النصيرتان الشهيدتان( أحلام ) و( أنسام )/ داود أمين
ربما محض صدفة، أن تجمع هذه الصورة الفوتغرافية النادرة، رفيقتين نصيرتين إستشهدتا في كردستان، وهما النصيرتان الوحيدتان اللتان إستشهدتا في معارك حقيقية، ولم تستشهدا نتيجة ظروف مناخية أو صحية، كما إن ما يجمع الشهيدتين إنتسابهما لمحافظة ذي قار، وولادتهما معاً في هذه المحافظة الباسلة.
الشهيدة( أحلام ) هي الرفيقة( عميدة عذبي حالوب ) ولدت في مدينة سوق الشيوخ عام 1954 لعائلة مندائية متنورة، إذ كان والدها يعمل في سلك التعليم، وقد غرس في أبنائه وبناته الستة، قيم الحرية والعدالة والإنفتاح، وفي أواسط الستينات، إنتقلت عائلة الشهيدة إلى بغداد، حيث سكنت في محلة الدوريين، ثم في الداوودي، وقد نشطت( عميدة ) في تنظيمات إتحاد الطلبة ورابطة المرأة العراقية، في السبعينات، أثناء دراستها في الثانوية، وفي كلية الزراعة، في جامعة البصرة، والتي تخرجت منها كمهندسة زراعية، وعندما إشتدت حملة البعث ضد حزبنا الشيوعي العراقي أواخر عام 1978 وأوائل عام 1979، قررت( عميدة ) مغادرة العراق، إذ أن ( التحالف! ) الذي عُقد بين حزبنا وحزب البعث، بدأت أساساته تنهار، فالبعث وقتها كشر عن أنيابه، وأسقط ورقة التوت، التي حاول أن يتستر بها لبضعة سنين! وكانت بلغاريا محطة الرفيقة( عميدة ) مثل مئات الشيوعيين الآخرين، وهناك تعرفت على الرفيق( سالم طه سالم ) وتزوجا، ومن بلغاريا توجها معاً إلى عدن( عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية في ذلك الحين )، حيث دخل زوجها الكلية العسكرية في اليمن، ليتخرج برتبة ملازم ثاني، ولتنخرط (عميدة ) أيضاً في دورة عسكرية، وفي دورة إختصاص لقذائف الأربي جي 7، وعندما أكملا أستعداداتهما العسكرية، توجها معاً إلى كردستان، ليلتحقا بفصائل الأنصار الشيوعيين، وفي كردستان أصبح زوجها( ملازم علي ) في حين إختارت هي أن تسمى( أحلام )، وبعد أقل من سنة على وجودهما بين فصائل الأنصار، شنت القوات الموالية للسلطة، في الأول من آيار عام 1983، هجمة غادرة، على المقرات القيادية والإعلامية للحزب الشيوعي العراقي، في وادي بشتاشان، وقد تصدى الأنصار الشيوعيون للهجوم الغادر، بشجاعة وبسالة نادرتين، إلا أن أعداد المهاجمين، ونوع الأسلحة التي زودتهم السلطة بها، والقصف المدفعي المساند من ربايا السلطة ومواقعها العسكرية، رجح الكفة لصالح القتلة، فإستشهد العشرات من أنصار الحزب، وبينهم العديد من الكوادر الحزبية والأكاديمية والعسكرية والعلمية، وكانت الرفيقة( أحلام ) من ضمن أؤلئك الشهداء الشجعان، حيث أغتيلت بغدر وخسة، من قبل قتلة مأجورين، تجاسروا لقطع إصبعها، من أجل الحصول على خاتم زواجها الذهبي، ونزع القلادة الذهبية من رقبتها، حاملين معهم عار جريمة لا يمكن نسيانها.
أما الشهيدة ( أنسام ) فهي( موناليزا أمين ) ولدت في 23/7/1951، في مدينة الناصرية، لعائلة تقدمية متنورة، فوالدها كان عضواً في الهيئة الإدارية لجمعية الصداقة العراقية السوفيتية في الناصرية، ووالدتها وجدتها من نشيطات رابطة المرأة العراقية، بعد ثورة الرابع عشر من تموز، وأخوالها شيوعيون.
دخلت موناليزا المدرسة الإبتدائية فكانت الأولى كل عام، وفي المتوسطة واصلت نفس تفوقها، ثم دخلت دار المعلمات لتتخرج منها عام 1969، بتفوق أيضاً، وهي دون الثامنة عشر من عمرها، تعينت معلمة في ناحية البطحاء ثم في مدارس الناصرية، إنتمت للحزب أوائل السبعينات، وبرزت قدراتها القيادية في زمن قياسي، مما أهلها لتكون مسؤولة حزبية ورابطية، لنساء محافظة ذي قار، وان تكون عضواً في اللجنة العليا لرابطة المرأة العراقية، ممثلة لمحافظتها، وفي المجال الحزبي ساهمت في مؤتمري الحزب الثالث والرابع، عامي 1976 و1985، وعند إشتداد الحملة ضد رفاق الحزب أواخر السبعينات، إستدعيت موناليزا من قبل قيادة الحزب إلى بغداد، لتكون في مركز قيادي، مع الرفاق جاسم حلوائي وعبد الرزاق الصافي والشهيد مزهر هول( أبو كريم ) وعدد من الكوادر الأخرى، للإشراف على تنظيم حركة مئات الرفاق، الذين وفدوا للعاصمة من مختلف المحافظات، وتوجيههم، وبعد إستشهاد الرفيق أبو كريم، وإلقاء القبض على آخرين، قرر الحزب إرسالها إلى دمشق بهوية مزورة، ومنها إلى بيروت، ثم أرسلت في دورة حزبية إلى بلغاريا، بعدها أصرت على الإنخراط في صفوف الأنصار، رغم وضعها الصحي الصعب، وفي اواسط عام 1982، وصلت إلى كردستان، لتكون في منطقة بشتاشان، قريبة من قيادة الحزب السياسية والعسكرية، ولتناط لها أخطر المهام، وهي فك الشفرة والمراسلات لقيادة الحزب والمكتب العسكري، وفي الهجوم الغادر الذي شنه عملاء السلطة في آيار عام 1983، نجت موناليزا بأعجوبة، إذ تسلقت بإرادة جبارة ولساعات طوال، جبال بشتاشان المغمورة بالثلج.
وفي عام 1986، وبالتحديد يوم 7/9/ من تلك السنة، وكانت عائدة مع مفرزة أنصارية، من قاطع بهدينان، إلى منطقة بيربنان، حيث موقع قيادة الحزب السياسية والعسكرية، أرتفعت شهيدة في هذا اليوم، بعد تعرضها والمفرزة الأنصارية لكمين تركي غادر، على الشريط الحدودي بين العراق وتركيا، حيث أمطرهم الكمين التركي، بوابل من قذائف المدفعية والرشاشات، فإستشهدت ( أنسام ) وإستطاع الأتراك أن يأخذوا جثتها، وهي مدفونة الآن في قرية( موسكه ) التركية، وقد حاول الرفاق مرات عديدة، سحب رفاتها لدفنها في مقبرة شهداء الحزب في اربيل، إلا أنهم لم يفلحوا، والمحاولات لا تزال مستمرة .