العمل السياسي والتحالفات / فيصل الفؤادي

   بعد خروج الحزب الشيوعي العراقي من " الجبهة الوطنية والقومية التقدمية " والتي عقدت مع حزب السلطة الحاكمة أي حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1973 والتجائه الى الجبال في منطقة كردستان , أتصل بالقوى والاحزاب الكردية المتواجدة في المنطقة وهي الحزب الديمقراطي الكرستاني والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الاشتراكي الكردستاني من أجل القيام بتحالف ثنائي أو جماعي .فقد كان ذلك شعار الحزب بعد خروجه وعقده اجتماع لقيادته ـ اللجنة المركزية ـ تموز 1979 في برلين . طور الحزب من شعاراته بأختلاف الظروف فرفع فيما بعد شعار ( في سبيل جبهة وطنية ديمقراطية لانهاء الحكم الدكتاتوري واقامة نظام ديمقراطي في العراق ) .

وبسبب الصراع الدائر بين القوى الكردية ( القديم والجديد ) أي الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطلباني والحزب الديمقراطي الكردستاني  بقيادة مسعود البرزاني لم يكن ممكنا انذاك قيام تحالف يضم هذين الحزبين معا .

في 12 تشرين الثاني 1980 أعلن عن تشكيل الجبهة الوطنية التقدمية الديمقراطية ( جوقد ) والتي ضمت في عضويتها (الاتحاد الوطني والحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي والحركة الاشتراكية العربية وحزب البعث العربي الاشتراكي أي ( قيادة قطر العراق ), ولم يشترك الحزب الديمقراطي الكردستاني بسبب معارضة الاتحاد الوطني لانضمامه الى هذه الجبهة .

هذا الرفض جاء بالتنسيق مع حزب البعث (قطر العراق ).

  وفي أيضاح للحزب الشيوعي العراقي صادر من المكتب السياسي في 20/5/1982 جرت الاشارة الى مشاركة الحزب الشيوعي في جوقد ولهذا أبدى الحزب موقف الاطراف الاخرى من الحزب الديمقراطي الكردستاني ( نظرا لرفض بعض الاطراف في جوقد فكرة انضمام الحزب الديمقراطي الكردستاني الى (جوقد ) عمل حزبنا والحزب الاشتراكي الكردستاني على عقد تحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني أتخذ أسم الجبهة الوطنية الديمقراطية  (جود ) التي أعلن عن تشكيلها في 28/11/1980 ).

و عند سماع الاطراف الاخرى في جوقد عن انبثاق هذه الجبهة حتى أتخذ قرار بتجميد عضوية الحزب  الشيوعي العراقي في جوقد وكذلك عضوية الحزب الاشتراكي الكردستاني  .

وطالب الحزب أن ينضم الحزب الديمقراطي الكردستاني الى (جوقد ) ألا أن الاحزاب المؤتلفة في هذه الجبهة طالبوا بحل جبهة ( جود ) .ويشير الحزب في ايضاحه الى ضرورة الدقة للذين عقدوا مؤتمرهم الصحفي , وان يتجنبوا في المستقبل ادخال اسم الحزب الشيوعي العراقي .

وكان الحزب الشيوعي العراقي هو الوسيط في كثير من الفعاليات واللقاءات مع الاحزاب الاخرى من أجل تحقيق التقارب بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني , ويؤكد ذلك محضر اجتماع الوساطة الوطنية التي يشير اليه الكاتب  فاتح رسول في كتابه فيقول ( أستنادا الى الفقرة ج من محضر اجتماع ممثلي الحزب الاشتراكي الكردستاني وحزب البعث العربي الاشتراكي والاتحاد الوطني الكردستاني في 16 /10/1980 والمتضمن بذل الجهود من أجل وضع حد للتوتر في العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وبدعوة من الحزب الاشتراكي الكردستاني أجتمع ممثلو الاحزاب التالية : الحزب الشيوعي العراقي ,حزب البعث العربي الاشتراكي قيادة قطر العراق , الحزب الاشتراكي الكردي (باسوك ) والحزب الاشتراكي الكردستاني . وبعد مداولات طويلة وتبادل وجهات النظر توصلت اللجنة الى ........

  1. وقف الحملات الاعلامية بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني لمدة شهر واحد قابلة للتمديد ... الخ .
  2. وقف الاصطدامات بين مسلحي الطرفين ... الخ .
  3. تسعى اللجنة من أجل عقد لقاء مباشر بين الطرفين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بحضور ممثلي هذه اللجنة ... الخ .

وبقيت كثير من المشاكل بين تلك الاحزاب والتي توجت بقتال بشتاشان بين الاتحاد الوطني ( أوك )[1] وبقية الاحزاب الموجودة في الساحة الكردستانية أي مع الاحزاب التي تضمها جبهة جود .

    وقبلها أي بين عام 1982 حتى بداية عام 1984 الكثير من المعارك والتي سببت كثير من الخسائر في الارواح والجماهير التي كانت تلتف حول تلك الاحزاب , وقد أستفاد بطبيعة الحال النظام الدكتاتوري من هذا الوضع المتأزم في عمل هذه الاحزاب وأستطاع شراء الكثير من ذمم الذين تعاونوا معه ضد الحركة الكردية من جحوش أو موالين وعملاء .

في بداية تموزعام 1982 أصدر الحزب بياناً مشتركا مع الاتحاد الوطني الكردستاني أبديا استعدادهم التعاون فيما بينهما وضرورة التنسيق بين الحزبين وحل الخلافات بطرق ديمقراطية.

وقد عمل الحزب وبذل جهوداً مضنية من أجل تقارب هذين الحزبين عن طريق المحادثات الاخوية وبروح أخوية وكان الحزب محط تقدير عال من تلك الاحزاب ففي أحدى اللقاءات يقول كاك مسعود البارزاني ( كوردستان العراق كلها ساحة الكفاح ونضال كل القوى المعارضة لنظام بغداد الفاشي , نحن مستعدون لآي أتفاق معهم , نرضى برأي ومقترح حشع ( ويعني الحزب الشيوعي العراقي ) , حتى أننا على استعداد لبحث جميع الخلافات القديمة والحديثة[2]) .

 

النظام ومخابراته

   لقد سعى النظام  وأجهزته المخابراتية الى بذل جهود غير عادية من أجل الوصول الى الحركة الكردية المسلحة وقواها الموجودة ومنها قوات الحزب الشيوعي العراقي , ومنذ بداية تشكيل هذه القوات أرسل النظام عملائه الى المنطقة وأستطاع شراء العديد من أبناء القرى المحيطة بالعمل الانصاري .

 

وأستطاعت السلطة بأمكانياتها الكبيرة  الوصول الى عدة مواقع أنصارية بواسطة عملائها (برغم أن بعضهم كان ينكشف بسهوله من قبل لجان التحقيق ), الا أن السلطات استطاعت  أن تبعث رسائل الى أطراف معينة أي من القوى المتواجدة بتواقيع مزورة من أجل بث روح التفرقة بين هذه القوى وأضعافها وهذا ماحررته أجهزة المخابرات عن طريق عملائها .

وقد أشارت  الوثائق التي صودرت بعد انتفاضة أذار 1991الى هذا الجانب من العمل الدنئ الذي أستخدمته السلطة وأجهزتها المخابراتية , وقد نجحت في بعض مفاصل عملها من خلال القاء القبض على مجموعة من تنظيم الحزب بعد أن أستخدموا عميلا ( مامو ) الذي أستطاع أن يجر أحدى المفارز الى داخل أربيل واعطائهم شراب (الكوكاكولا أو عصير معين ) ثم يلقى القبض عليهم ويعدموا , ويتحمل المسؤولية في هذا العمل  المسؤول القيادي في الحزب (يوسف حنا ) لانه زكى ( مامو ) بقبوله في الحركة الانصارية مع معرفته به وبسبب هذا العميل خسر الحزب 24 نصيرا .

 ويمكن ذكر مثال اخر وهو فرار المدعو لطيف التركماني الى السلطة وأجبار أحد الانصار الذهاب معه بقوة السلاح .

وقد تابع النظام وأزلامه كل تحركات أعضاء الحزب ومناصريه حيث كان يترصد نشاطاتهم في المنطقة  ومن أجل أعاقة أتصالهم بالجماهير وتأثيره عليهم ومنها تدبير كمين محكم لرفاق التنظيم الحزبي ( أبو رؤوف وسيدو وخالد ) جنوب قضاء العمادية  .

 وقد أوردت مثالا لتلك التدخلات المخابراتية في كتابي (مذكرات نصير الصادر 2004 في بغداد ) , فقد أرسل عميد الامن لمنطقة الحكم الذاتي كتاباً الى مديرية الامن العامة , يذكر فيها (لغرض زيادة شقة الخلاف بين الحزب الشيوعي العميل وزمرة الاتحاد الوطني الكردستاني ومنعاً لحصول أي تقارب بينهما فقد قامت مديرية أمن محافظة أربيل بتحرير رسالة داخلية موقعة بتوقيع مزور ومطابق جدأ لتوقيع عضو اللجنة المركزية المجرم يوسف حنا القس ومختومة بختم الحزب الشيوعي والذي سبق وأن تم تصنيعه من قبل مديرية الامن العامة موجهة الى أمر سرية كوي المتواجد في قاطع كويسنجق تضمنت الايعاز له بضرب عناصرالاتحاد الوطني. 

وبالفعل تأزم الموقف بين الطرفين وجرت تعزيزات لهذا الغرض , من جانب أخر تؤكد مديرية الامن على تصعيد الموقف بين الطرفين  ).

وقد أستطاعت السلطة أن تؤثر بهذا الشكل أو ذاك على مجمل عملنا الانصاري من بينها أرسال السموم ( حليب معلب سائل زرق بسم الثاليوم بواسطة أبرة - سرنجة )  الى مواقع الانصار والثاليوم مع المشروبات الكحولية ( أرسل النظام بيد أحد المواطنين قنينة ويسكي الى النصير أبو نضال ـ توما القس ـ وقال هذا المواطن أنها هدية بمناسبة رأس السنة وأن الهدية أرسلت اليه من عائلته , وتبين فيما بعد أنها مسمومة بالثاليوم ) , وكذلك عمليات الاغتيالات التي قامت بها السلطة بواسطة عملائها للانصار والعاملين في التنظيم المحلي أدت الى خسائر غير قليلة لبعض الكادر الحزبي المحترف , وأرسل ايضا العديد من العملاء الى مواقع الانصار من أجل الالتحاق بها وقد أعترف العديد منهم , والبعض الاخر أستطاع أن ينجو بسبب التراخي من قبل بعض المسؤولين والثقة الزائدة بهؤلاء (العملاء)  .

وقام النظام بالتأثير على الجماهير في المنطقة وفي العراق ككل في نشر الدعاية ضد الحزب وقادته (اعلن الوريث الشرعي لشباط ( 8 شباط –1963 ) بأن الحزب الشيوعي لن يبقى له أثر في الوجود ) .

جرى التعتيم على الحزب وسياسته من خلال شراء بعض الصحفيين والكتاب من العراقيين والعرب وحتى من دول أجنبية ومن خلال أجهزته الاعلامية الضخمة في الداخل والخارج من أذاعة وصحافة وتعبئة أعلامية مرئية ومقرؤة .

ويشير تقرير اللجنة المركزية التي قدمه الى المؤتمر الرابع تشرين الثاني 1985 الى  ( أشاعة اليأس وعدم الثقة بالحزب الشيوعي العراقي وبقدرته على تحقيق أهداف الشعب العراقي ونفي دوره في قيادة نضالاته منذ تأسيسه   .

- السعي الى خلق فجوة بين القاعدة والقيادة وتصديع وحدة الحزب .

- التحريض ببث الفرقة بين القوى الوطنية وتخريب تحالفاتها في جبهة وطنية موحدة .

 - خلق التعارض والحساسية في اوساط حزبنا تجاه الاحزاب الشقيقة بشأن سياسة حزبنا والتضامن الاممي معه .

- نفي نضالات الحزب والتعتيم على عمليات الانصار البطولية )

وهناك وثائق تشير الى نشاط السلطة ومخابراتها وعملائها في قرى كردستان بل وأندساسها بين الاحزاب المعارضة المتوجدة , وحتى القوى الموجود خارج العراق .

 



[1]  صفحات من تاريخ الشعب الكردي فاتح رسول ص 224

[2]  نفس المصدر السابق .