يوميات نصيرة: وادي كوماته أكتوبر 1980 (الحلقة الثانية ) / ابتسام حداد          

بعد تعب شديد وصلنا إلى مقر كوماته. المقر يقع على الشريط الحدودي التركي العراقي. سبقنا عدد كبير من الرفاق إلى ذلك المقر الذي يحتوي على قاعة كبيرة ومطبخ فقط ويفصلنا عن الجانب التركي روبار(أي نهر صغير ). كان من الصعب وصول السلطة لهذا المقر.

حين وصلت النصيرات دبت الحركة في المقر منذ اليوم الأول، على اعتبار وصول رفيقات (البلابل) حسب مقولة الشهيد أبو كريم ( أبو كريم: عامل بناء سريع البدهية، ساهم ببناء اكثر قاعات المقر، يرصد كل حركة ويعلق عليها بشكل فكاهي وللنصيرات جانب مهم من هذه التعليقات. كلمة بلابل اطلقها على النصيرات. واحدة من التعليقات؛ في احدى المرات شاهد حذاء رفيقة (قياس كبير) قال:" آني ما شايف بلبل يلبس حذاء 40). المهم بدأت مظاهر النظافة وحلق اللحية وترتيب القاعة احتفالا بوصول مفرزة من الرفيقات. والنصيرات اللواتي وصلن كان اغلبهن حسناوات وبأعمار الشباب، كما هو الحال بالنسبة إلى الرفاق الأنصار، وكنّ حليقات الشعر. "السبب عدنا معلومة بأنه سوف يغزو القمل شعرنا، حال وصولنا. يعني وصلنا كمثل شعر الرجال. ومع ذلك لم نتخلص من القمل. في المساء جرى ترتيب نومنا بسبب وجود قاعة واحدة. خصص الجزء البعيد عن الباب لنا وكان المنام فيها على شكل مسطرين متقابلين وجُعلت النصيرات عند جهة الجدار والحاجز كان من الرفاق المتزوجين. أتذكر الرفيق أبو ﮔﻭران كان القفل وبجانبه زوجته أم صباح وبجاني كان أبو نصار.

في صباح اليوم الثاني استطلعنا المقر والقاعة، لأن وصولنا كان في المساء. حياة جديدة بكل شي. وحشة المكان، غربة ومهمات ربما كبيرة تنتظرنا. كل واحدة لا تعرف ما الذي عليها من واجبات.. هل تستمر، هل تتحمل العيش في هذا الوادي البعيد عن كل مظاهر الحضارة؟!

في المساء أقام الأنصار حفلة غنائية لنا، أنستنا التعب الذي بدأ يضمحل بعد الاستراحة والنوم على فراش، وكان عبارة عن بطانية مطوية ثلاث طيات لتصبح مثل الدوشك. أذكر منهم: أبو طالب، أبو حسنة، سامي درﻳﮋه، أبو مازن، كما حضرها مسؤولا القاطع آنذاك الرفيقان أبو يوسف وأبو على ( عمر الياس ) وأبو جبار ( أسعد خضر.) بعد فتره صدر قرار بأن تكون للنصيرات قاعة خاصة بهن. استعدينا للبناء.. الأسطى كان الشهيد أبو كريم ونحن العمال. الغريبة، كنا نحمل أكبر صخرة وأكبر جذع شجرة، حتى الثقل ما كان يتناسب مع أجسامنا، مع ذلك كنا نتسابق بالمهمة لكي نثبت لأنفسنا أولاً أننا كنا قد المسؤولية ونثبت إلى الرأي المعارض لوجود النصيرات في كردستان، بأننا نستطيع أن نقوم بأصعب الأعمال.

اكتملت قاعة النصيرات وأصبحنا فصيل عسكري. آمر الفصيل النصيرة تانيا المستشار السياسي النصيرة أم أمجد الاداري النصيرة أم عصام. أخذنا نمسك حراسات خاصة بفصيلنا. في ذلك الوقت 1980 لم يكن لدينا سلاح كاف. كانت هناك قطعة برنو واحدة لنا، نتناوب بالحراسة عليها وكنا نضع سر الليل الخاص بنا. وحين يقترب شخص منا كنا نصرخ عليه بأعلى صوتنا: "توكي ولي وراك توكي"! ( تو كي تعني من أنت بالكردي ) بالمناسبة؛ على ذكر كلمة تو كي؛ احدى النصيرات، أعتقد أم طريق، كانت لديها حراسة وقدم بيشمه ركة من الحزب الديمقراطي الكردستاني، فصاحت به (توكي نافيته جيه! بالكردي تعني من أنت ما اسمك! ) لم يرد عليها باعتبار كان صوتاً نسائيا. مرة ثانية صاحت به ولم يتوقف أو يتكلم، فسحبت اقسام البندقية واستعدت لإطلاق النار عليه. حينها وقف وبين أنه من بيشمه ركة الديمقراطي الكردستاني."وهم زين انحت المشكلة! كان تفلشت جبهة جود."

في الحراسة، من المؤكد تنتاب كل واحدة مشاعر الخوف وربما مشاعر التحدي أو تفكير آخر. كان معظم النصيرات من أصول عربية، يعني من مختلف الأديان والقوميات ويتوزعن على عموم محافظات العراق. كنا نجهل اللغة الكردية وتضاريس المنطقة ومع مرور الأيام تعودنا على تلك

الحياة القاسية وبدأت تحل محلها الحياة الحميمة والألفة مع الرفاق الذين هم جزء منا ومعنا يحملون نفس الهدف ونفس المبدأ. كان هناك تصور خاطئ من قبل النصيرات في محاولة الغاء أنفسهن كإناث ورحن يتصرفن مثل الرجال بحمل أثقال أكبر من طاقتهن. السبب حتى لا تتكون نظرة على النصيرة على أنها عبئ على الحركة في حين أن المرأة لها خصوصيات من الناحية الجسديه. ساهمت النصيرات طوال تواجدهن في القاطع بالطبخ والخبز وجلب الحطب والحراسات. في 1981 بدأت وجبة أخرى من النصيرات بالوصول وصار وجود الرفيقة أمر ضروري. ممن أتذكرهن؛ الشهيدة أم لينا الشهيدة فاتن، أم سعد، أم محمود، أم أسماء أم ريما، الشهيدة سوسن، بدور، أم طريق، أم منار، أم ازدهار..

بدأت الحياة تأخذ منحى آخر؛ يعني من الضروري النزول إلى العمق في قرى كردستان. صار التوجه لتكوين مفرزة تثقيفية وإعلامية في المنطقة كما ذكرت سابقا. أكثر النصيرات لا يعرفن اللغة الكردية وكان للنصيرة أم عصام الدور الأكبر بهذا الخصوص لأنها بنت المنطقة وتجيد الكردية والآثورية أيضاً.