
یوم دفن جثمان الشهید ! / عمر خضر كاكيل
ترجمة : هاورى نهرو .. نرويج .
في احدی أیام الخریف، دقت جرس بابنا الرئیسي، عندما فتحت الباب رأیت شخصین غریبین مع امرأة موشحة بالسواد، لون وجهها أشبە بلون تلک السیارة التي جاءوا بها أحمر غامق حزین، في البدایة ظهرت الطیبة علی محیا المرأة علی الرغم من جلد وجهها شبە محترق نتیجة ضربات الشمس للمناطق السهلیة، بدون أستئذان دخلت هذە المرأة مع سائق سیارة بیکاب الی دارنا و سالوا، هل هذا البیت لعمة حلیمة ؟ عند الاجابة قلت نعم تفضلوا من أنتم ؟ المرأة لم تجیب علی سوالي کانت مستعجلة وقالت علی الفور والدتک موجودة ؟ اني التزمت الصمت لبرهة و بعدها قلت، تفضلوا الی الداخل، بعدما جلسوا، رحبت بهم والدتي و جلست الی جانب المرأة المحبوبة ومن ثم قالت المرأة بتؤدد، نحن أتینا الیکم من قبل الرفاق الپیشمرگة، أبنک سرکوت مصاب و موجود عندنا، جئنا کي تاتي معنا لزیارتە، عندما سمعت والدتي هذا الخبر المفاجیء، اکفهرت وجهها وتغیر لونە و بدأت تلطم علی وجنتیها و تقول، قسما باللە ابني مستشهد، قولوا لي بصراحة و بدون مؤاربة متی أستشهد أبني ؟ بالرغم من انهم قالوا أبنک باقي، کلما هنالک انە مصاب سوف نذهب الیە و تراە بأم أعینک لکن هیهات یبدوا والدتي شعرت من خلال الحاسة السادسة لذلک لم تصدق بما قالوا لها، من خلال البکاء والعویل أحزنني کثیرا لذلک بدأت أذرف دموعي بصمت لانە لم أکن أشعر بما ظنت الوالدة بان أخي العزیز و الوسیم مستشهد مع هذا شعرت من أعماقي بشعور مؤلم و حینئذ ذکرت کلمات تلک الرسالة التي أرسلها لي في وقت سابق والذي یقول فیها، اذا حدثت لي مصیبة فان الحزب لن یخفي الخبر عنکم ! تتوارد کلمات الرسالة في ذهني سریعا وقلت بصمت و مع نفسي، اذا کان أخي مصاب او جریح لم یخبرنا الحزب بهذە العجالة، هذە التوهمات جعلتني في حالة الشکوی من الاعماق وشریط ذکریاتي مع أخي العزیز تجسدت في ذهني ولاسیما ذلک الیوم الذي رأینا سرکوت فیە، عندما أخذ بندقیتە ( سیخو کلاشینکوف مظلي ) و خرج بعد برهة من الزمن سمعنا اصوات لطلقتین وحین خرجنا بسرعة رأینا سرکوت حامل الثعبان المقتول بطولە و علی العصا و بدا یقول لنا بابتسامتە المعهودة، هذە الحیة خرجت من بین تلک الحشائش !
وباي شکل من الاشکال تصرفنا علی تهدئة الوالدة، وبسرعة صعدنا في الجزء الخلفي من السیارة ( من نوع بیکاب ) و عند وصولنا الی بیوت معمل النسیج الواقعة في محلة کوران رکبت عمتي السیارة مع الاخ ستار صدیق الطفولة لسرکوت الی أن بلغنا قریة ئومەرەسور، نتیجة للطریق الترابي المار الی القریة، أصبح وجە والدتي متربا وعلیە خطوط متعرجة من الدموع الجاریة أشبە بوجە بطل من أبطال الحرب العالمیة الخارج توا من القصف المکثف للطائرات.
قبل هبوط الظلام وجدنا أنفسنا امام باب مصنوع من الصفیح و حائط من الطابوق الطیني و بمساعدة المرأة الموشحة بالسواد نزلنا والدتي من الجانب الخلفي من السیارة و بدأنا بسحبها رویدا رویدا الی باحة الدار و عندما أستقبلنا الرفاق واهل الدار بوجوە عابسة و حزینة عرفت غریزیا بان الامور لیست علی مایرام، شعرت بان ضربات قلبي تدق بسرعة وارتخت مفاصل قدمي الی أن أنتبهت الی أیادي رفیقین، مسکوني ورافقوني الی تلک الطارمة الموضوعة فیها جثة اخي الشاب، فورا رمیت نفسي علی صدرە وتحسست مکان قلبە، ذلک القلب، کان مفعما بالامل یوما ما والان بارد دون أن تضرب دقاتە، کم کان ذلک الیوم محزنا و کئیبا عندما تحتضن جثة أخوک الصغیر !
في هذە اللحظات فقدت والدتي وعیها نتیجة اللطم علی وجهها وفي الجهة الثانیة عمة الوالدي الوحیدة تنشد بصوتها الشجي موال حزین علی جثة الشهید الممدود داخل الطارمة مما أثر علی مشاعر جمیع الرفاق ومن ضمنهم الاخ ستار صدیق الطفولة لسرکوت لذلک بدأ یبکي و یلطم هو أیضا، أني حاولت ولو للمرة الاخیرة أن أری وجە اخي الصغیر لذلک حاولت بهدوء أن أفتح عقدة الکفن علی وجە الشهید کانما اود أستیقظە من نومە العمیق، ألح الرفاق علی عدم فتحي للعقدة الا أني أصرت علی ذلک وأخیرا فتحتها وازحت قطعة الکفن علی وجهه، بدا لي وجهە المصفر ولحیتە الناعمة، ظنیت انە نائما نوما عمیقا، وتجسدت في أذهاني لحظتها صورة جثة جیفارا وهي ممدودة علی المنصدة، للمرة الثانیة احتضنت الجثة و بدأت أشم رائحتها عمیقا و قبلت وجنتیە بهدوء وصمت، اتذکر قلت لە، اخي الوسیم لماذا تترکنا و تودعنا بهذە السرعة، الاهداف التي ناضل والدي من أجلها لم تتحقق بعد، في تلک اللحظة بمعاونة الرفیقین تم ابعادي من الجثمان، یبدوا عدد من الرفاق قاموا برش رذاذ الماء علی وجە والدتي وتم أستیقاظها وجلبها الی المکان القریب من الجثمان ( وهي عبارة عن قطعة من کبدها )
بعد فترة وجیزة انبری صوت عالي مفادە ( هیا یارفاق لنستعجل في دفن جثمان الشهید قبل حلول الظلام ) و بهذە الصیغة قام عدد من الرفاق و أهالي القریة برفع الجثمان الملفوف بالبطانیة وکان في مقدمتهم ملا القریة، یبدو ان اهل القریة قد جهزوا قبر حاضر في المقبرة في وقت سابق لذلک بعد فترة قصیرة تم انزال جثة الشهید المبارکة الی ثنایا المظلمة للقبر حینئذ قاموا الرفاق باطلاق عدة طلقات اکراما للشهید ومن ثم تم دفن الشهید بالتراب واثناء ذلک قام الملا بقراءة التلقین بصوتە العذب..وبعدئذ تقدم الرفاق الواحد تلو الاخر بتقبیل ضریح الشهید و تعهدوا علی مواصلة المسیرة والانتقام من الاعداء والمارقین، من ضمن اولئک الذین تعهدوا بشکل مثیر مع ذرف الدموع من عینیە رفیق کان اسمە جیفارا، عندما أراد تقبیل ضریح الشهید انحنی بجسمە کثیرا وقام بخلع سلسلة من رقبتە و علقها علی ضریح قبر الشهید ومن ثم قال بصوت شجي، رفیقي الشجاع والجمیل نم قریرة العین ما علینا الا مواصلة مسیرتک حتی تحقیق جمیع الاهداف، ربما سالحق بک قریبا، للاسف لم یمر عاما واحدا علی هذە الماساة حتی استشهد الرفیق جیفارا والتحق بمسیرة الشهداء، فالف تحیة علی روحە الطاهرة وروح جمیع شهداء طریق الحریة والعدالة الاجتماعیة.......