الفترة الممتدة  1970.. 1993/فيصل الفؤادي

عقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمره الثاني في أيلول 1970بصورة سرية في راوندوز في أربيل , وقد ناقش عدة وثائق مقدمة للمندوبين , ومنها التقرير السياسي وتدقيق موضوعة البرنامج ونظامه الداخلي. حضر المؤتمر 102 مندوبا وكان بحراسة قوات الانصار الشيوعيين وأطلق عليه (مؤتمر هندرين ) تمجيدا للمعركة المعروفة التي خاضها الانصار الشيوعيون في عام 1966وأنتصروا فيها.

 

ناقش المؤتمر التقرير السياسي الذي قدمه سكرتير الحزب عزيز محمد وتناول طبيعة الحكم والسياسة التي سار عليها الحزب تجاه هذه السلطة والقائمة على معارضة لنهج الحكومة المعادية للديمقراطية والشيوعية, واضطهاد لاحزاب المعارضة الوطنية.

واكد على ( اننا سنؤيد وندعم أي إجراء تقدمي او أي موقف تقدمي ضد الاستعمار والرجعية تقفه السلطة )، وحدد المؤتمر المهمات اللاحقة التي تواجه الشيوعيين ولخصها بالديمقرطية الشاملة والجبهة الوطنية دون شروط على أساس ( ضمان حرية كل حزب وطني استقلاله السياسي والايديولوجي والتنظيمي وحرية النشاط الفكري والعملي لتحقيق اهدافه وبرامجه).

كان الحزب يرسم سياسته وتحالفاته الطبقية والوطنية على اعتبار أن قيام الجبهة الوطنية العريضة معبرة عن سائر الجماهير بمختلف أفكارهم وأهدافهم وهي ضرورة ملحة وحاسمة , وهو ينظر اليها كمنطلق تكتيكي لبعد ستراتيجي , ومفهوم الحزب للجبهة في تعزيز وتطويرعمل المنظمات الجماهيرية والمهنية بما فيها النقابات والاتحادات ... الخ .

وقد وضع الحزب أمامه للمرحلة القادمة الكثير من المهام منها  تعزيز الديمقراطية في العراق والعمل على قيام الجبهة الوطنية والامر الاخر هو العمل للدفاع عن مصالح الشعب والطبقة العاملة وسائر الكادحين .

وعلى ضوء الدراسة للتقرير المقدم من قيادة الحزب والاراء التي طرحت , بادر الحزب في طرح مقترحه  بشأن قيام الجبهة الوطنية فيما بعد . وهكذا أقر المؤتمر قضية التحالف مع حزب البعث الحاكم , وقد أستمرت ثلاث سنوات من التباحث بين الحزبين وصولا الى الجبهة الوطنية التقدمية . والتي عين للحزب الشيوعي على أثرها وزيرين في الحكومة, اضافة الى الاتفاق على حل المسألة الكردية .

وقام النظام بعدة أجراءات عدّت في حينها تقدمية , ومنها معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفيتي عام 1972 والاعتراف بالمانيا الديمقراطية , وعلى صعيد الداخل تأميم النفط واصدار قانون العمل 151 وغيرها من القرارات والتي قيمها الحزب في حينها بالايجاب. كما أيد الاتحاد السوفيتي قيام هذه الجبهة وفقا للمتغيرات التي أشرنا لها .

  وفي نفس الموضوعة يكتب البعض حول خضوع الحزب الشيوعي العراقي لتوجيهات قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي في كثير من السياسات والمواقف , وبأن الحزب مع سياسة الاتحاد السوفيتي في زمن خروشوف ( 1953 الى 1964 ) وأفكاره في التطور اللارسمالي لدول العالم الثالث , ومع سياسة برجنيف ( 1964 الى 1982 ) في التعايش السلمي بين الشعوب وهو مع سياسة كورباجوف ( 1985الى 1991) في البريسترويكا والغلاسنوست في منتصف ثمانينات من القرن الماضي , وأنا أقول جازما يخطئ هؤلاء في هذا القول بل هو تجني بحق الحزب والشيوعيين الذي عانى الكثيرمنهم  بسبب تلك المواقف , ومنها التكتل الذي حصل لمجموعة الاربعة في عام 1959 بين مؤيد لآستلام السلطة أو رافض , خط أب عام 1964 ومن ثم التكتلات التي ظهرت اثره وكانت مخالفة لسياسة السوفيت في المنطقة وتوج ذلك بالانشقاق عام 1967 وخلاف  البعض من قيادة وكوادر الحزب من كان مع توجهات سياسة الصين الماوية وضدها .

ولايمكن أن نغض النظر عن موقف الحزب وتبنيه شعار الكفاح المسلح في كردستان في عام 1979 بدون موافقة القادة السوفيت وأستمر 9 سنوات في هذا النضال , وكان الحزب يحاول توضيح موقفه من الحكومة البعثية الديماغوجية التي ساوت في المسافة بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا لمصالحها الخاصة وخاصة في حربها مع أيران . وكان الحزب ينتقد هذا الدعم وهو العارف بخفايا النظام وأكاذيبه مع شعبه أو مع شعوب العالم وأظهار نفسه بالتقدمي والوطني والمعادي للامبريالية .(كانت تربطنا العلاقة العميقة مع الحزب الشيوعي العراقي .. وقد زودنا الحزب بكل مايحتاجه من الاسلحة وفتح معسكرات للتدريب وتقديم أشكال أخرى من الدعم :لا أكتم سراً أن موقفنا هذا قد تقاطع مع موقف الرفاق في القيادة السوفيتية التي كانت ترى أن يتعامل الحزب مع النظام بشكل أخر  .. حديث خاص للرفيق نايف حواتمه في دمشق كانون الثاني 1995 , نقلا عن كتاب مذكرات باقر أبراهيم ص 182 ) .ويضيف السيد باقر في نفس الصفحة  ( تحسست بوضوح أن أحزاب تلك الدول كانت شأن الحزب الشيوعي السوفيتي , ترغب أن تكون للحزب الشيوعي العراقي سياسة أخرى غير هذه  , أي صلة بالسياسة القديمة ..) .

أن الحزب الشيوعي الروسي  الذي فجر ثورة أكتوبر 1917 والتي نادت بالاشتراكية والعدالة والاستقلال من الهيمنة الامبريالية والاستعمار والتي على أثرها تكون بلد الاشتراكية الاول الاتحاد السوفيتي الذي أصبح قبلة المناضلين , فلابد أن يحترم الشيوعيين في العالم تضحيات الشعب السوفيتي ويقدر مواقفه مع قضايا الشعوب في العالم من أجل التحرر والاستقلال والحرية وكذلك موقفه ومساعدته وأسناده للشعوب العربية في حربها مع أسرائيل .

وبرغم قيام سلطة البعث ببعض الانجازات , لكنها من جانب أخر كانت تقوم بالاغتيالات وتصفية كل من يعارضها من القوى السياسية . وقدأغتيل الكثير من قادة الحزب الشيوعي العراقي ومنهم ستار خضير وشاكر محمود عضوي اللجنة المركزية و كوادر حزبية في مقدمتهم كل من محمد الخضري وكاظم الجاسم وعزيز حميد ومحمد الدجيلي  وجواد عطية و علي البرزنجي الذي  استشهد  تحت التعذيب واخرين .أضافة الى الاعتقالات  التي شملت أغلب مناطق العراق وذلك من أجل تركيز السلطة بالقوة بيد البعث الحاكم .

وبين التحكم بالسلطة من جهة، ومناوراته المعروفه مع الاحزاب والقوى الوطنية الاخرى من جهة ثانية ,طرح حزب البعث في 15 تشرين الثاني 1971 مشروع ميثاق العمل الوطني , والذي قيمته قيادة الحزب أيجابيا واعتبرته  اساسا صالح للحوار مع البعث من أجل اقامة الجبهة  .

  واعتبر الحزب الشيوعي أن المشروع معادي للامبريالية ويتضمن الحل السلمي للقضية الكردية وذو تحولات اقتصادية اجتماعية ويؤكد على علاقات فاعلة مع المنظومة الاشتراكية .... الخ ..

ويرى الكاتب عزيز سباهي في كتابه حول التحالف مع حزب البعث الى ( أن أستئناف الدعوة الى الجبهة جاء من الحزب الشيوعي العراقي وبتحفيز من الحزب الشيوعي السوفيتي وأن قيادة الحزب الشيوعي العراقي استجابت للنصيحة دون تردد, مع أن أصداء مادار في المؤتمر الثاني بشأن التعامل مع حزب البعث لازالت عالقة في الاذهان . فهي اذن عودة الى طروحات فترة الستينات حول التطور اللارسمالي وماجرته على الحزب من متاعب فكرية سياسية وتنظمية[1] ....).

أما شروط حزب البعث لقيام الجبهة فقد رفضها الحزب الشيوعي العراقي حيث ذكر ان ( هذه الشروط تقضي بالجوهر بأن تسلم جميع الاحزاب السياسية بقيادة البعث لها ولسلطة الدولة والمنظمات الاجتماعية, وان تقبل ببرنامج حزب البعث وايديولوجيته دونما حاجة لبرنامج مشترك يتضمن نقاط الالتقاء وتجنب الخلاف , على ان يسمح البعث لقاء قبول الاحزاب الوطنية بهذا , باصدار جريدة والمشاركة الشكلية في الحكم) (..من تقيم المؤتمر الرابع للحزب 1985 ) .

في 6 نيسان 1973 عقدت اللجنة المركزية للحزب اجتماعا ناقشت فيه مسالة الجبهة الوطنية مع حزب البعث وقد أختلفت القيادة داخل الاجتماع في تحديد موقف واضح ومدروس حول قيام الجبهة حيث قدم اقتراح لقيادة الحزب ( اللجنة المركزية ) بأن يتم التصويت من هو يوافق على الجبهة أو بالضد منها .

  انقسمت اللجنة المركزية الى قسمين نصف الى جانب قيام الجبهة والاخر بالضد منها أي الطرفان متعادلان وبعد الاستراحة أستطاع سكرتير الحزب أن يقنع الرفيق أبو سرباز – أحمد باني خلاني - ليفوز الراي المؤيد للجبهة بأغلبية صوت واحد .

ظهرت الجبهة الوطنية والقومية التقدمية للوجود بعد  أن وقع على وثائقها عن قيادة البعث أحمد حسن البكر وقيادة الحزب الشيوعي العراقي عزيز محمد في 16 تموز 1973وجاء في البيان ( أن أقامة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية هي استجابة لهدف نادت به وناضلت من اجله كل الاحزاب والقوى التقدمية  .... ) .

كما وجاء في البيان ( أن أنبثاق الجبهة الوطنية والقومية التقدمية يشكل نقطة بارزة ومشرفة في مسيرة العمل الجاد والمخلص والشامل لتكاتف الاحزاب والقوى الوطنية والقومية التقدمية ) .

وبودي أن أشير الى رسالة القادة السوفيت بمناسبة عقد المؤتمر الثاني للحزب جاء فيها  ( أن الحزب الشيوعي العراقي يبذل جميع جهوده من اجل اقامة الجبهة الوطنية لجميع القوى التقدمية والمعادية للاستعمار في العراق  وهذه الجبهة هي القادرة على المحافظة والتطوير للمكاسب الديمقراطية للشعب العراقي[2] .

وأنا أعتقد أن الحزب أستعجل في قيام هذا التحالف وعبر عن ثقة متسرعة لا مبرر لها منحها لحزب برجوازي له طموحاته الخاصة في أستلام السلطة والهيمنة وأن يلعب حزب البعث الدور الرئيسي و التأثيرفي مجالات الحياة المختلفة للمجتمع العراقي , وهذا الحزب الذي جاء بغطاء أخر بعد الفضائح التي قام بها في 8 شباط 1963 .

  وكان من أخطاء الحزب الكبيرةهذا التسرع في دخول الجبهة الوطنية , والصفح والتغاضي ونسيان ممارسات البعث في عام 1963 وقتله للالاف من الشيوعيين ومن المواطنين الابرياء وكان على الحزب أن يضع شروط لهذا التحالف هي بناء الديمقراطية وترسيخها بين أبناء شعبنا وقيام حكومة ائتلافية وطنية , وكذلك عدم التدخل في شؤون الحزب والاستقلالية للحزب تنظيميا وأيديولوجيا وسياسيا وعدم فرض المواقف السياسية المحلية والعربية والعالمية على الحزب.  وكان على الحزب أن يقدم شروط واضحة وصريحة وأن يكون هناك طرفا ثالثا شاهدا على تطبيق تلك الشروط منعا لحدوث التسويف والتزيف في محتوى الاتفاق , والذي حدث فيما بعد حينما جرد الحزب الشيوعي العراقي من كل أجنحته أي من كل المنظمات القريبة منه المعروفة وعمل حزب البعث على تبعيث المجتمع العراقي وكل مؤسسات الدولة المهمة من القوات المسلحة وزارتي ( الدفاع والداخلية ) أضافة الى أجهزة الاستخبارات المختلفة وأصبحت بيديه السلطة في جميع مجالات ومرافق العمل ونشاطاتها .



[1]  عزيز سباهي عقود ج 3 ص114 .

[2]  طريق الشعب العدد 8 السنه 27 ايلول 1970