الحركة الكردية و الحزب 14 ../فيصل الفؤادي
من المعروف وللمتتبع لتأريخ العراق المعاصر, العلاقة التي تربط الحركة الكردية بالحزب الشيوعي العراقي هي علاقة قديمة منذ نشوء الحزب الديمقراطي بل حتى قبل ذلك والذي كان يسمى الحزب الكردي , ويشير رحيم عجينه في كتابه الاختيار المتجدد ( كان مؤسس الحزب الشيوعي فهد يدعو الوطنيين الكردستانيين الى تنظيم انفسهم في أحزاب ومنظمات واخذ قضيتهم بأيديهم), وتطورت العلاقة فيما بعد أبان جبهة الاتحاد الوطني 1957 التي كان للحزب فيها علاقة جانبية ثنائية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني لرفض الاحزاب الاخرى ( البعث والاستقلال ) دخول الاخير في الجبهة .
وقد اشار الكونفرس الثاني (1970) للحزب الى ان حل القضية الكردية ( هو الاعتراف المتبادل بحق تقرير المصير وبمشروعية الشعبين العربي والكردي الى التحرر والوحدة القومية) وحق الاستقلال الذاتي للشعب الكردي في (اتحاد اختياري كفاحي اخوي ) .
ولعب الشيوعيون دورا كبيرا في تطوير الكثير من المفاهيم عند البعض من القوميين العرب والاكراد وقد تذللت كثير من الصعوبات بين مايحمله التقدميين أو اليساريين , وكان دور الحزب كبيرا في التهيئة في أستقبال الملا مصطفى البرزاني عندما عاد من الاتحاد السوفيتي الى العراق
كما كانت العلاقة بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني علاقة ود وتعاون في كثير من الاحيان ولكن هذا لايعني عدم وجود أشكالات طيلة المسيرة الطويلة للحزبين . ودعما للحقوق المشروعة للشعب الكردي , نظم الحزب حملة كبيرة بين أوساط شعبنا العراقي وأصدر بيان في ذلك ورفع في عام 1961 شعار السلم في كردستان .
ومنذ عام 1961 لغاية انقلاب شباط 1963 ناضل الحزب الشيوعي العراقي من أجل أيقاف الحرب في منطقة كردستان العراق والمطالبة بتحقيق السلام وبين سبل حل القضية على أساس تلبية المطاليب القومية العادلة للاكراد , لاول مرة في تأريخ الحركة الوطنية طرح الحزب برنامجاً واضحا للقضية الكردية يستند الى الواقع والى حقوق الشعب الكردي القومية .
كما أصدر الحزب بيانه في أيار 1961 فضح فيه سياسة حكومة قاسم في حينه , التي كانت (تحاول الاستناد الى الزمر الاقطاعية لتوسيع استفزازاتها الراهنة وتحويلها الى عدوان عشائري مسلح ضد المواطنين البارزانيين الذين شردوا لبضعة عشر عاما من ديارهم جراء الاضطهاد الاستعماري في العهد المباد ومن ثم القيام بتدخل حكومي مسلح يستهدف أعادة اضطهاد هؤلاء المواطنين البواسل ), كما وأصدر الحزب في اذار 1962 تقريرا لحل القضية الكردية ( سياستنا وطريقنا لحل المسألة القومية الكردية في العراق حلا ديمقراطيا عادلا ) .
أن وجود الحزب الديمقراطي الكرستاني في المناطق الجبلية ورفعه السلاح ضد الحكومة منذ أيلول 1961 أثر على الكثير من أعضاء وقواعد الحزب الشيوعي العراقي وبعضهم أنتقل الى هذه الحركة نتيجة الظروف السياسية منذ عام 1960 وتقلبات عبد الكريم قاسم وموقفه من الحركة الكردية ومن الحزب الشيوعي العراقي , برغم ان قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني ( البارتي ) أيدت أنقلاب شباط 1963 وذلك من خلال رسالة أرسلها الحزب الى مجلس قيادة الثورة والتي جاء فيها ( أن ضربات الشعب الكردي تلاحمت بالثورة المجيدة على العدو اللدود للقوميتين الشقيقتين العربية والكردية وبقية ألشعب العراقي على الجلاد الاوحد لشعبنا الكردي المسلم وعلى اوكار الخيانة الملطخة بعار دماء شهداء الشعب وقواته المسلحة وكوارثهم وويلاتهم ... الخ ) وكتبت بخط صالح اليوسفي وفؤاد عارف وقد أرسلت وفود للتهنئة بهذا الانقلاب . وقد كتب سكرتير الحزب الشيوعي العراقي سلام عادل قبل أستشهاده رسالة جاء فيها ( ان القوميين الاكراد حاربوا قاسم بصورة عمياء وطالبوا بالعون والمساعدة من أية جهة لاسقاط قاسم , وغازلوا القوميين العرب اليمينين وتعاونوا معه وتصوروا بأن انقلاب 8 شباط 1963 كما لوأنه انتصارا لهم و ان هذه السياسة تنم عن ضيق الافق القومي وقصر النظر البرجوازي , انهم يجابهون الان عدوا أشرس من قاسم .... الخ ) . ويرجع سبب عدم مساهمة الحزب الشيوعي العراقي في الثورة المسلحة هو خلافه مع الحزب الديمقراطي الكردستاني حول الحكم الوطني المعادي للاستعمار , , أضافة الى تحفظاته على ظروف وكيفية بدأ الحركة وقواها والجهات التي تشجعها ومنهم الاغوات والشيوخ وملاكي الارضي, وبالتالي عدم الاتفاق على موقف سياسي .
في 10 حزيران 1963 انتهى تعاون الحركة الكردية مع الانقلابيين , حيث هاجمت سلطة البعث الحركة الكردية وأشتدت المعارك بضراوة أكثر من السابق .
ولهذا تضامنت الحركة الكردية مع الحزب الشيوعي العراقي و بشخص الملا مصطفى البرزاني الذي رحب بالشيوعيين وخاصة الضباط ( سعيد مطر وغضبان السعد وغيرهم ) الذين فروا من بطش سلطة البعث الفاشي , برغم معارضة اليمينين في الحزب الديمقراطي .
وبهذا الصدد يشير كراس صادر عن الحزب الشيوعي العراقي فرع أقليم كردستان في ايار 1968 حول تشكيل فصائل الانصار صفحة (ب ) (وجود زمرة ابراهيم أحمد اليمينية على رأس الحزب الديمقراطي الكردستاني التي كانت تعارض بقوة مساهمة حزبنا في الثورة وتشكيل فرق الانصارالشيوعيين .وقد قامت هذه الزمرة الخائنة ( جماعة المكتب السياسي – المؤلف ) بشن هجوم وحشي على بعض قواعد انصارنا وهي في بدأ تشكيلها في لواء السليمانية فقتلت عددا من رفاقنا وجردت الباقين من السلاح وزجتهم في سجونها – في المناطق التي تحت سيطرتها والتي قامت بتجريد كل شيوعي يحمل السلاح , ويمكن ان نؤكد بأن اكثر من (500 ) قطعة سلاح قد صادرتها هذه الزمرة المجرمة من رفاقنا . وفي المناطق التي سمح لنا بأقامة قواعد خاصة وتشكيل فرق أنصارنا بأمر قائد الثورة الكردية , كنا نعاني من قلة ورداءة السلاح اذ ان الثورة الكردية لم تقدم لنا أية قطعة سلاح . وكل الاسلحة التي كانت بحوزة الحزب هي ملك لرفاقنا الفلاحين من اعضاء ومؤيدين وتبرع عدد كبير من المواطنين بأسلحتهم الى انصارنا, رغم ان الثورة كانت قد جردت الفلاحين من اسلحتهم الجيدة قبل وبعد مساهمة حزبنا في هذه الثورة- ثورة ايلول 1961 ) .
وهذا الامر يؤشر الظروف الصعبة لعمل رفاقنا , والامر الاخر أن هذه القوى لا تريد أن يعمل الحزب الشيوعي العراقي وأنصاره في تلك المناطق .
ويضيف الكراس في الصفحة (ج ): ( ومن أبرز المشاكل التي كنا نعاني منها هي مشكلة توفير الطعام للانصار وكذلك الالبسة والاحذية والمأوى . اذ ان.... قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني انذاك قد اصدروا التعليمات الى وحدات البيشمه ركه بمصادرة الخبز والاطعمة والالبسة التي كانت الجماهير تتبرع بها لرفاقنا رغم قلتها ورداءتها وكان رفاقنا في بعض الاحيان يبقون بدون طعام لوجبات معينة وكان الطعام الرئيسي لنا هو الخبز والشاي .... وتعرض الناس الذين يتبرعوا لنا الى مختلف اشكال الاضطهاد والى السجن والتعذيب والاهانة والسلب والنهب من قبل تلك الزمرة ... الخ ) .
لقد عمل الانصار الابطال بهذه الظروف الصعبة ولكنهم كانوا في مقدمة المعارك التي خاضتها الوحدات الانصارية بشجاعة ونكران ذات وروح الضبط والطاعة التي يتمتع بها النصير الشيوعي وقدموا التضحيات الغالية والكبيرة . ومنذ تلك الفترة ساهم الحزب مباشرة في الثورة الكردية .
وقد أشترك أنصار الحزب في كثير من المعارك ومنها معركة جبل هندرين 1966التي كانت للشيوعيين العراقيين (الريس كمال نعمان وملازم خضر وفاخر ميركه سور وحاجي ملا سعيد وغضبان السعد ... وغيرهم) فيها بطولات مشهودة ضد قوات الجيش النظامي , ولهذا عمل الحزب على تنظيم نفسه وأستفاد من حماية الحزب الديمقراطي الكردستاني وقواته من البيشمركه المخلصة , وكان أغلب قيادته خاصة في القواعد الخلفية من الجبال وخاصة القيادة الكردية من الحزب الشيوعي التي لم يتمكن النظام من أعتقالها .
وبقيت قواعد الانصارفي كثير من المناطق التي أشرنا اليها حتى وقت المفاوضات مع السلطة من قبل الحزب الشيوعي العراقي او مع الحركة الكردية المتمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني واتفاقية 11 أذار 1970 .