الحلفاء في مفترق طرق/ فيصل الفؤادي
توصل الحزب الديمقراطي الكردستاني وحكومة البعث الى أتفاق 11 أذار 1970 على أساس الحكم الذاتي للشعب الكردي وقد أشترك منهم في حكومة البعث 5 وزراء وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يفضل دخول الحزب الشيوعي العراقي في مفاوضات مع السلطة ويعزو الكاتب عزيز سباهي ذلك الى التأثيرات الخارجية التي كانت لاتريد التحالف او العمل مع الحزب الشيوعي العراقي ( ... كان يقع تحت ضغط القوى الاجنبية التي لا تحبذ التحالف الوطني في العراق , وتقف على الضد من تعاون الحزبين الشيوعي العراقي والديمقراطي الكردستاني وعلى الضد من التحالف الوطني عامة [1] ) .
في تلك الفترة أستطاع النظام أن يحيك الدسائس ويعمل على تخريب العلاقة بين الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني من خلال المفاوضات المنفردة أي كل واحد على جانب , و كان المفروض أن يتفق الحزبان بالضد من البعث. ورفض الحزب الديمقراطي الكردستاني التعاون مع الحزب الشيوعي , (... أن يعمل مع الحزب الشيوعي لفرض المنحى الديمقراطي, راح يسلك سلوكا معاديا للحزب في المناطق المهيمن عليها ومنها أرتكابه لجريمة قرب منطقة زاخو قام بها المجرم عيسى سوار ومجموعته والتي راح ضحيتها 12 من كوادر الحزب الشيوعي العائدين من موسكو في طريقهم الى احدى مواقع انصار الحزب الشيوعي[2] ..) .
لقد عمل الحزب الديمقراطي الكردستاني في مناطقه على أنه يمثل الشعب الكردي كله بمختلف أفكارهم وأراهم وهذا التفكير خطا بالطبع والدليل على ذلك الانشقاقات والتكتلات التي حدثت للحزب نفسه منذ عام 1964 , وتاسيس الاتحاد الوطني الكردستاني بعد انهيار الثورة حتى المؤتمر التاسع للحزب وخروج مجموعة سامي عبد الرحمن وتأسيس حزب الشعب والحزب الاشتراكي الكردستاني أضافة الى الاحزاب الاخرى التي تختلف في أرائها ورؤيتها عن رؤية الحزب الديمقراطي لحقوق الشعب الكردي ... , ولم تستمع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الى صوت العقل والحكمة ونفذت النهج الذي خطط له والذي أوصل الحوار في النهاية الى طريق مسدود , حيث رفضت الدخول في الجبهة الوطنية والقومية التقدمية .
أشير الى ماجاء في في كتاب عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي الجزء الثالث للكاتب عزيز سباهي في صفحة 117 حيث يقول فيه ما يلي:(... واجه مقترح اشراك الحزب الشيوعي العراقي في الحكومة تحفظا من جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني , في وقت كان هو يشارك في الحكومة بخمسة وزراء . فهل كان وراء هذا التحفظ ما لمسه هو من عدم جدوى المشاركة في حكم لايقام فيه وزن للتكافؤ بين القوى والتعامل الديمقراطي فيما بينها وعدم اشباع الحكومة والاطراف المشاركة فيها بمسؤولياتهم .. ويومها كانت علاقات (حدك ) بالبعث اخذة بالتردي ؟ أم أن الحزب الديمقراطي الكردستاني كان يسعى الى حصر التحالف بينه وبين البعث وتقاسم النفوذ بينهما وابعاد الحزب الشيوعي , أو لعل ( حدك ) كان يدرك ان البعث يريد من الامر أن يأمن جانب الشيوعيين في صراعه مع الحركة القومية الكردية وقيادتها الممثلة بمصطفى البارزاني , وان هذه القيادة كانت تنوي تصعيد الخصومة مع البعث استناداً الى نصائح ووعود اجنبية ظهر زيفها فيما بعد,وهي لهذا لا تريد تعزيز حكم البعث ؟ ).
وكان الحزب الشيوعي العراقي يدرك جيدا ماذا يريد البعث حتى توقيع الاتفاقية ببنودها وأعطاء الحقوق كانت محط ريبة وشك , وكان يتأمل دخول الحزب الديمقراطي الكردستاني هذا التحالف لكي يكونان الحزبان قوة كفاحية ذات تجربة كبيرة أمام حزب البعث ومناوراته .
أن الحقوق التي تعطيها حكومة ديمقراطية وطنية هي غير الحقوق التي تعطيها حكومة قام حزبها على الانقلابات والتأمر المعروف للشعب العراقي ولا يؤمن بحقوق الاخرين , والتجربة معروفة مع حزب البعث وحكومته لاحقا وماحل بالحزب الشيوعي وأعضائه وموازريه بعد أن ثبت سلطته .
وقد طالب الحزب الديمقراطي الكردستاني بتأجيل اعلان قانون الحكم الذاتي 1974 كما نص عليه بيان أذار 1970, وأن الاحداث التي تلت أثبتت بما لايقبل الشك بأن بعض العناصر القيادية في الحزب الديمقراطي الكردستاني وبتوجيه من بعض الاوساط المعروفة لنا لكسب الوقت والمناورة ومن أجل الاستعداد لتجديد القتال .
ويشير كتاب صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق الى نفس الموضوعة الواردة أنفاً ( .. سعى الحزب الشيوعي جاهدا لاقناع الحزب الديمقراطي الكردستاني بالدخول كطرف ثالث في الجبهة لتستقر قاعدة الحكم على الاحزاب الثلاث . فتوالى ارسال الوفود وعلى مستوى قيادي الى مقر الملا مصطفى البرزاني شمال العراق[3] ) . وكان أحد الوفود بقيادة سكرتير الحزب عزيز محمد ووفد أخر ضم رحيم عجينة من الحزب وغانم عبد الجليل من البعث , ولكن الحزب الديمقراطي له غاياته التي وضعها أمام حزب البعث أو الحكومة , رفضوا حتى أستقبال موفدنا ( وطالبوا بدلا من ذلك خلال مفاوضاتهم مع السلطة أن يقتصر الحوار بشأن الجبهة بين من يمثل القوميتين الرئيستين في العراق أي البارتي والبعث ..) , وهذا الموقف يدل على طبيعة البرجوازية الصغيرة وحلفائها من أصحاب المصالح التي لاترتاح بعلاقة مع الحزب الشيوعي العراقي في حين هم يعرفون مدى دفاع الحزب منذ تاسيسه عن مصالح الشعب الكردي وحقوقه المشروعة . والاكثر من ذلك رفضوا أي دعاية للجبهة الوطنية حيث تعتبرها بعض الاوساط في الحزب الديمقراطي أنها أستفزازا لها , وأخذت تلاحق الالوف من المواطنين الذين عبروا عن تأيدهم وأسنادهم لقيام الجبهة الوطنية
ويشير فاتح رسول مؤلف كتاب تأريخ نضال الشعب الكوردي وماكان من المفروض أن يكون موقف الحلفاء الخاطىء (موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني الخاطئ والعدائي الذي اتخذه ضد حزبنا حيث كان صديقا حقيقيا للبارتي , قد ساعد ومهد السبيل بأن يتخذ حشع هذا الموقف الخاطئ , وكانت النتيجة ان كلانا قد الحقت به أضرار فادحة وتعرض للفشل والاحباط الجسيم في تأريخ نضال وكفاح حشع[4] ( الحزب الشيوعي العراقي -المؤلف ) . وتجربة الحزب الشيوعي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني طويلة برغم السلبيات التي ظهرت في بعض المواقف لكن العلاقة أتسمت بالود خاصة بعد الهجمة على الحزب الشيوعي في عام 1979 . ولكن مرحلة السنوات العجاف مع نظام البعث ومسيرة الجبهة والمناوشات وغيرها هي فترات غير ودية وبالاخص حين تنازل النظام عن نصف شط العرب وضربه الحركة الكردية وخروجها من ساحة النضال .
ويشير عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي وممثل الحزب في الجبهة الكردستانية رحيم عجينه صاحب التجربة الطويلة في التحالفات الى -
( أن موقف قيادة حدك تجاهنا أمر غير مستغرب , فعلى الرغم من علاقاتنا النضالية المديدة والعلاقات الشخصية مع البارزاني وقادة حزبنا من الاكراد فان نزعة الاستئثار بالعمل السياسي في كردستان وفيما يخص القضية الكردية , تدفع حدك لاتخاذ مثل هذه المواقف التي تلحق افدح الاضرار به وبالشعب الكردي والحركة القومية الكردية[5] ... ) .
وقد أشتركت بعض قوات الحزب من أبناء المناطق المتأخمة للمناطق الجبلية مع قوات الجيش في بعض الربايا ضد قوات البيشمه ركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني خاصة في عام 1974في موعد تطبيق قانون الحكم الذاتي .
وتشير دراسة التقيم للحزب الشيوعي العراقي في الكفاح المسلح لسنوات 1979 الى 1988 الى ( كانت قوات الانصار تدعم القوات الحكومية ضد الحركة الكردية المسلحة كجزء من سياسة الحزب في تعزيز التحالف مع البعث وردا على الحملات المعادية للشيوعية التي استهدفت سحق منظمات الحزب في كردستان ). وبالفعل منعت منظمات الحزب العمل في مناطق كردستان .وجرى أعتقال وأغتيال بعض كوادر الحزب في أربيل وسليمانية وغيرها .
كما ذكرت , أستطاع النظام أن يفرق بين الحلفاء بطريقة أستفراده بكل حزب ومن منطلق القوة والمصالح ولم يتابع هذان الحزبان نوايا ومناورات نظام البعث البغيضة في أضعافهم وهذا ماحدث بالفعل فبعد قيام الجبهة الوطنية عام 1973مع الحزب الشيوعي العراقي , أستطاع أن يعقد أتفاقية الجزائر أذار1975 مع الجارة أيران ( مع أخفاق ثورة أيلول وانهيارها في شهر أذار 1975 , كشف البعثيون عن وجوههم أكثر فأكثر , فتمزقت الاقنعة عن معظم الاهداف والنزعات المخفية , وقد لاحت المؤامرات والمخططات الشوفينية ونوازع الحقد والكراهية ومعاداة الامة الكوردية والديمقراطية كالبدر شاخصاً [6]... ) .
بالفعل أستطاع البعث أن ينفذ مخططه بخبث سياسي دنيئ أوحى للاخرين من السياسين وفي بدية انقلابه في العراق أو العالم بأنه يريد أن يغيرمن أسلوبه وعليه يرجع الى السلطة بثوب أخر .
ويوضح الرفيق توما توماس عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في مذكراته (16 ) التي نشرها موقع الناس الاكتروني (لم يكن انضمام حزبنا للجبهة ليعني الوقوف ضد الحركة الكردية والحزب الديمقراطي الكردستاني على الاطلاق ... وكان الحزب يرتبط خلال سنوات طويلة بعلاقات مميزة مع الحركة الكردية ... ومع ذلك وأقولها للتأريخ بأننا لو خيرنا بين الحركة المسلحة والبعث لكنا نختار وبوعي صف الحركة الكردية والحزب الديمقراطي الكردستاني من منطلق حل المسألة الكردية وفق قناعاتنا التي تكونت خلال سنوات غير قليلة من النضال ) .
وهكذا أنتهت الحركة الكردية أثر أتفاق صدام حسين مع شاه أيران حيث تنازل عن نصف مياه شط العرب الى أيران مقابل وقف المساعدات الايرانية الى الثورة الكردية.