الحزب الشيوعي .... (22) / فيصل الفؤادي

محطات  لدعم الكفاح المسلح

أستطاعت قيادة الحزب أن تقنع الاحزاب الكردية التي تناضل ضد النظام الدكتاتوري بالتواجد في كردستان , برغم أن الحزبين ( الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ) في طور النشوء والتطور من ناحية أن الاتحاد الوطني تأسس في منتصف عام 1975 والحزب الديمقراطي أعاد تنظيمه بعد ان شكلت له  قيادة مؤقته بعد أن حل الحزب بعد أتفاقية أذار 1975 , ولم يرجع الحزب بأسمه الحالي الا بعد المؤتمر التاسع الذي عقد في خريف 1979 .

والجانب الاخر كانت تهيئة أعضاء الحزب وأنصاره من خلال التثقيف بالعمل الانصاري ومن ثم نقل بعضهم من كثير من الدول الاوربية الى لبنان وسوريا لتدريبهم على السلاح حيث أن أغلب الذين جائوا من الخارج الى كردستان دخلوا في دورات تدريبية بأشراف المنظمات الفلسطينية وبالذات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين و بنسبة أقل الجبهة الشعبية وفتح وكذلك في جمهورية اليمن الديمقراطيــــــة( اليمن الجنوبية ) , ودخل بعض رفاقنا ومنهم الاطباء معترك العمل والتدريب وقدموا مساعدات كثيرة للمخيمات الفلسطينية وللفدائيين .

ويرتبط ذلك أيضا بالمساعدات التسليحية التي قدمتها تلك المنظمات للحزب  ومن ثم أرسال السلاح الى كردستان العراق عبر سوريا , وكانت محطة القامشلي أهم محطة لجميع القوى والاحزاب العراقية ومنهم الحزب الشيوعي العراقي حيث كانت سوريا سندا وداعما لنضال الحزب ضد السلطة الدكتاتورية فــي بغداد .

وقد تدفق السلاح بشكل جيد وأستطاع رفاقنا في قيادة محطة القامشلي أن ترسل السلاح بأنواعه من خلال مفارز صغيرة وعلى طريقين الطريق عبر الاراضــــي  الحدودية التركية والاراضي الحدودية العراقية , برغم الصعوبات الجمة التي واجهها رفاق الطريق من خلال الظروف الطبيعية وعبور الانهر ( الهيزل ودجلة وفيشخابور ) أو الكمائن التركية والعراقية والتي راح ضحيتها العديد من أعضاء الحزب , حيث مع نقل السلاح يتم نقل الرفاق ومن كلا الجنسين وبوجبات مختلفة العدد .

وتعتبر محطة القامشلي (الشبه علنية ) أهم محطة لاستمرار أسلوب النضال الجديد أي داعمة الكفاح المسلح لآن هذه المحطة لم ترسل فقط السلاح أو المقاتلين الانصار بل الادوية والبريد الحزبي والصحافة والمبالغ المالية , وتهيئة كل المستلزمات الضرورية لمواصلة هذا العمل الجبار برغم المراقبة من قبل الاجهزة الامنية السورية لكل تحركات هذا الكادر القليل العدد الذي يوفر ويجهز ويهئئ المقاتلين ومتابعة وضعهم بشكل مستمر , وكان بمساعدة الحزب الشيوعي السوري وبعض الاحزاب الكردية المتواجدة في القامشلي .

ومدينة القامشلي مدينة حدودية محاذية للعراق تبعد حوالي 135 كم من مركز المدينة حتى الحدود العراقية السورية .

أغلب الجرحى والمرضى والعوائل من الانصار والبيشمه مركه يرسلون الى الخارج عبر منفذ القامشلي , ويقومون مسؤولي المحطة بكل الاجراات الفنية لغرض أرسالهم الى البلدان التي يتم التنسيق معها .

أما المحطة الثانية  ( السرية جداً) فكانت في طهران ,حيث أستطاعت منظمة طهران للحزب الشيوعي من أن تساعد الحزب في أستقبال الرفاق عبر مطار طهران ومن ثم  دخولهم الى كردستان عبر المناطق الحدودية الايرانية العراقية .

أضافة الى قيامها في أدخال المرضى الى المستشفيات أو جلب الادوية و صحافة الحزب الى مواقع الانصار , والتي عمل رفاقها على قلة عددهم بنشاط منقطع النظير حيث تم نقل العديد من قيادة الحزب عبر أيران الى افغانستان وبالعكس .وأغلب الانصار يدخلون الى أيران بأوراق خاصة بأسم أحد الاحزاب الكردية العراقية .

محطتين مهمتين للحزب وطيلة حوالي 8 سنوات تعمل بنسق واحد برغم الظروف الصعبة التي مرت على العاملين في هاتين المحطتين .

أما المحطة الغير معلنة فهي المحطة التركية وكانت تعتمد على الاحزاب والقوى الكردية التركية خاصة في الفترة الاولى من الكفاح المسلح , والتي ساعدت الحزب في دخول السلاح والانصار وخروجهم .

الظروف الموضوعية والذاتية

   أن ظروف الحزب الذاتية والعوامل الموضوعية لم تتوفر بالقدر الكافي لحرب الانصار, حيث كانت قاعدة الحزب مشتتة في بقاع العالم وهناك تردي وأحباط وأنتكاسة عامة  , فالنظام الذي يخوض الحرب كما أسلفنا , قوي بكل شيئ تسليحا وماديا , و دول الجوار لا ترتاح لوجود حزب شيوعي يحمل السلاح في المنطقة خاصة تركيا وايران , أضافة الى أن القوى العراقية الكردية لم تقتنع بتواجدنا في كردستان وتعتقد أن الظروف  عندما تنجلي عن  الحزب  سوف يرجع الى النظام , وهذا ماأشار اليه فاتح رسول في كتابه  صفحات من تأريخ كفاح الشعب الكوردي .في حين يسعى الحزب الى تجميع كافة القوى العراقية من أجل أسقاط النظام الدكتاتوري , خاصة وأن الحزب خاض الكفاح المسلح قبل بدأ الحرب العراقية – الايرانية .

وكما هو معروف فأن نظام البعث بعث بعدة رسائل لغرض رجوع الحزب الى الجبهة وتوسط في ذلك الحزب الشيوعي اللبناني والكوبي .

ومن جانب أخر يشير سكرتير الحزب عزيز محمد في لقاء خاص مع مجلة الثقافة الجديدة عن الظروف الموضوعية والذاتية الى ( ان أزمة النظام السياسية والاقتصادية والاجتماعية , والتي شملت جميع ميادين حياة المجتمع العراقي وانتقال كل القوى الوطنية الى المعارضة والى الكفاح المسلح ,بأعتباره الاسلوب الرئيسي لنضالها وأتساع هذه المعارضة لتشمل فئات أجتماعية أوسع فاوسع.... ويطرح السكرتير حول مقومات بقاء النظام , رغم الازمة المتفاقمة .. ) , ويضيف بأن (سياسة الارهاب والقمع الدموي التي مارسها ضد قوى المعارضة وجماهير شعبنا العراقي , لكننا نتفق أن من أسباب بقاء النظام الدكتاتوري هو غياب الجبهة الوطنية العريضة ..ان الحزب الشيوعي العراقي يرى انطلاقا من مواقفه الثابته في انتهاج سياسة التحالفات ,أن الظروف الموضوعية ناضجة تماما لاقامة مثل هذه الجبهة بين القوى المعارضة الوطنية ذات الوجود الحقيقي  [1]) .

وأني أخالف بعضا من الرأي كون النظام أستطاع البقاء أكثر من عشرين عاما بعد هذا اللقاء ولم تؤثر به أي ازمة لابل أنه استرجع قواه الذاتية بعد نهاية الحرب مع أيران وقام بأحتلال الكويت في عام 1990 , وأن الموضوعة متشابكة في مجمل أشكالها وطغت عليها مصالح النظام الدكتاتوري في علاقاته مع جميع الدول الراسمالية والاشتراكية وعمل على كسب تايدها داخلياً وفي المحافل الدولية , ونفذ صدام حسين سياسة ديماغوجية في المنطقة وأستعمل منطق القوة داخليا وخارجيا وخاصة مع الدول الخليجية لفرض تلك السياسة .   أما الظروف الذاتية فهي ليست سهلة , لان سياسة الحزب مع النظام في زمن الجبهة لم تكن موفقه ولم يوخذ الموقف الصائب أتجاه ماقام به النظام من أعتقال وتعسف في حق أعضائه , والتي بطبيعة الحال أثرت على نفسية أعضاء الحزب . ( كما باشر النظام الحاكم في العراق بتنفيذ خطة استهدفت تصفية الحزب ومحاولة أخراجه من الساحة السياسية , وقد بلغ ضحايا هذه الحملة ممن أعدموا أو سجنوا أو تعرضوا للاكراه من اعضاء حزبنا واصدقائه نحو (70 ) الف مواطن [2]...) .

    فقد غادر الالاف منهم الى الخارج وتوزعوا في البلدان المجاورة ومنها سوريا ولبنان أضافة الى الدول الاشتراكية وتشتت التنظيمات , ومنهم من بقي في الداخل مختفياً أو ترك السياسة , ولهذا ليس من السهل السيطرة على مثل هذه الاوضاع أو أيصال قرارات الحزب الجديدة , ولكن الاكثرية من القاعدة كانت تريد رد الاعتبار للحزب والعمل ضد النظام القائم من اجل أسترجاع هيبة الحزب بين أبناء شعبنا العراقي وتذكريهم بمواقفه الوطنية والقومية والاممية المشهودة , ولهذا عملوا أعضاء الحزب وأصدقائه كل ما بوسعهم من أجل ذلك من خلال مناشدة الحزب في الرجوع الى مواقع معينة يختارها الحزب للعمل والنضال ضد هذا النظام المتعجرف .

   وقد لبى نداء ذلك النضال البطولي المئات بل الالاف من المناضلين والمناضلات ومن مختلف الاختصاصات والامكانيات ومن مختلف دول الشتات والتحقوا بهذه الحركة الناشئة  .

ولاول مرة تتكون حركة الانصار من أمكانيات علمية وفنية ومهنية كبيرة جدا بين أعضاءها ,أضافة الى الادباء والكتاب وبعض العسكريين من الجيش العراقي النظامي أو من حركة الانصار للفترات الماضية والذين كان لهم تأثيرا أيجابيا في نقل الخبرة الميدانية للانصار الجدد والمعرفة وباسلوب حياة الكفاح المسلح وظروف الواقع الكردستاني بكل تلاوينه .

   أن الثورات كما أثبتت التجارب التأريخية وفي جميع البلدان مهما أختلفت ظروفها , ينبغي الاعتماد فيها بالدرجة الاساسية على القدرة والامكانيات الذاتية للشعب وقواه الجماهيرية الوطنية المكافحة وخاصة الجماهير الكادحة ذات المصلحة الحقيقة للاستمرار الثورة ونجاحها .

أن الاعتماد على الجماهير الشعبية والكادحة هو الينبوع الذي يفضي الى  تطور حياة الحزب نحو الامام كونه القوة الضامنة التي ترى فيها الجماهير أملها والملبي لحاجاتها ومتطلباتها .

كردستان العراق

   أن منطقة كردستان العراق والتي تتمثل في ثلاث محافظات هي السليمانية وأربيل ودهوك تعد من أجمل المناطق في العراق من ناحية أجواءها وجمال سهولها وجبالها ووديانها وانهارها , وتعتبر الجبال القريبة من الحدود مع الدول المجاورة تركيا وأيران  جبال عصية وقاسية وشديدة الوعورة وتحوي المنحدرات الكثيرة والكهوف العديدة .

وقد عاش الشعب الكردي في القرى الفقيرة الجبلية الممتدة في تلك المناطق البعيدة والنائية والتي قام الفلاح بزراعتها واستفاد من الانهار وعيون الماء المنتشرة في كل مكان .أرتفاع جبالها بين 400 م في منطقة السندي وحوالي 3600 م عند قمة هلكورد في جبل حصاروست , وتمتد سلسلة الجبال بأتجاه الشرق ( جبل بخير والجبل الابيض , عقره , بيرمام , هيبت سلطان , سكرمه وقرداغ .. ) . وتمتد بين هذه السلسلة الجبلية مجموعة من السهول والوحدات التضاريسية العديدة , والسهول الجبلية وتخترقها مجموعة من الانهار والروافد ومنها ( دجلة , الخابور , الزاب الكبير , الزاب الصغير ) . ومناخ الاقليم يعتبر من مناخ البحر المتوسط , حيث تنخفض درجة الحرارة في الشتاء الى دون الصفر ودرجة الحرارة تصل في الصيف الى 40 درجة مئوية . ويختلف طول الخريف والربيع حسب طول المناطق الجبلية والسهلية .وتزرع في تلك المناطق مختلف الفواكة والتبوغ والقمح والشعير , أضافة الى الاشجار المثمرة الاخرى , وتعيش فيها مختلف أنواع الحيوانات من الطيور الى الخنزير البري .

هذه المناطق تعتبر من المناطق الامنة بالنسبة للثورة الكردية والحركة الانصارية والتي لم تستطع الحكومات المتعاقبة القضاء على الحركة المسلحة فيها بشكل عام .

وقد أختار الحزب الشيوعي العراقي تلك المنطقة لانصاره خوفا من ملاحقة أنقلابي 8 شباط 1963 وقوات صدام حسين في الفترة مابعد عام 1979 .

وقد عاش الحزب منذ 1963 حتى قيام الجبهة الوطنية القومية التقدمية 1973 في ظروف العمل السري والتواجد في كردستان العراق , وعاش الحزب فترة 5 سنوات فقط  في ظروف طبيعية وبديمقراطية مقننة هي العلاقة الجبهوية مع حزب البعث الذي يقود السلطة .

وعادت قوات الحركة الانصارية للحزب الى كردستان في عام 1979 وبقيت حتى نهاية  1988حيث خرجت القوات الانصارية مع حلفائها بعد وقف الحرب مع أيران مباشرةً  حيث شنت قوات النظام مع الجحوش الحرب على مواقعهم والذي أدى الى خروجها الى دول الجوار ودول أخرى  , ثم عادت القوات بعد الانتفاضة في اذار 1991 , والتي ادى الى خروج جيش وقوات النظام الدكتاتوري من تلك المناطق ومن ثم أوجدت مناطق أمنة للشعب الكردي , وعمليا رجع الحزب مع قوات الانصارالى كردستان في عام 1991 وبقي حتى سقوط النظام .

وعمليا وطيلة 40 عاما أي منذ 1963 الى سقوط النظام عام 2003 لم يعمل الحزب الشيوعي العراقي بين شعبه بشكل طبيعي , بحيث لم يعقد الحزب سوى مؤتمرا واحدا في بغداد بشكل شبه علني في أيار عام 1976 .



[1]  الثقافة الجديدة 145 ص5 .

[2]  الثقافة الجديدة عدد166 ص 44