الكفاح المسلح / فيصل الفؤادي

من المعروف ان هذا الاسلوب يحتاج الكثير من العمل من أجل أسقاط أنظمة دكتاتورية وخاصة مثل نظام صدام حسين الذي في الوقت نفسه يخوض حرباً شعواء مع الجارة أيران .

هذا النظام كان يمتلك الاموال الهائلة من خلال تدفق موارد النفط ولهذا عمل كل ما بوسعه من أجل تقوية سلطته و ( في سياق هذا التوجه جرى صرف الاف الملايين من الدنانير على بناء جهاز عسكري ضخم وتطوير مؤسسات القمع واقامة المشاريع الصناعية الضخمة ومحاولة التحكم بسياسة الدول العربية والعديد من الدول النامية . كما كان هذا التوجه في أساس المغامرة العسكرية التي قام بها النظام في عدوانه على أيران[1]

ولهذا كان لابد للحزب أن يحسب كل الامور المتعلقة في تجسيد هذا الاسلوب النضالي الذي أصبح الاسلوب الرئيسي للحزب منذ أجتماع اللجنة المركزية  عام 1981  .

 ومن اجل تقديم صورة واضحة عن الكفاح المسلح بقدر الامكان لابد من تقسيم هذه المرحلة التي أمتدت حوال 9 سنوات من النضال والعمل المضني والدؤوب حسب توفر الامكانيات ونشاط الحزب والتغيرات التي طرأت على عمله وظروف النظام الدكتاتوري الحاكم انذاك , الى عدة مراحل وهي:

أولا فترة التأسيس والبناء ( 1979 –1981 )

ثانيا فترة الاستقرار والتطور ( 1981 ـ 1983 )

ثالثا فترة الانكسار (1983 ـ 1984 )

رابعا فترة الانتعاش ( 1984 ـ 1988 )

خامسا فترة  نهاية الكفاح المسلح ( 1988 ـ 1989 )

أولا فترة التأسيس والبناء (1979 ـ 1981)

   يذكر تقييم حركة الانصار التابعة للحزب الشيوعي العراقي الى ان العمل الانصاري (اقتصر, في هذه الفترة على بناء المواقع الانصارية وتعزيزها وتشكيل مكتب عسكري وتنظيم الانصار المتواجدين في تشكيلات أنصارية وتدريبهم على السلاح[2]  ), وقد أشتمل ذلك الرفاق الذين التحقوا من الداخل نهاية عام 1978 وبداية 1979 حيث كان الغالبية منهم من أبناء المنطقة أي من كردستان العراق , اما الذين أتو من الخارج فبدأ ذلك منذ ايلول وتشرين الاول من عام 1979 ,على دفعات وهم الذين دخلوا دورات تدريبية في لبنان وسوريا وبأشراف المنظمات الفسلطينية وبالذات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بقيادة نايف حواتمه , حيث تلقوا الدروس النظرية والعملية والمسيرات الطويله حتى مناطق قريبة من العدو الاسرائيلي، ومكنهم من التعرف على أنواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة , والاستخباراتية والجوانب الامنية والتوجيهية وظروف الكفاح المسلح ومايتطلبه من عمل اسشهادي في القضية التي يؤمن بها النصير .

وأستطاع البعض أن يثبت جدارة في الجوانب العسكرية ,وأخرون ممن خدم في الجيش العراق كانت لديهم معارف أكبر حيث أضيفت لهم معلومات أنصارية جديدة غير تلك التي تعلموها في الجيش النظامي، حيث حرب العصابات تعتمد على المباغتة والكر والفر بأعداد قليلة ولكنها مؤثرة في ساحة عملها العسكري , وهي التي تختار الوقت المناسب بمعنى الزمان والمكان المناسبين... الخ  .

يعتبرهذا الطريق الصعب وهذا الاسلوب النضالي ذوقيمة فعلية ومعنوية كبيرة جدا لوقيست بظروف الحزب أنذاك , خاصة بالنسبة للذين لايجدون مواصلة الجبهة أو العمل مع حزب البعث الفاشي وأساليبه التي نكل بالحزب وقلل من هيبته أمام الرفاق والشعب وأصدقائه .

وعليه كان لابد للحزب أن يحسب الامور بشكل دقيق لهذا الاسلوب ,ومن هذه الامور أو القضايا التي يجب أن يحسب لها وليس على شكل ردود فعل وبظرف زمني قصير هي:

أولا ـ  مدى قبول هذا الاسلوب النضالي من قبل أعضاء الحزب ومناصريه .

ثانيا ـ الوضع الجغرافي أي طوبغرافية المنطقة وقدرة الحزب ورفاقه على التكيف عليها  , وتأثيرها على أسلوب الحياة ..

ثالثا  ــ القواعد الثابته والمتحركة والمفارز المختلفة ..

رابعا ــ العلاقة مع الجماهير وخاصة أن أبناء المنطقة الذين يتحدثون بلغة أخرى حيث ان نسبة  70% من الانصار كانوا لا يستطيعوا التحدث بها ، ومدى قبول الطرف الاخر بهؤلاء الانصار .

خامسا ــ قبول الاحزاب الاخرى المتواجدة في المنطقة (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني ) وتضارب مصالحهم مع الحزب الشيوعي العراقي، حيث كل حزب منهم يمثل مصالح فئة أو طبقة معينة .

سادسا ـ أمكانية تجهيز الحركة الانصارية بالوسائل الضرورية للحياة ومنها الملابس و السلاح والتموين  وأمور أخرى .

سابعا ـ كيفية ابعاد الحركة الانصارية عن أساليب النظام التخريبية في الاندساس والعمل على تخريب العلاقة بين فصائل الانصار والقوى الاخرى أو بسبب التواجد في المنطقة الكردية بتخريبها للعلاقات مع جماهير المنطقة .

   هذه الامور وغيرها كان الحزب يحتاجها ويأخذها بنظر الاعتبار قبل عمل أي شيئ , فهل أستطعنا أن نهيئ جزء منها أو كلها لكي نستطيع مواصلة هذا النضال أمام نظام دكتاتوري لديه كل الامكانيات التسليحية والمادية والبشرية ؟ أم ماذا كان يدور في خلد الحزب ككل في هذا التواجد الذي أستمر حتى عام 1988 , أي في وقت أنتهاء الحرب العراقية الايرانية التي كان الكثير من الاحزاب المتواجدة معنا في كردستان العراق تذكر أن النظام العراقي عندما تنتهي الحرب مع أيران سوف يتحول الى محاربة قواتنا في كردستان وبالفعل هذا ماحدث والبعض من تلك القوى كان لايريد ان تنتهي هذه الحرب , ولكن الحزب كانت لديه رؤية أخرى , وهذه مسؤوليته الاخلاقية والسياسية ,أن يرفع شعار أنهاء الحرب وبكل السبل لانها تحرق أبناء شعبنا وليس النظام نفسه وهذا ماجرى , فالنظام بعد انتهاء الحرب مع ايران أصبح أقوى وخسر شعبنا العراقي مايقدر بمليون من القتلى والجرحى والمفقودين وأصبحت كثير من العوائل بدون معيل حيث ترملت الالاف من النساء , واصبح العراق بلد لالاف المعوقين والايتام , أضافة الى وضع معاشي وأقتصادي وأجتماعي سيئ للغاية في بلد النفط .

لقد تكونت ثلاث مراكز أنصارية في مناطق مختلفة من كردستان العراق هي :

- قاعدة حلبجة لقيادة منطقة هورامان والسليمانية والتي تأسست أذار عام 1979 .

- قاعدة بهدينان لقيادة منطقة دهوك والموصل وتأسست في 4 تشرين الاول  عام 1979 .

 - قاعدة ناوزنك والتي نشأت في بداية عام 1979  حيث كانت مقر قيادة الحزب , أضافة الى المكتب العسكري والاقليم والاعلام والعلاقات ... الخ .أضافة الى مقرات أخرى تابعة الى هذه القواطع ومنها قاعدة كوستا التابعة الى قاطع أربيل .

  لقد تميزت الحركة الانصارية للحزب بالتحاق أعضاء الحزب فقط وبعض الاصدقاء ومن كلا الجنسين الذين كانوا محسوبين على الحزب وهم من مختلف القوميات ومن الجنوب حتى الشمال. ولم يلتحق بالحركة في بدايتها من أبناء المنطقة أي في عام 1979 وعام 1980  , حيث كانت هناك عوامل كثيرة أثرت في هذا الجانب ومنها اللغة وتواجد الاحزاب الاخرى ومن هم أعداء الحزب من الاغوات والاقطاعيين الذين لايريدون للحزب التواجد في مناطقهم وكذلك مساعى النظام التخريبية في هذا المجال أضافة الى الجانب الاعلامي المضاد. كل هذه وغيرها كان لها تأثيرها على أن يناضل الحزب بمفرده فقط , هذا لايعني عدم التحاق ابناء المنطقة بالحزب , ولكنه لم يكن بالمستوى المنتظر, وبعضهم ترك الحزب بسبب أرتباط مصالح أوخوف,  وهذا ماثبت بعد عام 1991 حيث الكثير من أبناء المنطقة الذين كانوا معنا في فترة الكفاح المسلح التحق بالحزب الديمقراطي الكردستاني أو الاتحاد الوطني الكردستاني وأستلموا بعض المسؤوليات ولم يبق الا من ارتبط روحيا وفكريا مع الحزب والمبادئ التي أستوعب تاثيرها ومداها .

وتميزت الحركة الانصارية في البداية بقدرات بسيطة وبسلاح خفيف وأنصار لم تكن لديهم  معرفة مسبقة بالمنطقة وبالمستوى الجيد، وبالذات في بداية الكفاح المسلح وخاصة في منطقة بهدينان , اذا كان أغلبهم من أبناء المناطق الجنوبية وبغداد  من العراق الذين لم يعرفوا الجبل بشكل كاف اضافة الى صعوبات الحياة الاخرى. وبرزت بعض المشاكل ومنها تململ البعض من التواجد في هذه المناطق النائية من العراق والعالم فكيف يمكن خوض الكفاح المسلح ومع من؟ وكيف سنصل العدو ومعاقله؟... الخ  , هذا ماكان يطرحه البعض خاصة عندما تزداد أعداد الانصار وبالذات منذ عا م 1980 والسؤال الذي كان يطرح: لماذا نحن هنا ؟

كانت فكرة الحزب تقوم على تجميع الرفاق والبدء بعملية البناء أي بناء مقرات للحزب في الشريط الحدودي بين العراق وتركيا أو بين العراق وأيران . وهي الفترة الاولى التي يستعمل فيها تكتيك معين يتناسب مع الامكانيات المتوفرة التي تتيح لها صيانة نفسها , أضافة الى العمل الدعائي والاتصال مع جماهير المنطقة لتعريفهم بسياسة الحزب بعد أنسحابه من الجبهة مع النظام الدكتاتوري  .

وجرى تقسيم وتنظيم الانصار  في سرايا وفصائل وحضائر عسكريا وتنظيميا ( حزبية ) برغم أن البعض منهم لم يعرف مستواه الحزبي بل أعتمد على مايقوله أو تزكية من الاخرين المتواجدين من الرفاق  لآن التنظيم خارج منطقة كردستان ترك لكل رفيق ان يتخذ قراره بنفسه. ولهذا نجد منهم من سافر الى الخارج وعلى مسؤوليته الخاصة ونفقته الشخصية , لهذا لم يحملوا معهم تراحيل توضح وضعهم الحزبي .

الامر الاخر هو انه تم ادخال بعض الانصار دورات لغة ودورات عسكرية بسيطة ومسيرات تحمل وأستطلاع للمنطقة أضافة الى الدروس النظرية حول العمل الانصاري أو حرب العصابات ومنها تجارب اليوغسلاف أو اليونانيين أو في فيتنام وأمريكا الاتينية وغيرها وهي تجارب مفيدة ولكن تضاريس تلك البلدان وظروفها تختلف , والتعامل مع الوسط الاجتماعي هو الاخر مختلف وكانت اللغة عائق كبيروالحياة ذات ظروف قاسية .

ومهما درسنا هذه  التجارب لا يمكن أن نطبقها بشكل حرفي أو نستنسخها في ظروف تختلف وبشكل كلي عن الظروف التي أقيمت فيها حروب العصابات المختلفة .

ولهذا أعتبرت فترة الرخاء أو البقاء هي فترة تهيئة نفسية ومعنوية للانصار المتواجدين , أضافة الى عملية التثقيف الذاتي والجماعي من خلال المحاضرات والدورات العسكرية والحزبية التي تقوم بها قيادة القاطع المعين وبأشراف مختصين في الجانب النظري من خريجي الجامعات  الحكومية أو الحزبية في الاتحاد السوفيتي أو البلدان الاشتراكية , وقد ادى هذا التثقيف دوره وبنسب متفاوتة على الانصار .

من المذكرات التي حررها الانصار الذين تواجدوا في هذه السنوات فانهم يشيرون الى أن البداية كانت صعبة جداً ولم تتوفر أبسط المستلزمات ومنها المادية ,اكثر من مرة استدان المسؤولون من وجهاء المنطقة الذين يدعمون الحركة الانصارية وكذلك التموين وبالتالي السلاح الذي كان بسيطا جدا .

في هذه الفترة توفرت الاسلحة التالية :

  • الاسلحة الخفيفة وقاذفات أربي جي.
  • مدافع هاون عيار 81 و60 وبعض القذائف.
  • سلاح مضاد جوي عيار 500 أمريكي الصنع.
  • أسلحة متوسطة عفاروف وتكتريوف مع الذخائر.
  • أجهزة أتصال بسيطة .

أما ملابس الانصار فقد كانت تختلف في شكلها وفصالها لان المنطقة جبلية تحتاج الى ملابس عريضة فتحمل الحزب خياطتها وتجهيزها الى الانصار أضافة الى الاحذية التي تلائم السير في الجبال والوديان وظروف الحياة

وبرغم كل هذه الظروف الصعبة والقاسية، وخاصة في تغذية الانصار الذين عاشوا على مايتوفر في المناطق الحدودية من المواد التموينية الغذائية البسيطة ( الرز والفاصوليا والحمص والحليب والمعجون والدهن والسكر والشاي والبرغل والجوزوالمربى  أضافة الى المادة الرئيسية الطحين ) والتي توفرت ولكن ليس بالشكل الذي يحتاجه الانصار خاصة في هذه المرحلة .

وفي الاشهر الاولى للحركة الانصارية كانت هناك مساعدات من قبل الحزب على هيئة راتب شهري رمزي لاجل شراء الملابس الداخلية أو السكائر وكانت تتراوح بين ( 2,5 دينار و5 دنانير , و10 دنانير ).

( لقد أستطاع الحزب بقيادته وكوادره وأعضائه وأنصاره وبجهادية عالية , تجاوز الضربة العميقة والشاملة التي وجهت له , والسيرعلى طريق استعادة بناء منظماته ووحداته المسلحة ( الانصار ) في كردستان العراق , بفضل العمل الدؤوب والمفعم بنكران الذات من لدن جميع أعضاء الحزب ومؤازريه , واستطاع في أجتماعات اللجنة المركزية في اعوام 1979 , 1980 , 1981 , 1982 , 1984 , أن يصوغ ويطور سياسته الجديدة القائمة على اسقاط الدكتاتورية الفاشية واقامة حكومة وطنية ديمقراطية ائتلافية [3] ) .

بالفعل عمل الانصار بكل جهد من أجل بناء الاسس و مستلزمات الكفاح المسلح بعمل كبير وبطولي حيث بنوا قاعات كبيرة في جميع ارجاء كردستان حيث حلوا , من السليمانية حتى أربيل ودهوك وشمال الموصل . وشمل هذا الجانب بناء غرف خاصة للطبابة ومشاجب السلاح والاعلام والاتصالات والتصوير وغيرها .

و يشير الكاتب عزيز سباهي في كتابه الى (أن أخطر ما واجه اجتماع اللجنة المركزية هو البت في مسألة الكفاح المسلح ـ أي أجتماع اللجنة المركزية عام 1980 ـ فمثلما لاحظنا سابقا ان الاجتماع السابق قبل عام , لم يحسم هذه المسألة و رغم ان هذا الكفاح قد بدأ فعلا , وخطا فيه بعض قادة الحزب خطوات ملموسة , وصار الانصار الشيوعيون يخوضون المعارك , اقر اجتماع برلين مبدأ التحول الى اسلوب العنف الثوري والكفاح المسلح ,بعد أن لم يعد بوسع الحزب ان يدافع عن نفسه بالاساليب السلمية وحدها . فالحكم بحملة الارهاب المتواصلة والمتفاقمة كان يسد فيها منافذ العمل السلمي امام منظمات الحزب ,وارغامها على ان ترفع السلاح , في ذات الوقت التي ظلت تستخدم كل الوسائل الاخرى الاعلامية والسياسية والعمل المباشر مع الجماهير لفضح الدكتاتورية ,وتحريك الشعب ضدها , وتاتي قيمة الاقرار الرسمي بالعمل المسلح كونه قد أطلق ايدي المنظمات والهيئات الحزبية في كل مكان لدعم هذا الكفاح والارتقاء به كما ً ونوعا[4]ً ) .



[1]  نفس المصدر السابق ص44

[2]  تقيم تجربة الانصار 1979 الى 1988 ص 9

[3]  تقيم تجربة الحزب 1968 –1979 ص 65

[4]  عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي  ج3 ص 193 و194