من تاريخ الكفاح المسلح لانصار الحزب الشيوعي الحلقة 31 / فيصل الفؤادي       

16- الفصل السادس عشر

معركة بشتاشان

بشتاشان

وتعني خلف الطاحونة، وهي قرية تقع في سفح قنديل شديد الوعورة اذ( تقع القرية وسط سلسة عالية من الجبال الوعرة المسالك وهي ترقد على جبل قنديل، وهذه القرية لم يصلها التدمير والتخريب الصدامي تسكنها حوالي سبعين عائلة، وتتكون قسمين: بشتاشان العليا وبشتاشان السفلى، ويخترق القرية نهر ذو مياه عذبه ينساب من جبل قنديل بين الأشجار الكثيفة وتجري في وادي شاروشين. إن موقع بشتاشان معزول ومنقطع عن الحواضر والتجمعات السكانية الأخرى وخاصة في فصل الشتاء)[1].

بعد الهجوم الإيراني على الحدود العراقية وسيطرتها على مواقع الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عام 1979 والتي كانت مواقع واسعة سيطرت عليها إبان سقوط الشاه وتركز الهجوم على منطقة ميراوي القريبة من القاعدة الأنصارية نوكان الواقعة على الحدود الإيرانية العراقية، ولهذا تقرر أن ننقل قواعدنا إلى بشتاشان. يشير تقيم الحركة الانصارية الى القول:( لم تكن منطقة بشتاشان موقعًا عسكريًا ملائمًا. كانت فيها ثغرات جدية، وقد تم انسحاب المركز القيادي إليها اضطراريا بعد هجوم إيران نهاية 1982 على مواقع نوكان، التي كانت قاعدة للإعلام والطباعة والعمل القيادي الحزبي والعسكري، وكانت القوات الحامية لهذه القاعدة قليلة نوكان)[2].

وانتقل الإتحاد الوطني (أوك) ولكن إلى داخل الأراضي العراقية، خاصة وأن الإتحاد كانت له علاقة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وشارك معه في المعارك ضد قوات النظام الإيراني، هذا الإنتقال هو نوع من التطمين للحكومة العراقية خاصة وأنهم نقلوا مقراتهم قريبة من النفوذ العراقي في منطقة (دولي جافهتي) القريبة من السليمانية، ويذكر أحمد بانيخيلاني،( كانت تأتيهم السيارات وتنقل لهم الكباب، أما نحن فأنتقلنا إلى مناطق بعيدة من النظام وبرغم صعوبة تضاريسها إلا أنها تعتبر أمينة من هجوم النظام وقواته، والنقل كان اضطراريًا، كون الظروف الجوية صعبة والشتاء على الأبواب).

شكل عداء الاتحاد الوطني (أوك) للحزب الديمقراطي (حدك) و الحزب الشيوعي العراقي وخاصة أن الاخير سعى لقيام جبهة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الإشتراكي الكردستاني وسميت مختصرًا (جود) كما مر بنا وهذا العداء تحول من الموقف السياسي إلى العنف المادي وهو انعكاس للصراع الدائر في مناطق أربيل وقراها الواسعة, حيث كان رفاقنا يشكون من تحرشات مفارز الإتحاد الوطني بهم.

لقد اصدر الحزب الشيوعي العراقي(حشع) والإتحاد الوطني(أوك) وبحضور المكتبين السياسيين لهما في تموز 1982 بيانًا تناولا فيه الأوضاع السياسية وأساليب نضال القوى الوطنية والحركة الجماهيرية المعارضة للنظام الدكتاتوري ومهمات حركة التحرر الوطني العربية والكردية ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية في المنطقة، ويختتم البيان تشديده على النضال من أجل إقامة الحكومة الائتلافية الديمقراطية في العراق تكون قادرة على إعادة العراق إلى صف حركة التحرر الوطني العربية، واعلن الطرفان عن عزمهما على تطوير التحالف والأعمال المشتركة بين الحزب الشيوعي العراقي والإتحاد الوطني الكردستاني.

وبعد تدهور الأوضاع بين أحزاب جود والإتحاد الوطني في نهاية 1982، فقــد بذل الحزب جهودًا كبيرة في هذا المضمار وان تسود علاقات رفاقية بين الاطراف المتعددة وتوصل مرة أخرى من خلال المفاوضات إلى اتفاقية ستراتيجية حضرها من الإتحاد الوطني الكردستاني جلال الطلباني ومن الحزب الشيوعي عضو المكتب السياسي كريم أحمد وخلال اللقاء الذي ضم عضوية الرفيقين عبد الرزاق الصافي وأحمد باني خيلاني، أما الإتحاد الوطني فضم نوشيروان مصطفى وفريدون عبد القادر وملازم عمر وآخرين، وأكد الإجتماع خلال يومين من المفاوضات على العلاقة بين الطرفين في ظل الأوضاع التي تمر بها المنطقة، (وجرى الإتفاق في 5 و6 شباط 1983 على النقاط التالية:

- عقد لقاء شهري بين الطرفين مرة عند أوك وأخرى عند حشع.

- إقامة لجان تعاون مشترك من القواطع والمدن والقرى حيث يوجد الطرفان.

- القيام بعمليات عسكرية مشتركة وجولات مشتركة حيثما أمكن.

- البحث عن خطة طوارئ مشتركة.

- تنظيم جباية رسوم الكمارك بشكل مشترك، وجرى بحث مجالس الشورى في القرى واتفق الطرفان على ضرورة التعاون لإنجاح التجربة الديمقراطية ودفع الجماهير لممارسة حقها)[3]. هذه تعتبر اتفاقية ستراتيجية بين الطرفين مهمة لانه جرى الاتفاق على بذل المساعي من جانب الطرفين لتحسين العلاقة مع بقية الاحزاب المعارضة للنظام . ولم يجف حبرها حتى تم خرقها عندما قام انصار أوك التحرش بمفارزنا وذلك, (في شباط 1983 دخلت مفرزة من مفارز حزبنا الأنصارية وضمت أكثر من 90 مقاتلاً إلى مدينة أربيل، وبعد أن أكملت مهمتها الأنصارية وانسحبت من المدينة وقعت طلائعها في كمين نصبه مقاتلو (أوك). وكانت علاقة حزبنا جيدة آنذاك مع (أوك) ولم يكن قد مضى غير أيام على توقيع اتفاقية بيننا حول العمل المشترك ضد النظام)[4].

وكان الحزب الشيوعي العراقي يتابع بقلق علاقة أوك مع النظام الذي بحث مندوبوه والتقوا مع جلال الطلباني وبتوسط رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (حدكا) الدكتور قاسملو، وقد أخبر جلال الطالباني نفسه سكرتير حزبنا عزيز محمد. أن وفد النظام الذي التقى قيادة الإتحاد الوطني ضم كل من (أبو أحمد، أبو عدي وأبو محمد)[5]. وهم من قيادي المخابرات العراقية وكانت بأشراف برزان التكريتي وبمعرفة السلطة العليا في الحكومة العراقية وبشخص صدام حسين.

كان دخول النظام على الخط من خلال لقاءاته مع بعض القيادات الكردية (الإتحاد الوطني)، ومن ثم تحرك الأجهزة الامنية، المعادية للمعارضة بكل أطرافها والتي تحدثنا عنها سابقاً , كانت حسم الامور بأي شكل لصالح النظام الدكتاتوري, الذي أرسل عملاءه إلى مواقع هذه الأحزاب لبث الفرقة والاقتتال الداخلي بين الأحزاب وكانت النتيجة هي مجزرة بشتاشان ، حيث خسر فيها الحزب الشيوعي إمكانيات أنصارية كبيرة وأرواح غالية عليه من الكوادر الحزبية والعلمية والفنية إضافة إلى الخسائر المادية والمعنوية والنفسية وتلك الإشكالات التي انعكست على قيادة الحزب نفسه.

ومن ذلك أعتقد أن أهم الأسباب التي أدت إلى حدوث مجزرة بشتاشان كما أرى تكمن في:

طبيعة الأحزاب البرجوازية وتذبذبها وفق مصالحها.

الصراع والمنافسة بين الحزبين (اللدودين) الإتحاد الوطني الكردستاني (أوك) والحزب الديمقراطي الكردستاني(حدك).

تأثير السلطة العراقية على قيادة أوك وتقديمها الإغراءات الكثيرة من أجل كسبها إلى جانبها.

تواجد قوات جود (الجبهة الوطنية الديمقراطية) في الأراضي الكردستانية قد أثار حفيظة أوك كون جبهة جوقد التي كانت تضم الأحزاب المتحالفة معه غير موجودة على الساحة الكردستانية.

العلاقة المتينة التي تربط عائلة جلال الطلباني مع عائلة صدام حسين والتي تحدث بها أكثر من مرة بعد السقوط. كما أراد الإتحاد الوطني أن يكون جندرمة بالنيابة عن قوات النظام الدكتاتوري.

- وهناك أسباب أخرى تكمن في عقلية التسلط والهيمنة والانفراد في الساحة الكردستانية وهذا ما حدث في المعارك بين الحزبين الرئيسين في أعوام  1978 في هاكاري و1994 حتى 1997 على الساحة الكردستانية والتي دفع الشعب الكردي ثمنها وذلك في استشهاد أكثر من ثلاثة آلالاف من الطرفين إضافة إلى الخسائر المادية والمعنوية الأخرى. ومن العوامل المهمة أن النظام الدكتاتوري أرسل رسالة إلى الحزب الشيوعي العراقي يطالبه بالحوار والمصالحة ولكن الحزب رفض هذا الطلب[6].

هذا الصراع الذي انعكس سلبًا على العمل الأنصاري بصورة عامة وتقاسم النفوذ بين الحزبين، فالإتحاد الوطني الكردستاني(أوك) سيطر على مناطق سليمانية وقراها  الحدودية، والحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) سيطر على منطقة بهدينان وتوابعها تنظيميًا وعسكريًا.

لقد لعب الحزب الشيوعي العراقي دورًا كبيرًا من أجل درء الفتنة ووقوع الاقتتال بين هذه القوى المناضلة، كان أغلب اجتماعات هذه الأطراف تعقد في مقر الحزب الشيوعي وبرعايته وتوسطه لهذه الاطراف.

لقد شن الاتحاد الوطني باذاعته واعلامه حملة شعواء ضد الحزب الشيوعي منذ بداية اذار 1983 وقد رافقتها اعمال عدوانية متفرقة من كمائن واغتيال لانصار الحركة المسلحة ,وكذلك اثارة النعرات القومية والكراهية ضد العرب والقوميات الاخرى.

بداية الهجوم

في الأول من أيار شنت قوات الإتحاد الوطني بقيادة ناوشيروان مصطفى الأمين المساعد لجلال الطلباني الأمين العام لأوك من عدة محاور باتجاه قاعدة بشتاشان وعلى المناطق الرئيسية التي تضم المقرات التالية:

-       مقر قيادة الحزب المكتب السياسي واللجنة المركزية.

-       مقر الإعلام المركزي الإذاعة والطباعة وغيرها.

-       تنظيمات المدن الجنوبية.

-       أجهزة الإتصال (اللاسلكي).

-       المستشفى والطبابة، والتحقيق والسجن والمشجب والأسلحة.

-       مخازن المواد الغذائية والتمونينة وكثير من الأثقال وهي من احتياجات العمل الانصاري.

لقد شنت قوات أوك من عدة محاور (بولي) و(اشقولكة) و(بيانة) وهي مداخل بشتاشان، وسيطرت على بعض المناطق المرتفعة (القمة المخروطية)، وكان عددها يقدر 1700 عنصر تساعدهم لوجستيا قوات حكومية خاصة مجهزين بأسلحة حديثة ومتطورة ومنها (بي كي سي) و(آر بي جي)، وأجهزة اتصال لاسلكي متطور ونواظير وملابس شتوية وترافقها قوة وإسناد من قبل قوات الحكومة اضافة الى الطعام المتكون من علب اللحوم المعلبة والاغذية والخضار والفواكة الطازجة ومواد مختلفة اخرى.

كان الهجوم على قوات جود مبيتًا وكان شعارهم (الانتقام صابر لكنه ضارب). وقد أرسلت قيادة الحزب المتواجدة هناك برقيتين للنجدة إلى قواتنا في أربيل والسليمانية، فأربيل أجابت أنها لا تستطيع المساعدة وكان المسؤول الأول (أبو حكمت)، أما السليمانية فقد كانت مهادنة حيث وقعت اتفاقية (ديوانه) مع أوك وكان المسؤول بهاء الدين نورري كما مر سابقاً.

كانت قوات الحزب الشيوعي تتكون من حوالي 400 نصير بينهم كبار السن والمرضى والضيوف وهم خارج العمل العسكري , اضافة الى ان بعض الفصائل والسرايا بعيدة عن بعضها وقليلة السلاح اضافة الى نوعيته فاكثره شخصي أي سلاح الكلاشنكوف فقط.

في اليوم الأول من أيار عيد العمال العالمي شنت قوات الإتحاد الوطني هذا الهجوم المباغت، حيث كان الأنصار يحضرون للإحتفال بعيد العمال العالمي وهو عيد الطبقة العاملة العراقية ، وكان البعض من الأنصار يرسم والآخر يخط وبعضهم يحضر نفسه لإلقاء قصيدة معينة. واخرين يعقدون اجتماع لعودة نشاط اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي الى موقعه السابق ، هذا الهجوم المفاجئ على الأنصار والقيادة معًا والذين لا يمكن أن يتوقعوه لأن الإتفاقية لم يمضِ عليها إلا ثلاثة أشهر، والتي سبق وان وقعتها القيادتين وسميت الإتفاقية الإستراتيجية، خلف هذا الهجوم الغادر العديد من الشهداء , الذين قاموا ببسالة رغم عدم تكافؤ القوى ورغم المباغته، وكان الهجوم يستهدف الحزب برمته ويهدف إنهاء وجوده في كردستان، وهو عربون ذهاب أوك إلى حكومة البعث الفاشي.

 فقد بدأ بالقصف المكثف على المقرات مما ولد ذعرًا كبيرًا بين المتواجدين الذي لم يجهزوا أنفسهم لهذا القتال بشكل جيد أو مقنع إلى حد ما.

لقد سيطرت هذه القوات على مقرات جود ومنها الحزب الشيوعي العراقي واحرقوا اغلب المقرات وسلبوا ماهو مفيد , وقد استشهدت الرفيقة احلام عذيبي حالوب على ايدي القتلة من الاتحاد الوطني الذين قطعوا اصبعها واخذوا منها خاتم الذهب. وحفروا قبر الرفيق الشهيد (علي حسين بدر ) وبقي بدون دفن الى ان جاء الفلاحين من ابناء المنطقة ودفنوه ومارسوا مقاتلي أوك اطفاء السكائر في جثة النصير الشهيد ابو يحيى . كما ارتكبوا الكثير من جرائم القتل بحق انصار الحزب الشيوعي العراقي , فكان يعدمون النصير العربي نتيجة لعدائهم المكبوت , ويتركو النصير من القومية الكردية وهذا اثار استهجان النصيرات الاسيرات ( فريشته وفيروز وام ليزان وتانيا وشروق وغيرهن ), وولد عن ذلك كرها من قبل الاسرى الذين رأوا هذا القتل وتلك التصرفات العدائية .

أمام هذا الهجوم وبعد المقاومة البطولية وبسالة الأنصار الشيوعيين الذين استشهد بعضهم لم تستطع القوات المهاجمة من دخول المواقع الرئيسية بسهولة , وقد قررت القيادة العسكرية بعد الفوضى في التنظيم إلى الإنسحاب إلى المناطق العالية من جبل قنديل المغطى بالثلوج الكثيفة، وأسفر الهجوم على استشهاد 65 نصيرًا ومنهم النصيرة  أحلام "عميدة عذيبي حالوب"[7] . ونقل معهم الجرحى واستيلاء أوك على كثير من الأسلحة والأجهزة اللاسلكية والأعتدة وغيرها حيث قطعت الإتصالات مع بقية السرايا والفصائل وأصبح موقفنا دفاعيًا.من جانب اخر لعبت المدفعية دورا كبيرا في اثارة الذعر والخسائر بين صفوف العدو, وكان هذا بأعتراف قائدهم نواشيروان في كتابه (الاصابع تسحق الاصابع).

كما وقع الكثير من الانصار في الأسر منهم عضو المكتب السياسي للحزب كريم أحمد وأحمد باني خيلاني عضو اللجنة المركزية وبعض الكوادر السياسية والعسكرية.

وانسحبت مجموعة من القيادة في مفرزة خاصة تتكون من كبار الســن ضمت عبد الرزاق الصافي , باقر ابراهيم , ثابت حبيب ,مهدي عبد الكريم, عبد الوهاب طاهر, سليمان شيخ محمد , فاتح رسول, احمد دلزار , انور طه , وبعض الكادرات الاخرى وكان يقود المفرزة سيد باقي الذي استطاع ان ينقذها من القتل او التنكيل من القوات الغازية , بوصوله الى الجهة الثانية من جبل قنديل بالرغم عدم معرفته الجيدة بالطريق.

ولكي أضع القارئ الكريم بالصورة الواضحة انقل عن أحد الأنصار الذي كان في موقع بشتاشان وانسحب مع المنسحبين. حيث يروي بشكل تفصيلي الانسحاب وظروفه وتفجير الإذاعة من قبل الأنصار.

الفقيد سلام الصكر(ابو تانيا)[8] يكتب:

 ( كانت بشت ئاشان في حركة مستمرة يوميا، رفاق يبنون قاعات جديدة وحيوانات تنقل مواد تموينية لفصل الشتاء القريب ومقرات وفصائل في طور التكوين، وكانت مقراتنا (المكتب السياسي والإعلام والحماية) قد انسحبت من منطقة ناوزنك على الحدود التركية لمخاوف من تقدم القوات التركية إثر اتفاقيات سرية وقعتها تركيا مع نظام صدام حسين. أما الرفاق الذين تراكمت لديهم خبرة في العمل الأنصاري فاعتبروا المنطقة غير آمنة من حيث موقعها الجغرافي المحصور بين مرتفعات ضيقة من كل جوانبها وتحاذي الحدود الإيرانية من خلال أحد أعلى جبالها وهو جبل قنديل وهو الطريق الوحيد للأنسحاب في حالة تقدم قوات معادية... .

 لم يخطر في بال أحد من القيادة أو أي رفيق بأن قوات كردية حليفة (الإتحاد الوطني الكردستاني/ أوك) تستعد لشن هجوم واسع على مقراتنا في بشت ئاشان. كان الحزب في تلك الأيام يستعد للاحتفال بمناسبة عيد العمال العالمي في الأول من آيار. كان الرفيق عماد الطائي يفترش سقف مقر سريتنا ويرسم جدارية كبيرة على القماش. ولرفع المعنويات وزيادة روح المتعة والمرح كان الرفيق طبيب الأسـنان أبو بـدر مع عـدد من الرفاق يرفعـون الأعـلام الحمـراء مرددين الأغنية الرمضانية (ماجينا..  يا ماجينا حلي الجيس وأنطينا).

ترافقت مع تلك الفعاليات خطوات أقدم عليها رفاقنا في مكتب الفوج فقد نقلت عوائل إلى قرية قريبة هاجر أهلها قبل فترة من الزمن، وتمت زيادة نوبات الحراسة الليلة ووضع فصيل بولي المتقـدم ربيئة متقدمة تحسبًا للطوارئ. في تلك الربيئة وفي الأول من مايس/ أيار , سقط لنا أول شـهيد في بشت ئاشان وهو الرفيق المسرحي شهيد عبد الرضا/ أبو يحيى الذي كان يحلم بإنجاز عمله المسرحي لتموز المجيد. حيث سيطرت قوات (أوك) على الربيئة في وقت مبكر وجرح أبو يحيى وعذب حتى الموت. وبالرغم من جراحه أطفأت أعقاب السكائر على جسده ودفن أمام المستشفى.

في ذلك اليوم بدأ الهجوم الذي شنته قوات (أوك) على مقراتنا ومن مناطق عدة محيطة، كنا نرى بالناظور كيف كانت هذه القوات تهبط من قمم الجبال المغطاة بالثلوج إلى الوادي، ووصلت إلينا أخبار متفرقة وقليلة من هنا وهناك بالهجوم مما خلق نوعًا من الإرتباك بين الرفاق لكونه مفاجئًا، ولم يسمح لهم الوقت لترتيب الأوضاع بشكل أفضل، حيث لم يتبين في البداية من الذي يقوم بالهجوم. إنتشر الرفاق في أماكن عديدة ورابض الرفاق حول مواقع الدوشكات ووضعت كمائن متقدمة، أما أنا فقد كنت مع بعض الرفاق في كمين متقدم قرب مقر الإعلام من الصباح وحتى اليوم الثاني، وعند عودتي للفصيل طلب مني الرفيق أبو أيار المستشار السياسي للسرية بالتوجه للقرية التي نقلت إليها العوائل سابقًا وذلك لعلاج أحد رفاقنا الذي جرح هناك. وصلت القرية التي تبعد حوالي الساعة عن المقر ووجدتها فارغة ولم أجد أحدًا من الرفاق وتبين أنهم قد أنسحبوا إلى قمم الجبال خوفًا من سقـوط القذائف في الوادي والقرية نفسها. عدت إلى مقر السرية ولم أجد أحدًا" ... كان ذلك ظهر يوم الثاني من مايس/أيار، كان الرفيق أبو عامل في المقر وعدد من الرفاق بينهم الرفيق أبو زينب وهم يجمعون بعض الأوراق والوثائق وحاجات أخرى لحرقها. جمعنا الرفيق أبو عامل وطلب منا الإنسحاب للحاق بالرفاق الذين سبقونا، وأشار إلى قمة جبل بعيدة جدًا وقال إنها قمة جبل قنديل وهي هدفكم في المسير، وبعد ساعات قليلة تبعنا ابو عامل وبقية الرفاق بعد أن أحرقوا المقر.

بعد مسيرة حوالي الساعة في داخل الوادي بدأنا نتسلق المرتفع وننظر إلى المشهد المؤلم، طابور طويل من عشرات الرفاق يسيرون ببطء شديد نتيجة الجوع والعطش والشعور بالأحباط. شاهدت على الطريق الجبلي حاجات مختلفة تركها الرفاق لعدم إستطاعتهم حملها. راديوات، حقائب شخصية، ملابس، وحتى بعض الأسلحة. أتذكر الرفيق أبو علوان الذي كان يحمل سلاح الستريلا والقذائف، كان متعبًا لحد الأعياء، لم يبادر أحد من الرفاق بمساعدته على حمله فأضطر إلى تحطيمه بالحجر ولم يصل غير سلاح ستريلا واحد حمله الرفيق أبو حسين ناصرية إلى آخر نقطة آمنة وأتذكره كيف كان يروي بفخر للرفاق في القيادة كيف بوحده وبدون مساعدة أوصل السلاح بأمان.

كانت المسيرة متعبة جدًا وكل منا يفكر متى نصل إلى القمة!؟  بدأ الظلام يخيم على المنطقة ونحن نسمع أصوات طلقات نارية متقطعة بعيدة وضوء نيران خافتة، كنا نلتهم الجليد الذي غطى الطريق بالرغم من شهر مايس/ أيار، ليروي عطشنا بسبب التعب الذي رافق مسيرتنا. ومن شدة التعب والإعياء لم ينطق أحد من الرفاق بأي كلمة، وربما لم يتسنَ لأي رفيق النظر إلى رفيقه الذي يسير جنبه وكل رفيق يود أن يسير لوحده لكثرة الأسئلة التي تشغل رأسه... .

وصلنا قمة جبل قنديل الواقع على الحدود الإيرانية  في الساعة الثالثة من صباح اليوم التالي وبعد مسيرة عشر ساعات متواصلة. البرد شديد جدًا، تولدت فكرة لدى الرفاق للاستراحة قليلاً، فجمعـوا ما لديهم من أوراق شخصية في جيوبهم وأشعلوا النيران فيها طلبًا لدفء كاذب ولدقائق معدودة، ولحسن الحظ لم نقع في الكمائن العديدة التي نصبتها قوات أوك في طرق عدة.

في الساعة السادسة صباحًا كنا في أسفل الجبل، حيث الرفيق أبو آسوس وعدد من الرفاق يستقبلون القادمين المنهكين وهم يعدون الشاي وقليل من الخبز ويعقبها إستراحة قصيرة ثم التحرك بمجاميع عدة يرافقها أدلاء يعرفون المنطقة بالسير في عمق الأراضي الإيرانية. وبعد مسيرة ساعات وصلنا إلى أحد المقرات التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الحدودية وبسيارات عسكرية كبيرة تم نقلنا إلى العمق الإيراني وبأسماء كردية مستعارة .

في الليالي كنا نتحدث بما لدينا من معلومات، وكل رفيق محمل بالعديد من المآسي التي عاش أحداثها أو سمعها من رفاق آخرين، يرويها بألم ومرارة وكأنها نسج من الخيال وليست وقائع عاشها الرفاق بساعاتها وأيامها.

عندما التقيت الرفيق قصي طلب مني التوجه إلى مقر المكتب السياسي، توجه بدوره إلى الإذاعة التي نقلت إلى مكان مرتفع متقدم قبل أيام الهجوم وفجرها بقذيفة (أر . بي . جي 7) , ثم التحق مع مفرزة كان فيها أكثر من سبعين رفيقًا ورفيقة انسحبوا من طريق آخر ولكنهم وقعوا في الأسر وكان بينهم الرفاق كريم أحمد، أحمد باني خيلاني، أبو آدم وأبو عادل، وقد نقلوا جميعًا إلى قرية (ورته) مقر أوك وأدعت إذاعتهم حينها أنهم ليسوا أسرى بل ضيوف لدى مام جلال ولكنهم نسوا بأنهم أطلقوا النار على الجرحى ومثلوا بجثث الشهداء... .

عندما كنت في فصيل دراو السفلى وبعد فترة من الهجوم أخبرني الرفيق خالد عرب بأن أحد القرويين الذي كانت لنا علاقات طيبة معه ويسكن بالقرب من مقرنا أخبره بأن الجلاليين وضعوا جثة أحد الرفاق الشهداء على صخرة للتهديف عليها وبالتناوب أخذوا يطلقون النار عليها من مسافات قريبة وهم يمرحون ويرقصون فرحين وكأنهم في مسرحية، كذلك أخبر الرفاق بأنه قد أخفى أحد الرفاق في بيته بعد أن ظل طريق الإنسحاب و لمدة ثلاثة أيام وكان الرفيق متترددًا بالاستسلام وألقاء السلاح ولكن القروي أقنعه بأنه سوف يضمن سلامته وأخبر الجلاليين وتوسل إليهم بالمحافظة على حياته فخدعوه بأنهم سوف يأخذونه أسيرًا ولكنه مجرد ألقاء سلاحه أفرغ إثنان كامل عتاد رشاشاتهما عليه وواصلوا أطلاق النيران بالرغم من أستشهاده وسقوطه على الأرض ولم يكتفوا بذلك بل جاء ثالث مسرعًا بعد أن سمع أصوات الرصاص وعندما علم بالموضوع أفرغ طلقات أخرى عليه وبصقوا على القروي الكردي لايوائه العربي حسب قولهم وقد دفنه القروي قرب داره ).

ويصف رفيقنا ابو تانيا كيفية اعدام الرفاق وقتلهم ومنهم اسرى , اضافة الى التمثيل بالجثث او يضعونهم هدف وهم يمرحون ويرقصون(... اخبره احد الفلاحين بأن الجلالين وضعو جثة احد الرفاق الشهداء على ضخرة للتهديف عليها وبالتناوب يطلقون النار عليها من مسافات قريبة وهم يمرحون ويرقصون فرحين وكأنهم في مسرحية...).

هكذا قرر الاتحاد الوطني الكردستاني ان ينهي علاقته مع الاحزاب والقوى الوطنية المعارضة للنظام الدكتاتوري واختار طريق الحراب  ,وقد بداُ بالحزب الشيوعي لان الحزب رفض العودة الى خيمة النظام الدكتاتوري .ولان النظام يعرف ان الحزب الشيوعي يمتد تنظيماته الى جميع انحاء العراق وجذوره قوية في المجتمع العراقي , وهو لايساوم على شعبه .لكن أوك قد ذهب الى مساومة النظام, عدو الشعب العراقي عامة والكردي خاصة لكي ينفرد بالساحة الكردستانية ويصبح منفذ سياسته الشوفينية . وكان اشتراكه مع قوات النظام أبان الانتفاضات الشعبية في كردستان دليل على ذلك. وكان يعتقد ان النظام سيعطيه حقوق الشعب الكردي , في حين كان شعار الحزب الشيوعي (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان ) هذا هو الشعار الذي ناضل من اجله الحزب و جبهة جود.

عرفت جريمة بشتاشان بأنها ابشع جريمة في حق حزب وطني , وهي مدفوعة الثمن في بنوك لندن استلمها عمر شيخ موس عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني[9] .

وخسر الحزب الشيوعي اثمن شيئ هم رفاقه اعضاء الحزب الذي ناضلوا من اجل الحق والعدالة وقضية الشعب العراقي في الديمقراطية والحياة المدنية وتعزيز السلام وتاسيس الحياة الطبيعية للمواطنين في بناء الاسس المادية ومرتكزات التطور الصناعي والزراعي بما يضمن العيش الكريم للانسان العراقي. كما خسر الكثير من ممتلكاته الاذاعية والاسلكية والاسلحة من الصواريخ والدوشكات والمضادات الجوية والمعدات المختلفة.

وعلى ضوء المتغيرات العسكرية إنتقل مقر المكتب السياسي إلى منطقة خانه أي المناطق الحدودية مع إيران، وقد خلقت خسارتنا في هذه المعركة مشاعر مريرة وقاسية لدى الأنصار لاتزال بعض اثارها في نفوس رفاقنا الانصار.

للشهيدة البطلة عميدة—أحلام[10]

لمحت النصر بعيونج ألف مره

وعرفتج فرحه منتشره .

.ولكًيتج بصعب اللحظات

مبتشره .

تغنين..

وتضحكين ..

وتحلمين ..

وتريدين ..

شعبنه يزف هلاهيله من قمة الجبل

للهور .

.للبصره .

لكًيتج شمعه وتنورين .

لدروب ألانصار بليلة

الظلمه ..

تزرعين إبسواليفج بنص أكًلوبهم

فرحه .

وسواليفج محنه وطيب تطرد ليلة

الوحشه .

تظل كل جلمه كًلتيهه تعيش ويانه

ياسمره .

بشتاشان تشهد ياعميدة الوكًفتج 

بيهه ..

ياأروع مثل للشعب..نرويهه.

والرايه الوكًفتي بعزم

شلتيهه .

ترفرف فوًك بشتاشان ..

وأنصار الشعب بالروح

تفديهه ..

وجحوش العار ظلوا ....

عار .

يتراوالهم دمج بكل ليل اليمر

ونهار ..

ياأحلام ....

يابنت الشعب حلمج حلم

أنصار .

وألانصار قسمتلج عله نفس الدرب ...

ماشين 

لابد يكمل ..

المشوار .

نامي بحظن كوردستان .

نامي براحه ياورده بكُلب بستان .

يظل رسمج ضوه لكل

دار .
والعار العار...

كل العار

للذل ..للجبن ..للخائن

الغدار .

باقي أسمج عميده خالد 

وتذكار .

باقي أسمج عميده خالد

وتذكار....تذكار

 يقول قادر رشيد بصدد هذا الموضوع : (إستمرت إذاعة حزبنا الموجودة في بشتاشان في بث برامجها المعدة مسبقًا بهذه المناسبة دون التطرق إلى الأحداث التي تجري خلفهم، وكان من الضروري تغير برامجها والبدء بنشر البلاغات العسكرية والنداءات إلى الجماهير وإلى المقاتلين في الخنادق الأمامية)[11].

وقد تم تفجيرالاذاعة من قبل رفاقنا بمادة (ت أن ت) في اليوم الثاني من الهجوم.

في حين إذاعة (أوك) تبث النداءات المسمومة والبيانات التي تعلم نظام صدام بانتصارهم على إخوة جاءوا من أجل حقوقهم، هذا هو الإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطلباني وناو شيروان قتلوا الشيوعيين ثمنًا لرجوعهم إلى أحضان النظام الذي ظلم شعبهم.

كان الإنسحاب عن طريق جبل قنديل , نحو مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني ولذلك تجمع بعض قادة الحزب الإشتراكي الكردستاني وباسوك وحزبنا وبدأ بالصعود الصعب والكثيف في الثلوج.

وفي مكان اخر من بشتاشان كانت هناك مفرزة تتكون من 72 نصيرًا غادرت المقر ونتيجة لعدم معرفتهم طريق الإنسحاب لذا فقدوا وتاهوا وسط الثلوج المتراكمة على جبل قنديل وبعضهم استشهد ولم يعرف مصير العديد منهم ولم يبقى من بقي من الأنصار الذين أسروا سوى 42 نصيرًا. وقد وضعوهم في غرفة صغيرة (أنفاس 42 أسيرًا في غرفة واحدة صغيرة، والمعتقل كان مسجدًا سابقًا، حولوه إلى معتقل لرفاقنا بعد أغلقوا الفتحات الموجودة فيها بالطين والحجارة، وكانت غرفة مظلمة جدًا. وقد إصفر لون رفاقنا من جراء الجوع والإرهاق وعدم الإستحمام. بدأ الرفاق المعتقلون بتوجيه الأسئلة الكثيرة. من الذي بقي من الرفاق؟ من منهم استشهد ..الخ. إن بعضًا من هؤلاء ضمن  الـ 72 الذين تشتتوا في جبل قنديل نتيجة عدم معرفتهم بالطرق والمسالك)[12].

واختلفت قيادة الحزب على تقيم أحداث بشتاشان، يضاف إلى ذلك بأن دراسة آراء الأنصار بعد هذه الأحداث كانت صارمة في نقدها القيادة كما وحملتها مسؤولية الخسائر الكبيرة. وكان الشخصية المثيرة للجدل حول هذا الموضوع هو عضو المكتب السياسي للحزب باقر ابراهيم الذي بدوره حمل القيادة العسكرية للحزب وحمل توقيع الرفيق عضو المكتب السياسي كريم أحمد كونه وقع اتقاقية مع الإتحاد الوطني يوم 8/ أيار 1983 التي أعلنت بوقف المعارك بين الطرفين، الرفيق باقر إبراهيم عمل على جمع بعض التنظيمات من الرفاق العرب الذين جمعوا في أماكن محددة للنزول في العمق إلى داخل الوطن وبدأ يثقفها بشكل غير تنظيمي، بل الأسوء أنه خلق تكتلات بين الرفاق الأنصار الذين كانوا بالأساس مستائين من الوضع وأحداث بشتاشان، ولأنه الشخص الثاني في الحزب , فقد قلل من رفيقه عضو المكتب السياسي كريم أحمد الذي قضى ثلاثة أرباع حياته في الحزب، بدلاً من اجتماع قيادة الحزب ومحاسبته وانتقاده على هذا التصرف، دون التقليل من شان هذا المناضل أمام جموع الرفاق التي كانت مستائة من كل ما حدث في بشتاشان.يشير القائد الانصاري توما توماس الى هذا الموضوع فيقول:(... ولكن صدر قرار من المكتب السياسي، وبناء على توصية من الرفيق المسؤول عن التنظيم وعن عمل الداخل، أدى إلى تجميع هؤلاء الرفاق، ومن أراد من الأنصار، ممن كانوا بمستوى المحليات والأقضية وحتى الاعضاء في منطقة واحدة هي پشت آشان بعد سحبهم من قواطع الأنصار.

 لقد رسم الرفيق مسؤول عمل الداخل لوحة متكاملة للتنظيم على مستوى العراق، ولكن مع الاسف كانت على الورق فقط. فقد تشكلت لجنة منطقة بغداد والوسطى والجنوبية والفرات ومحليات للمحافظات في كردستان، وبذلك تم تكديس أولئك الرفاق في منطقة واحدة وعزلوا عن بقية الأنصار، ولم يكلفوا بأية مهام عسكرية أو إدارية، لدرجة خلق الإحساس بأن هؤلاء الرفاق هم أفضل من بقية الأنصار)[13].


وبخصوص عمل ونشاط التنظيم الحزبي فقد جرى إهمال الجانب العسكري لدى هؤلاء الانصار، و أصبحوا غير مهيئين لأي نوع من أنواع القتال قد يفرض عليهم، إضافة إلى أنهم أصبحوا وبكل بساطة مكشوفين للأنصار ولعملاء السلطة المتواجدون في كل مكان. وربما كان ذلك سببًا في تعرض البعض منهم للاعتقال في نقاط السيطرة حال مغادرتهم "المناطق المحررة ". ولم ينتبه الرفاق المسؤولون لهذا الأمر الهام.

قيادة الحزب كانت مستاءه من اتفاقية ديوانه التي أعلنت بين قاطع السليمانية وممثلي الإتحاد الوطني حيث حملت المسؤولية على عضو اللجنة المركزية بهاء الدين نوري مسؤول السليمانية كونه عقد اتفاقية مع الإتحاد الوطني الكردستاني ,كما ان قاطع السليمانية لم يدعم قوات الحزب في بشتاشان والمواقع الأخرى. وتم عقد هذه الإتفاقية في يوم 10/5/1983 حيث اجتمع ممثلو القاطع الأول للاتحاد الوطني وممثلو قيادة قاطع السليمانية للحزب الشيوعي العراقي وبحضور ممثلي أربعة قرى في منطقة قرداغ واتفقوا على النقاط التالية:

إيقاف إطلاق النار بين حشع وأوك في منطقة قرداغ، وثانيًا التحقيق في حوادث قرية مسوي (قرية مسوي إحدى القرى الواقعة في منطقة قرداغ، والحادث هو أن مسلحي أوك نصبوا كمينًا لإحدى مفارزنا واستشهد فيه رفيقنا نجم شيخ محمد كولاني "جوهر"، ولكن المفرزة تخلصت من الكمين ببطولة، وتشكيل لجنة تحقيق وعدم ربط الحوادث في المناطق الأخرى بحوادث هذه المنطقة. وثالثًا تنظيم جولة مشتركة على مستوى عالٍ بحيث يشمل جميع القواطع. ورابعًا أن لا تختلط قوات حشع في قاطع السليمانية بقوات حدك وحسك وباسوك والقيادة المؤقتة (حدك) وبخلاف ذلك لا يتحمل أوك أية مسؤولية تجاه أي حادث)[14].

كان الإتحاد الوطني لديه خطة واضحة هي تحيد بعض قوات الحزب في بعض المناطق وهذا ماعمله حسب الاتفاقية اعلاه , وبسبب صعوبة الإتصال وعدم معرفة توجهات القيادة و ضعف الإلتزام الحزبي عند بعض القيادين والكوادر, لقد استاء الأنصار بشكل عام والقيادة بشكل خاص من هذه الاتفاقية وغيرها. كما تم توقيع اتفاقية وقف اطلاق النار مع الرفيقين كريم أحمد وأحمد بانيخيلاني الذان كانوا أسرى لديهم يعني أن الإتفاقية كانت تحت التهديد وهم ليسوا أحرارًا في التوقيع عليها.والتي صدرت بشكل بيان مشترك بين  الطرفين الإتحاد الوطني والحزب الشيوعي بممثليهم (جلال الطلباني وكريم أحمد).ادناه نصه:

نداء مشترك ... إلى جميع مسلحي الطرفين نطالب بوقف القتال بين الطرفين فورًا لأن الحوادث الدامية المؤسفة التي وقعت مؤخرًا تركت آثارًا سلبية في الحركة الوطنية المناضلة ضد السلطة الفاشية عدونا المشترك وعلى الحركة الجماهيرية المناضلة حيث تتفرج السلطة الفاشية على سيل دماء بينهم الذي كان يجب أن تراق هذه الدماء الزكية في خندق واحد ضد السلطة الدكتاتورية الفاشية المتسلطة على رقاب شعبنا العراقي بعربه وكرده واقلياته القومية. إن ممثلي الطرفين يعلنون بحزم وإصرار وضع حد فوري للاقتتال وإنهاء الحالة الشاذة بينهما فورًا، تمهيدًا لمعالجة جروح تلك الحوادث المؤسفة، والتوصل إلى توحيد الجهود المشتركة بين الطرفين وسائر الأطراف الوطنية ضد السلطة الدكتاتورية، في سبيل الأهداف الوطنية لإقامة حكومة إئتلافية وطنية ديمقراطية قادرة إلى تحقيق الإستقلال الوطني وتحقيق الديمقراطية والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان.

   إن هذه الاتفاقات خلقت جوًا متوترًا بين الأنصار وكذلك بين الحزب والقوى الأخرى (حدك وحسك)، يقول بنخيلاني بهذا الصدد (إن توقيع هذا النداء من قبل الرفيق كريم أحمد قد خلق استياء كثيرًا بين الأنصار وكذلك بين الجماهير، كما أن اتفاقية قاطع السليمانية قد خلقت جوًا مشحونًا بالتوتر والحقد الكراهية من قبل الأنصار ضد قيادة القاطع وأن الأنصار كانوا يطالبون بإعدام أبو سلام - بهاء الدين نوري وملا علي) المسؤولين الأساسيين لعقد هذه الإتفاقية رغم أن أبو سلام ينكر عدم موافقته على بعض نصوص الاتفاقية ولكن الوفد المشكل من ملا علي وشيخ سعيد ونصر الدين هورامي يقولون إن أبو سلام هو الذي وضع النقاط الأساسية)[15].

وعلى أثر موقف الرفيق كريم أحمد عضو المكتب السياسي للحزب فقد حوسب على هذا البيان المشترك، وسحبت منه كثير من المسؤوليات. وقد تم الإتفاق على إثرها مع أحزاب جود لغرض العمل لرد الإعتبار لقوات جود.

كانت مجزرة بشتاشان جريمة بشعة اقترفتها قوات الإتحاد الوطني بحق المناضلين من القوى الوطنية والقومية العراقية وخاصة أنصار الحزب الشيوعي العراقي، كانت بمثابة عربون اتفاق أوك مع الحكومة العراقية الذين ذهبوا إلى صدام حسين (لبوس اللحى) رغم أن  الذين (بعضهم) يدرك أن صدام حسين لا يعطيهم شيئًا من الحقوق، وهذا ما حدث فعلا حين رجع الإتحاد الوطني الى قوى المعارضة  ليتوسطها بالرجوع إلى الجبل والمشاركة في إسقاط النظام الدكتاتوري بعد فشل مفاوضاته في بغداد.

على صعيد الحزب وقواته فقد كان وضعًا صعبًا ومأساويًا من خلال الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي أصابت الجميع بما فيها القيادة والتي تتحمل الجزء الأكبر في أمور عديدة. ومن القضايا التي جرت مناقشتها في قيادة الحزب هي:

-       لم تهييء الأنصار إلى المجابهة الحقيقية مع قوات الإتحاد الوطني.

-       لا توجد معلومات دقيقة عن متى تتم مهاجمة قوات الأنصار، أي عدم وجود جهاز استخباراتي لدى النصار الشيوعيين.

-       عدم وجود خطة واضحة للانسحاب وعدم معرفة المنطقة وطرقها ولا معلومات حول مدى صلاحية المقر من الناحية العسكرية وخطوط ارتباطه بالمناطق المجاورة, لأنه لا توجد استطلاعات ما حول المقر. وربما المقر لم يكن بمستوى فهم العمل العسكري، كونه غير صالح عسكريًا بأن يكون مقرًا. ولا توجد فيه خطوط إمدادات.

-       الثقة العمياء بالاحزاب القومية الكردية التي لاتعرف غير مصالحها الفئوية الضيقة.

وحول صلاحية مقر بشتاشان يشير القائد الانصاري توما توماس الى(... أخيرًا استقرت المقرات الحزبية، أي مقر م.س ومقر معم ومقر تنظيم الداخل في قرية پشت آشان المهجورة. ووُزعت السرايا في أطرافها لحراسة المقر العام وحمايته. لكن من الناحية العملية لم يكن بمقدور تلك السرايا تقديم أي عون للمقر فيما لو قطع عنها الطريق بسبب بعدها عن المقر أساسًا. ولا أعرف أي عقل عسكري قرر أن تكون هذه المنطقة مقرًا عامًا لقيادة الحزب، يكدس فيها كل الكادر العامل في التنظيم والإعلام والإذاعة ...الخ)[16] .

وتأسيسا على ذلك, (لم تكن منطقة بشتاشان موقعًا عسكريًا ملائمًا. كانت فيها ثغرات جدية، وقد تم انسحاب المركز القيادي إليها اضطراريا بعد هجوم إيران نهاية عام 1982 على موقع (نوكان)، التي كانت قاعدة للإعلام والطباعة والعمل القيادي الحزبي والعسكري وكانت القوات الحامية لهذه القاعدة (نوكان) قليلة. وحشد أوك كل ما أمكنه في البدء بالهجوم على بشتاشان في أوائل أيار 1983. ودافع الأنصار عن القاعدة ببطولة نادرة وهم يعانون من الجوع والبرد القارص والثلوج الكثيفة وقلة العتاد وترامي أطراف المنطقة، قبل أن ينسحبوا منها. لقد شكل الهجوم على بشتاشان ضربة عنيفة للحركة الأنصارية أدت إلى خسائر بشرية كبيرة، تمثلت في استشهاد العشرات من الرفاق، وإلى خسائر جسيمة في المال والسلاح والأجهزة الإعلامية والفنية. وكشفت هذه الضربة الخلل الفكري لدينا وضعف تحليلنا لطبيعة الأحزاب القومية وعدم كفاية إدراكنا سرعة انتقالها من موقع لآخر. كما أكدت الخلل في الجانب العسكري والثغرات في موقع بشتاشان وضعف التحكم بحركة القواطع وتجميع قواها عند الضرورة)[17].

ولم تسر الأمور بالشكل الطبيعي كما يعتقد , إلا بالمجابهة مع قوات الإتحاد الوطني حيث أخذ الثأر لمقتل العدد الكبير من قوات (جود)، التي أصدرت الجبهة بيانًا مشتركًا أدانت فيه هجوم الإتحاد الوطني على قوات جود. لهذا هيأ الحزب الديمقراطي الكردستاني قواته مع قوات الحزب الشيوعي والحزب الإشتراكي الكردستاني لمعركة أخرى أطلق عليها بشتاشان الثانية، وهكذا بدأ الهجوم من أجل تحرير بشتاشان من قوات أوك، ولكن قوات أوك ردت من خلال القصف الجوي وبالمدفعية ومساندة قوات الجيش العراقي على القوات المهاجمة وردتها على اعقابها.

وبالنسبة للحزب غير من اسلوب قيادته السياسية والعسكرية التي كانت بإشراف مباشر من المكتب السياسي. وبعد عدة اجتماعات قررت القيادة رد الإعتبار لها من خلال الاصرار على الحاق هزيمة بالإتحاد الوطني ، وبعد أن عبأت هذه قوى جود كافة مسلحيها ومن مناطق مختلفة من كردستان فالحزب الشيوعي وصلت قواته من بهدينان للمساعدة , (إتخذ المكتب السياسي قرارًا متعجلاً وخاطئًا، ينص على القيام بعمل عسكري مضاد ضد أوك وبالتعاون مع حدك. ومهما كانت الغاية من الهجوم، سواء كانت استعادة المقرات أم إعادة الإعتبار، فالأنصار لم يفكروا يومًا ما في الإحتفاظ بالأرض إلا في الحالات التي يمكنهم المحافظة على ما يتم السيطرة عليه من خلال وسائل دفاع قوية تردع الاعداء.

أما إذا كان الهدف إعادة الاعتبار والثقة بالنفس، فإن تكرار الهزيمة سيزيد من الانهيار والبلبلة الفكرية ويتحمل مسؤولية ذلك م.س باعتباره قد خطط لهذه المعركة. ومن المعروف أن أحد أبرز الشروط الأساسية في الحروب والمعارك هي الحالة النفسية للمقاتلين قبل زجهم في معركة ما، وبالتالي مدى استعدادهم للصمود والمجابهة...)[18] .

 كان الغرض إخراج قوات الإتحاد الوطني من المنطقة ومن بشتاشان والقرى القريبة والتي تسمى (حوض راوندوز وحاج عمران)، وكان التجمع لهذه القوى في نهاية شهر آب 1983، حيث تجمع خارج منطقة بشتاشان مقاتلو جبهة جود بقيادة إدريس البرزاني الذي أوعز إلى القوات بالانتظار ويشير بانيخيلاني الى هذا الموضوع , (... لكن المرحوم إدريس استمهل أطراف جود بالانتظار وتأجيل القيام بالجولة لعدة اسابيع، وبقيت قوات جود في انتظار ممل وغير مفهوم مما أدى إلى إصابهم بالخمول والضجر، هذا من جهة ومن جهة أخرى بدأت بعض العناصر الباسدارية بالدخول إلى المنطقة كمشرفين على العملية مما زاد من استياء الأنصار وخيبة الأمل والشعور بالاشمئزاز خاصة لدى رفاقنا)[19].

  فهذه القوات كانت تنتظر وقت الهجوم على قوات الإتحاد الوطني. وفي الوقت نفسه الهجوم احتلت قوات الإتحاد الوطني أعلى قمة في جبل (كونه كوتر) حيث كان لهم العلم بالهجوم وهي مهيأة وتسندها قوات الجيش النظامي، وهم في معنويات عالية كونهم تواً قد دحروا قوات جبهة جود في بشتاشان، واستشهد جميع الذين كان يقودهم (حسو مير خان)، ثم احتلت مناطق أخرى وأدت المصادمات إلى خسائر أخرى لقوات جود بلغت 46 شهيدا من البشمه مركة، ومن قوات الحزب الشيوعي العراقي 7 أنصار هم من كوادر الفوج الثالث من مستشار سياسي وملازم وطبيب، إضافة إلى جرح عضو مكتب الفوج وهم (نزار ناجي "أبو ليلى" المستشار السياسي للفوج الثالث، جبار شهد "ملازم حسان" معاون آمر الفوج، زهير جواد موسى "ملازم جواد" أحد الضباط الذي التحق جديدًا وهو خريج دورات اليمن الديمقراطية، الدكتور غسان عاكف حمودي طبيب القوة، وجعفر سيد جلال "سيد نهاد" أحد أبطال الفوج الثالث وحامل العفاروف وهو من قرية بليزان وصامد أحمد الزنبوري "أبو خلود" آمر فصيل السرية الأولى والنصير ابو كويظم. ومن الحزب الديمقراطي الكردستاني إستشهد قادة هم من أفضل مقاتليهم حسو مير خان زازوكي وعبد الرحيم جسيم).

بالمقابل لم يحصل الإتحاد الوطني على شيء من الحكومة التي طلبت منه قطع علاقته مع إيران وثانيًا تخريب جبهة جود حتى عاد أدراجه بإرسال المبعوثين والوفود لغرض الرجوع إلى كردستان والعمل مع القوى الوطنية العراقية. وهكذا رجع بعد لقاءه مع هذه القوى والعمل وفق بعض الشروط.

 في كراس صدر عن الإتحاد الوطني الكردستاني بعد المفاوضات مع النظام الفاشي باسم (مفاوضات النظام والثورة) جاء فيه أن الإتحاد حقق نتائج جيدة في مفاوضاته، في حين جاءت الأمور عكس ذلك فيقول باني خيلاني ,(أشاروا إلى انتصاراتهم والنجاحات التي أحرزوها في المفاوضات الفاشلة المخزية. إن انجرار أوك وراء سراب المفاوضات مع نظام صدام حسين كان خطأ كبيرًا وضربة كبيرة لحركة التحرر الكردستانية)[20].

مابعد بشتاشان

كانت صحيفة الإتحاد الوطني الكردستاني (الشرارة ) تشن هجومًا على جبهة (جود) والحزب الشيوعي العراقي. ففي عددها الصادر في تشرين الأول – تشرين الثاني 1985 شنت هجومًا وفي اكثر من مقال على الحزب الشيوعي ، وفي مقالاتها عن النظام الدكتاتوري, تقول الشرارة إلى (...عدم رفع أوك شعار إسقاط السلطة الدكتاتورية. إن هذه المهمة تقع على عاتق الحركة التقدمية والثورية العراقية وهذه تتحق في بغداد والمدن الرئيسية العربية ولا يمكن ولا يجوز ولا يصح أبدًا أن تحمل الحركة التقدمية للشعب الكردي التي يقودها (أوك) شعارًا خطيرًا لا تستطيع تحقيقه، بل فوق طاقتها وخارج نطاق إمكانياتها)[21].

وفي رد الحزب من خلال الجريدة المركزية للحزب, (بدلاً من أن تعكس الحقائق عن نضال حزبنا الثابت من أجل الحقوق القومية لشعبنا الكردي، وجهوده المثابرة لتعريف الرأي العام العربي والعالمي بقضية الشعب الكردي العاملة، راحت قيادة الإتحاد الوطني الكردستاني تهاجم حزبنا وتتطاول على الإتحاد السوفيتي وتتهمه بالتخلف في مناصرة نضال الشعب الكردي، في الوقت الذي تكيل المديح للرأسمالية ونظامها الإمبريالي والداعية للصهيونية والدفاع عنها)[22].

لقد أصبحت التصريحات المتبادلة والبيانات تتكرر طيلة فترة ثلاث سنوات تقريبًا والتنديد بالممارسات التي قام بها الإتحاد الوطني ضد أحزاب (جود). وتشير طريق الشعب الى ,(لا يمكننا أن نغفل أن جرائم الغدر ضد حزبنا والحزب الديمقراطي الكردستاني الحليف، والمواقف السياسية والفكرية لـ (أوك). وتتابع طرق الشعب التعليق.. إن قيادة أوك لا يمكن أن تقنع أحدًا بهذا التبرير الغريب. ولا يمكن للمناضلين الواعين أن لا يدركوا أن موقفًا كهذا يهدف إلى إضعاف وتشتيت النضال المشترك للشعبين العربي والكردي في العراق).

لقد قدمت قيادة أوك باعتداءاتها المتكررة وجرائمها الدموية بحق الحزب الشيوعي وأطراف جود خدمات كبيرة وألحقت أفدح الأضرار بالحركة الوطنية العراقية، لقد (انزلقوا حثيثًا إلى وحل المرتزقة العاديين للنظام المعادي لشعبنا)[23].

كانت لدى جود إنتقادات شديدة من خلال العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات اؤك ضد بيشمه ركة جود في القرى والقصبات وأحيانًا تقوم بها مشتركة مع الجيش والجحوش والعملاء المتواجدين في المنطقة.

وعليه فقد قامت معارك ادت إلى خسائر عديدة بين الأطراف المتقاتلة والتي أشرنا لها في المعارك بين الحلفاء.

وعلى ضوء هذه الاوضاع غير الصحية ,كتبت صحيفة طريق الشعب في ملحق خاص بعنوان: (على طريق المصالحة الوطنية العامة، فليتوقف الطعن والتشهير وليتوقف سفك دماء الأنصار من كل القوى الوطنية المعارضة للدكتاتورية، وترى قيادة الحزب أن اذاعة صوت الشعب العراقي تناولت أكثر من مرة ضرورة تخليص شعبنا من الدكتاتورية وضد تشويه نضالات حزبنا ...في حين, يقوم إعلام الإتحاد الوطني الكردستاني بحملة إعلامية من الطعن والتشهير بمواقف الحزب الشيوعي العراقي ونضالاته، وتشويه سياسته، وإطلاق المزاعم القائلة بأن الحزب الشيوعي العراقي مفرق للصفوف في الحركة الكردية التحررية والحركة الوطنية العراقية! وأن أنصاره الذين يحملون بنادقهم للنضال ضد الدكتاتورية منذ سبعة اعوام، لا يناضلون ضد الدكتاتورية، بل يعملون لإشعال وإثارة الصراعات والمشاكل الجانبية. إن الجماهير تعرف وتعتز بسلوك الشيوعيين وعلاقتهم الحميمة بها، هذه هي العلاقة التي هي على الضد من المزاعم التي يطلقها إعلام الإتحاد الوطني الكردستاني ويعرف جيدًا من الذي يقوم بها فعلا)[24].

 لقد جرت تغيرات كثيرة على مستوى مسؤولي القواطع والأفواج، وللمرحلة القادمة وكذلك توزيع المهمات في داخل المكتب العسكري وفي المكتب السياسي للحزب.

ففي قاطع السليمانية (فوج قرداغ وكرميان) اصبح المسؤول العسكري حمه رشيد قرداغي والسياسي أبو عادل والإداري أبو زاهر وكذلك تغير في الفوج التاسع وحول الرفيق نصر الدين هورامي ,الذي انسحب من الحزب وانضم إلى البارتي واستشهد عام 1991 في الانتفاضة, ونقل تنظيم مقر القاطع وحل محله الرفيق محمود دكتاتريوف مسؤولاً عن الفوج التاسع.

كان وضع قاطع سليمانية صعبًا جدًا بعد أحداث بشتاشان حيث تأثر الأنصار معنويًا خاصة وأن بهاء الدين نوري أساء في عمله الحزبي للحزب والرفاق وخلق جوًا غير صحي، فاصبحت حالة الأنصار مربكة متوتره ,(لا شك أن هزيمتنا في بشتاشان تركت آثارًا وانعكاسات سلبية على وضع القواطع الأنصارية، ولكن ما جرى في قاطع السليمانية كان شيئًا مغايرًا وغير طبيعي فمسؤول القاطع أبو سلام (بهاء الدين نوري ) كان يقود بنفسه عملية تخريب القاطع ويعمل باتجاه أن لا يعود القاطع إلى أحضان الحزب مرة أخرى، او على الأقل أن ينجح في فرض شروطه على الحزب، فيما لو أجبر على إعادة القاطع إلى الحزب)[25].

في ظل هذه الظروف ,أرسل المكتب السياسي للإتحاد الوطني ثلاث رسائل إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الاشتراكي الكردستاني وحزب الشعب وباسوك لغرض عودة العلاقة الى حالتها الطبيعية مع هذه الأحزاب. وقبلها أرسلوا الوفود بعد انهيار علاقتهم مع النظام الدكتاتورية، وقد استجابت هذه الاحزاب لهذه الدعوة بعد اجتماعات كثيرة أدت إلى قبول عودة الإتحاد الوطني وفق شروط العمل الجمعي في كردستان بحيث تضم كافة القوى العراقية المعادية للنظام الدكتاتوري، وتم إرجاع علاقته مع إيران وكذلك مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد عقد صلح بين جلال الطلباني ومسعود البرزاني في إيران في عام 1987.

اما بخصوص العلاقة مع الحزب الشيوعي العراقي يذكر باني خيلاني ,(وفي شهر نيسان طلب مني المكتب السياسي بالاتصال بالإخوة في أوك وإبلاغهم بأن حزبنا مستعد للمصالحة باعتبار أنهم قد بعثوا برسالة قبل ذلك إلى حزبنا يطالبون فيها المصالحة)[26].

وفي توضيح للرفيق رحيم عجينه عضو اللجنة المركزية عن إسباب عودة العلاقة مع الإتحاد الوطني يقول:(والحقيقة يجب النظر إلى مواقف (أوك)عمومًا بأعتبارها مواقف عارضة وغير ثابتة! كان منطلقًا هو أن مكان أوك موضوعيًا ليس مع النظام الشوفيني وإنما مع المعارضة العراقية، وأن مفاوضات النظام الدكتاتوري ستنتهي إلى طريق مسدود ولا بد أن يتحول أوك إلى معارضة النظام. لم يكن التحول سهلاً، أوك يمتلك قوة عسكرية ضاربة وقوية، وله نفوذ واسع في سوران في السليمانية على وجه الخصوص)[27] .

بعد ذلك وإثر العديد من الإجتماعات بين قوى جود والإتحاد الوطني وفي مقري حزب الشعب الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي في منطقة بيربينان.

تم الإتفاق مع الحزب الشيوعي العراقي في منتصف 1987، وبدأت مرحلة جديدة من العمل والتنسيق والنضال بين القوى الكردستانية والعراقية ضد النظام الدكتاتوري.


[1] بشتاشان بين الالم والصمت قادر رشيد ص 18 مصدر سابق

[2] تقيم الحركة الانصارية ص 90 مصدر سابق

[3] مذكراتي باني خيلاني ص 359 مصدر سابق

[4] تقيم الحركة الانصارية ص90

[5] بشتاشان بين الالم والصمت قادر رشيد ص93

[6] بعد الهزائم الكاسحة التي اصيب بها الجيش العراقي على الاراضي الايرانية وانتقال الحرب الى ارض العراق,عندئذ فكرت الدكتاتورية ,أي قيادة البعث في اعادة الامور الى مجراها السابق, وابلغونا انهم :يدركون مدى فداحة الاخطاء التي ارتكبوها بحقنا في السنوات الاخيرة وثانيا يدركون مدى صعوبة اعادة الثقة بين الحزبين وثالثا يدعونا الى للعودة للدفاع عن الوطن والعودة الى الجبهة ورابعا انهم ليسوا من موقع الضعف . وقد رفضت اللجنة المركزية هذه العروض.(صدى السنين في كتابات شيوعي عراقي مخضرم زكي خيري ص 157 , وقد اشرنا لها في اجتماعات اللجنة المركزية وقراراتها في الفصل السابق ).

[7] كتبت رسالة لأحد رفاقها تقول فيها، سأستلم اليوم أو غدًا بطاقة العضوية، بعد أن مضت فترة غير قليلة على وجودي في كردستان. وها أنا أستقبل هذا اليوبيل كشيوعية. كيف أحدثك عن مشاعري أيها الصديق والرفيق العزيز؟) الثقافة الجديدة عدد 250 ص 135

[8] من كتابات وذكريات الرفيق الفقيد سلام الحيدر أبو تانيا المنشورة في ينابيع العراق رقم (5 ).

[9] .( دخل جلال الطالباني المفاوضات مع الحكومة البعثية بعد أعلان الهدنة معها ونال لقاء ذلك 11993678 دولارمن الحكومة ,بعد أن شكل عمر شيخ موس عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني شركة أكوم الوهمية للسكر في لندن لنيل المبلغ من مصرف الرافدين )ويشير الكاتب الى تفاصيل المحاكمة في لندن بين مصرف الرافدين والاتحاد الوطني الكردستاني.(من كتاب النفط والاكراد لكمال مجيد ص 80 ) .

[10] قصيدة الشاعر النصير حميد الموسوي (ابو نغم) المنشورة في موقع ينابيع العراق

[11] بشتاشان بين الالم والصمت قادر رشيد ص 27

[12] بشتاشان بين الالم والصمت قادر رشيد ص 47 مصدر سابق

[13] مذكرات توما توماس رقم26 المنشورة في موقع ينابيع العراق الالكتروني , مصدر سابق

[14] مذكراتي باني خيلاني ص 382 مصدر سابق

[15] نفس المصدر السابق ص 383

[16] مذكرات توما توماس رقم 29 مصدر سابق

[17] من تقيم الحركة الانصارية ص 91-92 مصدر سابق

[18] مذكرات توما توماس رقم 39 مصدر سابق

[19] مذكراتي  بانيخيلاني ص 186

[20] مذكراتي باني خيلاني ص 348 مصدر سابق.

[21] الشرارة تشرين الاول – والثاني 1985

[22] طريق الشعب العدد 7 سنة 51 شباط 1986

[23] طريق الشعب عدد 9 سنة 47  اواسط ايلول 1983

[24] طريق الشعب في عددها 1 السنة 51 الصادرة تموز 1986

[25] مذكراتي ,احمد باني خيلاني ص392

[26] نفس المصدر السابق ص 426

[27] الاختيار المتجدد رحيم عجينة مصدر سابق ص 196