في الذكرى التاسعة عشرة للمجزرة التي نفذها نظام صدام حسين المقبور بحق تسعة وثلاثين مواطنا بريئا اعدموا بتهمة إقامة تنظيمات شيوعية في الجيش، نشرت "طريق الشعب" في عددها المرقم 8 لسنة 1997 جزءا من دفتر ذكريات الرفيق الراحل عامر عبد الله، ونظرا لاهمية ذلك الجزء، وفي عشية الذكرى الـ 35 لاستشهاد تلك الكوكبة المجيدة من الشيوعيين البواسل، وتكريما لهم وإنصافا لعوائلهم الكريمة وكوثيقة هامة تسلط الضوء على واحدة من جرائم صدام حسين وزمرته.
نعيد اليوم نشر ذلك الجزء الهام.
يقول عامر عبد الله انه بحث والرفيق عزيز محمد مع البكر وصدام اكثر من مرة قضية السجناء من الشيوعيين وأصدقائهم الذين حكموا بالإعدام والأشغال الشاقة بتهمة النشاط التنظيمي في الجيش، إذ كانت هذه القضية موضع لقاءات وجدل متواصل مع القيادات البعثية.
ويذكر انه بحث والرفيق عزيز محمد هذه المشكلة مع البكر في احد اللقاءات، ويضيف في دفتر الذكريات ما يلي:
ثم عدت وتداولت فيها معه اكثر من مرة. واذكر إنني أحرجته مرة باقتراح مقصود قلت له:
- ما رأيك في ان تتعامل مع رفاقنا في الجيش كما كان يتعامل نوري السعيد مع اليهود (حيث لم يكونوا يجندون للخدمة العسكرية)؟!.
أبدى استنكاره من هذا الاقتراح وقال:
- الله اكبر! هل يصح ان نتعامل مع المواطنين بهذه الصورة او نستغني عن خدمتهم لوطنهم؟.
سألته بمرارة:
- ما الحل إذن؟ والى متى نظل منشغلين بهذه المشكلة! ماذا نقول لرفاقنا الذين يستدعون للخدمة العسكرية..؟ قل لي ماذا؟.
قال: يذهبون شأن سواهم، الى معسكرات الخدمة وعندما يعودون الى أهاليهم يومي الخميس والجمعة، يتصلون بمنظماتهم الحزبية ويمارسون واجباتهم الحزبية، أوصوهم فقط ان لا يصحبوا معهم وثائق او كتبا شيوعية الى المعسكرات.
سألته هل نعتبر ذلك قرارا نهائيا؟.
أجاب: نعم طبعا، قلت له: اتفقنا إذن!.
وعلى اساس ذلك اصدر المكتب السياسي نشرة داخلية للمنظمات الحزبية بهذا المعنى، ولكن الأحداث اللاحقة قد برهنت على عكس ما اتفقنا عليه تماما.
ما يزال الحديث للأسف حتى الآن يتناول بالأرقام فقط (21) او (31) شخصا من الشهداء الذين نفذ فيهم حكم الإعدام في ربيع عام 1978.. وفق حملة دموية غاشمة وبقرار فرضه صدام على القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة – بذريعة زائفة - وهي محاولة الحزب الشيوعي الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري، هؤلاء الشهداء الذين سبق هذا اللقاء تقديم مذكرة بوضعهم والمطالبة بإطلاق سراحهم باسمي واسم عزيز محمد، ومن ثم مذكرة اخرى أعددتها على عجل في اليوم الثاني من اللقاء مع احمد حسن البكر، مع نبذة موجزة عن كل منهم، هم:
المحكمون بالإعدام:
1ـ عدنان شرهان (جندي مكلف) صدر عليه الحكم في 19/4/1974 من محكمة الثورة بتهمة انتسابه للحزب وإقامة تنظيم شيوعي في الجيش، كان صديقا للحزب.
2ـ سهيل شرهان (جندي مكلف) نفس الحكم والجهة التي أصدرت الحكم، والتهمة والتاريخ، نظمت بعض الجهات عملية الإيقاع به رغم انه قطع صلته بالحزب لدى التحاقه بالجيش.
3ـ ماجد جلوب حافظ (جندي مكلف) نفس الحكم وتاريخه والاتهام.
4ـ عباس فاضل عباس (جندي مكلف) نفس الحكم وتاريخه ونفس الاتهام، رغم انه لم تكن له علاقة بالحزب.
5ـ حسين علي الطريحي (جندي مكلف) صدر عليه الحكم في 19/9/1974، نفس الحكم والاتهام، رغم انه ليس له علاقة بالحزب.
6ـ عبد المطلب ابراهيم سلمان (جندي مكلف) نفس الحكم والتاريخ والتهمة ولا علاقة له بالحزب.
(حكم على كل من عدنان، وسهيل، وعباس، وحسين، وعبد المطلب بقضية واحدة بسبب علاقاتهم الشخصية اثناء وجودهم في وحدة عسكرية واحدة، ولكونهم زملاء منذ أيام الدراسة، ومن مدينة واحدة).
7ـ إسماعيل عبد الحسن طاهر (جندي) صدر الحكم عليه في 8/6/1974 من قبل محكمة الثورة، كان شيوعيا انقطعت صلته بالحزب بعد التحاقه بالجيش.
8 ـ جعفر عبد الله (جندي) نفس الحكم والتاريخ والتهمة، كان صديقا للحزب ولم تكن له صلة تنظيمية به.
9 ـ خالد علو (جندي) نفس الحكم والتاريخ والتهمة، كان صديقا للحزب ولم تكن له صلة تنظيمية به.
10 ـ خميس عباس (جندي) نفس التاريخ والتهمة والحكم والصفة.
(ان كلا من إسماعيل، وجعفر، وخالد، وخميس، قد حكموا في قضية واحدة بسبب روابط الصداقة المتكونة بينهم من قبل ولأنهم ابناء بلدة واحدة، وذوو أفكار تقدمية).
11ـ حامد كشكاش لفتة (رئيس عرفاء) حكم بالإعدام في 19/ 9/ 1974 من قبل محكمة الثورة بتهمة الانتماء لتنظيم سياسي، ولم تكن له علاقة بالحزب الشيوعي.
12ـ رحيم هادي كاسب (عريف مخابرة) حكم بالإعدام في 23/ 3/ 1974 من قبل محكمة الثورة، بتهمة الانضمام الى الحزب الشيوعي، لم يكن حزبيا، ولكن كان من عائلة شيوعية.
13ـ مسلول كريم حازم (جندي مكلف) حكم بالإعدام في 19/ 9/ 1974، من قبل محكمة الثورة، كان صديقا للحزب وانقطعت صلته به بعد التحاقه بالجيش.
14ـ ناطق عبد الواحد الحديثي (جندي مكلف) حكم بالاعدام في 23/ 3/ 1975 من قبل محكمة الثورة بنفس التهمة، مع انه لم يكن يوما عضوا في الحزب او له صلة به.
15ـ حميد عبد العال (نائب عريف) نفس التاريخ والحالة السابقة.
16ـ إسماعيل حسين حميد (نائب عريف) نفس التاريخ والحالة.
17ـ كيلو صبيح طلال (نائب ضابط) حكم بالاعدام في 17/ 4/ 1977 من قبل محكمة الثورة نفس التهمة ولا علاقة له بالحزب.
18ـ مجيد حسين داوود (جندي مكلف) حكم بالاعدام في 21/ 5/ 1977 بتهمة الاشتراك في تظاهرة تأييد للحكم الذاتي، لم يقم بنشاط حزبي او سياسي داخل الجيش.
19ـ جلال حسن عبد الوهاب (جندي أول متطوع) حكم بالاعدام في 22/5/1972 من قبل محكمة الثورة بتهمة الالتحاق بجماعة مسلحة وتقاضي راتب من الشيوعيين، في حين انه كان قد هرب من الجيش والتحق بالأنصار ثم ترك الحزب وصفوف الانصار ولم يشمله العفو السابق.
20ـ عامر سلطان هندي (ملازم عسكري) حكم بنفس التاريخ والتهمة ليست له علاقة بالحزب الشيوعي.
شملت إحكام الإعدام عددا من افراد سلك الشرطة، والمعلمين والفلاحين، والمواطنين المدنيين، وهم:
21ـ حامد خضير خير الله (شرطي) حكم بالاعدام في 25/5/1976 من قبل محكمة الثورة بتهمة التنظيم الشيوعي، مع انه لا علاقة له بالحزب الشيوعي.
22ـ عبد الكريم عبد الله المياحي (جابي في مصلحة نقل الركاب)، نفس التاريخ والجهة وبتهمة تنظيم احد افراد الشرطة، انقطعت صلته بالحزب منذ عام 1972.
23ـ صميدح خزيم الركابي (شرطي)، نفس الحالة السابقة وبتهمة صلته بكريم عبد الله.
24ـ عباس عبد حسن (من سكنة مدينة الثورة) بنفس الحكم والجهة والتهمة والتاريخ.
25ـ عزرة حسين عبد الله (شرطي) نفس الحكم والجهة والتهمة والتاريخ.
26ـ صباح شياع (موظف صحي في البصرة) حكم بالاعدام في 17/4/1977 بتهمة تنظيم احد الأفراد العسكريين مع انه كان ضمن (30 شيوعيا) اعتقلوا في البصرة في حزيران 1976.
27ـ عبد الزهرة محمد علي (معلم في محافظة القادسية) حكم بالاعدام في 21/5/1977 بتهمة ازدواجية الانتماء الحزبي، مع انه كان عضوا في الحزب الشيوعي ولم يسبق له الانتماء لحزب البعث.
28ـ عبد القادر مشكور (فلاح من محافظة كركوك) حكم من قبل المحكمة العسكرية الخاصة بتهمة التمرد مع انه لم ينتسب الى (المتمردين) بل كان موضع ملاحقتهم. من عائلة شيوعية.
29ـ سعيد رسول نادر (فلاح من محافظة كركوك) نفس الحالة السابقة.
30ـ صبيح جابر فارس (جندي) حكم بالاعدام من جانب محكمة الثورة بتهمة التنظيم الشيوعي، كان شيوعيا وقطع علاقته بالحزب بعد التحاقه بالجيش.
31ـ حبيب عبد ابراهيم (شرطي) حكم بالاعدام في 23/2/1976 من قبل محكمة الثورة، بتهمة الانتساب للحزب الشيوعي، مع انه قد فصل منه، بعد التحاقه بسلك الشرطة.
32ـ بشار رشيد (مفوض شرطة ولاعب كرة قدم) حكم بالاعدام بتاريخ 23/3/1975 من قبل محكمة الثورة بتهمة الاتصال بالحزب الشيوعي، مع انه ليست له علاقة بالحزب.
33ـ سعدي خالد (فلاح من اربيل) حكم عليه بالاعدام في 15/3/1975 من قبل محكمة الثورة، بتهمة انتمائه الى القيادة المركزية رغم انه تركهم بعد ان التحق بكردستان، ثم عاد الى أهله.
34ـ نعيم حسين البدري (مواطن) حكم بالاعدام بتاريخ 21/5/1977 بتهمة تنظيم عسكريين من أقاربه وأصدقائه، مع انه لم يكن عضوا في الحزب.
35ـ نوري قادر غفور حكم بالاعدام منذ عام 1961، من قبل المجلس العسكري العرفي الاول في قضايا كركوك (التي أغلقت مع زميل له بالاعدام أيضا) وحكم للمرة الثالثة بالسجن ثلاث سنوات متعاقبة.
36ـ عاصي علي محمود (فلاح من كركوك) حكم بالاعدام من قبل المجلس العرفي العسكري الاول في قضايا كركوك بتاريخ11/2/1962، وقد القي القبض عليه مؤخراً وحكم عليه بالاعدام.
37ـ إسماعيل حسين حميد (نائب عريف) حكم بالاعدام بتهمة تنظيمه لـ ( شاكر ناصر رحيم).
38. شاكر ناصر رحيم (نائب عريف شرطة) حكم بالاعدام ولا علاقة له بالحزب.
39. عبد الرحمن علي رحيم (عامل) حكم بالاعدام بتهمة تنظيم (شاكر ناصر رحيم) مع ان العلاقة النقابية بينهما انقطعت منذ عام 1973.
كان هناك أيضا (34) شخصا من المحكومين بالأشغال الشاقة المؤبدة وبضمنهم اعضاء في الحزب، وانصار من كردستان، الى جانب عدد من المواطنين لا علاقة لهم بالحزب او محسوبين على ملاك القيادة المركزية.
وعدا هؤلاء كان هناك (17) شخصا آخرون محكومين بالسجن مدداً مختلفة تتراوح بين 15و 10و 5 سنوات، بينهم اثنان محكومان غيابيا بتهم تعود الى اعوام 1964 و1966، وآخرون محكومون بالسجن ثلاث سنوات بتهم ملفقة، وحتى سنة واحدة، وقد ورد في المذكرة المقدمة عنهم:
"انهم حكموا بتهم غريبة.. بضمنها سب المسؤولين، او التهجم على مزرعة الدولة، او الاستماع الى شريط أغان سياسية.. وما الى ذلك"!.
وكان المحكومون بالاعدام والأشغال الشاقة قد امضوا بضع سنوات في زنزانات الإعدام او السجن هذا، ونورد في ما يلي مقتطفات من المذكرات الموجهة الى رئيس الجمهورية، لإلقاء الضوء على طبيعة التهم والأحكام الجاهزة التي افتعلت وأصدرت عليهم بقصد معروف.
ففي مذكرة وجهتها الى رئيس الجمهورية في 21 حزيران 1977، ورد ما يلي:
"اضع امام انظاركم قوائم بـ (88) شخصا من المحكومين بالاعدام، او بإحكام مختلفة، بعضهم من رفاقنا، وآخرون محسوبون علينا، اما جانب عدد آخر فلم يكونوا معنا في الاصل او تركونا، وهم موزعون على الشكل التالي:
أولا: (35) شخصا من المحكومين بالاعدام وضمنهم أشخاص صدرت عليهم مثل هذه الأحكام في اعوام 1959، 1960، 1961، 1962، وآخرون حكموا بتهم غريبة سبق ان وضعنا قضاياهم امام سيادتكم.. وخصوصا اولئك المتهمين بممارسة نشاط تنظيمي في الجيش..
"ان المشكلة التي يعانيها هؤلاء المواطنون، هي انهم يقيمون في زنزانات الإعدام وهو وضع بالغ القسوة بالنسبة للإنسان، كما انهم يلقون معاملة سيئة في السجن.. وهذا ما لا يمكن تبريره.. في ظل التحالف القائم بين حزبينا".
"ان حزبنا يتحمل مسؤولية الملاحظات الموجزة المدونة امام اسم كل محكوم، بصرف النظر عن الطريقة والتهمة التي أوصلت العديد من هؤلاء الى مثل هذا المصير".
ثانيا: (34) شخصا من المحكومين بالأشغال الشاقة المؤبدة، بضمنهم اعضاء في حزبنا.. ان هؤلاء أيضا يعانون هم وعوائلهم أوضاعا قاسية وأمام كل منهم ملاحظات نتحمل مسؤولية صدقها.
ثالثا: (17) شخصا محكومون بالسجن مددا مختلفة.
وتضيف المذكرة:
"ان البقاء على هذا العدد الكبير من رفاقنا في السجن وزنزانات الإعدام، الى جانب آخرين محسوبين على فكرنا (وهذا ما تعتبره عائلاتهم والرأي العام المحيط بنا واقعاً ضمن مسؤوليتنا ومسؤولية الجبهة) قد بات يثير لنا متاعب كبيرة وتساؤلات تصعب الإجابة عنها، اما ما يعانيه ممثلا الحزب في الحكومة فقد بلغ حدا مرهقا وبالغ الصعوبة.
"ان للمحاكم وأجهزة التحقيق وسائلها وللقيادة السياسية نظرتها المسؤولة وقرارها المنسجم مع المصالح الوطنية العليا".
"اننا نتطلع الى خاتمة لمثل هذه المشاكل.. وسيكون لقراركم بهذا الشأن اهمية سياسية كبرى".
وفي مذكرة اخرى سابقة مؤرخة في 12 نيسان 1976 موجهة الى رئيس الجمهورية ورد ما يلي:
"نرجو التفضل بالاطلاع على الوثائق الخاصة بـ (26) شخصاً من الذين حكموا بالاعدام مؤخرا.. آملين ان تنظروا بعين الاهتمام الى هذه القضايا في ضوء المعلومات التي توفرت لدينا حول كل منهم.. علما بان غالبيتهم ليسوا اعضاء في حزبنا، وقد حكموا بتهمة ممارسة "تنظيم شيوعي"!.
"لقد تأكد لنا مرة اخرى.. من خلال تدقيق هذه القضايا بالإضافة الى سابقاتها، ان هناك من يسعى لافتعال اعمال وعلاقات موهومة، الى جانب محاولة الإيقاع ببعض البسطاء دون مبرر".
"فهناك (خمسة) من مدينة واحدة وكانوا زملاء في الدراسة.. وهناك (أربعة) آخرون من مدينة واحدة أيضا".
"وهناك اناس كان من المفروض ان يكونوا ضمن المشمولين بالعفو العام، الخاص بالمنطقة الكردية.. وكانوا ضمن قلائل لم يطلق سراحهم بعد صدور قرارات العفو، وبدلا من ان يعودوا أحرارا أسوة بسواهم، أصبحوا يواجهون خطر الموت.
"واسمحوا لنا ان نصارحكم القول بان غالبية الأدلة التي استند اليها في اصدار هذه الاحكام، هي مجرد اعترافات انتزعت بالاكراه، وهو امر يؤسف له ويتطلب مداخلتكم لوقفه".
"كما ان بعض الادلة قد استمدت من علاقات سابقة لانتساب البعض الى القوات المسلحة، وهي علاقات قديمة لا يصح الإسناد اليها في افتراض نشاط لاحق لا اساس له".
"كما ان هناك حالات قد يدان فيها البعض لمجرد حيازتهم على كتاب علمي او جريدة سياسية في بيوتهم".
"ولا نغالي اذا قلنا ان إنزال عقوبة الموت بـ (26) شخصا هو أمر مروع من شأنه ان يطعن آمال الناس.. كما سيشيع شعورا بالقلق والجزع في أوساط واسعة من الجماهير، وبين أشقائنا في الوطن العربي، وأصدقائنا في العالم.
"ولا شك إنكم تقدرون.. ما يمكن ان تتركه مثل هذه الحالات من آثار سلبية على علاقات أجواء التحالف".
"راجين إصدار أوامركم لابراء المحكومين او تخفيف العقوبة عنهم.
وقد وقعت هذه المذكرة باسمي وأسم عزيز محمد وفي فترة لاحقة، اي في أوائل عام 1977، كنت قد وجهت مذكرة الى صدام حسين بشأن (كمال شاكر) جاء فيها:
"علمت وانا خارج الوطن بحكم الاعدام الصادر عن (محكمة امن الثورة) على (كمال شاكر الزهاوي) لعلاقته الشخصية القديمة مع زميل له من لاعبي كرة القدم، وهو مدني منح مؤخرا رتبة مفوض شرطة لضمه الى فريق الشرطة الرياضي، دون ان يصبح في عداد السلك العامل لقوات الشرطة، او يرتدي يوما ما البزة العسكرية، وقد سبق لي، في آخر لقاء معكم، ان رجوتكم التدخل لصالح هذا الرفيق، وذلك لقناعتي ببراءته، ولأنه لم يقم بأي عمل من شأنه ان يشكل خرقاً بخصوص خطر النشاط في القوات المسلحة، وقد تأكدت هذه الحقيقة مرة اخرى في مجرى التحقيق والمحاكمة.
"لقد عرضت عليكم حقيقة هذه التهمة، والعواقب المرتبطة بها، خصوصا في ما يتعلق في احتمال صدور حكم جاء بحق مناضل بارز في حزبنا، وعضو لجنة النشاط الجماهيري للجبهة الوطنية في محافظة بغداد".
"وإصدار حكم القول.. بان الاستفسارات التي وجهت الي من قبل العديد من الاحزاب العربية والصديقة المشاركة في مؤتمر الحزب الشيوعي الكوبي كانت تعكس قدرا كبيرا من الاستغراب والقلق، هذا بالاضافة الى ما لمسته بعد عودتي الى الوطن من وضع مشحون بالأسى والاستياء ليس داخل حزبنا فقط، بل بين أوساط من الرأي العام".
وبعد الإعراب عن مفاجأتي بهذه الصدمة العميقة وتذكيره بالتعهد الذي قطعه بإطلاق سراحه، تناشده المذكرة بالتدخل شخصيا لإستطلاع الحقيقة عن هذه القضية بالذات، في عداد قضايا أخرى ممثالة وعديدة اصبحت تثير قسطا لا يحتمل من المتاعب، فضلا عما تتركه من ردود أفعال، ومن جراح بليغة في صفوف حزبنا وفي نفوس المواطنين.
وفي الختام كما جاء في المذكرة:
"لم يعد لدي في هذه اللحظات المؤسية والحرجة التي يتهدد فيها الموت واحدا من المواطنين المعروفين في حزبنا، إلا ان اتوجه اليكم بالرجاء مرة اخرى، بأن تضعوا يديكم على هذه القضية الخطيرة، وان تعالجوها بروح العدالة والحكمة.. آملاً إنقاذ رفيقنا المناضل (كمال شاكر) من الموت، وابراء ساحته واخلاء سبيله.
كانت هذه المذكرات من بين سيل من مثيلاتها حول قضايا مشابهة لم تنقطع.. وكان هذا الاسلوب المرهق هو ما تقرر اللجوء اليه كوسيلة لدرء مواجهة الارهاب والملاحقة والقمع.
ولكن ما يهمنا هنا، هو استكمال الصورة عن نتائج الحديث مع رئيس الجمهورية حول (88) شخصا من المحكومين بالإعدام والأشغال الشاقة والسجن مددا طويلة ومختلفة، كانت هذه كما أسلفنا الفقرة الاخيرة من حيث الأيام الثلاث مع رئيس الجمهورية حيث جددت الطلب، وحملت معي القوائم الموثقة بالمعلومات – بناء على طلبه- وكان قد أعرب مبدئيا عن حرصه على اعادة النظر في هذه الإحكام في اليوم الثالث، قبل الظهر التقيت به، وكان معه رئيس الديوان السابق (يحيى ياسين) وصديقه الشخصي (أمين العاصمة)، وجدته قد اشر أوليا على عدد من المحكومين بالسجن حتى خمس سنوات، واخبرني، بأنه اصدر أمره بإخلاء سبيلهم فورا، وان بإمكاني إعلام عوائلهم بذلك، وقد لفت نظري رجاؤه بأن يجري كل شيء "دون ضجة" كما اكد لي بأنه سيدرس بالتعاون مع رئيس الديوان جميع القضايا الاخرى، وخاصة المحكومين بالاعدام وسيصدر مرسوما خاصا بالعفو عنهم خلال فترة قصيرة، وهناك أيضا رجائي إعلام عوائلهم ولكن "بدون ضجة" لم استطع وقت ذاك تأويل المغزى من هذا الطلب.. ولكنني باستذكاري أجواء ذلك اللقاء، وطلبه ان يكون في بيته لا في مكتبه بالقصر الجمهوري.. استطيع ان اقدر انه كان حريصاً على ان لا يعرف (صدام حسين) بما جرى من حديث بيننا رغم إني لاحظت في اليوم الثاني وجود (طارق حمد العبد الله) معنا، الذي جلس منصتا صامتا دون ان يتفوه بكلمة واحدة، ولكنني عندما واجهته في اليوم التالي في القصر الجمهوري وأودعت لديه قوائم المحكومين والمعلومات المتعلقة بهم، بناء على طلب رئيس الجمهورية ولغرض استصدار المرسوم بإطلاق سراحهم، قال لي: أحسنت في كلامك.. فهذا هو المطلوب، رغم انك – على حد قوله – قد احزنته جراء الوقائع المؤلمة التي رويتها له، ولكن هذا ضروري ومهم، ولا ادري ان كان صادقاً في كلامه آنذاك ام لا رغم اني ما ازال احس بأنه كان مرسلاً من قبل (صدام) للتنصت على حديثي مع البكر، بقينا نترقب النتائج، وتعجلنا في اخبار بعض عوائل المحكومين.. ولكن ما جوبهنا به بعد اكثر من شهر، قد جاوز التوقع والحساب.. وجاء ضاريا مشؤوماً يفيض بالوحشية والجور والنقمة، فقد أبلغت عائلات (21) من المحكومين بالاعدام، بصدور قرار تنفيذ الحكم بهم، وكان (صدام حسين) وراء هذا القرار بالطبع، توجهت في صبيحة اليوم ذاته الى القصر الجمهوري، وطلبت من رئيس الديوان وقتذاك (طارق حمد العبد الله) مقابلة فورية مع رئيس الجمهورية فاتصل به على مكتبه بالتلفون، فاعتذر، وقال لرئي? الديوان:
- اعتذر لي منه.. وابلغه السلام وقل له "الله كريم"؟!.
بدأنا اتصالات عاجلة مع أعضاء القيادة البعثية مع علمنا انهم لا يملكون حولا ولا قوة، بهدف التأثير عليهم او حملهم على العمل لإلغاء هذا العمل الدموي الجائر.. ولتحذيرهم أيضا من عواقب هذا التوجه الغاشم على مصير العلاقة بين الحزبين، التقيت اولا بـ (عدنان الحمداني) وكنت احسبه متعقلا وذا كلمة نافذة على صدام حسين، ولكنه خيب ظني بقوله:
- ان تنفيذ هذه الاحكام هو بمثابة تحذير للحزب الشيوعي، وانها ستصب في خدمة الجبهة، وتجنيبها ما يمكن ان يصدع علاقات التحالف بين الحزبين مستقبلا.
التقيت بـ (نعيم حداد) لنفس الغرض، فبدا مغلوبا على أمره وكان يفتش عبثا عن تبرير لهذه الفعلة الغاشمة.
ولدى التقائي بـ (عدنان خير الله طلفاح)، اثار دهشتي بصوته العالي وحالة التوتر والتأزم التي استحوذت عليه، إذ أعرب صراحة عن أسفه وعدم قناعته بهذا الإجراء.. وراح يستفسر مني عما اذا حدث شيء ما بين الحزبين، او بين العراق والاتحاد السوفيتي!.. انه - كما قال- لم يفهم الدافع لذلك كله، وقد جاء صدام الى الاجتماع وهو في حالة هياج شديد وطلب الموافقة على هذا القرار، وبعد ان عبر عن شعوره بالأسى والخيبة مما وصلت اليه الامور، اكد مرة اخرى انه لم يكن موافقا في دخيلة نفسه على هذا الإجراء الخطير، ولكنه اضطر الى التصويت او السكوت أخذا بمبدأ "الجماعية" في العمل القيادي – على حد تعبيره!.
وقد اعتبر هذا القرار لغما في العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، وقال: وفوق ذلك يريدونني ان أقوم بزيارة رسمية مقررة لموسكو.. تصور!.
"من أول غزاته انكسرت عصاته" – اي من أول غزوة له انكسرت عصاه!، وما هي إلا أيام قلائل حتى بدأ تنفيذ الاحكام، التي كانت الصاعقة التي أجهزت على الجبهة الوطنية، وأنزلت الضربة الاخيرة بالتحالف القائم بين الحزبين، وقد شملت الدفعة الاولى ممن نفذ فيهم حكم الاعدام كلاً من:
1- سهيل شرهان: الذي نظمت بعض الجهات الامنية عملية الإيقاع به.
2- رحيم هادي كاسب: حيث عثر لديه على كتاب "عرض موجز للمادية الديالكتيكية".
3- عدنان شرهان سيلان: احد العاملين في التنظيمات الطلابية الديمقراطية.
4- حسين الطريحي: حكم بسبب زمالته في الدراسة لعدنان شرهان.
5- عباس فاضل: حكم لنفس السبب.
6- ماجد چلوب: حكم لنفس السبب.
7- حامد كشاش لفتة: عثر لديه على كتاب "الدستور الصيني".
8- عباس عبد حسن: من مدينة الثورة في بغداد.
9- كيلو صبيح طلال: من قضاء القرنة، متزوج ولديه ثمانية أطفال.
10- عامر سلطان هندي: ملازم في الجيش، من عائلة عمالية في مدينة (هيت).
11- شاكر رحيم: من مدينة الثورة ببغداد.
12- حامد خضير خير الله: من سكنة الديوانية.
13- بشار رشيد: لاعب كرة قدم.
14- جعفر عبد الله: حكم بسبب ميوله التقدمية.
15- إسماعيل عبد الحسين طاهر: من الموصل حكم بسبب ميوله التقدمية.
16- خالد علو: جندي.
17- حسيب عبد الرحيم: شرطي هرب من الخدمة وعاد الى الريف وتبرع بـ (50) فلساً للحزب الشيوعي.
18- عبد المطلب ابراهيم: من أهالي العمارة.
19- إسماعيل حسين حميد: نائب عريف من سكنة البصرة، كانت محكمة التمييز العسكرية قد نقضت الحكم الصادر بحقه فأحيل الى محكمة الثورة التي حكمت عليه بالاعدام.
20- صميدح خزيم: شرطي من الديوانية.
21- عزرة حسين عبد الله: شرطي حكم بسبب احد أقربائه من الشيوعيين.
كان هؤلاء جميعهم من الجنوب والمراتب العسكرية الصغيرة وأفراد الشرطة، قد اعدموا رميا بالرصاص اما الذين اعدموا شنقا فهم:
22- صباح شياع: موظف صحي في مستشفى القرنة (البصرة)، عضو لجنة قضاء في الحزب الشيوعي وقد وشى به احد أصدقائه السابقين الذي انتمى الى حزب البعث.
23- عبد الرحمن رحيم من مدينة الثورة ببغداد.
24- عبد الكريم عبد الله المياحي عضو لجنة قاعدية في الحزب الشيوعي.
25- عبد الزهرة محمد عضو لجنة قاعدية في الحزب الشيوعي.
26- حميد عبد العال: (نائب عريف) نقضت محكمة التمييز العسكرية الحكم عليه، فأحيل الى محكمة الثورة التي حكمت عليه بالاعدام.
27- صبيح جابر فارس: (جندي) أحيل الى المحكمة العسكرية التي حكمت عليه بالسجن لمدة سنة وبالطرد من الجيش، ولكن محكمة التمييز العسكرية نقضت هذا القرار، فأحيل الى محكمة الثورة التي حكمت عليه بالاعدام.
كانت هذه هي القائمة الاولى من الذين نفذ فيهم حكم الاعدام اولا، ثم تلتها القائمة الثانية من الذين نفذ فيهم حكم الاعدام أيضا وعددهم (12) شهيدا، وقد تكتمت السلطات على هذه الجريمة، فلم تعلن اسماء ضحاياهم، ولكن الحزب قد تعرف عليهم من خلال الاتصال بعوائلهم.
اما بقية المحكومين بالاعدام او الأشغال الشاقة المؤبدة، فقد انقطعت أخبارهم والأرجح انهم لاقوا نفس المصير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة "طريق الشعب" ص 8
الاثنين20/ 5/ 2013