
تنقضي هذه الايام خمس وثلاثون سنة، على المذبحة الوحشية التي نفذها صدام حسين بين يومي 17و21ايار1978،بحق 39مواطنا بريئا حكمت "محكمة الثورة" ظلما باعدامهم، بتهمة كاذبة ملفقة: اقامة تنظيمات شيوعية في الجيش.
وقد نشرنا في عدد جريدتنا ليوم امس الاثنين جزءا من دفتر ذكريات الراحل عامر عبد الله، يتعلق بقضية اولئك الشبان الشيوعيين الشجعان، الذين اعدموا "وفق حملة دموية غاشمة وبقرار فرضه صدام على القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة بذريعة زائفة، هي محاولة الحزب الشيوعي الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري".
وجاء في ختام الجزء المذكور ان المجموعة الاولى التي نفذ بحقها حكم الاعدام كانت تتكون من27 من الشبان المغدورين، ثم تلتها المجموعة الثانية المكونة من 12شهيدا "وقد تكتمت السلطات على هذه الجريمة الثانية ولم تعلن اسماء الضحايا، لكن الحزب تعرف عليهم من خلال الاتصال بعوائلهم اما بقية المحكومين بالاعدام او الاشغال الشاقة المؤبدة فقد انقطعت اخبارهم، والارجح انهم لاقوا نفس المصير".
اليوم ننشر على صفحتين نبذة مختصرة عن كل من الشهداء المذكورين، تتضمن الاسم والتهمة وتاريخ الحكم ومعلومات اخرى بالنسبة لبعضهم، الى جانب الصور الشخصية لقسم منهم.
وفي هذه المناسبة نشير الى ما اورده د.طالب البغدادي في كتابه "حكايتي مع صدام" الصادر سنة 2010عن دار الوراق للنشر، حول قسم من اولئك الشبان الابطال، وقد التقاهم في غرفة التوقيف تحت الارض (في السرداب) التي يودع فيها المتهمون قبل المناداة عليهم الى قاعة المحكمة، حيث ذكر انه كان "آخر من استقدموا ذلك اليوم" الى المحكمة، وعندما وصل الى غرفة التوقيف وجد آخرين كان مقررا ان يحاكموا قبله.
واضاف: "كانت هناك مجموعة من الشباب، عرفت منهم انهم متهمون كمجموعة واحدة بتنظيم خلية شيوعية في قوات الشرطة، يقودهم لاعب كرة معروف اسمه بشار".
واستطرد يقول: نودي بادئ ذي بدء على المجموعة المتهمة بالشيوعية، فصعدوا وبعد 45 دقيقة سمعت ضجيجا شديدا، إذ ان المتهمين نزلوا الى غرفة التوقيف وهم يهتفون.
"سنمضي الى ما نريد، وطن حر وشعب سعيد"، "الشيوعية اقوى من الموت واعلى من المشانق"، "نموت وتحيا الشيوعية"، وعرفت منهم انهم حكموا بالاعدام جميعا".
مجدا لهم، ابطالا ميامين، ولذكراهم الساطعة.
والخزي الابدي لقتلهم وقد انتهوا في مزبلة التاريخ.
جريدة "طريق الشعب"
أساحوا دم الزنابق، فتلونت الأرض بشفق الشمس
فترة السبعينيات، كانت امتدادا طبيعيا لفترات الخوف والقمع اذ كانت تفوح منها رائحة مظاهر الملاحقة بأمتياز، وتصاعدت فيها حملات الاعتقالات، والاغتيالات، والاعدامات، وشراء الذمم، وتطوير اجهزة القمع وبناء المعتقلات السرية وأقبية التعذيب، وعسكرة المجتمع، وسخرت موارد الدولة النفطية الهائلة لهذه الأغراض، رغم انها تعد (عصرا ذهبيا) مقارنة بالفترات التي لحقتها.
في تلك الأيام كنت اتلمس مهربا لنفسي، وكنت في حيرة من أمري، بعد اعتقال قريبي الذي كانت تربطني به علاقة تنظيمية، وزميلي في الكلية، عبد الجليل عودة معارج، تنظيم خلية عسكرية، ولم تفد كل محاولات الحزب لانقاذه، فأعدم يوم28ـ12ـ1975، وقتها كان الشهيد عبد الزهرة محمد حسن الخفاجي (معلم المادة الجغرافية) يتردد على أخيه حمزة زميلي في قسم اللغة العربية، كنت اتلمس في هذا الانسان تهذيبه العالي وحرصه الشديد كي نواصل تعليمنا كنت اتساءل في داخلي هل يعرف حيرتي؟وكدت انسى هذا الرجل، بعد تخرجي وفراقي عن صديقي حمزة.
وفي يوم من أيار عام 1978 اخبرني قريب لي وهو موظف في سجن ابو غريب، ان هناك وجبة اعدامات ستنفذ بعدد من الشيوعيين، وقد جلب لي اسماءهم كي اخبر الحزب بالموضوع وكانت صدمتي كبيرة حين قرأت الاسماء، وزادت صدمتي اكثر حين قرأت اسم عبد الزهرة من بينهم، وتساءلت ماذا فعل هذا الانسان الوديع ورفاقه كي يعدموا؟.
(هم يزحفون على المدينة
هم يذبحون الورد والذكرى وأوراق الكتاب
هم يقتلونك مرة أخرى بأحشاء المدينة)، وعرفت لاحقا أنه اعتقل عام1976 في مدينته الديوانية، استدعي اكثر من مرة الى مديرية أمنها كي يتعاون مع أجهزة الأمن وخيانة حزبه ولكنه رفض، فلفقت له تهمة العلاقة مع الشرطي الشهيد حامد خضير، وقيادة تنظيم من العسكريين للحزب الشيوعي العراقي.
هكذا اوصل الفاشست رسالتهم في تأميم الحياة السياسية، وأغلاق كل مسامات الهواء والحرية، وهم ويعرفون جيدا ان الحزب ليس لديه تنظيم داخل الجيش، وانه تم تجميد عضوية الرفاق الذين يذهبون للخدمة العسكرية، ولهذا كان علينا ان نستعد للمصير نفسه، فمن حلقت لحية جاره عليه ان يسكب الماء على لحيته، كما يقول المثل، فالحبل الذي التف على رقبة الشهيد عبد الزهرة ورفاقة الابطال، هو نفسه قادم علينا، أذ اصحبنا بعد أيام الطريدة الجديدة، فمنا من استوطن المنفى متشردا من مكان الى آخر، والعديد اعتقلوا واستشهدوا تحت التعذيب، او غابوا في المقابر الجماعية، ومن بقى عاشوا وماتوا كمد، واخرون استطاعوا ان يرفعوا السلاح في وجه السلطة وظلوا يقاتلون قطعان الحكومة وسلاحها الكيمياوي.
فهل مات عبد الزهرة ورفاقه حقا؟
أم زالت قبورهم تصرخ يا عراق؟
ان رؤيتهم في وطن حر ديمقراطي ما زالت تلتبسنا راية وعزيمة.
من الصعب أن ينتهي
في بلاد تدير تواريخها حول أعوادها
أي شيء سيبدأ
أي امريْ ينتهي؟
ــــــــــــــــ
عبد جعفر
بشار رشيد الدالة في طريق العراق الجديد
قال مارتن لوثر يوما في الجموع" حتى لو اني علمت بأن العالم سيهشم ويتناثر الى قطع صغيرة غدا، فأني عازم على ان ازرع شـجرتي اليوم"، ها نحن في هذه الايام التي تفصلنا 35 عاما على ذلك الصباح الدموي الذي دفع فيه بشار رشيد ورفاقه الميامين حياتهم ثمنا للعقلية الأقصائية الدموية المتأصلة في قيادات حزب البعث والتي مالبثت ان اصبحت سياسة عامة في السنوات اللاحقة ادخلت العراق في متاهات، انجبت ومازالت تتناسل في اثرها آلات الأستبداد في زيجات غير شرعية عبر ادوات الدولة القمعية وملاحقها الأعلامية.
في سني السبعينيات، كانت "الساحرة المدورة" معشوقتنا، وكنا حينها من مشجعي الفرقة المدرعة الثالثة، ثم الجيش، ولم يفتنا هذا النجم ان سطع او ذاك، حتى لو كان من فرق الخصم، ربما تكون الدورة التي اقيمت في استراليا الشاهد الكبير على نجومية اللاعب الدولي بشار، فقد تابعناها بشغف وفرح، لم تمض اياما كثيرة حتى شــاع بين متابعي الكرة خبرا مفاده"، ان اتحاد الكرة اوقف اللاعبين بشار رشيد وستار خلف عقب وشاية من احدهم، الذي شهد بأنهما كان في وضع اخلاقي شاذ"، وما بالكم ان تنطلق مثل هذه الدعاية على لاعب دولي، وفي مجتمع محاصر ومحافظ مثل مجتمعنا العراقي، حتما ستكون النهاية، وهو الانتحار بكل معانيه، ويبدو ان من خطط لهذا الخبر، قد اتقن اللعبة جيدا، وحاز على ما اراد اخيرا، ان فكرة القاء تهمة بهذا الحجم على اللاعب بشار كان يراد منها ارسال رسالة له اولا، وللاخرين مفادها بأننا قادرون على فعل اي شئ "دفاعا عن الحزب والثورة"، يومها كانت وسائل الأعلام محصورة بالسلطة، ومعرفتنا باللاعب بشار لم تتعد ما شاهدناه في الملاعب، ولم نكن نعرف شيئا عن انتمائه او ميوله السياسية، رغم ان ذلك كان اختياره الشخصي، لكن لمن سمع بتهمة "الاساءة الخلقية"، كيف له ان يتضامن مع بشار، وكيف له ان يذكر سجاياه او انتماءه الوطني؟ كانت هذه بحق اللعبة القذرة التي انتجتها عقول البعث والمخابرات الغارقة حتى النخاع بالفساد وكل انواع السقوط الأخلاقي والسياسي.
في آيار 1973 صدر قرار حرمان بشار رشيد من الملاعب مدى الحياة، ثم نقض القرار من قبل منتخب الشرطة الذي اثبت بعد التحقيق بأن لا صحة لهذه التهمة، ثم عاد للملاعب نجما (ربما لا احد منا يعرف حجم الألم الداخلي الذي كان يعانيه)، حتى يوم 15 ايلول من العام 1975 حينما اقتاده مخبروا الأمن العامة من غرفة تبديل الملابس قبيل مبارات الشرطة مع الجامعة! اما الأعدام فتم يوم 17 آيار 1978وقيل بعد التاسعة صباحا، وقيل ايضا بأنه رفض شـّد عينيه لأنه اراد ان ينظر الى قاتله!.
يجمعنا اليوم هاجس الذكرى الأليمة، لكنها غير كافية، اذ تطرح ذات الأسئلة نفسها مرة اخرى مستفسرة: اين عامة الناس، ونخبنا الثقافية والأدبية والعلمية، اين احزابنا الوطنية مما جرى وما يجري؟.
كيف يمكن لجريمة (وجرائم) مثلها ان تمر دون حساب؟ كيف يمكن ان يفلت منها الجلاد وأن لايشعر بأي حرج من اقترافها؟ وكم مرة علينا ان نحتفي بذكرى الشهداء والقتلة ما زالوا احرارا؟.
كنت دائما اتساءل قبيل سقوط النظام وأمني النفس، بأن يوما جميلا جديدا سيشرق على العراق، سيخرج القتلة ويدانون، ويخرج المغرر بهم ويعتذرون للشعب العراقي، وسننهي فصول الدم والقهر، وسنتعلم دروسا جديدة في الحياة وليس في القتل والدمار، وها انتم معي تشهدون على هذه الأحلام، فأين يكمن الخلل؟.
في بحثي عن الشهيد بشار رشيد وقعت يدي على العديد من المقالات، اذكر بعض كتابها بالمحبة والشكر لما قدموه في ذكرى رحيل اللاعب الدولي بشار رشيد (ابو مسار)، وأخص بعضهم مع امتناني للذي لم اذكره، منذر العذاري، جليل صبيح، رحيم العراقي، عبدالرحمن فليفل، جواد الخرسان وكاظم عبود، وأضم صوتي لصوتهم بأن يعاد تكريم اللاعب بشار رشيد ويرفع عنه الغبن وتعوض عائلته وأن تقام دورات رياضية بأسمه وأسماء رفاقه الذين استشهدوا معه، وأن يسمى احد الملاعب في ذكراهم العطرة، وأن يقام نصب تذكاري له او لهم، هؤلاء الأبطال الرياضيين الذين ارتعب البعث منهم، وخاف يوما ان يقوموا بأنقلاب رياضي على حزب الأمة العربية، خافوا لأنهم كانوا نتاج المؤامرات والعمالة للأستخبارات الأجنبية، التهمة التي لم يتمكنوا من الصاقها بالشهداء الرياضيين.
الذكر الطيب للشهيد اللاعب بشار رشيد، ورفاقه الميامين ودعوة مخلصة لكل من يحب العراق، بأن لا يدعو اظافر الجلاد تكبر من جديد، حتى لاتمر مثل هذه الجرائم دون حساب، حتى لا نخسر كامل شياع وهادي المهدي وغيرهم، مثلما خسرنا بشار رشيد، وننشغل بأقامة الأماسي التذكارية لهم، اننا حقا بحاجة لتحصين انفسنا وشعبنا من الولادات القسرية التي ما لبثت تخرج رأسها هنا وهناك، والتي تدعي بأننا شعب غير مؤهل للديمقراطية، وبأننا لا نقاد الا بحاكم قوي! هذه العقليات هي التي انتجت قتلة بشار رشيد، هي التي انتجت الأجرام الذي قاده صدام وجلاوزته.
لقد شبعنا موتا، وشبعت ارضنا من الدماء.
ــــــــــــــــ
كمال يلدو
نجمة في سماء المجد
الشهيد عبد الرحمن علي رحيم
داود أمين
في آيار 1978 توجت سلطة البعث الفاشي في العراق، إجراءاتها القمعية المتواصلة ضد الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان متحالفا معها في (جبهة وطنية!)، بإقتراف جريمة علنية بشعة، عندما أقدمت على إعدام 39 من رفاق واًصدقاء الحزب الشيوعي العراقي، بحجة مفبركة ومفضوحة عنوانها (تكوين تنظيم شيوعي داخل الجيش!)، وكانت تلك الجريمة، القشة التي قصمت ظهر (الجبهة!)، إذ سرعان ما توالت الأحداث بعدها، لتنقل الحزب الشيوعي العراقي من خانة التحالف لخانة المعارضة، ثم متبنيا لنهج الكفاح المسلح، من أجل إسقاط سلطة البعث، وتخليص شعبنا من جرائمها وبشاعاتها، ولكي ندلل على كذب وخطل إدعاءات البعث، نستعرض حياة واحد من شهداء تلك الكوكبة المقدامة من الشيوعيين، الذين هُدرت دماؤهم دون ذنب إقترفوه، سوى حبهم لشعبهم وإخلاصهم لوطنهم.
عبد الرحمن علي، المولود في محافظة ديالى عام 1948، كان الطفل الرابع لعائلة تركمانية، لديها عشرة أطفال، ومع عائلته إنتقل من ديالى لبغداد عام 1959، ليسكن في منطقة الحبيبية، وفي ساحة مظفر ومناطق الثورة وجميلة، كانت صداقات عبد الرحمن تنمو وتزدهر مع الكثير من أقرانه وزملائه، وبعد إنهاء عبد الرحمن للمرحلة المتوسطة من حياته الدراسية قرر أن يوقف دراسته ويعمل، لكن (التجنيد) كان بإنتظاره، فأمضى سنوات المكلفية أواسط الستينات في كردستان، شاهدا على بشاعات حرب عنصرية قذرة ضد الشعب الكردي، وفي عام 1970، ورغم إنتقال العائلة إلى حي جميلة، المقابل لشارع فلسطين، إلا أن صداقات عبد الرحمن ظلت متواصلة مع زملاء الطفولة في مدينة الثورة، ومعها كان الوعي السياسي ينمو، فالسلطة الجديدة (مكيجت) وجهها القذر بمساحيق براقة خادعة! والكتاب الماركسي أصبح يتصدر واجهات المكتبات، ومجلة الثقافة الجديدة يُطلق سراحها، فتتكحل بموضوعاتها أعين القراء والمتابعين، وبينهم عبد الرحمن الطامح للمعرفة والعاشق لليسار وأدبياته! في معمل لصناعة المسامير في حي جميلة، وجد عبد الرحمن مكانه، إنه الآن عامل وسط حشد من زملائه العمال، حيث تتحول قطع الألمنيوم بين أيديهم لمواد إستهلاكية نافعة، في هذه الفترة وجد عبد الرحمن طريقه للحزب الشيوعي العراقي، فحملت بطاقة عضويته إسمه الحزبي (بركان)، ولأنه هادئ وكتوم فقد ظل محتفظا بسرية عمله الحزبي، رغم إن أخويه اللذين يكبرانه (خالد ومحمود) كانا شيوعيين أيضا! وفي عمله الحزبي نشط عبد الرحمن، وكان كسب الأصدقاء وترشيح الجيدين منهم للحزب واحدا من مهام كل عضو حزبي، لذلك تحرك عبد الرحمن نحو أقرب أصدقائه وهو (شاكر رحيم) المنحدر من عائلة ريفية تسكن الثورة، فرفع الأخير رسالته للحزب عبر صديقه عبد الرحمن، وقبل أن يبت الحزب برسالة شاكر رحيم، كان شاكر قد قدم طلباً للدولة ليكون شرطي مرور، وقد قُبل بهذه الوظيفة، لذلك لم يوافق الحزب على طلبه بالترشيح، خوفا على حياته.
كان لعبد الرحمن وشاكر صديق مشترك يدعى عامر، إنتمى حديثا للبعث، ولكي يثبت عامر ولاءه للحزب الفاشي وشى بصديقيه، قائلا أنهما شيوعيان، ولأن شاكر أصبح شرطي مرور، فقد تم تفتيش بيته، وفيه عثر الأمن على رسالة طلب الترشيح، بعد رفض الحزب لها، فأعتقل شاكر بتهمة إنتمائه للحزب الشيوعي، رغم أنه لم ينتم، وبعد ايام إعتقل صديقه عبد الرحمن، بتهمة تنظيمه للشرطي شاكر! رغم إنه لم ينظمه! كان ذلك في شهر كانون الأول 1975 وغاب الإثنان أربعة أشهر في سجون النظام، وفي أقبية تعذيبه، دون أن تعرف عوائلهما عنهما أي شيء!.
في آذار 1976، عرفت عائلة شاكر عن طريق أقارب لهم في الشرطة، مكان إعتقالهما في سجن (أبوغريب)، قسم الأحكام الثقيلة، حيث حكم عليهما بالإعدام! بتهمة تكوين تنظيم شيوعي في مؤسسة عسكرية! وبالرغم من أن شاكر شرطي مرور، وبالرغم من إنه لم ينتم للحزب، وإن رسالته لم يبت بها، وبالرغم أيضا من إن عبد الرحمن كان عاملا ولا علاقة له بالجيش أو الشرطة، فقد إعتُبر ضمن تنظيم عسكري يخطط لإنقلاب يستهدف إستلام السلطة! وحكم على الإثنين بالإعدام، في السجن الذي واظبت عائلتا شاكر وعبد الرحمن على زيارته أربع مرات في الشهر، كان هناك عشرات آخرون، من مختلف مدن العراق، يحملون نفس التهمة، وعليهم نفس أحكام الإعدام، وكانت قيادة الحزب خارج السجن، تبذل أقصى جهودها من أجل إطلاق سراحهم، أو التخفيف من أحكامهم، من خلال اللقاءات المتكررة مع قيادات السلطة وحزبها الفاشي! وكانت الوعود والعهود السلطوية تتوالى فيدحضها الواقع السياسي، ويكذبها إستمرار بقاء المحكومين في زنازينهم وبنفس أحكامهم!.
التهمة المشتركة وحكم الإعدام الواحد للجميع، حول المحكومين وعوائلهم لعائلة واحدة، ففي الزيارات كانت موائد الطعام المشترك تمتد للجميع، وكانت معنويات جميع المحكومين أكثر من عالية، فالثقة كانت كبيرة بالحزب والشعب، والتفاؤل هو السمة الغالبة على الجميع، وكانوا يرددون بأنهم يفخرون بشيوعيتهم، ولا يرغبون أن يتنازل الحزب للبعث من أجلهم! ولكن البعث الفاشي كان يبيت لتنفيذ جريمته، ففي السابع عشر من آيار 1978، نفذ البعثيون حكم الإعدام بعبد الرحمن وشاكر و29 رفيقا وصديقا للحزب الشيوعي العراقي، ودون تبليغ لعوائلهم، بل أرسلوا جثثهم للطب العدلي في باب المعظم، ومنعوا أخذ الجثث للبيوت، بل للمقبرة مباشرة، ودون إقامة مجالس الفاتحة! وقد عرفت عائلة عبد الرحمن بإستشهاده يوم 19 آيار فذهب والده وأخوته، إلى الطب العدلي، ومن هناك أخذوا الجثة مباشرة إلى المقبرة، حيث دفن الشهيد بصمت! وقتها كانت والدة عبد الرحمن ترقد في مدينة الطب، لإجراء عملية جراحية فلم تعرف بالخبر، إلى ما بعد مرور أربعين يوما على إستشهاده، المجد والخلود للشهيد البطل عبد الرحمن علي رحيم ورفاقه شاكر رحيم وبشار رشيد وسهيل شرهان وبقية القافلة المقدامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة "طريق الشعب"
الثلاثاء 21/ 5 /2013