مفرزة تحولت الى فرقة إنقاذ / حميد الموسوي                    

في بدايات تأسيس قاعدة بهدينان كانت الحياة التي تعيشها المجموعات الأولى من الأنصار في غاية من الصعوبة في جميع جوانبها , وإذا أردنا التفصيل في ذلك نحتاج الى مخرجين ليخرجوا من هذه الظروف أفلام ناجحة بإمتياز بل تحصد جوائز عالمية, كيف يستطيع الأنسان من التكييف والتحمل على مايفرضه الواقع عليه .

يكفي أن نقول عشنا أشهرا قاسية... حتى أصبح تعليق الرفاق الأنصار ماهو فطورنا اليوم يأتي الجواب جماعي خبز وچاي.. والغده چاي وخبز.. والعشه خبز وچاي.. حتى الحراسات كانت بالعصي !!!

مع مرور الوقت أتت لنا خمسة قطع سلاح برتو إيطالية .. بعدها قطع لاتتعدى أصابع اليد من بندقية الكلاشنكوف , ثم بدأت وجبات السلاح تتصاعد مع كل مجموعة ملتحقين جدد.

كلفت في الثلث الأول من ثمانينات القرن المنصرم بالذهاب مع مفرزة لإيصال وجبة سلاح مع رفاق ملتحقين جدد الى مقراتنا في هيركي وكوسته , وقد كان معي من الرفاق الأنصار الذين أتذكرهم وعذرا للأخرين .. أبو وسن , أبو كريم , أبو تحسين أبو شرارة إضافة الى الرفاق الجدد .

صادفت المفرزة عدة مفارقات حلوة ومرة منها اول مصادفة .. عندما كنا متجهين لإحدى القرى, ونحن في قمة الجبل التي تطل على هذه القرية شاهدنا مفرزة من الجندرمة الأتراك واقفة عند عين الماء التي كنا نقصدها !! إنتظرنا إلى أن ينسحبوا وقد طال إنتظارنا, بعدها تشاورنا ..فيما بيننا ماهو الحل ..!لانستطيع البقاء أكثر على القمة , قررنا أن نشتبك معهم إن تعرضوا لنا ,أونعلمهم بأننا نقصد الجانب العراقي, المعروف في تلك المنطقة تشابك الحدود العراقية التركية أي هناك مناطق تجبرك أن تسير في الجانب التركي حتى تدخل الجانب العراقي !! عموما قررنا نزول القمة ولكن لحسن الحظ إنسحبوا قبل وصولنا الى عين الماء.. حتى أهل القرية كانوا يتوقعون أن يحدث هذا الإشتباك بحيث قالوا لنا إنهم شعروا بالخوف منكم وأنسحبوا, وهذه النقطة سجلت لصالحنا وقد فرحوا أهل القرية بنا , هذه القرية كنا نسميها قرية عريف ياسين سمي بهذا الأسم لأنه كان عريف في الشرطة !! يتذكر بعض الرفاق أسمها الحقيقي للأسف نسيت الأسم !! المهم إستقبلنا الرجل إستقبال جيد ورحب بنا وضيفنا بشكل حسن وأخذ يقص علينا حكايات خرافية !! مبالغ بها عن بطولات البيشمر كه الأوائل , كان يحتفظ بقطع من الحديد يقول إنها لإحدى الطائرات التي أسقطها هو شخصيا !! وعريف ياسين هو من بيشمركه حدك.

في هذه الليلة غنى أبو كريم بعد أن عرف عريف ياسين أن صوت أبو كريم جميل,لقد طرب العريف وبقية الحضور لغناء أبو كريم , والعجيب أن الشهيد أبو كريم أخذ يصدح بصوته القوي بلغة لم نعرفها ولحن على وزن الألحان والمقامات الكردية والعريف أخذه الطرب قال له أبو كريم هذه اللغة  الكرديةالأصلية !!!! بالمناسبة عريف ياسين يجيد اللغة العربية بشكل جيد .

طلبنا من عريف ياسين أن نؤجر بغل من القرية ونعيده لهم بعد عودتنا وافق الرجل على ذلك .نهضنا في وقت مبكر جدا قبل أن يداهمنا الصباح ونخشى من تواجد الجندرمة في الجانب الأخر الذي هو عائد لتركيا.. قام أبو كريم بمعاونة أبو تحسين لشد حمل السلاح على البغل وقد ودعنا عريف ياسين مع بعض الأفراد الذين حضروا حفلنا ليلة أمس وتوجهنا الى ( الروبار ) أي النهر الفاصل ... نحن مضطرين للعبور للجانب التركي لاخيار أخر لدينا .

إقترحت أن يعبر البغل الضعيف أولا وبعدها يعبر البغل الثاني .. عبر البغل الضعيف الى الجانب الأخربسلام ثم بدأ البغل الثاني والذي يحمل السلاح بالعبور وإذا به يسقط مع الحمل داخل الروبار, مياه النهر كانت سريعة جدا تشبه موج البحر الهادر !!!

ناديت على الرفاق بالنزول للنهر وتخليص الحمل من البغل وإنقاذ السلاح الذي لايمكن أن نتركه حتى لو أدى الأمر الى الإستشهاد ... نزلت مع أبو تحسين وأبو كريم وابو شرارة وأبو وسن كان الوقت تقريبا الساعة الرابعة صباحا والماء بارد جدا ... بعض الرفاق الجدد لايجيد السباحة فعتذر عن النزول وإذا بصوت أبو كريم الهادر ( لعد شتعلمتوا بالخارج ) مادرسوكم هبوا ضحايا الإضطهاد يارفاق هبوا للسباحة حتى ولو أدى الأمر الى الغرق !!! أتذكر نزل أحد الرفاق وكاد أن يغرق !!! وهو قادم من المانيا . بعد محاولات وصراع مع المياه السريعة التي تدفعنا بقوة ولم نستطيع السيطرة على فك الحبال وتخليص الحمل من البغل وذلك بسبب برودة الماء الشديدة قمنا بمحاولات عديدة الى أن نجحنا بتخليص الحمل من البغل وحملناه الى الجانب الأخربعد أن أصبحنا في حالة لاتوصف !!!!!!

عبرنا الى الجانب الأخر وقد ضايقنا الوقت جدا وأخذت الشمس بالشروق ويجب أن نسير مسافة غير قليلة ومن ثم نعبر الى الجانب العراقي وقد أصبحنا  في صراع مع الوقت وفي هذه الوضعية ... حيث خرير الماء من كل جزء من أجسامنا !!

قطعنا المسافة وعبرنا الى الجانب العراقي وبدأت المهمة الأخرى وهي تنشيف ملابسنا ومن ثم تنشيف وتزييت السلاح , نادى أبو شرارة الذي صوته لايقل قوة عن صوت أبو كريم (يالله رفاق نفتح ورشة عساهه إ بخت عريف ياسين على هذا البغل شكبره بس مابيه نفع ) ذهب أبو وسن وأبو شرارة الى القرية وجلبوا المطلوب لتنظيف السلاح وقد إستعملنا وقتها حتى  ( ملابسنا الداخلية للتنظيف !! )بعد أن تمت عملية تنشيف السلاح بدأنا بالغناء والضحك ونكات أبو كريم التي تنسيك التعب وتعطيك شحنة جديدة من النشاط . لقد تحولت المفرزة الى فرقة إنقاذ بحق وقد بذلت جهود كبيرة صعب أن توصف !!

تحياتي لرفاقي النشامة أين ماكانوا أتمنى لهم الصحة والعافية والمجد والخلود لشهيدنا البطل أبو كريم .