بعد مضي خمسة وخمسون عاما على اندلاعها، لا تزال ثورة الرابع عشر من تموز تثير أعمق مشاعر الاعتزاز والفخر والأمل في نفوس العراقيين، خاصة كادحيه وفئاته الشعبية، وتحل هذه الذكرى في ظروف بلادنا اليوم، ووهج ثورة تموز ومنجزاتها يبدو أكثر سطوعا ودروسها أوضح دلالة، فإنها شكلت بحق نقطة فارقة في تاريخ العراق الحديث وتمثل واحدا من أهم، إن لم يكن الأهم بين أحداث القرن الماضي، وأسست لقيام النظام الجمهوري، ما يجعلها تستحق بجدارة توصيف الثورة ويسند الدعوة لاعتبار 14 تموز عيدا وطنيا.

في الملف المكرس لهذه الذكرى وثائق وشهادات ودراسات تضيء الجوانب المختلفة لهذا الحدث التاريخي وتقدم المزيد من الإيضاحات حول مسارها والتطورات اللاحقة لها.

في ثورة14تموز

شاعر العرب الكبير

 محمد مهدي الجواهري

سددْ خطاي لكي أقول فأحسنا

فلقد أتيت بما يجل عن الثنا

ولقد دمغت َ بما نظمتَ قرائحاً  

ولقد عقدت بما نثرت الألسنا

ما كان عندك كان قولاً فاصلاً

يسبي العقول فأي قولٍ عندنا

جيش َ العراق ولم أزل بك مؤمنا 

وبأنك الأمل المرجَى والمنى

وبأن حلمك قد يطول به المدى  

لكن عزمك لن يحيق َبه الونى

جيش َالعراق اليك ألف تحية

تُستاف كالزهر النديً وتجتنى

عبد الكريم وفي العراق خصاصةٌ  

ليدٍ وقد كنتَ الكريم َالمحسنا

14تموز1958.. ثورة تاريخية كبرى

صباح جاسم جبر

تعد ثورة 14 تموز 1958 تاريخيا انعطافة كبرى وحاسمة في تاريخ الشعب العراقي لاسيما في ضمير ووجدان الطبقات والشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة سواء كان على المستوى الوطني الديمقراطي او على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، كما انها شكلت علامة مشرقة ومضيئة في تاريخ القرن العشرين، لما نجم عنها من تطورات تاريخية هائلة شملت كافة الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية، انعكس ذلك وبقوة على شكل ومضمون العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.

لقد انصب اهتمام ثورة 14 تموز ومنذ البدء على تأسيس مجتمع عراقي متماسك والعمل على بناء مشروع حقيقي لدولة حديثة، بعد ان كان المجتمع العراقي وبحسب المؤرخ حنا بطاطو: "لم يكن العراقيون شعبا واحدا، او جماعة سياسية واحدة" كما يشير في نفس الموضع الى: "وجود كثير من الاقليات العرقية والدينية في العراق" فالعرب انفسهم الذين يؤلفون اكثرية سكان العراق كانوا يتشكلون الى حد بعيد من جملة المجتمعات المتميزة والمختلفة والمنغلقة على الذات بالرغم من تمتعهم بسمات مشتركة.

ان ثورة 14 تموز المجيدة كانت حلا راديكاليا لمجموعة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كانت تعصف بالدولة والمجتمع، وان النظام الملكي ومجموعة السياسيين المرتبطين به كانت لهم علاقات وثيقة مع الاستعمار البريطاني، وانهم عقدوا العزم على تنفيذ السياسة البريطانية في العراق بعيدا عن الارادة الشعبية التي تقف بالضد منها والتي عبرت عنها في عدة انتفاضات جماهيرية كبيرة، "انتفاضة 1948، انتفاضة 1952، و1956، ان السياسات الرجعية للنظام الملكي قد قطعت الطريق امام اية امكانية اجتماعية او سياسية للاخذ باسباب التطور في البلاد مما ادى ذلك الى خلق  شعور اجتماعي عام بانه ليس هنالك امل الا في الثورة، لقد جاءت ثورة 14 تموز 1958 نتيجة عوامل موضوعية واسباب ذاتية داخلية محلية وعوامل خارجية عالمية، ويقف في مقدمة تلك الاسباب السياسات الاستبدادية القومجية ضد القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية والفقر المدقع والذي كان دون المستوى البشري، كما ان الموارد والثروات الطبيعية كانت نهبا للاستعمار، اضافة الى الاستلابات الاجتماعية في الريف والمدينة على حد سواء وتخلف الاقتصاد العراقي والانماط في الواقع التربوي والثقافي، يضاف الى ذلك كله ظهور عامل حاسم وهام على الساحة السياسية الداخلية تمثل في تشكيل جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 والتي شكلت الدعامة السياسية لثورة تموز، وكان لها الدور الاكبر في تعبئة الشارع العراقي واسناد الثورة، اما على المستوى الدولي، فقد شهدت المنطقة تحركا ثوريا عارما، فنجاح ثورة 23 يوليو 1952 في مصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، والثورة في الجزائر، ونجاح الثورة الصينية والتطورات السياسية في ايران وبلدان اخرى، هذه العوامل وغيرها انعكست وبقوة على الواقع السياسي والاجتماعي في العراق".

لقد وضعت ثورة 14 تموز العراق على "سكة الحداثة والتحديث لما شهده من تطورات سريعة وآفاق رحبة في مختلف الميادين الحياتية المادية والعسكرية والثقافية والتي انعكست كما يرى الدكتور عقيل الناصري في بنية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، ومحاولة خلق نوع من التوازن بين الدولة والمجمع من خلال تبني عقد اجتماعي بينهما مؤسس على قواعد العيش المشترك وبعكس واقع التركيبة الاجتماعية المتنوعة".

كان الشاغل والهدف الرئيس لثورة 14 تموز الانسان العراقي وتنمية الوعي الاجتماعي وتحقيق الرفاهية الاقتصادية وتوسيع قاعدة الحريات المدنية وصناعة الانسان من جديد وتحويل المجتمع من رعايا الى مواطنين حقيقيين شركاء ومساهمين في العمل السياسي والاجتماعي، ان الانجازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحققت في ظل الثورة ـ وفي اقل من خمس سنوات- يفوق تاريخيا ما انجزته بعض الثورات المعاصرة لها في المنطقة، فيعد قانون الاحوال الشخصية وبشهادة المختصين في القانون بأنه قانون عصري ومتقدم، وانه ارقى من اي قانون للاحوال الشخصية في تاريخ العراق والمنطقة بالكامل والى الان، كما اصدرت ثورة تموز قانون رقم80 بنتيجة الصراع مع شركات النفط الاحتكارية وان هذا القانون كان مقدمة حقيقية لتأميم النفط فيما بعد".

ان برنامج ثورة 14 تموز كان بالاساس يهدف الى بناء الانسان من خلال فك اسره من استلابات القوى الاقطاعية وشبه الاقطاعية وتحقيق استقلاليته وكرامته فجاء قانون رقم 3 للاصلاح الزراعي الذي اعاد الحقوق الى الفلاح العراقي وبنفس الاتجاه ثم تغيير اشكال العلاقات الاجتماعية في الريف حيث كان الهدف الاساس لقادة الثورة العمل على تغيير القاعدة الاجتماعية والاقتصادية وتطويرها والانتقال بالمجتمع من حالة التشظي والتفكك والعشائرية الى مجتمع متطور ومدني واكثر تماسكا واكثر اندماجا ولاجل ذلك تم الغاء قانون العشائر واصبحت المدنية والريف تخضعان لقانون مدني واحد العقوبات، وعلى المستوى السياسي فقد تبنت ثورة 14 تموز سياسة عدم الانحياز والغاء جميع المعاهدات الاستعمارية والخروج من حلف بغداد وتحرير الاقتصاد ويعد خروج العراق من دائرة الكتلة الاسترلينية وفي مجال البناء والاعمار فقد حققت الثورة الشيء الكثير لاسيما بناء المساكن وتوزيعها على الفئات والشرائح الاجتماعية الفقيرة وبناء المستشفيات والتوسع في بناء المدارس وتطوير البنية التحتية للمنظومة التربوية والتعليمية، كل هذه المنجزات المتحققة، ولا زال البعض يطلق على على ما حدث في 14 تموز 1958 صفقة انقلاب عسكري وليس تغييرا ثوريا، ان المعيار الاساس في الأدب السياسي لتوصيف اي تغيير بانه انقلاب سياسي او ثورة اجتماعية هو القيمة النوعية المتحققة من المنجزات الحقيقية التي تتصل بحياة المواطن والمجتمع والدولة، وان ما حدث في ظل ثورة تموز من تطورات تاريخية على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفي فترة زمنية وجيزة، تعطي الحق وكل الحق بأن يطلق عليها صفة الثورة، وبهذا الصدد اشار المؤرخ حنا بطاطو الى ان "ما تحقق يوم 14 تموز وما تلاه من انجازات اعطت الحدث صفة الثورة وبكل استحقاق"، ان ما تحقق من انجازات ساهمت في تحويل حركة الضباط الاحرار والانتقال بها من كونها حركة عسكرية الى ثورة اجتماعية اصيلة لاسيما ان جبهة الاتحاد العراقي المؤلفة من القوى والاحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية واليسارية قد ساهمت في العمل الثوري منذ اللحظة الاولى لانطلاقة الثورة وتحرك الضباط الاحرار، وهناك دلائل كثيرة تشير الى: ان الحزب الشيوعي العراقي له علم بالثورة وانه كان له علاقة ببعض الضباط الاحرار، ان اي كلام او اي توصيف لما حدث في يوم 14 تموز 1958 كأنه انقلاب عسكري يصبح خارج الرؤية التاريخية وبهذا الاتجاه اشار المؤرخ الفرنسي مكسيم رودنسون الى: ان "ثورة 14 تموز 1958 العراقية هي الثورة الوحيدة في العالم العربي".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- حنا بطاطو / الكتاب الاول ص31

2- مجلة تضامن / صادرة عن مجلس السلم والتضامن العدد 6 ـ 2008

3- حنا بطاطو / الكتاب الثالث ص116

حين يصنع الشعب ثورته!

يوسف أبو الفوز

ما الذي يجعل لثورة الرابع عشر من تموز 1958 هذه المكانة الرفيعة في قلوب عموم ابناء العراق  مكانة خاصة رغم محاولات البعض اعتبارها مجرد "انقلاب" فتح باب الانقلابات العسكرية في تاريخ العراق الحديث، ومحاولة تهميش دورها، كما ان البعض الاخر حاول الاساءة لسمعة الثورة وقادتها، بالضد من مشاعر وموقف عموم ابناء الشعب العراقي وقواه الوطنية، الذين ينظرون بتقييم عال لانطلاقتها ومسيرتها وربما بشيء من التقديس لرموزها!.

أين يقف التاريخ من هذه الثورة؟.

عند اندلاع ثورة الربع عشر من تموز، وفي اول عدد لها بعد الثورة، وصفت مجلة "تايم" الامريكية الثورة بانها "مؤامرة نفذتها حفنة فقط من الضباط في ساعة واحدة فقط فسقط العراق المعروف منذ عهد بعيد بانه امنع قلعة للغرب في الشرق الاوسط"، لكن المجلة لم تستطع سوى الاعتراف بان جماهير الشعب ايدت "المؤامرة" ورحبت بها!.

فلقد انطلقت جماهير الشعب، وفي ساعات قليلة لتحسم الامر، لتحول "الانقلاب" الى "ثورة"، فلم يكن ما قام به الضباط الأحرار معزولا عن معاناة الشعب العراقي ونضالاته، وعن التنسيق مع قواه الاساسية، الممثلة بـ "جبهة الاتحاد الوطني"، فالسرعة المذهلة التي حول بها الشعب العراقي حركة الجيش العراقي الى ثورة تعود لكون جماهير الشعب العراقي ومنذ سنين طويلة تخوض نضالا متواصلا، سجل فيه الشعب العراقي وطلائعه السياسية صفحات مجيدة في العديد من الهبات والانتفاضات، منذ الانتفاضة المسلحة عام 1936، ثم حركة مايس 1941 ضد الاستعمار البريطاني للعراق، ووثبة كانون المجيدة عام 1948 ضد معاهدة بورت سموث، والمعارك الوطنية عام 1952 و1956، وكان كل ذلك تمارين متواصلة لليوم المشهود، يوم الرابع عشر من تموز، حيث تمكن الشعب العراقي من تصفية حساباته مع حكامه المرتبطين بعجلة وخطط الاستعمار، لتسجل حقيقة انه ليس سوى الشعوب كقوة قادرة على تحويل التاريخ الى عبرة مجيدة، وهذا الذي جرى صبيحة الاثنين في الرابع عشر من تموز، فلم يمكن لحركة الضباط الأحرار ان تتمكن من النجاح لولا التفاف جماهير الشعب حولها، مجلة "الايكونوميست" التي تعتبر لسان دوائر المال والاعمال البريطانية الكبرى، والتي عرف عنها رصانتها في مواقفها السياسية، حيث وقفت ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كان لها موقف مضاد لثورة 14 تموز بل واعتبرتها "أسوا لحظة" في التاريخ، لانها "ادت الى تدهور مركز الغرب"، ودعت بشكل واضح الى التدخل العسكري ضد الثورة، ورغم ان الاسطول السادس الامريكي وسلاح الجو البريطاني تحركا وانزلا فيالقهما في الاردن ولبنان لقمع الثورة ووأدها الا انهما لم ينجحا في فعل شيء لان شعبا باكمله، على كل مساحة العراق، عربا وكردا ومكونات، هب ونزل الى الشوارع ليدعم حركة "حفنة الضباط" ويحمي الثورة ويحتضنها، ولا ننس القول ان ذلك ترافق مع موقف الاتحاد السوفياتي وتحذيره من عدم ترك ثورة العراق لوحدها والمناورات الاستثنائية التي نفذها في المناطق السوفياتية قرب الحدود التركية!.

لا يختلف المراقبون والمؤرخون في ان التفاف جماهير الشعب حول ثورة الرابع عشر من تموز لم  يضمن حمايتها من تحركات ومؤامرات فلول النظام الملكي القديم، بل وانما اعطى الثورة مضمونا شعبيا، مع امال بفتح افاق تقدم لتحقيق انجازات تاريخية، وهذا الذي حصل في سنين الثورة القصيرة خصوصا الاولى منها، فثورة الرابع عشر من تموز 1958 جاءت بجمهورية ديمقراطية، لها سيادة وطنية، وحولت العراق من  قاعدة لحلف عدواني ــ هو حلف بغداد الذي انسحب منه العراق فور اندلاع الثورة ــ الى قاعدة للتحرر في المنطقة، رافق ذلك قرارات ستراتيجية لتحرير اقتصاد العراق من التبعية لمنطقة الاسترليني واسترجاع حقوق السيادة على الثروة النفطية، وثم صدور قانون الاصلاح الزراعي الذي صاغ العلاقات الاجتماعية في الريف على اسس جديدة، وما رافق ذلك من قرارات وقوانين تلبي حقوق العمال والمساواة في المجتمع ما بين المراة والرجل والسماح ل1111 منظمات المجتمع المدني بالنشاط العلني والقانوني، والحق لبعض الاحزاب بالعمل العلني  واصدار صحفها الخاصة.

من جانب اخر فأن قوى الردة، من بعثيين وحلفائهم من جنرالات العهد الملكي المباد وشخصيات طامعة وقوى محلية انتكست بسبب انجازات الثورة، نجحوا جميعا في استثمار حالة التردد والتذبذب لدى قيادة الثورة وطبيعتها في الخوف من الديمقراطية وسياسات التراجع في بعض ممارساتها ثم جاء انفراط جبهة الاتحاد الوطني مترافقا مع الاخطاء التي ارتكبتها القوى الوطنية وقيادة الثورة، فنجح العفالقة وبدعم خارجي امريكي واقليمي من تنفيذ انقلاب 8 شباط 1963 الدموي الغادر الذي اعاد العراق الى عهود مظلمة وليكون انتقاما من الشعب الذي ساند الثورة وانجازاتها، لكن هل انطفأت شعلة الرابع عشر من تموز؟.

ان ذاكرة شعبنا العراقي حية، سواء بصور الجرائم التي نفذها اعداء ثورة 14 تموز في انقلابهم البغيض عام 1963 وما تبع في انقلاب العفالقة الثاني عام 1968، او بصور ايام ثورة 14 تموز 1958 المجيدة وما تحقق فيها من انجازات نوعية، والتي ستبقى راسخة في قلوب وذاكرة وضمير الاجيال من ابناء شعبنا العراقي، ان دروس ثورة 14 تموز وتجربتها الفريدة لا يمكن ان ترمى بعيدا في كتب التاريخ، بل ستظل شاخصة دوما في عمل ونشاط القوى السياسية المؤمنة بالديمقراطية وجماهير الشعب ومنظمات المجتمع المدن، وذلك بالترابط مع المتغيرات في الحياة والعالم والوطن، ان استيعاب اهمية وضرورة التحالف الوطني على اسس المتغيرات في العالم وتحديد الاوليات وتشخيص الثانوي والاساسي لكفيل بتفجير طاقات الشعب وتسييرها بالشكل الصحيح، لتوطيد واستكمال البناء الديمقراطي وترسيخه بما يضمن إقامة دولة القانون والمؤسسات الدستورية، فالشعوب قادرة على اجتراح المعجزات ولا يمكن ابدا الاستهانة بقدراتها  لصنع مستقبلها المشرق!.

التوجيه الذي اصدرته اللجنة المركزية للحزب

الشيوعي العراقي "عشية الثورة"

نظرا للاوضاع السياسية المتأزمة، الداخلية والعربية ووجود احتمالات تطورها بين آونة واخرى وبغية ضمان وحدة النشاط السياسي لمنظمتنا الحزبية في الظروف الطارئة او المعقدة، نرى من الضروري التأكيد في الوقت الحاضر على ان شعاراتنا الاساسية هي:

* الخروج من ميثاق بغداد والغاء الاتفاقية الثنائية مع بريطانيا والوقوف ضد مبدأ ايزنهاور.

* اطلاق الحريات الديمقراطية لجماهير الشعب: حرية التنظيم الحزبي والنقابي، وحرية النشر والاجتماع.. الخ، واعلان العفو العام عن المحكومين السياسيين واطلاق سراحهم، والغاء المرسيم والقوانين الدستورية التي تستهدف ضرب الحركة الوطنية.

* اتخاذ التدابير الفاعلة لحماية ثرواتنا الوطنية واقتصادنا الوطني والعمل على حل مشاكل جماهير الشعب.

* قيام حكومة تنتهج سياسة وطنية عربية مستقلة تدعم نضال الشعب اللبناني وسائر الشعوب العربية وتخدم السلم، وتحول الاتحاد العربي الى اتحاد حقيقي بين العراق والاردن، يضمن مصالح شعبنا ويخدم النضال ضد الاستعمار والصهيونية ومن اجل الوحدة العربية واقامة اتحاد فيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة، ونرى من المناسب التأكيد على:

1- ضرورة تجنب ابراز شعارات مبهمة او متطرفة او تلك التي تمجد هذا الزعيم او ذاك من قادة الحركة الوطنية او العربية على حساب طمس شعاراتنا الاساسية والتقليل من شأن نضال الجماهير الشعبية والجبهة الوطنية.

2- ضرورة ابداء اليقظة السياسية العالية تجاه مختلف المناورات والمؤامرات وتجاه نشاط عملاء الاستعمار والعمل بحزم وبأمانة تامة لسياسة الحزب واعتبار ان واجبنا الاساسي في كل الظروف هو تعبئة اوسع للجماهير الشعبية والتفافها حول الشعارات الصائبة في اللحظة المعينة وحول الشعارات الكبرى لحركتنا الوطنية الديمقراطية.

الحزب الشيوعي العراقي.

12 تموز 1958.

تعليمات الى رفاق الحزب من المكتب السياسي صبيحة يوم الثورة

كتب سكرتير الحزب سلام عادل بعد ان سار في عدد من التظاهرات الجماهيرية، تعليمات مستعجلة في صباح يوم ثورة 14 تموز اي بعد ساعات من قيامها الى الكادر والاعضاء في الحزب تضمنت:

- ايدوا الجمهورية بالبرقيات اكدوا فيها على الجبهة والاتحاد الفيدرالي مع ج. ع. م.

- نظموا التظاهرات.

- شكلوا لجان الدفاع عن الجمهورية ومساندة الانقلاب.

- اليقظة وعدم زج الرفاق الكوادر والمختفين.

- اليقظة حافظوا على سرية المنظمات.

ـ اليقظة نظموا صلتكم بنا.

- تمسكوا بتعليمات الحزب وخطه السياسي.

- نظموا الجماهير العمالية والفلاحية.

المكتب السياسي/ صباح 14 تموز.

برقية سلام عادل سكرتيراللجنةالمركزيةللحزب الشيوعي

العراقي بنجاح الثورة

بغداد- مجلس السيادة للجمهورية العراقية.

رئيس مجلس الوزراء السيد عبد الكريم قاسم.

نهنئكم من صميم قلوبنا على خطوتكم المباركة التي وضعت نهاية حاسمة لعهد طويل من المآسي والمحن التي قاسى منها شعبنا المجاهد النبيل على يد الاستعمار واعوان الاستعمار، اننا نعبر عن تفاؤلنا بان هذه الخطوة الحاسمة ستكون فاتحة عهد جديد، عهد حرية وتطور عراقنا الحبيب، وتبوء شعبنا البطل مركزه في الموكب الظافر، موكب العروبة المتحررة الناهضة المحبة للسلام، وموكب الانسانية العاملة من اجل تحررها والى الابد من انيار الاضطهاد والاستعمار.

ان شعبنا العراقي، بعربه واكراده سيسجل لكم بفخر جرأتكم وتفانيكم من اجل تحقيق اهدافه الوطنية الكبرى، وهو يحمي ويصون بدمائه الغالية جمهوريته الوطنية الفتية.

وانه لعلى ثقة كبرى مكن قدرته على القيام بهذا الواجب المقدس، ومن مساندة القوى التحررية العربية في جميع ديارها وعلى رأسها الجمهورية العربية المتحدة ومن قوى الحرية والسلام في جميع انحاء العالم وعلى راسها الاتحاد السوفيتي.

ان اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي تضع قوى الحزب الى جانب مؤازرتكم للدفاع عن جمهوريتنا البطلة.

سكرتير اللجنة المركزية

للحزب الشيوعي العراقي

14 تموز 1958

من هم أعداء ثورة الرابع عشر من تموز؟                                                                                

مسلم عوينة

أشرقت أضواء ثورة 14 تموز 1958، متوجة نضالات شعبنا المتصاعدة ضد الإضطهاد والجور الذي كانت تمارسه سلطة النظام الملكي آنذاك، وسيطرة شركات النفط الأجنبية المتحكمة بثروات بلادنا، والقواعد الإستعمارية الجاثمة على أراضينا في الشعيبة والحبانية، فهي ثورة كللت تضحيات شعبنا، لتشكل استجابة طبيعية لتطلعاتنا الى التحرر، وبناء حياة حرة، متحررة من واقع البؤس والشقاء والفاقة، لقد عبثت سلطات الجور الملكية بحقوق وحياة العمال والفلاحين والكسبة والمهنيين، والفئات المثقفة المتنورة.

كانوا ينظرون إلى الجميع نظرة الإزدراء والإحتقار، فيجابه من يطالب بالحقوق، بالرصاص المنهمر، والمطاردة والإعتقالات، كما حدث لعمال النفط المضربين بما عرف حينئذ بمجزرة كاورباغي عام 1947 وقد سبقها إعدام الضباط الوطنيين عام 1941 ومن ثم ملحمة ساحة الشهداء وجسر الشهداء في وثبة كانون المجيدة عام 1948، وتبعها إعدام قادة الحزب الشيوعي الخالدين "فهد ــ حازم ــ صارم" عام 1949، وجريمتهم الشنعاء باقترافهم مجازر سجني بغداد والكوت بتوجيه الرصاص الى السجناء السياسيين عام 1953 التي غدت وصمة عار لاقطاب النظام، ولايفوتنا ان نذكر شهداء وضحايا الانتفاضات التشرينية، وتظاهرات الاحتجاج على حلف بغداد 1954، وعلى العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة 1956، إضافة الى ما كانت الجماهير تعانيه من فاقة وفقر مدقع في المدن، حيث يبحث الشباب يوميا عن فرص العمل دون جدوى، ولم يختلف واقع حياة الريف عن حياة المدينة، حيث عانى الفلاحون الكوارث والويلات، من ممارسات الإقطاع، تلك هي ظروف الحياة ابان النظام الملكي الرجعي العميل، فكانوا ينظرون الى جموع الشعب بعين التعالي والإحتقار، معتبرينها قطعانا من الرعاع لاتستحق غير النكد والعسف وشظف العيش.

قال شاعر العرب الاكبر الراحل الجواهري:

يقولون مَنْ هُمْ أُولاءِ الرعاع

فــأفـهِمْـهُـمُ بِــدَمٍ مَـنْ هُــمُ

وأفــهـــِمـــهُمُ بِـــدَمٍ أَنـّــهـم

عَبيدُكَ إنْ تدْعُهُم يخدُمـوا

وقال شاعر العراق الكبير الراحل الرصافي:

علمٌ ودسـتورٌ ومجلـــسُ أُمةٍ

كُلٌّ عن المعنى الصحيح مُحَرفُ

يتبع 

باللهِ يـــاوزراءَنـــا ما بالـكــم

إنْ نحن جادلناكُمُ لم تُنصِفـوا الشعبَ في جزَعٍ فلا تَستْبعدُوا

يوما تثورُبه الجموعُ وتزحفُ  كم من نواصٍ للعدى سنجّزُها

و لحىً بأيـدي الثائرين ستنـــتـفُ

وهكذا دأبت السلطة على قمع اي تململ شعبي بالحديد والنار حتى غدا نطق بعض الكلمات مثل التحرر ـ العداله ـ حقوق الشعب ـ الوعي ـ  يقود ناطقه الى اقفاص الاتهام ومن ثم الى القائه وراء الاسوار...

وكلمة "العامل"، فعلى من يحمل هذه الصفة ان يقول إنه "كاسب" بدلا من عامل، لان هذه الكلمة كانت تخدش اسماع القائمين على ذلك النظام! وغدا الإستماع الى إذاعة القاهرة ودمشق وصوت العرب يستدعي الردع والعقاب، اما الاستماع الى اذاعة "موسكو" فتلك جريمة لا تغتفر،وقد ابدع شاعر العرب الاكبر الجواهري في تصويره الدقيق لما آلت اليه الامورحين قال:

فالوعيُ بغيٌ والتحررُ سُبــّــةٌ            والهمسُ جرمٌ والكلامُ حرامُ

ومدافعٌ عمّا يدينُ مخـــــــربٌ            ومطـالبٌ بــحقوقهِ هـــــدّامُ

ومشى بأصلابِ الجموعِ يهزُّها           الجهلُ والادقاعُ والاسقــامُ

فكرامة يهزى بها وكرامــــــة            يرثى لها وكرامة تســـــتامُ

وما زالت الذاكرة تروي كيف تزور الانتخابات حتى سمى الشعب آخر مجلس نيابي ملكي "مجلس التزكية" لان اعضاءه فازوا جميعا بالتزكية دون اجراء التصويت، واخذ قانون مكافحة المبادئ الهدامة يلهب الظهور فطورد حملة الفكر التقدمي والرأي الاخر والميول اليسارية، ووصلت العقوبات على هذه الامور حد الاعدام... وأُسقطت الجنسية عن عدد من المناضلين، منهم الشهداء "كامل قزانجي، توفيق منير، محمد حسين ابو العيس" وغيرهم، وحوربت الثقافة والمثقفون بموجب مخطط منظم، فلن يلتحق خريجو الدراسة الاعدادية بالكليات الا بعد حصولهم على "شهادة حسن السلوك" من التحقيقات الجنائية والهدف منها منع الشاب الناشط في الحركة السياسية الوطنية من التطور الثقافي والعلمي، ولم يكن عدد المدارس الابتدائية وما بعدها كافيا لاستيعاب ابناء البلاد كما تضايق الصحافة ولا تُشجع حركة الترجمة والطبع والنشر، وازاء هذا الواقع المؤلم اقتنع الناس بضرورة ازاحة هذا النظام الرجعي الجائر كما ترسخت القناعة بأن ازاحته لا تتم الا عبر النضال العنيد الذي تخوضه الاحزاب والتنظيمات السياسية والوطنية اضافة الى الطموح بسند من القوات المسلحة الوطنية، وخلال مجرى النضال تبلورت القناعة بضرورة توحيد عمل الاحزاب والتنظيمات الوطنية، فبدأت وحدة العمل تتعمق وتترسخ حتى انبثقت جبهة الاتحاد الوطني اوائل 1957، وانعكست هذه الوحدة على القطاع العسكري فوحدت تنظيمات الضباط الاحرار في منظمة واحدة واصبح هدف الجميع في  القطاعين المدني والعسكري اسقاط النظام الملكي بثورة مسلحة يشعل فتيلها الجيش العراقي الباسل، وهكذا اشرقت شمس الثورة الوطنية في "14 تموز 1958" واُعلن تأسيس الجمهورية العراقة لاول مرة في تاريخ العراق وشكلِت حكومة الثورة من عدد من الضباط الاحرار اضافة الى عدد من قادة جبهة الاتحاد الوطني، وباشرت في تحقيق مطالب الشعب وحركته الوطنية، فألغت المراسيم التعسفية المطبقة بحق المناضلين وأطلقت سراح المعتقلين والسجناء السياسيين واصدرت قانون تطهير الجهاز الحكومي من المفسدين والمتلاعبين، هذا القانون الذي نحن الان بأشد الحاجة الى ما يماثله لاجتثاث الفساد الاداري والمالي المستشري، لكي لا يبقى الحديث عنه مجرد اضغاث احلام، و شرع قانون الاصلاح الزراعي الذي انتزع الاراضي الزراعية من حفنة الاقطاعيين وبوشر بتوزيعها على ملايين الفلاحين الذين تحرروا من  السيطرة القطاعية، وتحقق هامش واسع من الحريات العامة والعمل الحزبي لكل الاحزاب الوطنية، وانطلق النشاط النقابي والطلابي والجمعيات الفلاحية، وتحررت عملة البلاد من الارتباط بمنطقة الأسترليني والاتفاقيات والمعاهدات مع بريطانيا والولايات المتحدة، وعُقدت مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية والفنية مع الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية تلك الاتفاقيات التي رسمت سبيل النهوض بالصناعة والزراعة والثقافة، واقدمت حكومة الثورة على اصدار قانون الاحوال الشخصية رقم (88) لسنة 1959 الذي كان اول قانون ينظم الأحوال المدنية للعائلة العراقية، وتم تحرير الاراضي العراقية من امتياز شركات النفط الاجنبية باصدار القانون رقم (80) لسنة 1961 وصدور الانظمة والتشريعات التي تحمي الصناعة المحلية وتشجيع رأس المال الوطني للقطاع الخاص على النشاط الاستثماري للمساهمة الفعالة في تنمية اقتصاد البلاد،واتجهت الحكومة الى التوسع في مشاريع الاسكان في سائر مدن البلاد، بحيث تراجعت ازمة السكن الى حد كبير، وقد دعم القطاع الصحي وتم التوسع في بناء المدارس، ولغرض مواجهة شحة الكادر التعليمي دعي رجال الدين للانخراط في الدورات التربوية المكثفة التي اهلت عدداً كبيرا منهم للالتحاق بسلك التعليم محققة الفوائد الجمة في هذا المجال... وغير ذلك الكثير من الاجراءات الوطنية التي صبت في خدمة الشعب والوطن كل هذا دفع الجماهير للتمسك بحب ثورتها ومنجزاتها وحب أولئك القادة الذين فجروها ومجدتهم واعتبرتهم شهداء للوطن، واستمرت تحتفل بهذه الذكرى معتبرة ذلك اليوم هو يومها الوطني، يوم سقوط النظام الملكي الذي اسسته بريطانيا وقيام النظام الجمهوري على ايدي ابنائها وستبقى تعتز به وتحتفل بذكراه ولا تثنيها كل المحاولات المعاكسة فشعبنا لا يمكن ان يتنكر لتاريخه الوطني المجيد وايامه الوطنية المضيئة.

 فمن هي القوى التي ناصبت ثورة الشعب العداء وتآمرت عليها واسقطتها؟! وبقي الى  اليوم يستفزها اسم 14 تموز ويثير اعصابها، وعملت وتعمل لانتزاعه من ذاكرة الشعب دون جدوى.

إنها تمثلت في بقايا النظام الملكي من كبار موظفيه ومن الذين كانوا كانوا غارقين بأفضاله، وبقايا الاقطاعيين ممن كانوا يسيطرون على اكثر من80% من الاراضي الزراعية، والرجعيين ممن لا يروق لهم تطور البلاد والتحاقها بركب الحضارة، ولا يرضيهم تحرر العمال وحصولهم على حقوقهم، او تحرر الفلاحين من جور الاقطاع، وتفتح زهور الثقافة في المجتمع، كما تحالف مع تلك القوى جماعات تغلفت بأردية القومية والدين وبضمنها "حزب البعث العربي الاشتراكي" واخذت هذه المجاميع تلملم صفوفها وتمارس ضغوطها على الحكومة بكل ما لديها من اساليب منحطة، ومما يبعث على الاسف، تراجع قيادة الثورة امام تلك الضغوط، وبالتالي تحول النظام الى سلطة عسكرية فردية مما جعلها تبتعد بالتدريج عن القوى الوطنية والشعبية الحريصة على الإستقلال والتقدم،بل واخذت تطاردها وتضطهدها وتلقي بعناصرها الناشطة في المعتقلات، وابعدت العسكريين الوطنيين المخلصين للثورة عن المراكز الحساسة، وتقريب العناصر المعادية فتوفرت اجواء ملائمة جدا للنشاط التآمري الرجعي وبالمقابل حرمان القطاعات الشعبية من وسائلها التنظيمية للدفاع عن نفسها وحقوقها ومكتسباتها وفّر هذا الظرف  الذي شكل عرساً للقوى الرجعية فرصة لتنظيم نفسها في جبهة معادية تحت عنوان "الجبهة القومية الموحدة" التي ضمت في صفوفها كل القوى والافراد الذين يهمهم اسقاط الثورة وتصفية مكاسبها، وتصاعد النشاط التآمري لهذه الجبهة ومما ساعدها على تحقيق مخططاتها، تورط الحكومة في حربها ضد الشعب الكردي مما افقدها كثيرا من قدرتها العسكرية، وزاد من اعبائها المالية إضافة الى ضغوط شركات النفط الاحتكارية بتخفيض الانتاج، وزادت في الطين بلة إثارة موضوع الكويت، وهكذا ساهم الحكم مساهمة فاعلة في توفير الظروف الملائمة لإسقاطه يوم (8 شباط الأسود) وإغراق البلاد بالدماء في حملة وحشية شرسة لتصفية آلاف الشيوعيين والوطنيين الديمقراطيين والعناصر اليسارية المستقلة، والإعتداء على كوادر العلم والأدب والفن، وتصفية المكاسب التي حققتها الثورة على يد الإنقلابيين الفاشست، اولئك هم أعداء ثورة 14 تموز 1958 الوطنية، لكن شعبنا بقي وسيبقى متمسكا بحبه واعتزازه بثورته وبيومها المجيد وتظل روح الثورة في عقول وضمائر العراقيين الطيبين الحريصين على مصلحة بلدهم، وكانت أهداف الثورة حافزا لهم لمواصلة النضال العنيد في سبيل بناء عراق اتحادي وطني ديمقراطي تصان فيه حقوق الجميع، عراق يسير على مراقي الحضارة دون معوقات رجعية، عراق تسطع فيه من جديد أضواء (14تموز).  

قراءة في درس بالغ الأهمية لثورة تموز!

سلام القريني

لسجل حافل بالمآثر والتضحيات، لذا وجب الكتابة عنها باعتبارها واحدة من الثورات التحريرية التي احدثت نقلة نوعية في مسار التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع التحام واقعي وصميمي بين الشعب والضباط الأحرار وبحكم التراكمات الكمية لمختلف اشكال النضال التي قادت الى تشكيل بنيوي جديد ساهمت فيه جميع القوى الوطنية المحبة للتحرر والانعتاق والعدالة الاجتماعية.

ومن محاسن الصدف ان ثورتنا المباركة قد تزامنت انطلاقتها مع مثيلات لها في دول العالم الاخرى، ولأنها كانت حبلى بالمواقف والأحداث الكبيرة قد وقف الى صفها العديد من المحللين والمفكرين المخلصين لقضايا شعوبهم العادلة واضعين اياها في مصاف ثورات حركات التحرر الوطنية منصفين قيادتها وقادتها، وبالمقابل هناك من عدها انقلابا عسكريا عابرا كالذي يحدث في بلدان العالم الثالث اول انجازاتها صدور بيان رقم (1) وينتهي الامر!.

السؤال: كيف يتسنى لنا ادراك المعاني السامية للثورة كي تكون لنا منارا؟.

كتبت الدكتورة سعاد خيري في كتابها (تاريخ الحركة الاشتراكية في العراق 1941 ــ 1958م) مايلي:

ان الحركة الوطنية مدعوة الى ادراك هذا الوضع بعمق وسعة افق، مدعوة الى احباط خطط الاستعمار ومناوراته الهادفة للحؤول بين المد الوطني وبين نضوج عوامل متكاملة عن طريق القمع والمعارك الجانبية وإشاعة اليأس والقنوط.

تأكيدا لهذا الحديث الموضوعي نشرت مجلة الثقافة الجديدة في عددها الرابع الصادر في عام 1969 مقالا ورد فيه:

(لقد علمتنا الاحداث ان الوطنية والديمقراطية مترابطتان اوثق ترابط وان النظام الديمقراطي الثوري هو القادر على تصفية مواقع الاستعمار والرجعية في بلادنا وإحباط مؤامراتها وتعبئة قوى الشعب لمواجهتهما).

نورد هذه الحقائق اليوم كي تكون لنا عبرة، اثبتت الايام ان السلطة كلما كانت قريبة من الشعب والأخير قريبا منها حامية لحقوقه ومصالحه معتمدة مبدأ المواطنة كلما كان مدافعا امينا متمسكا بقوة بها وببقائها لا طاردا لها، لاشك ان ذلك يمكن تحقيقه عبر مشروع وطني ديمقراطي لازال قائما ليومنا هذا ويحتفظ بحيويته على الرغم من مرور اكثر من نصف قرن على إعلانه مرشدا معبرا ومجسدا للطريق الامثل لحل كل الازمات والعقد التي تواجه البلاد خلال مسيرة عملها السياسي الحاضر في عراق متعدد الاعراق والأقوام والطوائف والملل، لازال الحزب الشيوعي العراقي يكرر دعوته ان الخلاص يمر عبر ( اقامة حكم وطني ديمقراطي ).

اليس الامر كذلك والعراق منذ التغيير في نيسان 2003م حتى الساعة هذه يطحن نسيجه الاجتماعي وأرواح ابنائه مرض خبيث اسمه المفخخات  جراء اعتماد نظام ممقوت يقوم على اساس المحاصصة الطائفية والقومية والعرقية الذي بات يهدد يوما بعد اخر السلم الاهلي.

واحدة من المقتطفات الجميلة التي وردت في كتاب الدكتور عقيل الناصري (ثورة 14 تموز في بصائر الاخرين) عن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم محذرا في خطبة له حول هذا الموضوع قوله:

*"لا اقبل ان يقال هذا شيعي وذاك سني... هذا عربي وهذا كردي.. ولا قومي... ولا...! انا اقول هذا وطني وابن هذا البلد".

بهذه الجمل البسيطة لخص الشهيد الراحل الزاهد الذي غادر الدنيا ولم يكن يملك شروه نقير. كيف يمكن للعراق خط طريقه الى التقدم والأعمار اسوة بدول العالم المتحضرة التي تحترم الانسان وحقوقه في الحرية والعيش الكريم وشواهد الثورة حاضرة في اذهان العراقيين ماذا قدمت خلال اربع سنوات فقط من اعمال كبيرة يعتز بها العدو قبل الصديق.

لاشك ان القوى الرجعية التي ذبحت زعيمها بسكين عمياء من قبل عتاة السادية المجرمين لايمكن ان تلقي بسلاحها بسهولة ويسر بل تظل تقاوم مستخدمة ارخص الطرق خسة ودناءة للمحاولة الى استرجاع مواقعها فترتدي جلباب الوطنية في مرحلة ما تخفي مشاعرها الذاتية الضيقة ولا يخيفها من ان تدخل في تحالفات تريد من خلالها الوصول الى غاياتها السوداوية، هذا الحديث اصوغه الان كونه لازال للساعة هذه قائما ان اسقاط الديكتاتورية خلف ايتاما وأذنابا لهم امكانيات وامتدادات وقوة تجعلهم قادرين على قلب الطاولة لصالحها وقد حذر الحزب الشيوعي من مغبة ذلك مرارا وتكرارا عبر لقائه بالرئاسات الثلاث ولقاء قيادته بهم جميعا ورسائله المستمرة لكل الشخصيات وعبر افتتاحيات جريدته المركزية حرصا منه على مسيرة الوطن وأبنائه.

على القوى السياسية ان تدرك تماما ان الانجازات التي تحققت ككتابة الدستور والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير لاشك انها تواجه حقدا مشتدا من الاوساط الرجعية المحلية والإقليمية ينعكس فورا في سلسلة من النشاطات التآمرية والتدميرية سواء للموارد البشرية او البنى التحتية.

الم تكن مهمة اسقاط النظام الدكتاتوري حصيلة الكفاح الوطني المسلح الذي ساهمت فيه القوى اليسارية والقومية والإسلامية طيلة عقود من الزمن ولازال شهداء تلك القوى في كردستان العراق شاهدا على مآثرهم وبطولاتهم، ايضا ولولا تحالف قوى الخير في جبهة الاتحاد الوطني 1957م وانخراطها في عمل جبهوي واحد انجز ثورة 14تموز المجيدة.

ولكن انظروا مرة اخرى الذي حدث في 8 شباط الدموي الاسود 1963م الم يكن حصاد التفرقة والتشرذم هو الدرس البليغ الذي دفع فاتورته كل القوى الوطنية والديمقراطية.

ان الطريق نحو تحقيق اماني الناس في العيش الكريم يتطلب حشد طاقات كل قوى الخير لتقف بكل قوة ضد السياسة الهوجاء لنظام المحاصصة الطائفية التي جلبت الويلات لشعبنا بمختلف الوانه وأطيافه.

هذا هو طريق تموز

ابراهيم كبة

انفجار ثورة 14 تموز

ليس هناك ادنى شك في ان ثورة 14 تموز المجيدة كانت حصيلة شروط موضوعية وذاتية داخل المجتمع العراقي، اي انها كانت حصيلة تفجير تناقضات النظام الاقتصادي الاجتماعي في العراق، ودك اداته القمعية السياسية المتمثلة في النظام الملكي الاستبدادي، وهذه الثورة العظيمة كانت بصورة موضوعية جزءا لا يتجزأ من الثورة العربية العامة من جهة ومن الثورة العالمية المعاصرة ضد النظام الامبريالي من جهة اخرى  هذا من ناحية الشروط الموضوعية للثورة، اي عجز النظام الاجتماعي والسياسي المباد عن حل تناقضاته الاساسية والاستجابة لمصالح الجماهير في الحرية والحياة الكريم، اما من ناحية الشروط الذاتية للثورة، اي من ناحية القيادة السياسية والعسكرية التي تأخذ على عاتقها اسقاط النظام القديم وبناء النظام الجديد فقد بدأت تكتمل وتنضج قبيل تاريخ الثورة عندما نجحت القوى السياسة الوطنية في تأليف (جبهة الاتحاد الوطني) في بداية عام 1957، بعد مخاض طويل وعسير وعندما تم الاتصال بوسائل مختلفة بين عناصر الجبهة ومنظمات الضباط الاحرار، لغرض تفجير تلك الثورة العظيمة، وفي صبيحة الرابع عشر من تموز اعلنت قيادة القوات العسكرية والوطنية نبأ تأليف وزارة الثورة وكان من بين اعضائها ابراهيم كبة وزيراً للاقتصاد.

الجوانب الايجابية والسلبية لحكم الزعيم عبد الكريم قاسم.

وفي صبيحة الرابع عشر من تموز، تم تفجير الثورة الوطنية التي طالما ترقبها الشعب بفارغ الصبر، فجرها الجيش العراقي الباسل بضربة استاذ، حاسمة، وايدها بحماس الشعب العراقي والامة العربية ومجموع الانسانية المتحررة وقد سمعت وانا اطير من الفرح نبأ اعلان الثورة، ولكن، ما لبثت ان شعرت بكل خطورة الواجب والمسؤولية والجد الصارم، عندما تلا المذيع الثائر نبأ اختياري بالذات وزيراً لاقتصاد العهد الجديد، وقدرت أن اسباب اختياري لهذا المنصب الوزاري الخطير لا بد ان ترجع الى شيوع آرائي الاقتصادية كمناهض عنيد لأسس النظام الاقتصادي للعهد الملكي، ودوري المعروف في جبهة الاتحاد الوطني واستقلالي الفكري والسياسي من الناحية الحزبية، وتمثيلي للاتجاه الاشتراكي المستقل داخل الوزارة وبالرغم من بروز بعض الجوانب السلبية للعهد الجديد منذ اللحظة الاولى متمثلاً في طبيعة تركيب الوزارة وانعدام اجهزة شعبية منظمة لرقابة السلطة التنفيذية، الا ان الجوانب الايجابية طغت عند سماعي نبأ تسلمي لمنصبي الوزاري، على الجوانب السلبية وقد كان ابرز الجوانب الايجابية:

الاهداف الوطنية المشتركة للبيان الاول واتفاقها على العموم مع اهداف جبهة الاتحاد الوطني ومحاولة تمثيل الوزارة الجديدة لكل عناصر الجبهة، فيما عدا الحزب الشيوعي، والتشخيص المشترك لطبيعة الثورة باعتبارها ثورة تحرر وطني في جزء من امة مجزأة فهي اذن ثورة وطنية موجهة ضد الاستعمار، وديمقراطية موجهة ضد الاقطاع والاستغلال وقومية باعتبارها جزءا من الثورة العربية العامة ملتزمة بالاتجاه في سيرها التاريخي الحتمي نحو تحقيق الوحدة السياسية للامة العربية.

الا ان الجوانب السلبية للحكم الجديد ما لبثت ان بدأت تطغى على جميع الجوانب الايجابية، ان من اهم الحقائق التي يجب القاء الضوء الباهر عليها هو ان بذور الدكتاتورية القاسمية كانت كامنة في صلب الحكم الثوري الجديد منذ ولادته.

طالب مكي يستذكر ثورة 14 تموز

مها طالب

الفنان طالب مكي من الفنانين التشكيليين الذين عاصروا قيام ثورة 14تموز المجيدة. وقد اهتمت الثورة بالفن مثلما اهتمت بمجالات الحياة الأخرى وقد ازدهرت الثقافة واغلب الفنون بعد قيام الثورة وتوفر الحرية والدعم الذي أبدته هذه الثورة التي عملت على توفير الظروف الجيدة والملائمة لبناء بلد خرج من حكم ملكي بغيض. ومثل الفنانين الكبار كان للفنان طالب مكي انجازات وفعاليات مثلت له مرحلة ما زال يتذكرها ويتذكر أجواء الحرية والانتصار التي عاشها الشعب العراقي آنذاك.

وكان هذا الفنان قد ولد في مدينة الشطرة عام 1936، في مكان جميل يشقه نهر الغراف وكورنيش من اجمل الشوارع وعليه مقاهي من اجمل المقاهي، والده السيد مكي السيد جاسم شاعر ومحقق ومؤسس مكتبات، اسس العديد من المكتبات في محافظات العراق مثل المكتبة العامة في الديوانية ومكتبة الطفل العربي في بغداد وغيرها من المكتبات، وقد حقق في كتب مثل تمحيص البيان في مجاز القرآن للشريف الرضي، وكان له مجلس ادبي يقام في منزله كل ثلاثاء، دخل الى قسم الرسم فاخذ الاستاذ فايق حسن يدربه على التخطيط، وبعد ذلك حاول ان يذهب الى قسم النحت فكان جواد سليم يقول له: "اذهب لقسم الرسم لاتجي اهنا، طردني عدة مرات، لكنني ذات يوم وقبل ان يجيء طلاب قسم النحت دخلت القسم وكان هناك فراش زنجي فقمت بنحته، اكملته بسرعة خلال ربع ساعة، وجاء جواد وشاهد النحت واندهش فقال لي: لا تروح لقسم الرسم ابقى بقسم النحت، انت فنان بالفطرة.

في العام 1955 اقيم في مدينة المنصور اول معرض لمعهد الفنون الجميلة، فاختاره جواد سليم ليقدم بعض اعماله ومنها تمثال عملته صغير وعرضي وشاهده صباح ابن نوري سعيد واشتراه بمبلغ (15) دينار، واخر اشتراه سفير اوربي وثالث اشتراه السفير الاندونيسي، جواد اندهش من ذلك وقال: كيف تباع لي لوحة واحدة وانت تبيع ثلاثة، كان جواد دقيقا جدا عندما كان ينحت تمثالأً، فلديه مقاييس خاصة، كان يسألني من اين تعلمت النحت فأجيبه ان ابي كان يأتيني بالطين الاصطناعي.

لقبه جواد سليم بـ "أسد بابل"، لان جواد سليم يمقت المتحذلقين الذين يحلو لهم الثرثرة ويكره الكلام الزائد، ولأن اسد بابل اشبه بالمستودع الكبير للقصص والاشعار والحوارات، والكلام الذي يمكن تأويله على انحاء شتى، فأنه يقف اعزلا ثابتا منذ آلاف السنوات ولآلاف العهود التاريخية فصمته المهيب يعلن عن بلاغته، وطالب مكي المنحدر من ارض الزقورات، وقد حمل صمته البليغ مثل اسد بابل، ويبدو لي ان طالب مكي اسعد حظا من الجميع لانه اجرى حوارات كثيرة مع جواد سليم لا من خلال الكلمات المؤلفة من حروف ابجدية او معان مجترحة من قاموس ولكنها حوارات روحية حميمية تتخاطر فيها العيون بالعيون والقلوب بالقلوب.

استذكارا لذلك العهد الجمهوري الفتي الذي عايشه هذا الفنان الكبير كان لنا هذا اللقاء مع شخصية فنية كبيرة بهذه المناسبة العظيمة ليتكلم لنا باسلوبه الذي لا يضاهيه فيه أحد عن تلك الظروف والأجواء التي شهدها آنذاك:

*  ماهي اهم الاعمال الفنية التي انجزتها في زمن ثورة 14تموز؟.

ـ كانت معظم اعمالي مشاريع شخصية في تلك الفترة واغلبها نحتية حيث كنت ابلور اسلوبي الخاص في تمثيل الاشكال، الا انني قد انجزت منحوتة جدارية تمثل موضوع الثورة وذلك اثناء مشاركتي في معرض نحتي جماعي بمناسبة مرور عام على اندلاع الثورة عام 1959 وقد كان تكوين العمل ذو طابع احتفالي حيث اقتصر على اشكال رجل وامرأة يحتفلان بعطاء الثورة.

* ما هي الأجواء الثقافية والفنية التي أعقبت قيام الثورة؟ وما تأثير هذه الأجواء على الفنانين التشكيليين بالذات؟.

ـ كانت حركة الفن نشطة جدا وقد كانت امتداداً للمعارض الفنية التي اقامها الفنانون الرواد بعد تأسيس جمعية الفنانين التشكيليين 1956 وكذلك معارض جماعة بغداد للفن الحديث، وقد طرحت اعمالا عديدة تمثل موضوع ثورة 14 تموز من خلال المعارض الجماعية التي تقام بهذه المناسبة، واجمالا كانت فترة الخمسينيات والستينيات فترة غزيرة الانتاج ثقافيا وفنيا وهي فترة زمنية عزيزة جدا على قلبي وتمثل بالنسبة لي الشكل الجميل والحقيقي لبغداد، واذكر على سبيل الحصر استاذي الفنان الكبير جواد سليم والفنان فائق حسن والفنان عطا صبري ونوري الراوي واسماعيل الشيخلي واكرم شكري وغيرهم... من الفنانين الرواد.

* عاصرت العمل في اقامة نصب الحرية، فما الذي تتذكره عن ذلك العمل الفني العظيم؟ وما هي مشاعرك تجاه الفنان جواد سليم؟.

ـ نصب الحرية هو عمل فني متكامل وعظيم، و انا افضله على اي نصب فني في العالم، كل شكل فيه هو عمل فني كامل بحد ذاته الحصان والمتظاهرون، المرأة الباكية، الجندي، الفلاح، والعامل كلها تحمل احساس وحياة العراق، والعظيم في جواد سليم انه لم يمجد شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم، بل مجد حياة شعب بأكمله وهذا هو سر خلوده انه عمل عظيم جدا، وكان الفنان جواد سليم استاذ عظيم شديد الحرص والعطاء وكان له تأثير كبير في نفسي وكنت شديد الالتصاق به وقد تعلمت الكثير منه انه رجل عظيم، وقد كان جواد يمنح حرية كبيرة في التعبير ويحرص على ان يجد تلميذه اسلوبه الخاص به، عندما صنعت اول تمثال بأسلوبي الخاص وهو تمثال فتاة نصفي وضعت التمثال الجبسي في المعهد وعندما اتى جواد اعجبه كثيرا فقرر ان يتولى هو عملية تلوينه وقد لونه باللون الرمادي مع قبضة من التراب مسح بها التمثال فمنحه لونا غريبا، وقد كان ان لوَّنَ تمثالاً آخر لي (وجه رجل) كنت قد انجزته خلال ربع ساعة فقط وقد كان التمثال اختبارا مدته ثلاثة ايام، لقد كانت ثقة جواد سليم بقدراتي الفنية كبيرة حيث سمح لي بالمشاركة في المعارض الفنية التي كانت تقام في نادي المنصور مع اساتذتي الفنانين الرواد وكنت وقتها طالبا في الصف الثالث في المعهد، وحين تخرجي من المعهد بترتيب الاول على قسم النحت، قدم جواد سليم طلبا الى وزارة المعارف في منحي شهادة الدبلوم لأنني كنت تلميذا انفذ الجانب العملي من الدراسة فقط بسبب اعاقتي في السمع والنطق، ومنحت وفقها شهادة الدبلوم وهو فضل كبير لأستاذي الكبير جواد، وعندما رحل عنا، قمت بنحت رأسه بحجم كبير تعبيرا لأمتناني الكبير له، وقد تم عرضه في المعهد خلال الحفل التأبيني بعد مرور اربعين يوما على وفاته، ولا يزال الرأس موجودا في المعهد، وكذلك قمت بنحت تمثال كامل له قمت بأهدائه لاحقا الى جمعية الفنانين التشكيليين.

* أنت من الذين لهم دور كبير في اصدار مجلتي والمزمار وعاصرت بدايات دار ثقافة الأطفال، فمتى بدأت هذه العلاقة الحميمة؟.

ـ عندما تأسست مجلتي عام 1969 كنت وقتها اعمل معلما للرسم في معهد الصم والبكم وقد اطلعني الفنان المرحوم ابراهيم زاير على فكرة الرسم للاطفال ومشروع مجلتي وقد قابلت السيد ابراهيم السعيد مؤسس مشروع مجلتي ووافقت على الانتقال الى العمل كرسام اطفال في مجلتي منذ تأسيسها مع بسام فرج ووليد شيت وصلاح جياد وفيصل لعيبي، ولم يكن الرسم التوضيحي غريبا علي تماما حيث كنت ارسم لمجلة (العاملون في النفط) منذ مطلع الستينيات، وبدأت ارسم لمجلتي والمزمار لاحقا وكذلك مجلة سندباد السلاسل المصورة والقصص والاغلفة وكذلك الكتب الى سنة 2005 تقريبا حيث توقفت عن انتاج هذا النوع من الفن، اضافة الى رسومي في مجلة الف باء واقلام وآفاق عربية والصحف وغيرها.

ويمتلك الرسم للاطفال خصوصية كبيرة وهو عالم مختلف تماما ويستلزم امكانيات فنية خاصة حتى يستطيع الفنان جذب الطفل برسومه وهو ليس مجالا فنيا بسيطا بل هو لا يقل تعقيدا عن اي مجال فني آخر ان لم يكن اكثر صعوبة، ولكنه متعة كبيرة وعالم خيالي كبير.

* ما هو اسلوبك الفني، وعلى أي مدرسة تحسب أعمالك؟.

ـ تنوعت اعمالي الفنية في العديد من الاساليب الفنية بين الواقعي والتعبيري والتجريدية الهندسية وكذلك تنوعت في مجالات الرسم والنحت والرسم التوضيحي والتصميم وكذلك الكاريكاتير.

* وعن التمثال النصفي الذي عمله الفنان طالب مكي للشهيد سلام عادل تكلم عن ذلك العمل قائلا:

بعد الاطاحة بثورة الشعب ثورة 14 تموز عام 1963 عانى العراقيون بشكل عام من الاعمال الاجرامية التي مارسها الانقلابيون ضد ابناء الشعب الذين هبوا للدفاع عن الثورة، وكانت حصة المثقفين العراقيين من هذه الاعمال كبيرة جدا فقد سيق المثقفون بالالاف الى السجون واعدم الكثير منهم وكان القائد سلام عادل على رأس الذين اعدموا او صفتهم سلطة البعث آنذاك وانا فخور بنحت تمثال له ولكل مثقفي ومناضلي العراق، وما يعانيه الان البلد من تخلف وفوضى هي ترسبات لكل ما رسخه البعث في العراق من دمار وتخريب.

14 تموز في ذاكرة شيوعي الناصريه

داود أمين

ربما كانت (دار السيد مأمونة!) في ذهن معتنقها والمؤمن بها، جلاد العقود الأربعة الأولى من عمر الدولة العراقية، (الباشا نوري السعيد!)، لكن دار السيد لم تكن مأمونة لدى نخبة من الثوريين، الذين كانوا يفتحون بكلماتهم الواعية والمتفائلة، أذهان جمهرة واسعة من شتى طبقات وفئات شعبنا العراقي، فهؤلاء أدركوا تماما أن الإستقلال شكلي، والعلم والدستور ومجلس الأمة(كل عن المعنى الصحيح محرف) على حد تعبير الشاعر الرصافي!.

والفقر والمرض والجهل، أمراض مستوطنة في مدن وقرى العراق، ولا رجاء في إصلاح حال كهذا، إلا بثورة جذرية عميقة، تصنعها سواعد ثابتة وعقول نيّرة، وهذه الثورة آتية لا ريب فيها، هذه النخبة من الثوريين كانت تمتد على طول الوطن، متغلغلة بين جميع قومياته وأديانه وطوائفه، وكانت مدينة الناصرية واحدة من طليعيات مدن التحدي والتوعية والنضال، ففيها ولدت ونمت بذرة الشيوعية، وبين شبابها كانت روح الوطنية والأممية فياضة طاغية، لذلك لم يكن غريبا أن تسبق ثورة تموز شرارات وعي متقدم، تجسد في التظاهرات التي تصدت للعدوان الثلاثي على مصر، وفي نضالات الفلاحين ضد جور الإقطاعيين، وفي وعي مثقفيها وطلبتها.

يقول حميد المياحي عن أجواء ماقبل ثورة الرابع عشر من تموز ووعي شبيبتها ومدى حقدهم على السلطة العميلة، أنه في عام 1952، وفي أحد الأعياد الدينية قلت لصديقي ورفيقي حميد غني (عيدك مبارك) فرد علي بعبارة لا تزال ترن في مسامعي، إذ قال (لا عيد لمن لا حرية له!)، وجيل حميد غني وأمثاله كان يعي ما كانت تعيشه البلاد، لذلك كانوا يواصلون الليل بالنهار في العمل التنظيمي والتحريضي، من أجل إسقاط النظام الملكي الفاسد، ويكمل المياحي قائلاً، كنت كعادتي أعمل في العطلة الصيفية في محل للحدادة يملكه شخص يدعى (جبار ديوانية)، وكانت أجور العمال متدنية جدا، وصاحب المحل يتضايق من جلوسي وحديثي المتواصل مع العمال، وحثهم على المطالبة بزيادة أجورهم، وتبصيرهم بحقوقهم، وقبل يوم واحد من الثورة، أي في 13 تموز، إتفقت مع العمال على الإنقطاع عن العمل منذ الغد، حتى يرفع صاحب المحل أجورنا، وفي صبيحة اليوم التالي حدثت الثورة، وجاءني العمال مستفسرين عما يفعلوه، فقلت لهم لقد جاءت الثورة من أجل حقوقكم، وسيكون لزاما على صاحب المحل أن يرفع أجوركم، أما أنا فقد تركت العمل ولدي مهام أخرى، بعدها إنخرطت في النضال الوطني العلني والمباشر، فقد نشط إتحاد الطلبة، وإتحاد الشبيبة الديمقراطية، ونقابات العمال والمعلمين، ورابطة المرأة، وجمعية الصداقة العراقية السوفيتية، وكانت لكل من هذه الشرائح جمهورها وبرامجها الإجتماعية والثقافية والمطلبية.

ممدوح سمير يضيف قائلا: إن محلية الناصرية التي كان يقودها الشهيد الدكتور (عبد الرزاق مسلم) كانت متهيأة للحدث، وخصوصا تنظيمها الطلابي الذي كان مسؤوله العلني الشهيد (إبراهيم عبد الوهاب) ومسؤوله السري المرحوم (محمد حسن مجيد) شقيق الشاعر المعروف (رشيد مجيد) لذلك تم إستقبال الثورة في ساعاتها الأولى بتظاهرات طلابية وجماهيرية واسعة، وكانت صورة الزعيم المصري جمال عبد الناصر، المنسوجة على شكل سجادة، قد خرجت من بيت المرحوم (شاكر شناوة) حيث حملها بنفسه وسط التظاهرة، إذ لم تكن هناك صورة لقائد الثورة ولا لأحد رجالها، ويضيف الرفيق ممدوح: في اليوم التالي للثورة إلتقى الرفيق سيد حسون بوفد من بعثيي الناصرية بينهم معاذ عبد الرحيم وجبار الشيخلي ورشيد وحيد وتحسين السوز، وإتفقوا على توحيد الشعارات، على أساس أن الحزبين في (جبهة الإتحاد الوطني)، وفي اليوم التالي فوجئنا بحيطان شوارع الناصرية، وهي تحمل لافتات موقعة بإسم حزب البعث فقط، وكانت تلك بداية الخلافات، التي تفاقمت مع زيارة عبد السلام عارف للناصرية، يكمل الرفيق ممدوح قائلاً: بعد الثورة بعشرة أيام زار الناصرية عبد السلام عارف مع فؤاد الركابي وناجي طالب، وفي خطابه أمام جماهير الناصرية قال عبد السلام عارف (يا أبناء فؤاد الركابي!) فإنبرى له الشهيد (إبراهيم عبد الوهاب) قائلا (لسنا أبناء فؤاد الركابي.. نحن أبناء من تعلقت رؤوسهم على أعواد المشانق) فرد عبد السلام بكلمة بذيئة (إنجبوا إكلوا....) بعدها حدث هرج ومرج وصدامات بين المتظاهرين، وفي المساء واليوم التالي تم إعتقال أكثر من 55 شيوعيا بينهم (كريم شكر المصور، إبراهيم عبد الوهاب، سيد حسون، أحمد ملا خضر، طالب ياسين، علي هداد، علي حسين علك، ممدوح سمير، وغيرهم) وبقي الموقوفون حوالي 45 يوما قبل أن يطلق سراحهم، بعد ان زار وفد من أهالي الناصرية الزعيم عبد الكريم قاسم، وأسمعوه شريط كاسيت، يتضمن ما قاله عبد السلام عارف في خطبته البائسة!.

ماجد شناوة تحدث أيضا عن أجواء ماقبل ثورة 14 تموز، وعن العدوان الثلاثي على مصر وكيف تصدر شيوعيو الناصرية تظاهرات التنديد بالعدوان والتضامن مع شعب مصر الأبي، وكيف عاقبت السلطة قادة التظاهرات، بتوقيفهم وبإرسالهم جنودا، إلى معسكر في راوندوز، وبينهم شقيقه كاظم وعاجل كريم ومنعم القيسي وغيرهم، أما عن صحيفة الحزب المركزية (إتحاد الشعب) فقال ماجد إن منظمة الحزب في الناصرية بادرت لتأسيس مكتبة أسمتها (الوعي الوطني) تقع في السوق الرئيسي، إلى جوار مكتبة (الأهالي) التي يملكها (جبر غفوري)، وقد سجلت المكتبة بإسم صاحب محمد (أبو سلام)، ومعه شقيقي المرحوم كاظم شناوة، ثم إلتحق المرحوم حميد الديك بالمكتبة، ولم يقتصر دور المكتبة على بيع وتوزيع صحيفة إتحاد الشعب، بل كانت توزع أيضا صحف الإنسانية والحضارة والكتب والمنشورات التقدمية، وعندما منع حميد الحصونة دخول (طريق الشعب) للناصرية ولستة ألوية أخرى، كانت تابعة لسلطته العسكرية، أخذ الرفيق كاظم شناوة يذهب سراً لمحطة أور، ليتسلمها من القطار النازل للبصرة، حيث توزع سرا في الناصرية، وكثيرا ما كان كاظم يصادف في محطة الأور، رجل الأمن المعروف (عفون) الذي يتسائل (ها كاظم شعندك هنا؟) فيرد كاظم جاي أودع لو أستقبل صديق!)، ولم تكن الكذبة البيضاء تنطلي على (عفون) لكنه كان يتظاهر بالتصديق!.

وفي ناحية (قلعة سكر) التابعة لقضاء الرفاعي، لم يكن الوضع مختلفا عما هو عليه في مركز الناصرية، يقول الرفيق (هادي كوين جبر) إن إنتفاضة الحي القريبة من مدينتنا عام 1956، كان لها تأثير كبير على سكان المدينة، والهب إعدام الرفاق عطا الدباس و علي الشيخ حمود حماس الناس، وكان لمثقفي المدينة وشيوعييها دورهم في تعبئة الجماهير، وأذكر من بين هؤلاء الرفيق عبد الله علي الحسون، لذلك لم يكن مفاجئاً، أن تستقبل القلعة ثورة تموز، بتظاهرات عارمة، كان يقودها الرفيق (بلاسم غدير) حيث خرجت الجماهير من كل بيت وشارع، ومع مرور اسابيع وأشهر الثورة الأولى، نشطت الجمعيات الفلاحية وإتحاد الطلبة وإتحاد الشبيبة الديمقراطي ونقابات العمال والمعلمين ومختلف المهن الأخرى، التي ضمت المئات من الأعضاء، ونشطت في العمل الإجتماعي والثقافي والتعبوي، وأذكر جيدا حفلات الختان المجاني التي كانت تقام للأطفال الفقراء، والدشاديش البيضاء التي كانت تمنح لهم، ومساعدة الفلاحين في كتابة العرائض المطالبة بحقوقهم، كما نشط العمل المسرحي، خصوصا الفكاهي الذي يتناول رجالات العهد البائد، لكن المؤسف أن تلك الأجواء المنعشة لم تستمر، فتحت شعار (يا أعداء الشيوعية إتحدوا) تجمع البعثيون والقوميون وأزلام النظام السابق وبقايا الإقطاع، وتم تأليب قادة الثورة ضد الشيوعيين والديمقراطيين، وبدأ رأس الردة يظهر منذ عامي 1960و1961، حيث زج بالمئات في السجون وبدأت الحرب ضد كردستان، وحوصرت صحيفة الحزب المركزية (إتحاد الشعب) ثم أغلقت، وكانت تلك مقدمات طبيعية لإنقلاب 8 شباط الأسود عام 1963، والذي أجهز على كل مكتسبات الشعب، وأدخل العراق في نفق لم يخرج منه حتى الآن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة "طريق الشعب"

الخميس 11/ 7/ 2013

الحزب الشيوعي العراقي

مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع )