كتاب جديد لفيصل الفؤادي/ مزهر بن مدلول
اعرف الرفيق (ابو رضية) منذ سنوات الجبل، وخاصة في (كَلي زيوة) الذي كنتُ اتردد عليه دائما كدليل بين سوران وبهدينان، وبعد ان انتهت الحركة وخرجنا من كردستان، عشنا في بيت واحد في العاصمة السورية (دمشق) الى ان فرقتنا الظروف على المنافي، فانقطعنا عن اللقاءات المباشرة لسنوات كثيرة، حتى شاءت الصدفة ان نلتقي في (الملتقى الفكري الخامس لمنظمات الحزب في الخارج) في مالمو 2012، وفي هذا المكان اخبرني (فيصل الفؤادي)، بأنه على وشك الانتهاء من وضع كتابه الثالث بعد كتابي (مسيرة الجمال والنضال) و (الحزب الشيوعي العراقي والكفاح المسلح).
قبل بضعة ايام، حصلت على نسخة من (الكتاب الجديد) والذي يحمل عنوان (من تأريخ الحركة الانصارية، من تأريخ الكفاح المسلح لانصار الحزب الشيوعي العراقي (1978_ 1989)، وهو صادر عن (دار الرواد المزدهرة) في بغداد 2013، ويقع ب ( 464) صفحة وتتوزع مواده في تسعة عشر فصل مع مقدمة وخاتمة وملحق لصور الانصار، كما ان غلافه جذابا، وزادت من جاذبيته صورة لمفرزة في طريقها لاداء مهمة انصارية.
قراءة (الكتاب) اشبه بورطة!، فأنه يستفز الذاكرة والروح معا، ويقودك منذ الصفحة الاولى رغما عنك الى عالم الانصار العجيب!، ذلك العالم الذي يحكيه (فيصل الفؤادي)، ليبدو لنا مشحونا بالمفارقات والتناقضات والمغامرات، انه مثيولوجيا قديمة لمن كان بعيدا عن تلك التجربة الفريدة من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي!.
يلقي (الكتاب) الضوء على بطولات الانصار التي تشبه المعجزات، ويتطرق الى التضحيات الكبيرة التي قدموها في سنوات شبابهم، وخاصة اولئك الذين رافقوا الحركة حتى نهايتها، من خلال وصفه للمعارك الكثيرة، والكمائن الغادرة، والتحديات المختلفة (الطبيعية والجسدية والنفسية)، مما لايدع مجالا لتشكيك الانتهازيين والمهزومين والمحبطين الذين يتربصون بهذه الفترة التاريخية من نضالات الحزب ضد اشرس واعتى دكتاتورية عرفها العراق.
ويعطي (الكاتب) اهمية استثنائية وحيزا كبيرا لبعض المحطات الصعبة التي مرّت بها حركة الانصار، كالبدايات وتعقيداتها، وبشت شان وتداعياتها، واحزاب المعارضة وصراعاتها، والاسلحة الكيمياوية وتاثيراتها وغير ذلك الكثير، حتى يصل بنا الى حرب (الانفال) سيئة الصيت، حيث استطاع (الكاتب) ان يروي الاحداث والمآسي والالام، التي تعرض لها السكان الابرياء هناك، فقد كان النظام لايتردد في ممارسة القتل الجماعي وتهجير العوائل وحرق البيوت و تدمير القرى والبساتين والحقول، ويشيد (فيصل الفؤادي) في هذا الصدد بموقف الانصار الذين واجهوا بكل تحدي آلة (البعث) العسكرية الضخمة، من جيوش وطائرات واسلحة فتاكة لكي ينقذوا النساء والاطفال من الموت والجوع والضياع في قمم الجبال ووديانها الوعرة.
التفاصيل الكثيرة التي خاض فيها (الكاتب)، منذ بداية الهجمة الشرسة، التي شنها النظام على الحزب، ومرورا بظروف البحث عن ملاذات آمنة والصعود الى كردستان، وحتى نهاية الحركة الانصارية، كانت جميعها تشبه الالغام، لذلك فهي تحتاج الى المزيد من الحذر والدراية والخبرة والتوقف، ومن اجل ان يتجنب (ابو رضية) الاصطدام بهذه الالغام، اعتمد على مصادر عديدة، مباشرة وغير مباشرة، مكتوبة وشفاهية، موثقة وغير موثقة، مما يجعل القارئ في حالة ظمأ دائم الى معرفة المزيد عن تلك المأثرة الشيوعية التي تركت لنا دروسا لاتعد ولاتحصى.
لقد كان على النصير ان يقاوم الاعداء، ليس فقط باشهار سلاحه وانما بجسده واحاسيسه وحواسه، فالطبيعة وكائناتها المستبدة، تتطلب استنفار الحواس وجعلها في اقصى حالات الانذار، فأن لم تمت في كمين نصبه العدو او الصديق، وان لم تمت بطلقة او قذيفة او صاروخ او ثاليوم او غاز سام، فانك تموت بلدغة افعى، او تدفنك عاصفة ثلجية، او تنزلق قدمك وانت تسير في الظلام فتسقط في وادي سحيق، او يجرفك التيار فتغرق، او تصاب بالاسهال فتفارق الحياة لعدم توفر العلاج، او انك تقدم على الانتحار في لحظة نفسية شديدة الوقع!، كلّ هذه الاشكال للموت التي يتناولها (فيصل الفؤادي) تجعل القارئ، النصير خاصة، عندما ينتهي من قراءة الكتاب، ان يطرح الكثير من الاسئلة، واكثر هذه الاسئلة الحاحا هو: هل انا ميت!؟، فربما كان البقاء على قيد الحياة مجرد حلم، لكن في الواقع ليس سوى الموت!، لان الموت الذي يتحدث عنه (الكاتب) لايترك لك اي دليل على انك مازلت موجود وتتذكر!.
واخيرا لابد من القول بانّ هذا (الكتاب) يُعد وثيقة مهمة من والوثائق التي تؤرخ لمسيرة الحركة الانصارية والكفاح المسلح، والاطلاع عليه ضروريا لازاحة الستار ومعرفة الحقائق، فشكرا للكاتب النصير (فيصل الفؤادي) على هذا الانجاز المميز ومزيدا من النجاح والعطاء.