الحزب الشيوعي..10/ فيصل الفؤادي

المبحث الثالث
المرحلة الممتدة من 1963 وحتى أيلول 1970

  من وجهة نظرنا في هذا المبحث، تعتبر هذه المرحلة من المراحل المهمة في تأريخ الحزب الشيوعي العراقي  فقد رفع الحزب فيها السلاح بشكل علني وسلح أعضاءه واصدقائه نظريا وتعبويا مستفيدا من الظروف السياسية والطبيعية .

   ففي انقلاب شباط الاسود عام 1963 وزع الحزب بيانا يدعو جماهيريه الى رفع السلاح والتصدي للانقلابين من البعثيين وجاء فيه:( الى السلاح لقمع مؤامرة الاستعمار والرجعية , أيها الشعب العظيم  , الخونة والمتأمرين محصورين في أبي غريب , أن بعض الزمر تحاول توسيع عملياتها في بعض أنحاء جانب الكرخ  ........ اسحقوا المتأمرين الخونة دون رحمة , استولوا على السلاح من مراكز الشرطة ومن أي مكان وجد فيه , وهاجموا المتأمرين عملاء الاستعمار ......الى السلاح الى الهجوم في كل أنحاء بغداد والعراق وسحق جيوب عملاء الاستعمار المتأمرين[1] ).

وقد طالب أعضاء الحزب وجماهير واسعة بالسلاح من أجل الدفاع عن الثورة , ولكن دون جدوى , ( لقد ظلت الجماهير التي يقودها محمد شخيتم عند بوابة وزارة الدفاع عزلاء من السلاح رغم مطالبتهم المستمرة [2]) , وهذه أول مرة يدعو الحزب في بيان لرفع السلاح والدفاع عن الثورة بالعنف الثوري ردا على عنف الانقلابين والتصدي لهجومهم , وقامت جماهير الحزب في أماكن عديدة للمقاومة والتصدي لهذا الانقلاب في الكاظمية وقرب وزارة الدفاع وغيرها من المناطق الاخرى .

وأستطاعت الجماهير ومؤيدي الحزب الشيوعي العراقي من السيطرة على بعض مراكز الشرطة وأخذ السلاح لمقاومة الانقلابين وقد سيطرت المقاومة الباسلة على بعض مناطق مدينة الكاظمية . وكان من المقاومين الابطال سعيد متروك الذي أستطاع أن يغطي عملية الانسحاب لساعات طويلة لرفاقه حتى نفذ عتاده عن أخره.

وفي عكد الاكراد قامت الجماهير من الاكراد الفيليين وكادحي باب الشيخ و ( الشروكية ) كما يسميهم البعض الذين لا يرتاحون لهم , القادمين من مدينة الثورة وقد قدر عدد المقاومين بـ 4 الاف في اليوم الاول وكان يقود المعركة محمد صالح العبلي , بمقاومة باسلة وبقية ثلاثة ايام وبمساعدة وموقف الاهالي في المنطقة ودعمهم لها.

وهناك كثير من الفعاليات التي قام بها الحزب لا نستطيع ان ندرجها كلها , وأعتقد انها  المرة الاولى التي يدعو الحزب فيها الى رفع السلاح والعمل بكل قوة . نعم كانت هناك مقاومة بطولية أعترف فيها البعثيين وقالوا أن جرائمهم هي ردا على هذه المقاومة .

وهكذا سقط الكثير من الشيوعيين بين أيدي البعث ومن أستشهد ومن أعتقل ووضع في السجون التي أكتضت بهم , كما ان الاعتقالات كانت وفق قوائم معينة أعدت مسبقاً وبمساعدة (وكالة المخابرات المركزية الامريكية ) , ودعم من دول الجوار من عربية وغير عربية وراح ضحية ذلك الانقلاب فقط من الحزب الشيوعي العراقي أكثر من خمسة الالاف من أعضائه .

فيما بعد  دعا جمال الحيدري ومحمد صالح العبلي عضوا المكتب السياسي للحزب ( ...الى المقاومة وتنشيطها بكل السبل وخاصة في منطقة الفرات الاوسط حيث تتوفرهناك امكانات العمل لهذا الغرض هناك وشجعا قادة الفرع في كردستان على التحول نحو رفع السلاح وتكوين القواعد الانصارية [3]). وهذه هي المرة الاولى التي يدعو فيها الحزب الى تكوين قواعد لانصار الحزب الشيوعي في منطقة شمال العراق ( كردستان ) والتي أصبحت فيما بعد ركيزة مهمة للرفاق والاصدقاء الذين فروا من النظام البعثي نظام 8 شباط الفاشي , وكان بيان 13 السيئ الصيت الذي أصدره حزب البعث والذي طالب فيه الجيش والشرطة اعتماد نهج أبادة الشيوعيين ومن جراءه قتل ودفن المئات في مقابر جماعية دون محاكمات قانونية  .

 وقال الحزب في بيانه ( اذا كانت سياسة الحرب في كردستان قد عزلت واطاحت في النهاية بدكتاتورية عبد الكريم قاسم ,فان هذه السياسة ستعجل بسقوط الدكتاتورية العسكرية للطغمة الحاكمة تحت اقدام الشعب هذه المرة[4]) .

أما قيادة فرع كردستان للحزب الشيوعي العراقي فلم تتعرض الى الهجمة ولهذا طالبت بمواصلة النضال ضد الانقلاب . ومن هنا حاولت تجميع التنظيمات الحزبية التي لم تتعرض للاعتقال من المنظمات الحزبية الاخرى , برغم الظروف التي كانت تعانيها وضغوط القوى الرجعية من الاقطاعيين والملاكيين وكذلك كتلة اليمين في الحزب الديمقراطي الكردستاني التي لا ترتاح لوجود الحزب الشيوعي العراقي وأنصاره في المنطقة .

هذا وكان الحزب قد اتخذ قرارا في أواخر 1962 بتنظيم الفرق المسلحة استعدادا للطوارئ، كما ، أن (عزيز محمد عضو المكتب السياسي قد التقى بالبرزاني والذي دعم وجود الانصار الشيوعيين , فيما بعد كونوا لهم قواعد في هندرين وفي رواندوز وشقلاوة وداربه في قضاء كويسنجق وفي جبل أوه كرد في المنطقة ذاتها , واوجدوا تجمعا في جبل القوش ولجأ الى قواعد الانصار هذه كثير من الذين نجو من اعتقال الحرس القومي في بغداد وغيرها وكان من بينهم الضباط المعروفون سعيد مطر وغضبان السعد وملازم خضر واحمد الجبوري وأخرون وقد لعب هؤلاء دورا مشهوداً في الحركة الكردية المسلحة . وقد خاض الانصار الشيوعيون معارك باسلة وحققوا أنتصارات مجيدة في ( جبل حسن بك  وفي قمة رتبوك )[5]....وهذه هي أحدى مفاخر الانصار الشيوعيين في كردستان العراق والتي يرددها المناضلون في كردستان والعراق ككل الى هذا اليوم .

(فتجمع مئات الشيوعيين في مناطق تابعة لسيطرة بيشمةركة الحزب الديمقراطي الكردستاني , وفي الجبال التقى الشيوعيون والبارتيون وجها لوجه لاول مرة بعد ثورة ايلول)[6].

ولابد أن نشير الى أن الفرع الكردي للحزب الشيوعي العراقي أصدر بيانا في أب 1963يؤيد الحركة الكردية المسلحة بقيادة الملا مصطفى البرزاني واعتبرها ثورة قام بها الشعب الكردي لنيل حقوقه المشروعة .

( تشكلت فصائل الانصار الشيوعيين في وحدات صغيرة متميزة في التنظيم في عام 1963 الا انها من وحدات البيشمه ركه خاضعة لقيادة الثورة من الناحية العسكرية وقد كان ذلك تحولا بارزا لتأكتيك الحزب في تبنيه لاسلوب الكفاح المسلح ضد الحكم الدكتاتوري البعثي ومساهمته في الثورة الكردية[7]) .

وأني أرى , كان لوجود جزء من التنظيم وبعض القيادات في تلك المنطقة, قد ساعدت الحزب على التواصل مع العمق في المحافظات الوسطى والجنوبية , وهذا ما أثبتته الايام من خلال أعادة تنظيمات الحزب في أغلب مرافق الحياة ومنها المؤسسات الكبيرة والمعامل الانتاجية والمشاركة في انتخابات الجامعات والتي حقق فيها أتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية وكان  ينشط فيه الكثيرمن أعضاء الحزب .

ويشير منشور الحزب الى أن التجارب التي مرت بها فصائل الانصار في عام 1963 ومراحلها – بعد انقلاب شباط الفاشي حيث أحتشد عدد من الرفاق دون علاقات وروابط تنظيمية بالعمل وتم تشكيل ثلاث لجان  ( عسكرية وادارية وحزبية ) ولقلة التجربة وضعف الاداء حدث تداخل في الواجبات , كما ان تعدد هذه اللجان لا يتناسب مع عدد الانصار القليل , ولم يكن لدى هذه اللجان من مهام مايبرر تشكيلها , وبعد فترة وجيزة الغيت هذه اللجان وتشكلت لجنة واحدة لقيادة القاعدة( البنكة ).

 ( وفي فترة المفاوضات الثانية عام1964 ظهرت الحاجة الى تثبيت كيان الفصائل والحضائر واعطائها مهام ادارية وحزبية لتنهض بمسؤلياتها ...... وأنيطت مهام القضايا الادارية في الفصيل الى عريف الفصيل والمهام الحزبية الى المستشار السياسي ومسؤول لجنة الفصيل وهؤلاء الثلاثة ( أمر الفصيل – العريف – المستشار السياسي ) يشكلون لجنة الفصيل, يكون واجبها قيادة الفصيل بكافة النواحي على غرار لجنة قيادة القوة)[8] .

 

  وكانت للحزب عناصر من الفلاحين القريبين من الحزب يحملون السلاح في اغلب مناطق العراق في الجنوب و الفرات الاوسط , والتي سبق و طرح السكرتير الاول للحزب ( سلام عادل ) خطة قبل أنقلاب شباط/1963 لتسليح الجماهير والتي اراد فيها التهيئة العملية لمقاومة أي محاولة لانهاء الثورة . وقد انخرط بعض الشباب مع هذه العناصر وكانوا يقاتلون  ضد الحرس القومي الذي كان يقوم في حينها بما سمي بـ ( الزركات )خاصة في المناطق الريفية, علما ان بعض الشيوعيون احتموا في الاهوار والقرى المحيطة وكانوا محط الاحترام من بعض الوجهاء ومن الذين كانوا يناصرون ثورة 14 تموز وعبد الكريم قاسم .

كان لجوء أعضاء الحزب ومناصريه الى مناطق الاهوار خوفا من ملاحقة أزلام النظام البعثي الفاشي وزبانيته , الذين كونوا العديد من الفصائل المسلحة هناك . ولو كان لدى الحزب خطة واضحة وصريحة ومدروسة من قبل قيادة الحزب وكوادره أثر التداعي الذي أصاب السلطة في نهاية 1962 لكان موقف الحزب أفضل وخاصة خطة الطوارئ التي أقترحها سكرتير الحزب سلام عادل . وكان على الحزب وضع خطة التراجع بشكل مدروس والعمل بها بعد الانقلاب ومنها التواجد والاختفاء في المناطق التي لم تستطع فيها السلطة الوصول اليها مثل الاهوار والمناطق الجبلية في شمال العراق .

( أن مثل هذه الظروف التي عاشها ويعيشها الانصار الشيوعيون في كردستان سوف لا تواجه رفاقنا الانصار في الجنوب لانهم سيعملون في ظرف متمايز تماما , فهم مستقلون في تنظيم وقيادة فصائلهم والسيطرة على المناطق أي ان الثورة في الجنوب ستكون بقيادتهم المباشرة الا انهم سيواجهون حربا طبقية والتي ستكون قاسية لان العدو لا يمكن ان يرحم في مقاومته لمثل هذه الثورات التي تقضي على مصالحه الاقتصادية والسياسية بصورة جذرية[9]  ) .

وفي بيان للحزب صدر في حزيران 1963 يدعو الى تشديد المقاومة ويناشد الجيش والشرطة والى مقاومة النظام وجاء فيه: ( أيها الجنود ورجال الشرطة الشرفاء لاتطلقوا النار على شعبكم , لا تكونوا الة تقتيل بيد الجلادين ... لا تخضعوا للخطط وأوامر الضباط الفاشست وحرسهم القومي عرقلوا واحبطوا خطط المتأمرين .. قاوموها .. التحقوا بصفوف الشعب العامل [10]) .

لقد صعد الحزب من لهجة البيانات المتكررة في المقاومة والتسلح وهو رد طبيعي على عنف سلطة الانقلاب وحرسها القومي , وكان للبيانات تأثير غير قليل بين أوساط الجنود والضباط وعامة الشعب، كما لعبت عودة التنظيم ونهوضه مرة أخرى في تحفيز الجماهير لكره السلطة الحاكمة التي جاءت في قطار أمريكي، على حد تعبير احد قادة انقلاب شباط الاسود (علي صالح السعدي ) , أضافة الى همجية القتل والتعذيب وغيرها أدت الى البغض من جميع الاوساط بما فيها الفئات المثقفة من أبناء شعبنا العراقي . كان على رفاق الحزب وأصدقائه ومؤازريه وحتى قيادة الحزب أن ترد على همجية النظام البعثي برد مماثل .

 ولم تمضي فترة طويلة حتى تحركت بعض تنظيمات الحزب بهذا الرد وفي أكثر من موقع ,

وكانت أحدى تلك التحركات ما قام به بعض الجنود في معسكر فايدة في الموصل والخطة التي أشرف عليها الكادر الشيوعي طالب عبد الجبار ومراتب من المعسكر وبالتعاون مع المسلحين في جبل القوش والخطة هي السيطرة على مضيق دهوك , ولكنها فشلت وأعدم قائدها طالب عبد الجبار.


[1]  عقود عزيز سباهي ص 538 الجزءالثاني .

[2]  نفس المصدر السابق .

[3]  عقود عزيز سباهي 561 .

[4]  نفس المصدر السابق ج 2 ص 562

[5] نفس المصدر السابق ص 564

[6]  تأريخ الحركة الشيوعية في العراق ص 119 .

[7]  من منشورات الحزب الشيوعي العراقي أقليم كردستان تشكيل فصائل الانصار عام أيار 1968 .

[8]  نفس المصدر السابق ص 20

[9]  نفس المصدر السابق ص .

[10]  عقود ج2 ص 570