الدكتور خزعل الماجدي الشاعر والباحث في علوم الحضارات والأديان والمثولوجيا كان ضيف المقهى الثقافي العراقي في لندن للحديث عن (الأدب السومري، إجناسية جديدة، تاريخه ..أنواعه) وذلك يوم 30-11- 2014

وفي بداية الأمسية، رحب الفنان علي رفيق باسم المقهى بالضيف، عقبه الشاعر عبد الحميد الصائح الذي أكد في تقديمه أن الماجدي شاعر وباحث ومجتهد صبور أذ وضع مشروعا كبيرا في إعادة كتابة تاريخ الأمم والشعوب، وخصوصا الحضارة العراقية.

وعرض قبل المحاضرة فيلم قصير عن أصل الأموريين من نتاج جامعة كولومبيا.

وفي محاضرته الشيقة والمتنوعة التي ترافق مع عرض صور توضحية وصور لرسومات ومنحوتات  سومرية،

 أكد الماجدي أن عظمة حضارة سومر تكمن  في أنها أول  حضارة في التاريخ البشري، ولها أثر عظيم على  المناطق المجاورة لها، وما تلاها من حضارات لاحقة، كما قدمت  أول أدب ظهر على وجه الأرض، وهو أدب طازج ظهرت منه آداب العالم الأخرى. وبين  أن الأدب السومري ينقسم الى قسمين :الأدب الديني(كالا) و الأدب الدنيوي (نار). مشيرا الى دور الباحث في الأدب السومري صموئيل نوح كريمر الذي كشف لنا وجود  ما يقرب من 500 لوح تضم 20000 بيت شعري دون عليها الأدب السومري (20 اسطورة و9 ملاحم و100 ترتيلة وأنشودة و20 قصيدة وجدانية و20  مرثية)  اي أن مجموعها هو (169) نصاً أدبياً (دينياً ودنيوياً)،  هو عددها التقريبي حتى منتصف القرن العشرين، أما الآن فقد تضاعف هذا العدد . أذ قامت مؤخراً جماعة نصوص الادب السومري  بنشر  400 نص على موقعها ووضعت لها تصنيفاً مناسباً.

 وتناول الباحث أجناس الأدب السومري على ضوء تقسيماته، فالأدب الديني (كالا) يضم :الأدب الأسطوري  أي اساطير التكوين، والعمران، والخراب، والموت) والأدب الطقسي الذي يشمل نصوص الطقوس الدينية، والأدب الروحي من القداس( قداس الخلق) والصلوات والتراتيل والأدعية والاقوال الإلهية الأناشيد. أما الأدب السحري فيشمل:

 ( التعاويذ والتمائم والرقى، ونصوص التنبؤات والفأل، ونصوص الحلم وتفسيره، ونصوص الشفاء).

 ويقابل الأدب الديني الأدب الدنيوي ( نار) ويضم أدب الملاحم ( ملحمة كلكامش، والقصص، وسير الأبطال والملوك) والأدب الحواري ( البلبال، والأدمندوكا و الجدل) والأدب الغنائي ( الشعر،  والمدائح، و المراثي، والأضاحي و الغزل).

 والأدب الأخلاقي ( الأمثال، و نصوص السخرية والفكاهة والحيوان، والوصايا، ونصوص الحكمة).

وتناول الماجدي بالتفصيل الأبواب التي عرضها،  موضحا أن الأسطورة هي حكاية مقدسة وهي شكل من أشكال الأدب الرفيع تحكمه قواعد السرد القصصي رغم أن أغلب الأساطير مكتوبة بالطريقة الإيقاعية الشعرية، وتكون هذه القصص ذات ثبات نسبي تتناقلها الأجيال شفاهياً وكتابة، ورغم أن جوهر الإسطورة هو الزمان إلا أنها لا تشير إلى زمن جرى فيه الحدث وانتهى بل إلى حقيقة أزلية من خلال حدث جرى، والأسطورة ذات موضوعات شمولية كبرى كالخلق والتكوين وأصول الأشياء والموت والعالم الآخر... إلخ، والأسطورة لا مؤلف لها لأنها ليست نتاج خيال فردي أو حكمة شخص بعينه بل هي ظاهرة جمعية، وقد يعيد الأفراد صياغتها وفق صنعة أدبية.

وفي تناوله الأدب الروحي اشار الى أن الصلوات السومرية  لم تكن تمارس كل يوم كفرضٍ ديني ولم تكن لها صيغة محددة، وكانت مخصصة لإله محدد عادة، وتختلف عن التراتيل في كونها تضرعات وتوسلات للإله لا تؤدى مع الموسيقى، أما التراتيل فهي مدائح وتعظيمات للإله وكان الكثير منها يؤدى على آلات موسيقية.

 وفي تناوله الأدب السحري أوضح أن  السحر بصورة عامة ينقسم إلى نوعين الأول مفيد وحلال ويسعى لنفع الناس وهو (السحر الأبيض) الذي كان يسمح لبعض رجال الدين بممارسته .

أما السحر الضار  فقد وقف الدين السومري ضده و كان يمارسه بعض رجال الدين سراً ويسمى بالأكدية (الكشفو) أو (الكشبو) .

ومن نماذج الأدب السحري هو أدب الحلم ومنها قصيدة  المحاضر (حلم جوديا) .

الأدب الدنيوي (نار)

وفي تناول الادب الدنيوي (نار) اشار الى  أن الملاحم السومرية عديدة أذ عكست البطولات  ومنها ست حكايات عن كلكامش وهي الحكاية المعروفة ومنها موت كلكامش وهو نص فريد يصف حاله في العالم الأسفل ومكانته هناك.

أما الأدب الحواري وأهم اقسامه (بلبال) وهي

كلمة سومرية مؤلَّفةٌ من مقطعَين متشابهَين هما: بال بال. والمقطع الواحد يعني بالسومرية «تغيّر» ، وهكذا يكون معنى الكلمة كلّها هو «تغيّر تغيّر»، وربّما يعني ذلك «تغيّرات» أو «تبدّلات»، وهو يدلّ على نوع من الشعر الذي كان يُؤدَّى بتبدُّلات أو تغيُّرات لحنيّة وإيقاعيّة عديدة.

رَجُلي، رَجُل قلبي

لذَّتكَ طيِّب فتاي، رجل قلبي

لذَّتكَ طيِّبةٌ كالعسل 

أنت سحرتني، كلّي لك

مناي، يا حبيبي، تشيلني لمضجعك

أنت سحرتني، كلّي لك

مناي، يا فتاي، تشيلني لمضجعك

دعني أداعبك يا حلو

وأحصل على عسلك

في مضجعك لمرَّات عديدة

دعني أتمتَّع بحلاوتك

دعني أهبك لمساتي

وفي تناوله الأدب الغنائي  ومنها الشعر الوجداني وأسمه السومري (سر)  أكد انه ينتشر بين ثنايا النصوص الكثيرة  من الأناشيد والقصائد والقصص وحتى الأساطير، ولعل أكثر أنواع الشعر الوجداني انتشاراً هو البوح العاطفي. ومن نماذج هذا  الشعر:

أخت لا مثيل لها 

فريدتي، الأخت التي لا مثيل لها

الأجمل بين الجميع

تبدو كنجمة الصباح الطالعة

في بداية سنة سعيدة.

جلدها مشرق ناصع البياض

رائعة نظرات عيونها

عذبة كلمات شفتيها

مع ندرة ما تنطق به.

عنق مستقيم، نهد لماع

المدائح  وتسمى في السومرية (أدب)  وأوضح أن

كانت موجهة للآلهة والملوك والإمراء وتكتب لهم أو تلقى في حضرتهم في المعابد أو القصور.

ويمكننا اعتبار النشيد الموجه إلى الإله (إنليل) نموذجاً جيداً للمدائح الإلهية وهذا مقطع منه:

"بدون إنليل الجبل- الكبير

لن تقام المدن ولن تُرفع البيوت،

ولن تُبنى الحظائر ولن تُشيّد الزرائب..

ولن يحمل الفيضان الغمر المبارك...

والبحر، لن يمنح كنوزه السخية!

ولن تأتي أسماك البحر لتضع بيوضها في وسط المستنقع،

ولن توزع طيور السماء أعشاشها على الأرض الفسيحة!

وفي السماء، لن تفتح الغيوم المحملة بالمطر، ثغراتها!

ولن يُثقل الحصادُ الوفير، الحقول والمروج!

 وأما أدب المراثي (تيكي) فهو أكبر وأعمق أنواع الأدب الغنائي، وقد حفر عميقاً في شخصية الإنسان العراقي منذ سومر وإلى يومنا هذا لكثرة ما تعرضت له بلاد الرافدين من المآسي والحروب والتدمير والنهب والقتل والسلب.

ويمكن أن يعدّ أدب المراثي أدباً دينياً لأنه كان يجري في المعابد. ولعل أهم المراثي السومرية هي:

1. مرثية نـفـّر

2. مرثية سومر

3. مرثية أور

وأضاف أن الأدب السومري عرف أيضا بقصائد الحب والغزل الرائعة، ولعلّه يشكل أول أدب إيروسي في التاريخ. وتكاد قصائد الغزل والحب والجنس المتبادلة بين إنانا ودموزي تشكل جوهر ومركز هذا الأدب.

يمكننا ترتيب هذه الأساطير والقصائد حسب تسلسل المعنى الذي تقدمه، ولذلك نرى أن القصيدة التي تدور حول المنافسة بين دموزي (الإله الراعي) وأنكمدو (الإله الفلاح) لخطب ود إنانا يمكن أن تكون فاتحة هذه الأساطير والقصائد.

 وحول الأمثال السومرية، أكد الماجدي أنها

تنطوي على قيمة حكمية وأخلاقية عالية، فهي نتاج تجربة طويلة عاشها السومري فنضحت على لسان الجماعة السومرية وأصبحت مصدر الأمثال في العالم القديم كله، لكن الجدير بالذكر هو ما تمتاز به الأمثال السومرية من عمق إنساني شامل يتخطى المكان الذي نشأ فيه السومريون جنوب العراق القديم تحديدا.

: ومنها

* الرجل الفاشل يقول :"ولدت في يوم مشؤوم"

* لكل شيء سببه :هل نرزق الأولاد بدون مضاجعة؟ وهل نسمن دون أن نأكل؟

*الرجل الذي يجلب الشؤوم : إن وضعوك في الماء، تفسده ! وإن دخلت بستاناً، أتلفت ثماره !

* بين التبذير والاقتصاد : نحن محكومون بالموت، فلنبذر علينا أن نعيش طويلاً، فلنوفر.

كما تناول الباحث قصص الحيوان وقصص  التربية والتعليم  والوصايا ومنها نص شروباك.  

وختتم الماجدي محاضرته بالاستناجات التالية :

- أن الأدب السومري أقدم أدب مكتوب في التاريخ وهو نواة آداب العالم القديم كلها.

- أن هذا الأدب لم يسبقه أدب آخر فهو يمثل بكورية الأدب البشري وفطريته الأولى ، نقاوته خالصة .

-الأدب السومري لم يكتبه أدباء مثل الأدب الإغريقي الذي كتبه هوميروس وهسيود ثم أسخيلوس ويوريدس...الخ ، فهو نضح وجدان الشعب السومري جمعه الكتبة والكهنة وأعطوه لنا طازجاً خالياً من حذلقات الأدب.

-.مازالت نصوص الأدب السومري موجودة تحت أرض سومر في أغلبها، وهناك عشرات الآلاف من النصوص التي مازالت محفوظة في الجامعات والمتاحف لم تترجم بعد عن السومرية بسبب قلة المترجمين ، ومازال الكثير مما ترجم للغات الأجنيبة لم يترجم بعد للعربية.

وفي ختام المحاضرة جرت مناقشة طويلة مع الجمهور، وأجاب المحاضر على الأسئلة التي اثارتها محاضرته حول الأدب السومري.  مؤكدا ان حضارة إنسان  وادي الرافدين  تراث عظيم،  وهي مدعاة للفخر.

و تعد هذه الأمسية التي حضرها حشد غفير من المهمتين بالشأن الثقافي، مسك ختام برنامج المقهى الثقافي العراقي،  لهذا العام على أن يعاود أمسياته العام المقبل.

ويذكر أن الماجدي حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم عام1996 من معهد التاريخ العربي للدراسات العليا في بغداد .

عمل في الإذاعة والتلفزيون والمجلات والصحف العراقية ودائرة السينما والمسرح بين الاعوام"1973-1998"

ثم عمل استاذا جامعيا في جامعة درنة في ليبيا "1998-2003" وعاد الى العراق في  آب2003   ليعمل في حقول الاعلام المرئي والمكتوب والمسموع. وفي عام 2006 غادر العراق ثانية ليقيم في هولندا، وقد حاضر في جامعات عربية وعالمية.

عضو اتحاد الادباء والكتاب في العراق واتحاد الكتاب العرب واتحاد المسرحيين العراقيين ونقابة الصحفيين العراقيين واتحاد المؤرخين العرب، وعضو الأكاديمية الدولية في رومانيا. وكان يشغل منصب مدير المركز العراقي لحوار الحضارات والاديان في بغداد 2004 -2006

متفرغ حالياً لتأليف سلسلة تاريخ الحضارات في 30 كتاباً لصالح دار نون للنشر .

صدر له 61 كتاباً في المجالات الفكرية والابداعية.