الصورة التي لم تكتمل / هيمن جهوري
ذكرى وألم مع الشهيد ابو ايار (فؤاد يلدا يوحانا)
قال لي ابق كما أنت سأرسمك، كنت أقرأ كتاب اللغة العربية، وبدأ يرسم صورتي وأنا جالسٌ أقرأ على دكة باب الغرفة التي حضرت له، كانت سيكارة سومر بفمه من التي أوصاني أن أحضرها له بالأمس ، وفجأة تناهت إلى مسامعنا أصوات، فحسبناها تلك التي يجب أن نحترسُ منها، وقمت على عجل وفتحت باب السرداب السري لكي يدلف اليه ابن خالتي فؤاد ويخفي نفسه، حتى تزول الحالة الطارئة، لم أهتم بالرسم الذي كان يرسمهُ ، رغم اني أخفيت الرسم خلف قطعة من الورق المقوى بجانب الحائط، لأن كل همي كان منصبا على معرفة ما الذي يحدث، وما سبب هذه الأصوات التي تأتي باتجاه الدار التي كانت مستقبلة ذلك النصير البطل.
بعد دقائق علمنا أن لا شئ جديد إنها أصوات أهل المحلة وهم يتناقشون ويتجادلون في مثل هذا اليوم الشتائي قارص البرودة.
كان ابن خالتي فواد في إيطاليا في بعثة دراسية للفن، وبعد انتهاء الدراسة، التحق بأنصار الحزب الشيوعي العراقي ، في كوردستان العراق من خلال سوريا.
ما كنت قد التقيت بابن خالتي الذي عرف باسم أبو أيار إبان سنين الكفاح المسلح. ولكن كنت قد سمعت من خلال الأصدقاء والاهل عن بطولاته بصحبة رفاقه، وكانت اُمنيتي ان التقي هذا المناضل العتيد واستمع الى احاديثه وبطولاته هو ورفاقه ، ويحدثني عن ترحاله واعماله . كان كل من يقف ضد النظام الصدامي يعتبر حقا بطلا لأنه كان يعرض نفسه للموت (وبالذات ابو ايار الذي استرخص نفسه وفضل الانتحار بدلا من الوقوع بأيدي ازلام صدام ونظامه المقيت) من اجل مبادئه وحرية شعبه.
كانت معارضة صدام بحد ذاتها شجاعة كبيرة في زمن قل فيه الشجعان. واخيرا لاحت فرصة اللقاء شتاء عام 1987 حينما دخل مدينتنا القوش بمهمة حزبية لم اكن اعرف كنهها ولكنني ادركت اهميتها من خلال المخاطر الكبيرة التي يعرض نفسه لها من اجلها. كان مشتاقا للقوش واهلها ويود معرفة عن ماذا يتحدث الناس، ماهي مشاكلهم وكيف تغيروا خلال سني غربته في ايطاليا ومع الانصار، ولكن هيهات ان تتحقق كل الاماني.
تمكنا من ايصال رسالة لأخيه الذي ما كان قد شاهده منذ سفره، وحضر من بغداد في اليوم التالي لأنه لم نكن نعرف ميعاد مغادرته.
لقد غادرنا سريعا دون ان نتمتع معا بالاحاديث وبذكر الاعمال التي يقومون بها. غادرنا على أمل اللقاء مرة اخرى، ولكنه كان اللقاء الوحيد لي مع ابن خالتي فؤاد، كان لقاء التعارف ولم اعلم انه سيكون لقاء الوداع، وفي عملية الانفال السيئة الصيت عام 1988 بغتت المفرزة التي كان بمعيتها في واد ضيق بالقرب من جبل كارا من قبل قوات النظام ، وكانت طلقة الانتحار اقرب الى قلبه ، من وقوعه بأيدي الجلادين بهذا اطفأ شمعة عمره التي اوقدها منذ نعومة اظافره ، من اجل الحزب والشعب .
هذا وقد اصيب ابو ايار سابقاً في ساقه في عملية ضرب ربايا الجحوش في قرية شيخكا الايزيدية قرب القوش صيف 1987 اي بعد زيارتنا بفترة قليلة جداً، وعلى اثر اصابته لم يتمكن من السير او تسلق الجبال ، فطلب من رفاقه اكمال مسيرتهم، وتركه، كم طلبوا منه ان يحملوه ولكنه ابى ذلك، لأنه كان يدرك انهم يخاطرون بحياتهم كلهم.
واطلق طلقته عندما ايقن انهم سيأخذونه . صرخ احد الضباط بالجنود لماذا قتلتموه، كان يمكن ان يفيدنا، فرد الجندي، سيدي انه قتل نفسه بنفسه.
هذا اخر عهدي بابن خالتي فؤاد الذي لم اتمكن من ان اعايشه واعرفه كبقية ابناء الاقرباء، ولكن الصورة النصفية والتي لم تكتمل لا تزال باقية معي، انها الذكرى الوحيدة منه لي.