عداد المكتب الصحفي لمنظمة الحزب الشيوعي العراقي في الدنمارك - شباط 2014

[ تليت بالترافق مع عرض الفلم على الرابط : http://al-nnas.com/1.htm ]

في ليلة التاسع-العاشر من اذار 1963 اقتاد جلادوا ومجرموا قصر النهاية اثنين وعشرين شيوعيا, ليتم اغتيالهم و قتلهم بخسة ودناءة, وليدفنوا في قبر وقبور مجهولة خارج بغداد.

لكأن شاعرنا الكبير يقول ثانية كما قالها في مؤتمر السباع عام 1948 والذي شاركه فيه, بعض من تم اغتيالهم تلك الليلة من اذار:

بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام

يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ

علمُ الحساب ، وتفخر الأرقام

بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً

تتعطَّرُ الارَضونَ والأيام

بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم

وَعرٌ ، ولا نُصُبٌ ولا اعلام

يومَ الشهيد ! طريقُ كل مناضلٍ

وبكُلِّ مُفتَرقٍ يدِبُّ حِمام

في كل مُنعَطَفٍ تَلوحُ بلية

وتَطيحُ في سُوح الكرامة هام

ستطيرُ في أفقِ الكفاح سَواعدٌ

 

 

 

 

 

 

دفنوا معا في قبر ضم بين جناحيه اناسا من مدن عدة في العراق, واحتوى بهم ومعهم كل القيم الطيبة النبيلة والاصيلة من تراث شعبنا. قبرا كان ولايزال شاهدا على وحدة هذا الشعب على اختلاف مشاربه والوانه, وبالضد من قيم الظلم والعسف والخسة والاجرام, كما لو اننا نسمع الان اصواتهم وهم يوارون الثرى معا في تلك الارض الطيبة, يواسي احدهم الاخر ويشد من ازره ويعضد معنوياته ويكبر من مثل الدفاع عن المبدأ والوفاء للقيم, حد التضحية بالحياة ومفارقة الاهل والاحباب والمدن الاليفة. قبر وقبور مجهولة لاهلهم ورفقتهم, ولكن تكاد كل ارض العراق ان تكون سريرا حانيا لهم, وكل ارض بغداد ملاذا اليفا دافئا.

حدقوا في وجوههم جيدا, لن تجدوا غير حب الخير والاهل والوطن .. حب يكاد يداوي الجروح العميقة وينهي الالم .. وينشد اغنية الخلود, كما عرفها اهل العراق القديم قبل مايقارب خمسة الاف عام, والحكمة التي وصلوا الى مبتغاها, كون خلود البشر لصائرعبر العمل الطيب وصنع الخير والسعادة للاخرين والناس جميعا.

يقول جلجامش للملاح - اور شنابي - بعد رحلته الطويلة بحثا عن الحياة الابدية, وبعد ان سرق منه الثعبان - اسد التراب - نبات سر الخلود, حيث يعودان معا الى اوروك مدينة جلجامش:

اعل يا اور- شنابي, وتمشى فوق اسوار "اوروك"

وافحص قواعد اسوارها وانظر الى اجر بنائها

وتيقن اليس من الاجر المفخور

وهلا وضع الحكماء السبعة اسسها

ان " شارا " واحدا خصص للسكن

" و شارا " واحدا لبساتين النخل

" و شارا " واحدا لسهل الري

رحل الشهداء جسدا وبقيت مأثرهم وقيمهم حية يانعة, وبقي الاهل والرفقة والاحباب اوفياء لذكراهم, وكأن لسان حاله يقول " الذكر للانسان عمر ثان ".

من بعض ماتوفر من ماقاله اهل الشهداء, وعلى سبيل المثال لا الحصر كما يقال, كأن جوهر كلماتهم موجهة لجميعهم معا بل ولكل الشهداء.

عن الشهيد صبيح سباهي يقول اخيه الذي يصغره باربع سنوات عبد الاله سباهي في عام  2004 ونقتبس:

" كان صبيح جميل الوجه جميل الصوت, فارع الطول ولازمته الابتسامة رقيقة طيلة رحلته القصيرة التي قضاها على هذه الارض والتي لم تدم الا 30 عاما .. شديد الحياء وذو طيبة لاحدود لها, حاد الذكاء متوقد الذهن منذ الصغر "

يستطرد الاخ ويقول عن الشهيد سباهي وقد تجاوز مرحلة الصبا:

" اخذ صبيح يكون عالمه الخاص ويبتعد بفكره عنا, ولم يعد يشاركني اللعب وكأنه رجل ناضج على الرغم من انه لم يتجاوز السادسة عشر من العمر, وقد اخذت مطالعة الكتب جل وقته, واغلبها من الكتب ذات العناوين الصعبة ولم اهتدي الى مصدرها. لم يتغير صبيح رغم تكامل رجولته وظل الهدوء والحياء اول ماتراه على وجهه. لقد ظل صبيح بعيدا عنا ناذرا نفسه وشبابه لاحلام لو تحققت لعاش الناس فيها سعداء, وكان يبتكر طرقا مثيرة في تنفيذ مهماته. كنت اراه في الاحلام اكثر مما اراه في اليقظة. هل كانت جرأته تهور وطيش شباب ام كانت نتيجة ايمان راسخ بقضية عادلة "

اما عن الشهيد عدنان البراك فيقول ابن عمه مهند البراك عام 2009 ونقتبس:

" بخسارة عدنان .. اهتزت العائلة .. لم يكن عدنان لنا ابن العم فقط .. لماذا احببناه وتعلقنا به بذلك الشكل .. من هو ومن كان لنا ! لماذا كنا نتسمر في اماكننا عندما يمر ذكره سواءا في بيت ابيه او بيته او في حياة اختفاءه اللاحق.  كان عدنان المثال الذي جعل لحياتنا معنى .. المثال الحي لقضية عادلة خالدة, قضية الخير وحب الناس, قضية الوقوف مع الحق ومن اجل انتصاره .. كان بمثاله النبيل وكأنه العلاقة الدالة في العائلة على الحياة الانسانية, من اجل حياة يسودها العدل والمحبة.  لقد انتقموا منه لانه لم يكن سياسيا وصحفيا لامعا وحسب, وانما لانه كان مناضلا باسلا .. ففي سبيل مبادءه ترك دراسته في كلية الطب ليقضي حكما بالسجن الثقيل منذ عام 1948 وحتى تحرره منه بعد ثورة 14 تموز "

عن الشهيد ابراهيم الحكاك تذكر زوجته ام وميض عام 2013 ونقتبس:

" كان يمارس عمله الحزبي وهو في المعتقل ولعشر سنوات منذ 1948 وحتى ثورة 14 تموز, ولنشاطه اصبح عضوا في لجنة التنظيم المركزية مع عدد من الرفاق القياديين انذاك اذكر منهم الشهيد حين عوينة والشهيد محمد صالح العبلي واخرون. كان ابا رؤوفا محبا لاسرته وللعائلة جميعا. دامت حياته الاسرية سنة وثلاثة اشهر حتى كان يوم الثامن من شباط المشؤوم سنة 1963. كان الشهيد ابراهيم الحكاك محبا للعلم والادب وخاصة شعر صديقه ورفيقه مظفر النواب حتى انه وررغم مهامه الحزبية, كان يقضي وقت فراغه بكتابة بحث عن جان جاك روسو وكتابه العقد الاجتماعي ولكنها وللاسف فقدت مع كل مافقد " انتهى الاقتباس

كان الشهيد كارها للباطل ومحبا للحق وكان اكره مايكره النفاق, وكان وديعا وشجاعا للغاية ... هذا مايذكره خليل الحكاك اخ الشهيد.

اما ابنه الوحيد وميض فيكتب في عام 2013 ونقتبس:

" خمسون عاما انقضت .. خمسون عاما ونحن اشد الشوق لرؤياك .. خمسون عاما منذ التقينا .. لم اجد اصبعا يشير الى مكان رفاتك .. لكني وجدت الالاف تشير الى امنية من اربع كلمات .. وطن حر وشعب سعيد "

اما عن الشهيد ادمون جاكوب تحدثنا الرفيقة ام نوار شقيقة الشهيد الصغرى، عنه، فتقول: "على الرغم من مشاغله الحزبية والوظييفية، حيث كان مكلفا بادارة وتشغيل المطابع الحزبية السرية في العهدين الملكي والجمهوري، وكثيرا ما كانت العائلة بكاملها منخرطة في هذا النشاط، بالاشتراك مع عائلات اخرى احترفت العمل الحزبي ودفعت حياتها ثمنا لذلك.

 كان الشهيد شديد الارتباط بالحياة الاجتماعية وبمباهجها، محبا للموسيقى والسينما والمسرح، وكان له الدور الاكبر في تشجيعي على الانضمام الى فرقة المسرح الفني الحديث، كما كان يشارك بنشاط، بالمناسبات الاجتماعية والوطنية، وكان محبا ومجيدا للرقص في الاحتفالات العائلية. وقد اهله نضجه المبكر وثقافته السياسية والاجتماعية وجاذبية الموضوعات التي يتحدث بها، في كسب احترام الوسط الاجتماعي الذي ينشط فيه على صعيد العائلة ومحيطها من الاقارب والمعارف، كما في صفوف العاملين في السكك الحديدية، حيث كان يعمل موظفا، وفي الفترة التي اعقبت ثورة 14 تموز 58، انتخب عضوا في الهيئة الادارية لنادي الشالجية. ومن ابرز سماته الشخصية، حبه الشديد للاطفال وتعلقه بهم، كما كان نصيرا للمراة، وله في ذلك مواقف مشهودة، ومن ابرز هواياته انه كان مصورا فوتوغرافيا، ولديه مشغلا صغيرا للتحميض والطباعة في المنزل"

وفي ختام هذه الذكريات القصيرة الغنية بمحتواها والتي توفرت عن بعض من ضحايا تلك الليلة الكالحة, ليس لنا مانضيف سوى اننا ...

نكاد نسمع ابطال تلك الليلة من اذار يهمس كل منهم للاخر مبتسما في ذكرى ثمانين حزبهم, ويقول ان رفقتنا واهلنا لذاكرين.

لهم منا تحية الوفاء والحب ولكل من استرخص الحياة في سبيل المبادئ, وفي سبيل الحلم الانساني في العدل والحرية والسلام.