إعلام الحزب باللغة الكردية خلال فترة الكفاح المسلح / داود أمين

 بمناسبة الذكرى الثمانين لصدور الصحافة الشيوعية في العراق

 

 لقد إعترف الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي، وإعتبر النضال من أجل الديمقراطية في العراق هو الطريق الأصوب لحل المشكلة الكردية، وأكد على ترابط نضال الشعب العراقي بقوميتيه الرئيسيتين العربية والكردية، والذي سيفضي لتحقيق آمال الكرد في العدالة والحرية والمساواة، وكان لهذا الموقف المبدئي المبكر أثره في إنتساب عشرات ألوف الأكراد في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، وإستشهاد المئات منهم تحت التعذيب وفي سجون العهود والحكومات المختلفة، لذلك لم يكن غريباً أن ينتبه الحزب، وفي وقت مبكر، لإصدار صحيفة مركزية له، ناطقة باللغة الكردية، وهكذا كانت صحيفة ( ئازادي) الحرية ( صدرت الجريدة في شهر نيسان 1944 كأول جريدة مركزية باللغة الكردية للحزب الشيوعي العراقي، بعد أن تشكلت في مدينة السليمانية أول التنظيمات الشيوعية عام 1943 ، وكانت الصحيفة بإشراف مباشر من قبل قيادة الحزب، ورأس تحريرها ملا شريف ملا عثمان، وساهم في تحريرها قادة الحزب، يتقدمهم يوسف سلمان ( فهد ) سكرتير اللجنة المركزية، وكانت مقالاته تترجم إلى اللغة الكردية وتنشر في أعدادها، التي كانت تصدر بغير إنتظام بسبب تأزم الأوضاع السياسية أنذاك )1. بطي. صفحة 300)، وقد رفعت هذه الصحيفة شعارات وطنية، وأكدت على ترابط نضال الشعبين العربي والكردي، كما عرّت الصحيفة مساويء النظام الملكي وشنت الحملات ضد رؤوسه ( وفي 4 نيسان 1959 حصلت الجريدة على إمتياز صحيفة يومية سياسية، وصدرت علنياً في الأول من آيار في مدينة كركوك، لصاحبها ورئيس تحريرها المحامي نافع يونس، وصدر عددها الأول  في الأول من شهر آيار لبضعة أعداد ، ثم إنتقلت إلى بغداد في شهر آب من العام المذكور، حتى 28 تشرين الثاني 1960، بعد صدور 56 عدداً منها، وساهم في تحريرها كل من أحمد غفور، محمد كريم فتح الله ، عزيز محمد، ملا كريم، حسين عارف، وعز الدين مصطفى رسول. لم تصدر يومياً بل مرة في الأسبوع، ثم مرتين وثلاث مرات في الأسبوع، بأربع صفحات في الفترة الأولى وثمان صفحات في فترات قصيرة )2. بطي. صفحة 301)، وقد تعرضت صحيفة ئازادي للتعطيل بعد صدور عددها ال56 وإلى إلغاء إمتيازها في 26 أيلول 1961 مع عدد من الصحف التقدمية الأخرى، مما ألجأ الحزب الشيوعي، مطلع عام 1962 لإصدار صحيفة كردية أخرى، هي ( ريكاي كردستان ) طريق كردستان، وبشكل سري، لتواصل مسيرة سابقتها العلنية (ئازادي)، وإستمرت هذه الصحيفة في الصدور حتى مطلع عام 1972 لتمهد الطريق أمام جريدة ( الفكر الجديد ) التي صدرت في 18 حزيران 1972 في بغداد وباللغتين العربية والكردية.

وبعد تصدع وإنهيار الجبهة الوطنية بين الحزب الشيوعي العراقي وسلطة البعث عام 1979 توقفت جريدة ( الفكر الجديد ) أيضاً مثل شقيقتها جريدة الحزب المركزية ( طريق الشعب ) ومجلة( الثقافة الجديدة )، ولذلك كان على الحزب وهو ينتقل للمعارضة ويرفع شعار إسقاط النظام، ويشكل قوات الأنصار في جبال كردستان، كان عليه أن يفكر في تنشيط إعلامه الكردي الخاص، وهكذا تم تكوين هيئة الإعلام الكردي من الرفاق (رفيق صابر وتحسين محمد خليل ونجيب حنا) وعندما بدأت الإذاعة بالبث في منطقة بيتوش شرق سردشت، تكون لها قسم كردي يضم الرفاق أحمد رجب وهاشم كوجاني وتحسين محمد خليل، وكان بهاء الدين نوري يشرف على الإذاعة بقسميها العربي والكردي، وكان البرنامج الكردي باللهجتين السورانية والبهدينية، وإستمر العمل في القسم الكردي للإذاعة هكذا إلى أحداث بشتاشان، حيث توقفت الإذاعة بقسميها وأحرقت، بعدها إنتقل الإعلام إلى منطقة لولان وأصبح الرفيق جلال الدباغ مسؤولاً عن القسم الكردي في الإذاعة، ومعه الرفاق هاشم كوجاني وستيرة وأبو فلاح ودلمان عميدي، وكانت برامج القسم الكردي غير المركزية تعد من قبل أعضاء القسم، وتشمل بيانات الجبهة الكردستانية، وأخبار العمليات العسكرية للأنصار، وأخبار العمليات الإرهابية للسلطة، وتداعيات الحرب العراقية الإيرانية، وبرنامج ثقافي إسبوعي وأناشيد وأغاني ثورية، أما القضايا المركزية كبيانات الحزب السياسية وإفتتاحيات (طريق الشعب ) فتترجم إلى الكردية وتذاع من القسم، وكان مسؤول القسم الكردي عضواً في هيئة الإعلام المركزي للحزب، الذي يشرف على قسمي الإذاعة وجميع منشورات الحزب المركزية، وقد لعبت الإذاعة الكردية دوراً هاماً وكبيراً في دعم الإنتفاضة الطلابية عامي 1982 و1984 في كردستان، وكان صدى ما تقدمه يصل للعاملين عبر المفارز الأنصارية والتنظيم الحزبي.

أما في مجال النشر فقد ترجمت هيئة الإعلام الكردي جميع البيانات التي كانت تصدر عن قيادة الحزب وأصدرتها، وكذلك ترجمت البلاغات العسكرية، كما أصدرت صحيفة ( ريبازي بيشمركة ) نهج الأنصارمنذ شباط 1980 وبثماني صفحات، وكان الرفيق آسو كريم يترجم من العربية إلى الكردية يساعده الرفيق رفيق صابر، وفي عام 1980 أيضاً، تم تجميع كل منشورات الحزب حول القضية الكردية، وترجمها رفيق صابر إلى الكردية ، وتم طبعها في إيران بمساعدة حزب تودة الإيراني، ووزعت بشكل واسع على مدن وارياف كردستان، أما الصحيفة المركزية للجنة إقليم كردستان الحزبية ( ريكاي كردستان ) فقد عاودت الصدور باللغتين العربية والكردية مطلع عام 1980، ثم بالكردية فقط، وكان عدد شباط حافلاً بالمواضيع والأخبار السياسية، إلى جانب المقال الإفتتاحي المعنون ( سياسة مشبوهة لن يكتب لها النجاح ) فضحت فيه مواقف الحكم الدكتاتوري من الثورة الإيرانية ومن حقوق الشعب الكردي القومية العادلة، وقد إستمرت الجريدة بالصدور، متخذة مختلف الأحجام تبعاً لظروف العمل في المناطق الجبلية، وقد تشكلت هيئة تحريرها صيف 1981 من الرفاق بهاء الدين نوري وآسو كريم ورفيق صابر وبروا( كاتب طابعة ) وإنتقلت لجنة الإقليم التي تصدر هذه الصحيفة إلى منطقة نوكان، وفي عام 1982 أصبح الرفيق فاتح رسول مسؤول لجنة الأقليم ومشرفاً على هيئة تحرير (ريكاي كردستان) التي ضمت رفيق صابر وبخشان زنكنة وآسو كريم، وكانت الصحيفة تطبع 500 نسخة توزع على اللجان المحلية التابعة للإقليم ، وهي محلية اربيل والسليمانية وكركوك وبهدينان، وعلى التشكيلات الأنصارية، وفي عام 1982 سافر رفيق صابر إلى الخارج فإلتحق الرفيق ( هوكر) بهيئة التحرير وبهيئة الإعلام الكردي التابعة للإقليم، والتي إنتقلت إلى منطقة بشتاشان مع الإعلام المركزي وقيادة الحزب، وبعد احداث بشتاشان وإنتقال إعلام الحزب إلى لولان، أصبحت ( ريكاي كردستان ) تصدر من الرفاق الأكراد العاملين في الإعلام المركزي، في حين إنتقل مقر اللجنة الحزبية للأقليم إلى منطقة برزان، وبعد إنتقال لجنة الأقليم إلى مقر مراني في بهدينان، عادت ( ريكاي كردستان ) لتصدر من مراني، ومن قيادة الإقليم مباشرة، وباللهجتين السورانية والبهدينية، وبآلات بسيطة كالرونيو والطابعة، وقد ضمت الهيئة آسو كريم وكروان عبد الله وبدران أحمد حبيب وناظم يزيدي وبإشراف الرفيق أبو جنان، وبقيت تصدر حتى معارك الأنفال آب 1988، حيث توقفت مثل معظم فعاليات الأنصار.

أما في الإعلام المركزي فقد طرح القسم الكردي فكرة إعادة إصدار مجلة ( بيري نوي ) الفكر الجديد، كمجلة فصلية بمبادرة من الرفيق جلال الدباغ، وبالفعل صدرت عام 1984، بمئة صفحة، وبمواد ثقافية عامة تتناول السياسة والإقتصاد والشعر والقصة ومختلف جوانب الأدب. ويمكن القول أنه كان للإعلام الكردي، خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي هيئتان إعلاميتان، واحدة تابعة للجنة إقليم كردستان الحزبية ومهمتها الرئيسية إصدار جريدة ( ريكاي كردستان ) والثانية تابعة للإعلام المركزي ومهمتها الرئيسية هي إستمرار القسم الكردي من الإذاعة المركزية، وكان البعض من الإعلاميين الأكراد ينشط في الجانبين.

وبالرغم من المهام الرئيسية التي أشرت لها للهيئتين الإعلاميتين الكرديتين، إلا أنهما ساهمتا في الكثير من المهام الإعلامية الأخرى، فعلى مستوى النشر ترجم آسو كريم عام 1981 كراس ( شروح في المادية التأريخية ) وتم طبع وتوزيع ألف نسخة منه، كما أعد وترجم رفيق صابر من الفارسية إلى الكردية، الجزء الأول من ( القاموس السياسي )، وترجم مصطفى غفور رواية إيتماتوف ( المعلم الأول )، وترجم كريم مسلمي كتاب ( الأرض الطيبة ) لبريجنيف، كما ترجمت للكردية جميع بيانات ووثائق جبهتي ( جود) و( جوقد ) وتقارير اللجنة المركزية للحزب وكل ما يصدر عنه من بيانات، وساهم الإعلاميون والمثقفون الشيوعيون الأكراد، ومنهم أحمد دلزار ورفيق صابر وهاشم كوجاني ورنجاو وأحمد رجب، في تحرير والكتابة في مجلة ( بيرو ) وهي مجلة أدبية صدرت في صفوف الأنصار عن ( إتحاد أدباء كردستان ) والعدد الثاني من هذه المجلة صدر عن إعلام الحزب الشيوعي العراقي، كما تمت ترجمة وإصدار كراس ( مصادر الماركسية الثلاثة )، وترجم الرفيقان آسو كريم وسرو قادر كراس ( حزب الطبقة العاملة من طراز جديد )، كما تم الرد على منظمة ( آلاي شورش ) راية الثورة بكراس عنوانه ( إلى أين تسير راية الثورة ) كما إشترك المثقفون الشيوعيون الإكراد في تأسيس ( رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين الأنصار ) والمساهمة في الكتابة لمجلتها ( ثقافة الأنصار ) التي صدرت باللغتين العربية والكردية، كما تمت ترجمت جميع وثائق المؤتمر الوطني الرابع للحزب. وأصدرت لجنة إقليم كردستان للحزب عام 1986 العدد الأول من مجلة ( ريكاي ئاشتي وسوسياليزم ) طريق السلم والإشتراكية، وإستمرت هذه المجلة حتى العدد 26 عام 1991، وهي مجلة نظرية كانت تصدر في براغ بأكثر من 80 لغة تتناول قضايا الحياة في العالم، وأخبار الحركة الشيوعية العالمية.

المصادر

_ فائق بطي. الموسوعة الصحفية الكردية في العراق/ الطبعة الأولى/ بيروت/ دار المدى 2011.