرقة بين أبناء شعبنا العراقي، وقد نجح في بعضها والدليل على هذا الرفض , حدوث الكثير من الانتفاضات في المدن والارياف .
وقد كانت اتفاقية 1930 الاسترقاقية التي كانت شرارة أنتفض فيها شعبنا من أجل انهاء الاحتلال البريطاني والنضال ضد عملائه والموالين له من النظام الملكي . ونتيجة لهذه الاوضاع التي سادت البلاد وأوضاع شعبنا الاقتصادية وتدهورها خاصة بعد اندلاع الازمة الاقتصادية العالمية في عام 1929والتي تأثر بها العراق نظراً لكونه أحد مستعمرات المملكة البريطانية العظمى., ونتيجة لهذه الظروف الموضوعية تأسست لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار نهاية أذارعام 1934 والتي اتخذت في تموزعام 1935 اسم الحزب الشيوعي العراقي , والذي وضع الاسس العامة في النضال الوطني والطبقي ضد أعداء شعبنا العراقي من المحتلين والبرجوازيه الكومبرادورية الموالية للمحتل وكذلك ضد الجور والاعتقال والقتل والاهمال الذي عانى منها ابناء شعبنا طيلة وجود الحكم الملكي الذي كان يسير بنهج المحتل ومخططاته المعروفة .
واستنادا الى العرض المكثف اعلاه يمكن الاستنتاج بأن الحزب الشيوعي العراقي تأسس في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة للغاية، و جاء تعبيرا حقيقيا عن ارادة الفئات المسحوقة من العمال والكادحين من أبناء شعبنا. ويعود للحزب التأثير الكبير في تطوير وتوعية أبناء وبنات شعبنا , فقد سانده الالاف من مختلف شرائح وطبقات وفئات المجتمع العراقي. كما واصل الحزب نضاله مستخدما مختلف الاساليب ضد اعدائه الطبقين والمحتلين البريطانين و أعوانهم ورجالهم الذين خدموا المحتل وساندوه في أصدار القوانين والقرارات والمعاهدات والاتفاقات ومنها معاهدة 1930 الاسترقاقية.
وشهدت هذه الفترة ظهور العديد من الاحزاب والقوى الوطنية والديمقراطية التي كانت تنادي بخروج المحتل، ولوحظ اندلاع العديد من الهبات والانتفاضات الشعبية التي كان لها صداها الكبير والمحفز في وسط الشارع العراقي. وقد لعبت صحافة المعارضة ومنها صحافة الحزب الشيوعي العراقي دورا مهما في التأثير على المجتمع وعيا وأدراكا وتنويرا أضافة الى دور المثقفين في التأثير بشكل مباشر وغير المباشر من خلال الشعر والقصيدة والقصة والمقالة ... الخ.
وقد حمل النظام الذي ساد خلال هذه الفترة المسوؤلية التاريخية في استعماله للعنف أزاء معارضية ومنها ما قام به اثناء أنتفاضة عام 1948 التي راح ضحيتها بعض الطلاب بين شهيد وجريح , أضافة الى أعتقال اعدادا كبيرة, وأعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي في شباط 1949 لانهم كانوا يعارضون النظام ويحملون أفكارا للتغير. لهذا يمكن القول انه كان لاساليب النظام الملكي وممارساته القمعية والتعسفية في الاربعينات والخمسينات من القرن العشرين تداعيات صعبة واثار سلبية على أبناء شعبنا العراقي وبالذات الخسارة التي مني بها الحزب الشيوعي العراقي, عندما تم اعدام قادته الاماجد: فهد وحازم وصارم.
وبغض النظر عن ما يقال بشأن النظام الملكي فان التجربة الملموسة تشير الى انه لم يعط أية ديمقراطية سياسية حقيقة , بل وضع كل السلطة بيد نظام وزاري دكتاتوري وبرلمان كارتوني بل حتى هذا البرلمان عُطل وحُل في عام 1954 في دورته الرابعة عشر أثر فوز 11 نائبا من المعارضة من مجموع 135 نائباً. وخلال هذه الفترة جرى اصدار قوانين تمنع نشاط الحزب الشيوعي العراقي والاحزاب الديمقراطية والقومية، كما قامت الحكومة بأسقاط الجنسية عن كثير من المناضلين المعروفين، في حين كان سجن (نقرة السلمان ) الصحراوي ينتظر الكثير من المناضلين الذين يطالبون بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية , هذا اضافة الى اكتظاظ السجون في كل من الكوت وبعقوبة وبغداد وغيرها بالمئات منهم . ورافق ذلك كله اقدام السلطات الحكومية على اتخاذ الكثير من الاجراءات التعسفية كسياسة الابعاد والمراقبة وغيرها, والتي سنأتي على تفاصيلها لاحقا، وهي اجراءات وممارسات كان هدفها الاساسي اسكات أي صوت معارض لممارساتها القمعية واجراءاتها التعسفية .
وبمقابل ذلك شهدت تلك الفترة تفاقم صعوبات الحياة المعيشية لقطاعات واسعة من السكان وخاصة العمال منهم لهذا شهدت البلاد اندلاع الكثير من الاضرابات ومنها , اضرابات العمال في قطاع النفط في كاورباغي و معامل الشالجية والسكك , من أجل نيل حقوقهم و تحسين ظروفهم المعيشية وفي مقدمتها زيادة الرواتب. ورغم استجابة السلطات الحكومية للبعض من تلك المطالب الا انها لم تستجب للكثير منها ، الامر الذي دفع العمال لمواصلة النضال البطولي حتى تحقيق مطالبهم العادلة. وقد ارتبط هذا النضال الطبقي مع النضال الوطني لطرد المحتل، واسترجاع حقوق الشعب العراقي، واقامة حكومة وطنية تستند الى ارادة شعبنا وقيمه في الحياة الحرة الكريمة والاستقلال الوطني الناجز . وقد عانت الجماهير الكادحة من ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة لارتفاع الاسعار وقلة المواد الغذائية خاصة أبان الحرب العالمية الثانية . وقد حدد الحزب الشيوعي العراقي في وثائقه البرنامجية سمات الاقتصاد العراقي قبل ثورة تموز (ورث العراق اقتصادا شديد التخلف , وحيد الجانب , مشوه التركيب نتيجة السيطرة الاستعمارية طويلة الامد والنهب الامبريالي لثرواته الوطنية وتبعيته للسوق الرأسمالي العالمية وادائه لوظيفة متخلفة غير متكافئة في اطار التقسيم الدولي للعمل باعتباره مصدرا للنفط وبعض المواد الاولية ومستوردا للسلع المصنعة ونتيجة لسيادة العلاقات الانتاجية شبه الاقطاعية في الزراعة وتخلف القوى المنتجة المادية والبشرية )[1] .
ونمت الطبقة العاملة بشكل مضطرد والتي تحملت أوزار ارتفاع الاسعار وقلة الاجور وظروف معيشية وغذائية وحياتية صعبة للغاية .
وطيلة فترة نضال الحزب في المرحلة الملكية كان أكثر مناضليه في السجون والمعتقلات ويعانون من المضايقات وظروف الحياة الصعبة. ( ارسلت أفواج جديدة وجديدة من الاخيار والاحرار الى السجون ودفع المئات والمئات من الوطنيين وعلى مختلف المشارب والاتجاهات الى المعتقلات ... .. المثقفون والعمال والطلبة وكل مستاء وضمير حي ونزاهة لوحقوا وطوردوا ونكل بهم وشردوا . .. كان ذلك السجن الكبير وفي الوسط منه سجنهم الصحراوي الصغير تكثيفا و تجسيدا ورمزا للعبث والاستهتار)[2] .
( وفتح المئات من السجانين وافراد الشرطة النيران الوحشية لتحصد الارواح وتمعن في الاخرين تجريحا )[3].
ولقد عانى الحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية من الاضطهاد والاعتقال والتنكيل وزج بأعداد كبيرة من المواطنين من شيوعيين ومستقلين وقوميين في السجون , اضافة الى الفصل من العمل والكليات والمدارس الثانوية والابعاد القسري، داخل البلاد وخارجها ، وغير ذلك من الممارسات غير ألانسانية .
وتمخض عن تلك الممارسات التعسفية استشهاد العشرات من المواطنين ومن ذوي مهن مختلفة, عمال وموظفين وطلاب وغيرهم. ففي أنتفاضة كانون الثاني 1948 أستشهد 5 من طلبة الكليات والمعاهد الذين سقطوا في نهر دجلة أثناء معركة الجسر وكذلك المواطنين الذين أستشهدوا في المحافظات الاخرى, كما أستشهد في انتفاضة 23 تشرين الثاني 1952 عدد من الطلبة اضافة الى سقوط جرحى باعداد كبيرة، وكان من ضمن الشهداء النقابي المعروف (طلعت لازار) وهو من نقابي شركة نفط البصرة .
لقد عمل الحزب الشيوعي العراقي ومنذ تأسيسه على تطوير عمله التنظيمي وبشكل سري، وأخذ يتوسع في مناطق بغداد والناصرية والبصرة حيث الارض الخصبة في تقبل هذه الافكار وكانت منبع المناضلين، ثم أخذ الحزب يمتد الى المناطق الكردية وهكذا أنتشر الفكر الشيوعي ليعم كافة ارجاء العراق. ولولا حنكة وصلابة وامكانية وأفكار القادة الاوائل وتضحيات مناضليه ومناضلاته في خوض النضال , لما استطاع الحزب ان يستمر بهذه القوة والزخم والتطور, متحديا عسف السلطات الحاكمة المعادية للشعب و للحزب وهي التي منعته من ممارسة عمله بشكل علني بالرغم من تقديمه طلبا للسلطات الحكومية للحصول على اجازة تتيح له العمل بشكل علني.
انعقد الكونفرس الاول للحزب في العاصمة بغداد وذلك في شباط 1944 وشاركت به أغلب المنظمات الحزبيةعدا منظمتين لم تتمكنا من المشاركة. أقر الكونفرس ميثاق الحزب الوطني , وتمخضت عنه مجموعة مطالب واهم البنود التي وضعها الرفيق فهد (يوسف سلمان يوسف ) هي: ( نناضل من أجل سيادتنا الوطنية لنجعل قطرنا حقيقة لا لفظا. ونناضل من أجل حكومة تعمل لمصلحة الشعب وجهاز حكومي ديمقراطي ... الخ، أضافة الى مطالب أقتصادية وضد الاحتلال وغيرها ) ,وصاغ الاهداف الاساسية للثورة الوطنية الديمقراطية .
أما المؤتمر الوطني الاول فقد عقد في بغداد في شباط 1945 وتحت شعار: ( قووا تنظيم حزبكم الشيوعي , قووا تنظيم الحركة الوطنية ) وحضره 27 مندوبا، وناقش التقرير المقدم من قبل سكرتير الحزب فهد , الاوضاع الداخلية والعلاقات العراقية - البريطانية ودور المعارضة والحكومة , أضافة الى تصاعد النفوذ الامريكي في المنطقة وذلك للاستحواذ على النفط في المنطقة العربية والشرق الاوسط , وكذلك ناقش المؤتمرمشروع النظام الداخلي والبرنامج وأقرهما وبهذا أنهى الثغرات والنواقص التي تسببت في حدوث الانقسامات العديدة التي شهدها الحزب .
واعتمد الحزب النضال السلمي ضد أعدائه وذلك من خلال التظاهرات والاحتجاجات اليومية للعمال والكسبة وغيرها, والدعوة الى تغير القوانين الجائرة بحق أبناء الشعب من العمال والفلاحين وعموم الكادحين ومن أجل تغير ظروفهم المعيشية بالشكل المطلوب والوقوف ضد محاولات النظام الملكي في عقد الاتفاقيات المختلفة مع الاحتلال البريطاني والذي توجت في معاهدة بورت سموث 1948 والتي الغيت نتيجة لهذا النضال وقدم ابناء شعبنا شهداء لهذه الانتفاضة ومنهم جعفر الجواهري وقيس الالوسي وغيرهم .