معركة هيلوة.. القوة والتحدي / محمد علي الطليباوي
من معارك المجد الانصاري في اربيل
معركة هيلوة.. القوة والتحدي/
الزمن13/11/1986
المكان: قرية هيلوة- سهل اربيل
هيلوة، واحدة من القرى غير الكبيرة في دشت اربيل ، الواقعة تحديدا في منطقة شمامك. سكانها يتوزعون على اكثر 30 من منازل من الطين والآجر. منازل تنثر طيبة وكرم وصبر على غدر الزمان. وكم جاهدت السلطة مرارا وتكرارا على احتوائها واستمالة رجالها وشبابها الى التسبيح بحمدها، لكنها اصطدمت بمقاومة صلبة من الكثير من الثوريين من اهلها. من الشيوعيين تحديدا. سقى الانصار الشيوعيين ارضها بدمائهم، ومنوحها شرف الانتماء الشيوعي. وهي كريمة كعادتها ، منحتهم الرجال الابطال والشهداء من ابنائها. وما ارتفاع (كردتها) تلتها الكبيرة الواقعة في جنوبها الشرقي، الا تأكيدا على جبروتها وتفوقها على الكثيرة من الجيران. تلة تفوح منها رائحة التأريخ الغابر.تلة هيلوة، بريد وانتظار، ثم شعلة لنوروز، ثم اعلام لشئ ما حل بالقرية. أم اليوم فهي مكان وسيطرة لمدفعية العدو.
هيلوة، منحت الانصار احساسا ،انهم في دارهم. تستقبل مفارزنا بالفرح والدفء والدعاء. وهي على عادتها يوم استقبلتنا مساء الثاني عشر من تشرين. كنا قرابة الاربعين نصيرا، او أكثر، موزعيين على سرايا الفوج الخامس اربيل، سرية برانتي، والقرجوق وسرية اربيل، وعدد من الانصار من فصيل مكتب الفوج.
الظروف ما قبل المعركة
كانت السلطلة قد فقدت قدرتها وقبضتها القوية على الكثير من مناطق اربيل ومنها السهول في تلك الفترة من تطورات الحرب مع ايران. وبسبب تركيز السلطة على جبهة الحرب مع ايران، سهل هذا الامر الكثير من مهامنا ووسع حركة مفارزنا. و حدث انغيرنا من اساليب نضالنا وحركتنا من احتماء بالمساءات والليل الى عدم الخوف من شمس النهار. كان خيارنا في تلك القترة من النضال ان ندخل ونستحكم في اية قرية طيلة النهار وان لا ندع اي مركبة للخروج دون معرفة صاحبها والتأكد منه، مستثنين الرعاة أن يغادروا للمراعي صباحا، ، بعد ان نسلحهم بالوصايا المهمة.
خارطة قواتنا
صباح الثالث عشر من تشرين الثاني، كانت مجموعتنا( برانتي) قد أستحكمت في منازل جهة القرية الجنوبية ، والمواجهة للطريق الرئيسي الذي يدخل القرية قادما من اربيل او ناحية ديبكة او مخمور، وبالتحديد محور قرية علياوة –هيلوة. وكانت تحت آمرتي ومساعدي البطل عادل شبك..
أما مجموعة القرة جوق فقد كانت لها الجبهة الغربية ومحور قرية آودلوك- هيلوة، وكانت تحت قيادة ابو احلام والبطل ابراهيم .
فيما أحتلت مجموعة اربيل الجبهة الشرقية تحت قيادة الرفيق شيخا وكانبي شوان .اي على محور طريق قرية ماستاوة- هيلوة. وغطى جهة القرية الشمالية تجاه عوينة انصار من قرةجوق واربيل بالاضافة للرفيق كانبي شوان.
فيما تركت وسط القرية مساحة للحركة، واقامة المستشفى الميداني فيما بعد، ومكان تعبئة للجبهات.
وهكذا، يوم علمنا ان تقدم قوات السلطة واقع لا محال، عقدنا العزم على التحدي وقلنا لهم:
(نحن لها. سنلقيكم درسا بالحرب الجبهوية هذه المرة. سوف ترون الشييوعيين كيف يقاتلون). وقبل كل شئ أطمئنا على اخراج الناس جميعا خاصة النساء والاطفال، الا البعض الذي رفض المغادرة، وفشلت انا من اقناع أحد الفلاحين بالخروج. كان قد قال لي بالحرف الواحد( روحي ليس أعز من أرواحكم).
أدوار لا تنسى لمجموعة من الابطال:
- الرفيق محسن دةشتي ابن قرية هيلوة، وعاقد سرتها، لعب الدور الاكبر في توزيع الكمائن وترتيب الجبهات على جميع مداخل القرية ، واقمنا معه اركان حرب لادارة المعركة، منذ البدء حتى الانسحاب. كان ده شتي من كوادر التنظيم المحلي الفلاحي.
- ثلاثة رفاق شيوعيين، ملتحققين جدد. جاءوا من مدن الجنوب، كانوا يدورا ويجولوا مع مفارزنا لاكثر من شهر قبل المعركة. كانوا بلا سلاح بعد. وهم الرفيق جهاد، و.عزيز...، والرفيق ابو محمد
أعطيت لهم مهمة مساعدة الرفيق دكتور سعيد في ادرة المستشفى الميداني للمعركة، والاهتمام بالجرحى خاصة الرفيق جهاد، اما الرفيقينعزيز وابو محمد فتنقلوا على عدة مهام منها التغذية والاهم كانت التعبئة للقذائف ولمخازن الرشاشات والبنادق، فقد كان سيارتنا محملة بما يكفي من العتاد لخوض مثل تلك المعركة.
- أصغر نصير ملتحق جديد أجهل اسمه (س) كان في الرابعة عشر من عمره ،عمل مراسلا بين ابو ميلاد ( الجبهة الشرقية) وبين بقية الجبهات ينقل الاخبار والعتاد لمن يحتاجه، هذا اليافع الشجاع لا يعرف الخوف لقلبه طريقأ.
بدء المعركة.
في تمام التاسعة والنصف صباحا بدأت المعركة . كان هناك رماية تتقدم باتجاه القرية. وكعادتنا، لا نستفز ونرد. بل ان نتركهم يتوهموا ان لا بيشمركة في الموقع كما اعتقدوا. كانت اول الارتال تتقدم من جبهة الجنوب. من محور اودلوك –هيلوة. في الطريق الميسمي الذي يدخل القرية. كانت تعليمات ابراهيم وده شتي للانصار بعدم الرمي ، الا بأقرب المسافات، والبداية ،بندقية البطل ابراهيم.
واخيرا وقعوا في المصيدة على بعد عشرين مترا من اول منازل القرية. اثنين من المركبات تتقدم ومجموعة كبيرة من المشاة تسير على طرفي المركبات ، وكل ذلك من قوات الجحوش وقوات التأديب :ما يسموها. بدأت بنادق الانصار تحصدهم بتركيز عالي، لم ينجو اى واحد، اما اذا كان هناك من نجى فقد نجى بعدد لا يستهان به من الجراح.
ما ان بدأت المعركة من هناك حتى تحركت جبهتنا، محورنا الجنوبي والطريق الرئيسية. تقدمت اثنين من ناقلات الجنود، حتى كانت لها قذائفنا بالمرصاد. كان لها سمكو و سركوت وبيشرو وعادل وعلي الصجي وهوبي وابو احرار، وعصام ،حتى فوجيء العدو بجبهة عريضة من النيران. سقط منهم من سقط ، اما صاحب الحظ فقد هرب بعدد من الجراحات. واشتعلت الجبهة . وخلال ساعة واحدة جربوا ضدنا كل انواع أسلحتهم اللعينة. والمهم لنا في تلك الجبهة، ان نيراهم لم تكن فعالة ضدنا، لسبب يتعلق بجغرافية القرية ، فجبهتنا كانت ارض منخفضة بالقياس الى الشارع القادم. وعلى ما يبدو انهم فهموا الموقف. لذا بدأت مدفعيتهم الثقيلة المتمركزة بالقرب من الشارع العام اربيل – ديبكة، بمعالجة مواقعنا. بدأت القذائف تتساقط علينا من كل حدب وصوب. بدأت جثث العصافير تنتشر في مساحات القرية. جثث الحيوانات الاليفة والدواجن. اشتعلت بقية الجبهات. جاء المراسل الحربي (س) بخبر ان هناك اشتباك ايضا بالقرية المجاورة (سياو). اوقفت قذائف ابو ميلاد الصاروخية {ر.ب. ج 7} تقدم ناقلات الجنود من جهة قرية ماستاوة، في حين لا تقدم من محور سياو لان هناك مقاومة بالقرية نجهل نحن مصدرها. لكنها اتضحت أخيرا ان مجموعة صغيرة من بيشمركة أحد الفصائل كانت تقاوم.
بعد ساعتين من بدء المعركة واحتوائنا لهجماتهم المتعددة، أخذت تتضح ملامح المعركة. كما لو انها معركة تقليدية وتحديدا بالاسلوب الذي فرضناه نحن. الصورة بسيطة جدا: قرية خلت من سكانها في داخلها أنصار شجعان مستحكمين في حيطان الطين السميكة، وعدو منتشر ومكشوف على شكل دائرة قطرها اكثر من أثنين كيلومتر، وغير قادر، بل وعاجز على أقتحام القرية.
في الظهيرة تغير شئ ما. وبدأ غضب السلطة يظهر جليا. فلقد حلقت في سماء القرية وعلى مسافات شاهقة، أثنين من طائرات بيلاتوز. لا ، بدأت السمتيات اللعينة تقصفنا. هنا تغير المشهد على الارض. أدرك الجميع ضرورة التواري عن الحركة عند تحليق السمتيات. لكن المشكلة التي حدثت، كان هناك كم كبير من السمتيات في السماء على مدار الوقت. وهنا بدأت الصواريخ التي تنزل علينا مذيلة باسلاك معدنية. هنا كان اول الشهداء البطل سمكو برانتي الذي كان واقفا متحديا للطائرة يرمي بل بعد أقل من نصف ساعة جرح (بيشرو)، ورغم جرحه فقد كان يقاوم سطوة الطيار العالي ، حتى أن استشهد بسبب مجموعة من الشظايا التي أخترقت جسده.
كانت مجموعة عادل شبك متقاربة المواقع. وتم أكتشافهم من قبل الطيران وتعذر عليهم تغيرالمكان.
بعد الثانية ظهرا بدأت انزالات جوية على مرتفعات ( زركزراو) غرب القرية. كثف العدو محاولات أقتحام القرية من جهتها الشرقية واعطى الطيران السمتي الفرصة لهم ،واكتفى بالتحليق والتغطية. لكن المقاومة كانت كبيرة من رفاقنا مجموعة عادل وابو ميلاد وشوان كانبي.مما أجبر العدو على التراجع للخلف، تاركين الفسحة للطيران السمتي.
الذي كنت أخشاه، قد حدث. فبعد ان خرجت جبهتنا الجنوبية من نيران بنادقهم لاننا في منخفض، أستعانوا هذه المرة بتلة القرية. فؤجئنا بقذائف المدافع 106 تنهال علينا من قمة التل. سقط حائط كبير على الرفيق علي الصجي. ساعدته في الخروج من تحت الحائط، وكان شكله مضحكا، ففقط يمكنني تبيان عيناه، ام ما تبقى فكتلة من تراب. وهناك وسط القرية حيث اقيم مستشفى المعركة، بداء الرفاق يعملون بالتعبئة والتحضير، وشئ بسيطا من الطعام وأغلبه خبز كان قد وزع على الجميع. أما ابو ميلاد فلا ينفك من طلب قذائف ر.ب.ج. 7. وقد ارسلت له رسالة شفوية بيد المراسل اليافع (س)، بضرورة الاقتصاد بالعتاد فلم يبقى الكثير من قذائف ب.7.
كانت كل الجبهات ترمي وتكثف رمايتها وهنا عادت ثمانية سمتيات تقصفنا. وهنا بالتحديد قبل تمام الثالثة جاءني البطل عادل شبك وكان معي علي الصجي، واخبرنا بأنه حفر قبرا مؤقتأ وسريعا لرفيقه سمكو جوار الحائط، واضعا قطعة حصير على جسد الشهيد، وملاحظته كانت تذكر لنا فربما الشهادة قادمة لاي واحد. أوصيته بضرورة رجوعه الى مواقعهم والالتزام بعدم الحركة امام الطيران. خاصة من قبل سركوت، لكنه فأجئني بأن سركوت قد جرح هو الاخر، وهنا جن جنوني ولم اتمالك نفسي من الصياح.
بتلك الدقائق الحرجة صبحنا نحن الثلاث هدفا لواحد من السمتيات القذرة. رشوقنا برشقة صواريح سلكية، سقط واحد بيننا بمسافة الاقل من المترين وانفجر عاليا بشكل نافوري، و للاسف قد أختارت واحدة من شظاياه اللعينة قلب عادل شبك، هذا القلب الكبير النابض بمحبة الناس, أختارت قلب أشجع الانصار واخترقته بالعمق واضعة حدا لدفق الشباب الذي لم يكمل الخامسة والعشرين.
يا ايها الاله لماذا تلك القسوة، ان يذهب منا أشجع الشجعان بتلك السرعة. من اين نجئ بعادل شبك ثانية.
كان آخر ما نطق به عادل وهو بيدينا انا وعلي الصجي، هو السلام ( سلموا لي على الرفاق). ابلغنا الجميع بسلام البطل عادل والان نبلغه لكل من يطلع على هذا النص. واغلق عينيه الجميلتين الى الابد. قبلناه قبلة الوداع، وسحبناه انا وعلي بجنب واحد من الحيطان، وغطيناه بقطعة من الحصير.
الان حصيلت جبهتنا ثلاثة شهداء والجريح سركوت الذي تم سحبه في مركز الطبابة. نادينا على الجرحى القادرين على الرمي، فنحن الان بحاجة الى بنادق ترمي من كل الجهات، وجاء البعض. كان منهم الرفيق جوتيار المستشار السياسي لسرية القرة جوق.
بدأت مجموعة التل تزعجنا، بل أخذ هذا الجحش البدين، يستفزني، فهو يناديني، ( اخرج ابو احرار ، اليوم ماتخلص مثل السابقات) وكان يشتمني بعبارات رخيصة. وهنا عالجت الموقف بهدوء وكما يجب.
جئت بالرفيق هوبي واستحكمنا نحن الاثنين، بواحد من الحيطان المهدمة، واوضحت المهمة لرفيقي بأننا يجب علينا أنزال هؤلاء اشباه الرجال من التل. بدأنا نرمي بشكل متقطع لم يسحسب هذا الجحش الحساب له ولم يتوقعه، فبواحدة من قفزاته الراقصة في الهواء والاستفزازية، أرديناه جيفة هامدة. سحبوا جثته ولاذوا بالفرار. وكنا قد اعطبنا ايضا المركبة. هكذا تحررت التلة، ولم يرتقيها أحدا حتى الانسحاب.
لم نعمم خبر الشهداء على الجميع الانصار. أكتفينا بالقتال ورفع المعنويات. خاصة وان العدو جرب التقدم ومحاولة الاقتحام مستخدما الجحوش دائما. لكنهم لم يحصدوا غير المزيد من القتلى في صفوفهم. كانت أعدادهم تزيد على الالاف من المسلحين ، وعدد كبير من المدافع وناقلات الجند المدرعة التي اعطبت منها اثنان مع دبابة. كما اعطبت لهم العشرات من السيارات واصبحت خارجة عن الخدمة. أتخذ البعض منها لاحقا في المدينة دليلا للناس على درس الموت الذي ذاقه الجحوش واشباههم في هيلوة.
قررنا الانسحاب عند الثامنة مساءا، تحت هداية رفيقنا محسن دةشتي، العارف حتى في اسرار ورائحة تراب القرية. كانت الخطة ان ننظم أغارة قوية على العدومن الجبهة الشرقية، في حين ننسحب من الزاوية الجنوب- شرقية. وآخيرا انسحبنا بكامل عدتنا وعتادنا حاملين البطل سركوت جريحا، متخلين عن السيارات التي اصلا كانت قد دمرت في القصف.
في الحادية عشر ليلا وصلنا لقرية دوكلة، بعد المرور بواحدة من القرى للتزود بالطعام .
في دوكلة، كان البطل سركوت خضر كاجيل قد غادرنا، ملتحقا برفاقه الذين أحبوه وأحبهم، عادل شبك (علي نذير أحمد) وسمكو (هيرش مجيد عبد الله) وبيشرو( ممتاز محمد ابراهيم) والاربعة من سرية برانتي.التحق سركوت بثرى والده بطل الجبال خضر كاجيل و الذي خضبه بحناء البطولة يوم ولد ويوم قاتل ويوم استشهد.
يا رفاقي الابطال، الشهداء منكم والاحياء سوف لا ننساكم أبدا وانتم قد سطرتم تلك الملاحم البطولية.
****************************************************************************************
اشترك في المعركة انصار سرية برانتي: عادل شبكك، سركوت ، بيشرو،سمكو،سردار،شورش،هوبي،عصام،علي الصجي، آرام شاهين، شاخوان سور،جيكر، ابو احرار.
مجموعة اربيل: شيخه،كانبي شوان،ابو ميلاد،دكتور سعيد، دكتور ئازاد، وهشمن.
مجموعة القرجوق: ابو أحلام، رياض، د.عادل، غسان، هزار، بولا، ابراهيم ، سلام،
تنويه لابد منه. ها النص غير مكتمل. اهيب بالرفاق الذين اشتركوا بمعركة هيلوة او غيرهم ان يكتبوا جميع الاسماء التي يتذكروها. على الفيسبوك من خلال التعليقات.
كما أعتذر عن اية أخطاء بالاسماء او النسيان الذي سببه الاساسي تراكم السنوات.