الحزب الشيوعي...(27)/ فيصل الفؤادي
المؤتمر الوطني الرابع
بين الفترة 10 – 15 تشرين الثاني عام 1985 عقد الحزب مؤتمره الرابع في منطقة لولان التابعة لمحافظة أربيل، وشارك في اعماله 128 مندوبا كانت نسبة العرب فيه 68% والاكراد 28% وقد ناقش المؤتمرون عدة وثائق مهمة كانت تحتاج المصادقة عليها .
عقد المؤتمر بحماية الانصار وتحت شعار ( من أجل أنهاء الحرب فوراً , وأسقاط الدكتاتورية الفاشية , وتحقيق البديل الديمقراطي ) .
كما درس المؤتمرالعديد من الوثائق: تقيم سياسة الحزب ( 1968 – 1979 )، وبرنامج الحزب الجديد ، وتطوير الكفاح المسلح كأسلوب رئيسي للحزب .
وقد نجح المؤتمر برغم محاولات النظام ومخابراته في معرفة مكان وزمان انعقاده , كما جرى ضم مجموعة من الكوادر الحزبية الى قيادة الحزب كأعضاء في اللجنة المركزية .
وظهرت كثير من المشاكل أثناء المؤتمر حول تقييم سياسة الحزب بين معارض ومؤيد حول سياسة الجبهة وأخيرا كان الحل ( وسطاً ) بين الجهتين المتناحرتين , حيث الاولى ترى أن سياسة الحزب زمن الجبهة الوطنية التقدمية مع حزب البعث سياسة ذيلية ولم تعكس مفاهيم وتطلعات الحزب حول الحريات الديمقراطية بصورة جلية للجماهير , والجهة الاخرى تقول أن الجبهة الوطنية أستفاد الحزب منها بتعزيز وجوده بين ابناء شعبنا وتوسعت قاعدة الحزب بشكل ملفت للنظر أضافة الى التطورات الاقتصادية والاجتماعية على صعيد حياة شعبنا اليومية بشكل عام .
وأنا أعتقد أن المؤتمرسجل نجاحاً كبيراعلى قدرة الحزب التنظيمية والفكرية على حد سواء . وفي نفس الوقت أزال المؤتمرالتردد بين البعض من الشيوعيين في كون أن الكفاح المسلح هو الاسلوب الرئيسي للحزب أم لا . وأعطى المؤتمر هيبة للحزب كونه قادر على أتخاذ القرار المستقل بعيدا عن التدخلات المحلية والدولية .
وفي نهاية المؤتمر جرى انتخاب اللجنة المركزية الجديدة وأضافة عشرة أعضاء جدد من الجيل الثاني على أن لايكون عضوا في اللجنة المركزية سابقأ وأن يكون من الذين عملوا في الداخل ويتم أختيارهم من قبل سكرتير الحزب , وكانت هذه الخطوة في مجال الديمقراطية وتعزيزها غير موفقة أطلاقاً. أما نشر أخبار المؤتمر والاعضاء الجدد للجنة المركزية بعد أنتهائه مباشرةً كان من المفروض على قيادة الحزب أن تحاسب كل من أفشى هذه الاسرار الى الصحافة الخليجية وبالذات الكويتية .
وعقد المجلس العسكري أجتماعا برئاسة سكرتير الحزب وبحضور مسؤولي القواطع والاعلام المركزي والاقليم وأتخذ جملة من القرارات .
وجرى تعين المكتب العسكري لقيادة الانصار والكفاح المسلح وهم (سليمان يوسف بوكه ورحيم عجينه ويوسف حنا القس وتولى يوسف أسماعيل مسؤولية لجنة اقليم كردستان ) .
ولا يمكن أغفال العديد من المعارضين لنهج الحزب والذين كونوا بعض الكتل الحزبية والمنظمات , وبعضهم كتب الرسائل للحزب وقيادته لتصحيح نهج الحزب كما يراها هؤلاء , وبعض هذه المنظمات أو الرفاق كان يناشد الحزب من باب مصلحة الحزب وحبهم له وأخرون كانوا عكس ذلك فقد أثرعليهم الموقف بشكل سلبي فأصدروا العديد من النشرات التي تعبر عن نواياهم السيئة تجاه الحزب وقيادته وتأريخه .
وخلال هذه الفترة بدأت حركة الكفاح المسلح المتمثلة في الاحزاب المتواجدة على الساحة السياسية الكردستانية وجماهيرها بالسيطرة على الكثير من مناطق كردستان وتوسع التنظيم الحزبي والسياسي الى مناطق العمق وكذلك تطور عمل الحزب من زيادة الكسب والصلات مع أعضاء الحزب السابقين الغير مكشوفين وكذلك الاصدقاء وأصبح الحزب يصل الى كثير من مناطق العراق وخاصة المتاخمة لتلك المنطقة كردستان ومنها ديالى وكركوك والموصل وحتى محافظة بغداد .
وقد اصدر الحزب بعض التوجيهات اكد فيها على ضرورة الحرص على التنظيم وايجاد خطوط جديدة ذات فعالية أكبر وأكثر , وأيجاد كادر حزبي عالي الثقة وتربية كادر حزبي قائد للتنظيم .
وأكد الحزب في نشرة داخلية على حفظ الادبيات وبرمجة الاجتماعات وأقامة التنظيم على أساس مهني وموقع العمل و المحلة والقرية , والتأكيد على عدم أستخدام المحلات المكشوفة في القيام بمهام الحزب والتنظيم . وكذلك وجه الحزب للتحرك بين الجماهير والاهتمام بألركائز الحزبية في القرى والقصبات وتشكيل الفرق المسلحة داخل المدن ومدها بالمستلزمات الضرورية لعملها واعتماد البرمجة والتخطيط المسبق وانضاج الظروف للانتفاضة الشعبية المسلحة , واكد على _ تشكيل الفرق المسلحة واستكمال توعية رفاقنا وأصدقاءنا في تلك التشكيلات . وكذلك تطوير العمل التنظيمي والتعبوي في صفوف القوات المسلحة ودعوتها الى النضال ضد النظام الدكتاتوري . وربط العمل العلني بالسري من خلال التأثير على المنظمات العلنيــــة ( النقابات العمالية والطلابية والنسائية والمهنية ) .
ومن أجل تطوير العمل الانصاري بعث المؤتمر رسالة للانصار يقول فيها (قووا وحدتكم وفعالياتكم المشتركة ضد الدكتاتورية وأجهزة قمعها ..طوروا أساليبكم ووسعوا مناطق نشاطكم السياسي المسلح, بالانتشار بين جماهير الفلاحين وكادحي المدن والاعتماد على تأييدها ودعمها .. وقدموا لها كل المساعدات الممكنة لحل مشاكلها اليومية , وعبئوها من أجل مطالبها السياسية والاقتصادية والثقافية .أرفعوا شعار التأخي مع الجنود وأفراد القوات المسلحة, ممن يمتنعون عن أشهار السلاح ضدكم. وأعلنوا أستعدادكم للتعاون معهم وطالبوهم بأقناع زملائهم , للانتقال الى مواقع التأخي مع انصار الحركة الوطنية ) .
وأكد الحزب على التضامن مع شعبنا وذلك من خلال دعم منظماتنا في الخارج وخاصة في الجانب الانساني وفضح خروقات النظام ضد معارضيه من السجناء السياسيين وذلك لتوضيح ممارسات هذا النظام الفاشي للرأي العالمي من خلال الصحافة العربية والاجنبية والاعلام المرأي .
ملامح الاستقرار
ومن ملامح الاستقرار والتطور في هذه المرحلة هو السعي الى بناء المستشفيات وتوفير بعض الاطباء والمضمدين وتم بناء عيادة أسنان, وهؤلاء قدموا خدمة كبيرة للقرى المحيطة بالمنطقة وأستفاد الاهالي منها , أضافة الى الانصار المرضى ومن الاحزاب الاخرى , وكان للنصيرات الطبيبات دورا مهما بين النساء في المنطقة خاصة الولادات .
ومن أجل الاستفادة من مساحات الاراضي الواسعة التي تحت سيطرة الاحزاب ومنها الحزب الشيوعي في المنطقة فقد تم زراعة بعض الاراضي والتي تم الاستفادة منها من خلال زراعة الخضروات ( الصيفية ) والتي عوضت الحزب الشراء من المناطق التي تحت سيطرة النظام .
كما تم توفير السلاح والقذائف والاعتدة وغيرها حيث تم شرائها من ( الجحوش ) من خلال وسطاء , وهي مخلفات الجيش الذي أنسحب من المنطقة , أو التي بحوزتهم .
وخلال السنتين 1987 و 1988شن النظام الدكتاتوري هجوما وحشيا على مناطق تواجد الانصارمن خلال ضربه لمواقع في منطقة بهدينان ( مقر قاطع – زيوه ) يوم 5 حزيران 1987 بالسلاح الكيمياوي – غاز الخردل والذي أدى الى عمى مؤقت لاكثر من 150 نصيرا من الحزب الشيوعي العراقي وكذلك قصفة لقرى بليسان وقرى نائية مما خلف أثارا وأضرارا كبيرة على الحقول والمزارع والحيوانات , وكانت ضربة حلبجة بالغاز الكيمياوي في أذار 1988 هي الجريمة البشعة التي راح ضحيتها 5000 مواطن كردي من رجال ونساء وأطفال والتي أدانتها المنظمات الانسانية في جميع أرجاء العالم تقريبا وبعض الحكومات في الدول الاوربية .
في الوقت نفسه كانت توجهات الحزب هي التأكيد على العمل السري في الداخل , وحث الطلبة على التظاهر , والاهتمام بالمراسلات الحزبية ورصد تحركات عناصر السلطة .
ونتجة للظروف التي تحيط بالمنطقة عمل الحزب بنموذج المفارز الصغيرة من أجل سهولة الانتقال والاختفاء .
وخلال هذه الفترة ( أختل توازن القوى في الحرب العراقية – الايرانية لصالح العراق جراء الموقف الدولي وتعززت امكانياته العسكرية واسلحته الكيمياوية بدعم دولي مما ادى الى اجبار ايران على الموافقة على وقف الحرب )[1] .
وعندما توقفت الحرب العراقية الايرانية طبقا لقرار مجلس الامن الدولي المرقم 598 والصادر في تموز 1988 أعد النظام العدة للهجوم على الاحزاب والقوى الوطنية في كردستان العراق , خاصة وأنه خرج من الحرب مدمرا أقتصاديا وأجتماعيا .
أهم مميزات الحركة الانصارية للحزب
تتميز الحركة الانصارية في هذه الفترة (1984 – 1988 ) بمميزات تختلف عن الحركة الانصارية السابقة في أغلب جوانبها أبتداء من الظروف المحيطة بها الى وضع الانصارأنفسهم وايضا وضع النظام الدكتاتوري وغيرها من الظروف -
1- التحاق عدد كبير من الكوادر الوسطية والقاعدة الحزبية بالحركة الانصارية .
2- ضمت الحركة الكثير من المتعلمين وخريجي الجامعات وحملة الشهادات العليا والاساتذة والمختصين وعدد كبير من الطلبة الذين أنهو دراستهم توا أو هم في صفوف الجامعة .
3- في المرحلة الاولى أعتمدت الحركة الانصارية على أعضاء الحزب ولم يلتحق من أبناء المنطقة بالحركة الا في منتصف المرحلة وغالبيتهم من الفلاحين الذين ازداد عددهم خاصة بعد الهروب من الحرب .
4- وجود عدد لابأس به من النصيرات المقاتلات .
5- أنتقال قيادة الحزب الى قواعد الانصار والذي أعطى روح معنوية جيدة للانصار .
6- توفرت أسلحة مختلفة وتم شراء بعضها من أعوان السلطة بواسطة الوكلاء .
7- تنظيم جيد في تقسيم القواطع والافواج والسرايا ومهماتها.
8- الحركة أرتبطت بمجموعة من الاحزاب الكردية أرتباطا وثيقا ً, بها وبصراعاتها وأهدافها .
9- بناء مستشفيات شبه مستقرة وتوفرت لديها أدوية وأطباء جراحين وأطباء أسنان من كلا الجنسين وبعض المضمدين والمضمدات .
10-علاقة غير ودية مع دول مجاورة ( أيران وتركيا) . (ارتباطا بموقف ايران المعادي للشيوعية لم تتطور علاقاتنا معها , كما لم تستفد حركتنا الانصارية منها , بل ساءت العلاقات اكثر مع دخول القوات الايرانية وبعض القوى الموالية لها اراضي كردستان , حيث اضطررنا الى الانسحاب من تلك المناطق , مما ترك اثارا سلبية على حركتنا الانصارية[2] ) .