
أيام مفعمة بالحب والامل (18) / فيصل الفؤادي
بشتاشان
هو مقر لقوات الحزب الشيوعي العراقي، الذي التحق به الرفاق الأنصار من بقاع العالم المختلفة ليناضلوا لتحقيق شعار حزبهم من اجل الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان، ثم ليطوروا شعارهم مع تقدم المرحلة من اجل تمكين الشعب الكردي من نيل حقوقه المشروعة السياسية والثقافية والمدنية. ولم يخطر ببال أحد منهم، مهما كان متشائماً، أن هناك فصيلاً من فصائل الشعب الكردي سوف يتراجع عن هذا الشعار ويغادر ساحة المعركة والنضال ويغدر بهم لصالح عدوهم المشترك، النظام الدكتاتوري، نظام صدام حسين.
في هذه المنطقة التي يعني إسمها في العربية، منطقة خلف الطواحين، شن الإتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني ونواشيروان مصطفى، هجومه المباغت على انصار جبهة جود وبالذات قوات الحزب الإشتراكي والحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني .
بدأ الهجوم في يوم الاول من ايار 1983، وفي مختلف الأسلحة المتطورة وبدعم النظام الدكتاتوري تسليحيا ولوجستيا وماديا. على اثر هذا الهجوم تبعثرت قوات الحزب من الأنصار وتشتت في هذا الموقع (غير المناسب عسكرياً)، ومورس القتل على الهوية، حيث كان النصير يقتل فقط لكونه عربي ولا يتقن اللغة الكردية.
لقد سال الدم وبلغ عدد الشهداء 65 شهيداً.. وسالت الدموع من اجلهم. هؤلاء الأنصار الذين تمسكوا وعاشوا مع جبال وصخور وناس كردستان، بذلوا كل ما يستطيعون للدفاع عن القرى والينابيع والأشجار. فارقوا أعز شيئ لديهم، وتركوا ملذات الحياة ورائهم وهم في عز الشباب وحملوا البندقية من اجل كردستان واهلها. كم تحملوا من التعب والجوع وهو يتسلقون الجبل، صخرة صخرة لكي يصلون القمة ، كان املهم مثل امل الجميع في الحياة والجمال، هم يقاتلون من اجل حب الناس ومن اجل التحرر من الظلم. هؤلاء وغيرهم اشتركوا في كفاح الدم وواجهوا أياماً صعبة لكنها مفعمة بالمجد. كم أمطرت الدنيا قبورهم وغسلتها بالثلوج، وكم كان منهم من بقي بلا قبر!
لقد كانوا يفتخرون بالتضحية من اجل قضية عادلة، وأكسبهم فخرهم الشجاعة والعزم، لكن الغصة بقيت كبيرة، حين يغدر بك من يفترض أن يكون ظهيراً لك، فيفقدك غدره عشرات الكوادر الحزبية والتربوية والعلمية والفنية، ممن كان لها المستقبل الواعد لحزب كان همه حقوق الشعب الكردي .
دفن الشهداء بملابسهم العسكرية وهم انقياء، بقوا حتى لحظات الرحيل يغنون اغاني الربيع والورود والمطر، تواقين الى حياة ابهى واجمل، الى عراق حر وكردستان أمنة ومتطورة. لقد كان اغلب هؤلاء الأنصار والنصيرات المتواجدين في بشت آشان من العاملين في مستشفى ميداني مع اطباء لمعالجة المرضى والجرحى ومهندسين وكوادر حزبية كبيرة العمر وانصار يحرسون المقر العام المتكون من المكتب السياسي والمكتب العسكري واللجنة المركزية ومكتب الاقليم والمدرسة الحزبية والمشجب، إضافة الى قيامهم بالقضايا الخدمية من قطع الأشجار والخدمة الرفاقية وتهيئة الخبز، وكان عددهم حوالي 300 نصير ونصيرة.
مقر بشتاشان كان غير صالح من الناحية العسكرية بشهادة الكثير من الأنصار ومنهم القائد الميداني توما توماس. ولكن جاء المقر اضطراريا كما يصفه المسؤول الحزبي النصير احمد باني خيلاني، لكي يتم الإنتقال اليه من المقر القديم في ناوزنك. في نيسان عام 1982 بدأ العمل في بناء المقرات والملاحق الاخرى وفي نهاية الصيف من نفس العام تم الإنتقال اليه.
كان المهاجمون بقيادة نوشيروان مصطفى، وكانت معنوياتهم عالية ويلبسون افضل الملابس الشتوية والاحذية ويحملون معهم انواع المعلبات مثلما هي انواع الأسلحة من الدوشكات وسلاح بي كي سي و السلاح القاذف ار بي جي واجهزة الاتصال المختلفة ومنها جهاز الراكال إضافة الى انواع النواظير وانواع الاعتدة والذخيرة، وكل ذلك بدعم من سرايا الجحوش ومنظومة الحكومة العراقية.
قبل المجزرة تداخلت كثير من الأمور السياسية وحتى العسكرية، ولكن الغدر كان أكبر مما هو متوقع. كما ساهمت احزاب ايرانية (الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني) في هذا الموضوع فكانت وسيطاً بين أوك والنظام العراقي، كما تورطت في قتل رفاقنا وكمثال على ذلك (المستشار السياسي لفصيل بشدر هيمن محمد رسول ودكتور كاوه وهاشم زياد وتوفيق وغيرهم ).
قتلت قوات الإتحاد الوطني بجريمتها الدموية خيرة ابناء شعبنا، الذين دافعوا بكل عزّة وأباء عن حزبهم ومبادئه، فكان الصمود والموقف البطولي، ولهذا فقد مثلت هذه القوات بجثث الأنصار الشهداء ومنعوا الاهالي من دفنهم وسرقوا بعض محتوياتهم ، قتلوهم بدم بارد، وبعض القتلة لم يكن يعرف من هؤلاء الذين يقتلهم ولماذا! وسقط الشهداء وكان عددهم 65 نصير ومنهم النصيرة الشهيدة (عميدة عذيبي حالوب). اما من تم اسره فقد وضع في سجن الإتحاد الوطني مع النصيرات وبعض من قيادة الحزب ومنهم النصير كريم احمد عضو المكتب السياسي الذي كان استاذ جلال الطالباني في المدرسة وهو الذي علمه الكثير من جوانب الحياة.(تفاصيل اكثر في كتابنا من تاريخ الكفاح المسلح للحزب الشيوعي العراقي ).