البيت الدافي/علي جاسم شبيب
فتح الدليل الباب العريض فانكشف عن بيت واسع، تقع غرفة الديوان على الجانب الأيمن، غرفة طويلة بباب له ظلفتان ضيقتان خضراوان، والساحة العريضة تنتهي بجمع من الغرف المتلاصقة.. الغرفة طويلة، مفروشة بالسجاد ، في زاويتها تل هائل من الأفرشة والأغطية.. تكومنا مثل النحل حول المدفأة وكأن أهل الدار يتوقعون مجيئنا، كانت لمبة الضياء على رف عال تضيء وتنشر سكون المكان الهادئ.. وضعنا الأكياس عند زاوية قرب الباب وكومنا سلاحنا الذي يلمع من ندى خفيف.. سمعنا الدليل.. إمسحوا الأسلحة فهي الأصل ورمى على الأرض كومة من القماش القطني.
إستعد الرفيق أبو سلام لتعليم الرفاق، كيفية تفكيك قطع السلاح وتنظيفها حيث أسرّني بأنه يعرف ذلك وقد خدم في الجيش فترة من الزمن.. وبعد إنتهاء العشاء الذي كان دسماً لأن الدليل الطيب ذبح لنا خروفاً صغيراً.. أتم الرفاق تنظيف السلاح وتزييته، وهمد كل منهم بجانب سلاحه.. سمعت صاحب البيت يهمس عبر ظلفة الباب عليكم الحراسة، فحراسة الخارج علينا.. فتطوعنا، التركي الجميل وأنا، في هذه الليلة وكان الرفاق يغطون في نومهم وفي أحضانهم سلاحهم اللاصف.
.. في الفجر سمعنا حركة ولغطا، فقفز صديقي التركي إندس بين الرفاق النائمين وبيده مسدسه.. خرجت متثاقلاً أطلٌ من الباب، كان الحوش المربع يغص بالرجال وعندما رآني الدليل، أطلق تحية الصباح وأفهمني عن رجال الكوفيات الملفوفة على الرؤوس، المشدودة على الخدود بعناية الفارس خوفاً من لسعات الريح.. سأذهب إلى "ديرك" وأولاد العم سيحرسون المكان .. فتح الباب العريض فتجمع هواء السهل الرطب أمامي.. أتلمسه وأغترف منه.. كان الفضاء واسعاً وغيمات سود تهرول نحو الغرب وربما صوب القمر الذي نام في الغابة بعد ذهابنا سالمين.
* من " كتاب الوجوه " الذي ينتظر الطبع، للنصير علي جاسم شبيب "ابو بدر هيركي"