بعد مضي خمسة وخمسون عاما على اندلاعها، لا تزال ثورة الرابع عشر من تموز تثير اعمق مشاعر الاعتزاز والفخر والامل في نفوس العراقيين، خاصة كادحيه وفئاته الشعبية، وتحل هذه الذكرى في ظروف بلادنا اليوم، ووهج ثورة تموز ومنجزاتها يبدو اكثر سطوعا ودروسها اوضح دلالة، فانها شكلت بحق نقطة فارقة في تاريخ العراق الحديث وتمثل واحدا من اهم، ان لم يكن الاهم بين احداث القرن الماضي، واسست لقيام النظام الجمهوري، ما يجعلها تستحق بجدارة توصيف الثورة ويسند الدعوة لاعتبار14تموز عيدا وطنيا.
في الملف المكرس لهذه الذكرى وثائق وشهادات ودراسات تضيء الجوانب المختلفة لهذا الحدث التاريخي وتقدم المزيد من الايضاحات حول مسارها والتطورات اللاحقة لها.
الأيام الحاسمة التي سبقت ورافقت ثورة 14 تموز 1958
في الأيام التي سبقت 14 تموز عام 1958، بلغت التناقضات أوجها داخل الحكم وفي المجتمع، وانقطعت كل أواصر التخاطب بين الحكم وبين الشعب وقواه الوطنية، وبلغ القهر والظلم أوجه، وأضحى الشعب على استعداد ومهيأ لإجراء أي تغيير في الحكم وأساليبه، وغدت الارهاصات الثورية بادية للعيان بعد أن مل الشعب من الانتخابات الصورية وتزويرها، ومن فوز النواب بالتزكية، كما بدأت موجة من الانتفاضات الفلاحية في مناطق متفرقة في العراق من الدغارة إلى فلاحي ديزه ئي، ومن الشامية إلى هور الشيخان، وقام المواطنون بتقديم الدعم والمساندة للفلاحين المعدمين، وأرسل الحزب حشدا من محاميه للدفاع عن الفلاحين، وامتلأت جدران العاصمة والمدن الأخرى بالشعارات التضامنية مع الفلاحين ومطلبهم الرئيس في المناصفة في الحاصل، كل تلك الأحداث وفرت أجواء مؤاتية لتحرك الضباط الوطنيين وارتفاع معنوياتهم وحماسهم للتغيير.
وبلغت التحضيرات أوجها من أجل المبادرة بتوجيه الضربة القاضية بالنظام، وبادرعبد الكريم قاسم، الذي كان على اتصال بالحزب الشيوعي، بإعلام الحزب بالخطة القريبة المقبلة، مما دفع الحزب إلى إصدار توجيهاته والاستعداد للحدث، كما تم إعلام كل من محمد حديد من الحزب الوطني الديمقراطي، وصديق شنشل (حزب الاستقلال) وفؤاد الركابي(حزب البعث) بالتحرك، ولكنهم لم يصدروا نشرة وتوجيهات لأنصارهم يدعون فيها إلى التعبئة والاستعداد لدعم الثورة على غرار ما فعل الحزب الشيوعي، لقد كان توقيت ثورة 14 تموز منحصرا بحلقة ضيقة من الضباط لتأمين سريتها، وهؤلاء الضباط هم كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وعبد اللطيف الدراجي، الذين اتفقوا على عدم اشراك مجاميع اخرى، ففي الاجتماع التحضيري في بيت عبد الوهاب الشواف، حصل شبه جدال داخل هذه المجموعة أي بين عبد الكريم قاسم من ناحية وبين رجب عبد المجيد، الذي كان يعتبر نفسه سكرتير حركة الضباط الأحرار، مما حدا بعبد الكريم قاسم إلى الخروج من الاجتماع دون ان يشترك في تناول "السمك المسكوف"، حسب ما ذكره عبد الوهاب الشواف في وقت لاحق.
وفي يوم 12/7/1958، دعينا، أنا وصالح دكله، إلى لقاء مع جمال الحيدري في أحد البيوت الحزبية في الكاظمية في الساعة الثالثة بعد الظهر، وتحدث في اللقاء جمال الحيدري عن أن العراق يقف على مشارف حدث عظيم، مما يستدعي الاستعداد لاستقبال هذا الحدث وبذل الجهود وتحشيد الطاقات وتهيئة منظماتنا ورفاقنا لاستقباله، وقد طالبنا الحيدري بإخلاء بيوتنا من الوثائق الحزبية، وفي نهاية اللقاء قرأ جمال الحيدري علينا توجيهات الحزب المعروفة في 12/7/1958، والتي تضمنت توجيهات المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي لاستقبال أي طارىء يحدث في البلاد، دون الإشارة إلى ثورة أو ما شاكلها، ومع الاسف نجد أن عزيز الحاج يشكك في معرفة الحزب بانطلاقة ثورة تموز كما أشار في كتابه "من الاعوام"، لقد نصت توجيهات الحزب على ما يلي:
"نظرا للاوضاع السياسية المتأزمة، الداخلية والعربية، ووجود احتمالات تطورها بين اونة واخرى، وبغية ضمان وحدة النشاط السياسي لمنظماتنا الحزبية في الظروف الطارئة والمعقدة، نرى من الضروري التأكيد في الوقت الحاضر على ان شعاراتنا الاساسية هي: 1 ـ الخروج من حلف بغداد، والغاء الاتفاقية الثنائية مع بريطانيا والوقوف ضد مبدأ ايزنهاور، 2 ـ اطلاق الحريات الديمقراطية لجماهير الشعب (حرية التنظيم الحزبي والنقابي وحرية النشر والاجتماع... الخ) واعلان العفو العام عن المحكومين السياسيين واطلاق سراحهم، وإلغاء المراسيم والقوانين التي تستهدف ضرب الحركة الوطنية، 3 ـ اتخاذ التدابير الفعالة لحماية ثرواتنا الوطنية واقتصادنا الوطني والعمل على حل المشاكل المعاشية لجماهير الشعب، 4 ـ قيام حكومة تنتهج سياسة وطنية عربية مستقلة تدعم نضال الشعب اللبناني وسائر الشعوب العربية وتخدم السلم، وتحول "الاتحاد العربي" الى اتحاد حقيقي بين العراق والاردن يضمن مصالح شعبنا ويخدم النضال ضد الاستعمار والصهيونية ومن اجل الوحدة العربية واقامة اتحاد فيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة، ونرى من المناسب التأكيد على: 1 ـ ضرورة تجنب ابراز شعارات مبهمة و متطرفة او تلك التي تمجد هذا الزعيم او ذاك من قادة الحركة الوطنية او العربية على حساب طمس شعاراتنا الاساسية، والتقليل من شأن نضال الجماهير الشعبية والجبهة الوطنية، 2 ـ ضرورة ابداء اليقظة السياسية العالية تجاه مختلف المناورات والمؤامرات وتجاه نشاط عملاء الاستعمار، والعمل بحزم وبامانة تامة لسياسة الحزب، واعتبار واجبنا الاساسي في كل الظروف هو تعبئة اوسع الجماهير الشعبية ولفها حول الشعارات الصائبة في اللحظة المعينة وحول الشعارات الكبرى لحركتنا الوطنية الديمقراطية، ولقد شدد جمال الحيدري على أن لا تقع هذه الوثيقة في يد أحد، وأن ينقل مضمونها شفهيا إلى العقد التنظيمية الرئيسية.
في مجرى الاعداد للثورة، وقعت كارثة كادت أن تؤدي إلى التخلي عن الشروع بالثورة أو فشلها، ففي أثناء توجهي إلى الموعد الذي أشرت إليه مع جمال الحيدري، التقيت بطارق عيسى طه رفيقنا في الحركة الطلابية... وقال لي في حينها.... الله جابك!!!، وسألته ماذا حدث.... فأجابني لقد تم اعتقال حكمان فارس، واستولت الشرطة على المطبعة!!!، وبدوري أخبرت جمال الحيدري بالحادث ولم يكن له علم بذلك، وقال انه من غير المعقول، وقد أكدت له هذا الخبر من المصدر الذي سمعت منه، وبعد مغادرة جمال الحيدري بقينا صالح دكلة وأنا، وعبرنا أثناء الحديث عن شكوكنا وضجرنا، حيث كان يجري بين الحين والآخر تحديد موعد، ولكن لم يحدث أي شيىء يذكر، ولكننا ما جلب انتباهنا هذه المرة هو التوجيه الذي بلغنا به، وليس كما هو الحال في المرات السابقة بدون توجيه، مما يعني إن هناك احتمال كبير بحدوث شىء أكثر أهمية مما في السابق، وذهب كل منا في طريقه لإبلاغ رفاقنا بالتوجيهات.
في ليلة 12-13/7/1958، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على حكمان فارس كما أشرت، وكان حكمان فارس أحد المسؤولين عن تنظيمات الحزب في المجال العسكري، أي التنظيم الذي كان مكلفا بعملية الأعداد للثورة، وكان حكمان فارس يحمل عند اعتقاله مواد للطبع في جريدة "حرية الوطن" لسان حال "اللجنة الوطنية لاتحاد الضباط والجنود"، كما أُلقي القبض على الرئيس فاضل البياتي المسؤول عن قاطع مهم من تنظيم الحزب العسكري، وعلى حمزة سلمان المرشح للجنة المركزية، وكان لصمودهم واحتفاظهم بأسرار الثورة أثر كبير في تفادي كشف الحركة التي ستطيح بعد يومين بالحكم الملكي، إلا أن هذا الحادث عرقل وأوقف حركة إبلاغ جميع الشيوعيين العسكريين، وأضعفت في النهاية مساهمة العديد منهم في الثورة في ساعاتها الأولى، وفي اليوم التالي أي بتاريخ 13/7/1958، لم أستطع ايصال التوجيهات إلى الجميع وتوزيع كل المناشير، وكان لي في حينها موعدا مع مسؤول المثقفين وكان علي الاتصال بالشهيد محمد الجلبي، ولم يتسن لي ذلك، ولذلك لم استطع إبلاغ خط المثقفين بالتوجيهات، واقتصر إيصال التوجيهات إلى تنظيم الكاظمية وإلى تنظيم الطلبة في بغداد، ولم استطع إيصال التوجيهات إلى عبد الرزاق الصافي، وقمت باخلاء بيتي من الوثائق الحزبية، إن تسلسل وقائع الثورة سجلت مساهمات متميزة للشيوعيين من الضباط وضباط الصف والجنود في القطعات العسكرية التي تحركت في الرابع عشر من تموز للاطاحة بالملكية، فقد كلف سعيد مطر بالتوجه صوب معسكر الرشيد لاعتقال رئيس أركان الجيش رفيق عارف والسيطرة على المعسكر ضمن وحدة من الضباط وضباط الصف والجنود، وتوجه علي شريف، من أهالي السليمانية، ضمن مفرزة عبد اللطيف الدراجي للسيطرة على وزارة الدفاع ومديرية الشرطة العامة ومتصرفية لواء بغداد، كما توجه مصطفى عبد الله مع مفرزة مدرسة المشاة في الوشاش إلى قصر الرحاب لدعم القوى التي تحاصر القصر، ولعب دورا مهما في السيطرة على القصر وجرح خلال ذلك، وقاد عبدالرزاق غصيبة مفرزة المدرعات من كتيبة صلاح الدين لاسناد القوى التي تحاصر القصر، أما المفرزة التي توجهت إلى بيت نوري السعيد فكانت بقيادة الشهيد وصفي طاهر ويرافقه بهجت سعيد الذي ارتبك قبل ان يصل إلى البيت، وأطلق عيارات نارية بلا هدف، مما اعطى الفرصة لنوري السعيد بالهرب الى بيت دكتور في منطقة الكرادة الشرقية، لا أتذكر اسمه، وقام هذا الدكتور بنقل نوري السعيد الى بيت الاستربادي في الكاظمية، أما المفرزة التي توجهت إلى مقر قوات الشرطة فلم يشارك بها أحد من رفاقنا، وشارك في المفرزة التي توجهت الى الاذاعة رفيقنا كمال نعمان ثابت، ومع ذلك لم تكن مساهمة رفاقنا بمستوى قوى الحزب الموجودة في القوات المسلحة، كما لعب الشيوعيون العسكريون دورا هاما في شل محاولات التعرض للثورة وإحباطها، وخاصة تحرك قائد الفرقة الأولى عمر علي في الديوانية، ويشار هنا إلى مبادرات الرئيس الاول كاظم عبد الكريم والرئيس جواد كاظم النعيسي والملازم الأول احسان البياتي في السيطرة على مقر الفرقة الأولى، كما لابد وأن أشير إلى الموقف المؤيد للثورة الذي أبداه العقيد طه البامرني آمر الحرس الملكي في قصر الرحاب.
وما دمنا نتحدث عن دور الشيوعيبن العسكريين في انجاح الثورة، فإنه لمن الأمانة الإشارة إلى مأثرة الملازم الأول رشاد سعيد، آمر مخازن العتاد في معسكر منصورية الجبل، الذي زود لواء الثورة (اللواء العشرين) بالعتاد سر أثناء توجهه إلى الاردن عبر العاصمة خلافا للاوامر المشددة التي تمنع تزويد القطعات التي تمر عبر بغداد بالعتاد.
في صبيحة 14 تموز عام 1958، وكنا نائمين فوق سطح المنزل على عادة البغداديين في فصل الصيف، فسمعت أول اطلاقات العيارات النارية وصوت المدافع، ونزلت مباشرة من سطح المنزل، وطلبت تاكسي ولم تكن الخطوط التلفونية مقطوعة بعد، جاء التاكسي وكان لنا علاقة طيبة مع شركة لسيارات الأجرة، وكان أصحابها متعاطفين معنا خاصة عندما كان يداهمنا رجال الأمن أو يستفسروا عنا ضمن مسعاهم للحصول على معلومات عن القاطنين في المنطقة، وكان أصحاب الشركة يطلبون منا اتخاذ الحذر والحيطة، وطلبت من سائق التاكسي أن يفتح الراديو، وقال صاحب التاكسي.
الآن في الراديو فترة قراءة القرأن، ولكنني كررت طلبي ورجوته أن يفتح الراديو، وبعد دقائق وبعد أن تلى المذيع "بسم الله الرحمن الرحيم"، قطع المذيع البرنامج وأُذيع البيان الأول للثورة، وفي الحال ترك السائق مكانه وشرع بتقبيلي، وسألني هل انت نبي، وأردف قائلا..... هم زين خلصنا من نوري السعيد، وتوجهت إلى بيت عبد الرزاق الصافي في الكرادة الشرقية، ورفض صاحب التاكسي اخذ الاجرة مني رغم إلحاحي، كان عبد الرزاق نائما فأيقضته، ولم يكن له علما بما يحدث، فقلت له أصحى لقد قامت الثورة، ثم ذهبت الى بيت علي ياسين من منظمة المثقفين وأخبرته بالحدث، واصطحبت عبد الرزاق الصافي وتوجهنا إلى الاعظمية، وخلال مرورنا بشوارع العاصمة، تناهى إلى سمعنا اعتقال عبد الاله، وفي طريقنا إلى قصر الرحاب رأيت رجلا مقتولا يرتدي بنطلون قصير خاكي، اتضح أنه خادم لدى العائلة المالكة، ثم توجهنا إلى ساحة التحرير حيث تجمعت هناك جماهير غفيرة، وكانت تردد شعارات تختلف عن شعاراتنا، حيث كانت تمجد جمال عبد الناصر، ولكن سرعان ما تغيرت الهتافات لتطالب بسقوط حلف بغداد وتوفير الحريات الديمقراطية وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وحدث انعطاف صوب شعاراتنا، شاركت فرحة العراقيين، وهتفت في الجموع بشعارات الحزب إلى أن بح صوتي، وعندما ذهبت للقاء سلام عادل، انتبه إلى بحة صوتي وقال.... ما هذا، فقلت له من هتافاتي في المظاهرات، فقال لي كيف تهتف وانت القائد!!!، قلت له علي أن انفذ توجيهات الحزب، فأجابني... الجماهير تنفذ وانت توجه وتقود، وعبر عن استياءه، واصدر توجيها حزبيا حول هذا الحدث، حيث أكد على كوادر الحزب أن تلعب دورقيادة الجماهير.
وهكذا انهار النظام الملكي خلال ساعات وانتصرت الثورة، وتداعت سلطة الحكم الهشة في كل العراق، ولم يدافع عن النظام إلا النزر اليسير، فقد أراد عمر علي قائد الفرقة الأولى التحرك، ولكنه صد من قبل رفاقنا الضباط الموجودين في الفرقة، ومنهم الشهيد كاظم عبد الكريم، الذي اغتيل على يد الانقلابيين في شباط عام 1963، وهو شقيق رفيقنا مهدي عبد الكريم.
كما ساهم جواد كاظم النعيسي واحسان البياتي في ردع عمر علي قائد الفرقة الأولى حيث كان هؤلاء الضباط الثلاثة من ضباط الفرقة الأولى، فقد استطاع هؤلاء السيطرة على الفرقة خلال فترة وجيزة وبدعم من جماهير وفلاحي مدينة الديوانية، مما أفشل أي تحرك مضاد للثورة، كل ذلك دفع عمر علي بالذهاب إلى بغداد وتسليم نفسه، وفي المسيب، كان النظام يعتمد على اللواء الموجود هناك ويدعى لواء أمن بغداد، وكان بقيادة توفيق عارف وهو أخ رئيس أركان الجيش رفيق عارف، ولكن فاضل المهداوي وعدد من الضباط استطاعوا السيطرة على اللواء واعتقلوا قائده، حاولت فلول من النظام السابق القيام بأعمال تخريبية كحرق مخازن الوقود في كمب الكيلاني، ولكن جرى السيطرة على الحريق الضخم خلا يوم أو يومين، وبذلك انتهى عهد النظام السابق ودخلت البلاد في مرحلة جديدة.
في ذلك اليوم وقع الاختيار عليّ لمرافقة الشهيد سلام عادل، وانسحبت من منظمة بغداد، وطلب مني سلام عادل أن أكون معه في مقر الحزب الذي اقمناه في مشتمل يعود لكمال عمر نظمي وبديع عمر نظمي على نهر دجلة قرب جسرالصرافية في العطيفية، وكان يوجد في المشتل تلفون، ويتكون من ثلاث غرف مع صالة وحديقة، وفي الحقيقة لم يكن عمر نظمي موجودا في البيت، إذ كان خارج العراق، ولذلك أصبح المنزل تحت تصرفنا، وفي بعض الاحيان كنا نحصل على وجبات لذيذة من قبل الشغيلة الموجودين فيه، لقد استقر في المشتمل كل من سلام عادل وجمال الحيدري وعزيز الشيخ وانا، وأصبح البيت بمثابة مقر الحزب الرئيسي، وكان عامر عبد الله في حينها خارج العراق، وقسم آخر من رفاقنا قابعين في السجون، أما جورج تلو فقد تولى مسؤولية منظمة كردستان، وتولى صالح دكلة مسؤولية المنظمة المحلية في بغداد.
وهكذا تحول البيت إلى خلية نحل تتلقى الأخبار والمعلومات والتطورات، وتصدر التوجيهات إلى المنظمات الحزبية، وصدرت أولى التوجيهات إلى المنظمات الحزبية، وقد كتبها سلام عادل بخط يده، كما وجه سلام عادل أول برقية للتهنئة إلى قيادة الثورة أرسلها من دائرة البريد المركزية في شارع الرشيد، وسلّمت نسخة منها إلى عزيز الشيخ لإيصالها إلى صديق شنشل، وزير الاعلام، إذ كان عزيز الشيخ على صلة به أثناء العمل في جبهة الاتحاد الوطني، ولكن البرقية لم تقرأ في الراديو، وكان هذا أول موقف سلبي أزاء الحزب، وأصدر الحزب بيانات اخرى، وأعلن فيها عن وضع كل امكانيات الحزب تحت تصرف حكومة الثورة.
وعندما نزلت القوات البريطانية على الأراضي الأردنية والأمريكية على سواحل لبنان، تحدثت بالتلفون مع أحمد صالح العبدي وعبد السلام عارف ومع رفعت الحاج سري معلنين التضامن والدعم، في يوم 15/7/1958، طلب سلام عادل مني شراء سيارة للحزب، لأن الحزب كان لا يمتلك سيارة، فقلت له ليس لي خبرة في السيارات، فاعطاني 500 دينار وقال لي اصطحب معك عصام القاضي، وفي الساعة الثالثة بعد الظهر ذهبنا الى الباب الشرقي وكانت هناك معارض للسيارات، فاخترنا سيارة "فوكس هول" حمراء اللون بقيمة 500 دينار معتمدين على خبرة عصام القاضي ودرايته بالسيارات، وفي 15 تموز استلمت السيارة، وقمت بقيادتها لاني كنت أعرف السياقة، وفي يوم 16 منه رافقت العائلة بالسيارة لمشاهدة بيت نوري السعيد وقصر الرحاب، مع جموع الناس التي كانت تذهب لمشاهدة تلك المواقع.
وفي اثناء قيامنا بدفع ثمن السيارة، لمحنا الدبابات التي كانت مستقرة في ساحة التحرير تتجه نحو الكرادة، وشاهدنا الجموع تركض وركضنا معها، وتساءلنا ما الخبر، فقالوا لنا ان نوري السعيد قد قتل في ساحة النصر، كان المنظر رهيب جدا، وخاصة تلك الجموع الكبيرة من الشباب والمتدفقة نحو الساحة، وبعدها اتت مدرعة يستقلها الشهيد وصفي طاهر، وأخذ جثة نوري السعيد الى وزارة الدفاع، واخبرت الشهيد سلام عادل بالحدث، فطلب مني الاتصال بالاذاعة، فرد علي عبد السلام عارف فاخبرته بالحدث ايضا، فقال لي صحيح.... الله يبشرك بالخير، هذه كانت قصة مقتل نوري السعيد.
وبعد ثورة 14 تموز عمل سلام عادل وعزيز الشيخ والحيدري بدأب على كتابة التوجيهات والبيانات ونقوم يتوزيعها، وكان من أول البيانات التي أصدرها الحزب هو.
البيان الخاص بإدانة إنزال القوات البريطانية والامريكية في الأردن ولبنان، وورد في البيان توجيه الدعوة للشيوعيين لوضع كل طاقاتهم لدعم الجمهورية، كما أشير في البيان إلى استعداد الحزب لوضع كلطاقاتهم لدعم الجمهورية، ووضع كل امكانياته تحت تصرف حكومة الثورة، كما صدرت بيانات متتالية، ومن جملتها بيان يتضمن دعوة لتطهير جهاز الدولة والمطالبة بالحريات الديمقراطية واطلاق سراح السجناء السياسيين، ولعبت تلك البيانات دورا في تعزيز دور الحزب، وتعبئة الجماهير للدفاع عن الجمهورية.
إنها المرة الأولى في تاريخه، يضع الحزب الشيوعي العراقي كل امكانياته تحت تصرف الحكومة، رغم أنه كان الحزب الوحيد في جبهة الاتحاد الوطني الذي لم يكن مساهما في الحكومة الجديدة، وليس لديه أي ممثل فيها، فلم يشكل ذلك مانعا أمام دعم الحزب للثورة، وكان هذا تعبير عن الشعور العالي بالمسؤولية من قبل الحزب، لقد حاول الحزب، ومنذ انتصار ثورة 14 تموز، دعوة كل الاحزاب الاخرى لعقد اجتماع من أجل تطوير الجبهة ودراسة وتقييم ظروف الثورة وآفاق تطورها، ووجه الحزب عددا من الرسائل بهذا الخصوص إلى الاحزاب الاخرى، ولم نستلم حينذاك أي رد عليها.
في نهاية شهر تموز، طلب منا الشهيد سلام عادل التحرك، وقد توجهنا إلى محمد حديد وإلى حسين جميل وصديق شنشل وفؤاد الركابي، وطلبنا منهم الرد على رسائل الحزب المذكورة اعلاه، والتي تتضمن طلبا لعقد اجتماع لجبهة الاتحاد الوطني، وتذرع الجميع بانشغالهم في اجتماعات مجلس الوزراء، وقمنا، عزيز الشيخ وأنا، بزيارة فؤاد الركابي الذي كان يسكن في بيت متواضع في الاعظمية قرب مستشفى النعمان، استقبلنا الرجل باحترام، وبعد تبادل السلام تذرع هو الآخر بانشغاله، فأجابه عزيز ليأتي أي شخص آخر من حزبكم إلى اللقاء، ولقد فسر هذا التبرير والموقف على أنه محاولة لتهميش الحزب.
صبيحة قيام ثورة 14 تموز الخالدة
جواد وادي
كنت وقتها قد أكملت سنتي الثامنة وثلاثة عشر يوما حسبما دون موظفو الإحصاء أعمارنا، نحن من توحدت مواليدهم في الأول من تموز ولعل عددنا فاق ثلثي نفوس العراقيين آنذاك، وبات تاريخا رسميا، وكأن أمهاتنا قد وضعن مواليدهن معا في ذلك التاريخ، رغم أنوفنا جميعا، مواليدا وأمهات وأفراد مجتمع شبه أمي.
إن لم تكن الأمية تضرب آطنابها في ذلك الوقت بكل تفاصيل المجتمع، كانت صبيحة الرابع عشر من تموز وكعهد أسرتي بتكليفي، أنا الطفل الصغير والأضعف في الأسرة، صبيحة كل يوم، حيث يظل أخوتي ينعمون بنومهم وأنا المسكين من يكلف بالذهاب لجارنا السيد الويس، حيث تبقى زوجته في المنزل لبيع كبة البرغل لساكنة الحي، في حين يخرج هو كعادته يوميا إلى الضفة الأخرى من السدة، من مدينة بغداد بوجهها الاخر، بشوارعها ونظافة أزقتها، خلافا لأوضاعنا البائسة، وفجأة دخل الرجل داره وجسده يرتعش، فوضع قدر الكبة ولوازمه الأخرى وهو يصرخ بصوت متهدج، لا تبيعي أي شيء اليوم يا امرأة وأغلقي باب المنزل، وكأنه لم يرني من شدة رعبه، وحين سألته عن السبب، أجابها وهو لم يزل في حالة من الهلع، إنهم قتلوا الملك وعائلته، إن الثورة قد قامت ضد العائلة المالكة، فأطلقت زوجته صرخة مدوية، لا أعرف، هل هي صرخة فرح آم رعب، وطلبت مني الخروج في الحين بعد أن زودتني بطلبي، لكنني لم افهم أي شيء سوى مقتل الملك، الذي كنت قد رايته يوم فيضان بغداد، وهو يحمل كيس التراب أسوة بالناس، لمنع الطوفان الذي كان يهدد بإغراق بغداد، دون أن تتخذ الدولة أية إجراءت لدرء الخطر والذي كان يتكرر كل اذار ونيسان من كل عام، أسرعت لدارنا وأخبرتهم بما سمعت، فهاجت العائلة وماجت، وأسرع أبي لفتح الراديو نوع فيليبس الذي كان قد اشتراه ليجتمع هو وأصدقاؤه لسماع الأخبار والأغاني وبرامج صوت العرب، كانت تصاحب الراديو بطارية بنصف حجم الجهاز تسمى بيريك، وفي الحين لعلع صوت المذيع ببيان إعلان الثورة الذي تكرر لعدة مرات حيث علمت فيما بعد انه كان صوت عبد السلام عارف تصاحبه الموسيقى الحماسية، بدا الجيران بالمجيئ لدارنا لسماع الأخبار المزلزلة، حيث لم يحتكم أي منزل على جهاز مذياع والحقيقة، أنها لم تكن منازل بل بيوت طينية تغطيها البواري المصنوعة من خوص سعف النخل، تسمى صرائف خلف السدة...، فهلل أخي الأكبر فرحا وشرع بالهتافات بحياة العراقيين ويوم النصر، وما عرفنا من أين له هذا الخزين وبهمة الثوري الفطري، ارتدى ملابسه على عجل دون أن يتناول الكبة التي أحضرتها، وطلب مني اصطحابه لأنه كان يحبني جدا، خرجنا نحث الخطى مرتديا دشداشتي وخفا قديما، حتى عبرنا السدة ووصلنا القصر الأبيض وإذا بطوفان البشر قد اجتمعوا وكأنهم في هرج ومرج، وهم يهتفون بحياة الحزب الشيوعي، وبقادته الميامين ممن قضوا على مذبح الحرية، ويطلقون شعارات ثورية لتمجيد قادة الثورة وضد حلف بغداد وأمريكا والامبريالية العالمية وسواها من الهتافات التي لم افقه معانيها إلا لاحقا.
استمرت التظاهرات في ذلك اليوم القائظ دون أن يشعر الناس بلفحة الشمس الحارقة، فأخذت ابكي من شدة الحر والعطش وأجساد البشر الملتصقة بعضها ببعض، دونما إحساس بقسوة الحرارة، فأسرع أخي لجلب الماء ليطفئ لهيب العطش، تمالكت نفسي خوفا من غضبه، وشرعت مع الهائجين اردد ما يقولون دون أن افهم معنى ما أقول، مرت الأيام سريعا، وأخذت الأحداث، تتوالى وإذا بي افهم من خلال الاجتماعات الحزبية التي تكثفت في دارنا مع بعض أقران أخي من الرفاق الشيوعيين، أن احتقانات هائلة راحت تتفجر بدواخلهم بعد أن أخفوها عن اقرب الناس إليهم بسبب السلطة القمعية وظروف العمل السري.
تلك كانت أبجديات الوعي السياسي بعفويته وحماسه وصدق أحاسيسه والتي شكلت البذرة الأولى للتعلق بفكر الطبقة العاملة وكل المحرومين، وما زالت تلك المشاعر النبيلة تعتمل بوجداننا، رغم بلوغ درجات من النضج السياسي الذي عمق القناعات بذلك الفكر الثوري الرصين والنقي، نقاء الذات البشرية بصدق انتمائها وعمق تعلقها بابلغ الصيغ في التضحية من اجل الحفاظ على الثبات على خطى المبادئ النبيلة وشهداء الحزب الأبرار، بعد قيام الثورة بشهرين، وبعد أن أخذنا نتعرف على مفردات جديدة من القيم الثورية، شرعت في دراستي الابتدائية في سن متأخرة نسبيا، شأن غالبية أبناء المسحوقين، وخصوصا من قاطني صرائف العاصمة، وكانت مدرستي تسمى مدرسة الطليعة، بعد أن تم تغيير اسمها بعيد الثورة، إذ كانت تسمى قبل الثورة مدرسة اليعربية، وكانت تقع خلف القصرالابيض، قرب وزارة البلديات، كانت سنة دخولي المدرسة تسمى سنة الزحف، حيث سمحت الثورة بانتقال الراسبين من السنة السابقة إلى الصفوف الأعلى، كهدية من الثورة لأبناء العراقيين، رغم تحفظنا على هذا الإجراء الذي اضر بسمعة التعليم في العراق نسبيا واتخذه أعداء الثورة ذريعة للنيل من الثورة الشعبية المظفرة، كان الشارع العراقي أيامها يغلي بالشعارات الجديدة والفعل النضالي والمسيرات التي ما انفكت تجوب شوارع بغداد وكل مدن العراق، وبما أن مدرستي كانت على بعد خطوات من القصرالابيض، الأمر الذي جعل إدارة المدرسة تخرجنا للاصطفاف على جانبي الطريق كلما قدم زائر مهم للعراق وهكذا كانت مشاهداتي لزعيم الثورة الشهيد عبد الكريم قاسم، كلما حل مسؤول كبير على الزعيم وعلى العراق، أمثال الملك محمد الخامس ملك المغرب، واحمد سيكوتوري رئيس اندونيسيا، وجوزيف بروز تيتو رئيس يوغسلافيا، وعباس فرحات رئيس وزراء الجزائر وغيرهم.
تلك كانت بداية تعلقي وحبي للزعيم الخالد عبد الكريم قاسم وتنامي حبي للحزب الشيوعي العراقي العتيد، هذا باختصار شديد بعض ما رسخ في ذاكرتي عن الثورة ويوم تفجرها وزعيمها الراحل وبعض المحطات وهو غيضا من فيض وما يسمح به هذا الحيز المتاح، اصدق الأماني واحلي التبريكات بحلول هذه المناسبة الغالية للثورة المباركة وزعيمها ورفاقه شهداء العراق والحرية، والمجد لشهداء الحزب الشيوعي الميامين، وكل تموز والعراق والعراقيون بخير وسلام وتقدم وامن مضطرد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عنوان روايتي التسجيلية التي توثق لأهم أحداث العراق في تلك المرحلة التي تحمل عنوان (إشطيط) وهي تحت الطبع.
ثورة 14 تموز والهموم المزمنة
د. إبراهيم إسماعيل
لم يكن ليمر إحتفال بذكرى إنتصار العراقيين في 14 تموز عام 1958، دون أن يعاد طرح ذات السؤال القاسي والمضني عن السر الذي مكن عصابة صغيرة ومنبوذة من الإجهاز على ثورة شعبية فريدة، تلك الثورة التي محت مشاركة ملايين البشر فيها (يوم لم تكن فكرة المليونيات معروفة بعد) الطابع الإنقلابي الذي إتسمت به إنطلاقتها.
ويبدو أن أي حوار حول ذلك السر، لا بد أن يرتكز الى تحليل الفترة التي أعقبت الحدث مباشرة، والمآل التي صارت اليها أهداف الثورة، ففي نشوة النجاح في تفكيك النظام المتخلف والفاسد وإلغاء الأطر القانونية والتشريعية التي تعكز عليها والإقتصاص العادل من بعض أركانه على ما إرتكبوه من جرائم بحق العباد والبلاد، راح الثوار يدورون حول إنفسهم، دون أن يعقلنوا حركتهم أو يؤسسوا للغد، قائلين (من ها هنا سنسير)، فتسللت لصفوفهم أحلام غائمة، رغم مشروعيتها، وغمرهم وهم رومانسي بالقدرة على تحقيق كل شيء بضربة واحدة.
وتتحمل النخب السياسية والثقافية التي تصدرت المشهد أنذاك، في ظني، القسط الأوفر من المسؤولية عما جرى، إذ عجزت تلك النخب عن طرح مشروع شامل متسق مع المطامح المشروعة للجميع وقادر على إجتذابهم وإحداث إصطفاف مجتمعي، يرتكز اليه نظام سياسي راسخ، ويمكنه من الصمود في بحر التحديات التي احاطت به.
ومن أبرز ما يقف وراء ذلك، إفتقاد تلك النخب الى رؤية شاملة عن العلاقة الجدلية بين الحريات العامة والعدالة الاجتماعية من جهة، وعدم إيلاء المشاركة الفاعلة لمختلف مكونات الشعب العناية المطلوبة من جهة مكملة، وهو أمر، كان ولا يزال، بالغ الأهمية في بلاد متعددة الأعراق والطوائف، لم يسبق لها أن عرفت الدولة المدنية، أو توفرت لأبنائها إرادة وطنية ناجزة، بلاد نجح حكامها دوما في وأد أية إرهاصات لتشكل هذه الارادة أو تفعيلها أو قيام مجتمع طبيعي متماسك يمكن تشخيصه بأنه مجتمع عراقي.
كما عجزت تلك النخب عن فهم ما يمكن تسميته بالجانب الموضوعي للتحول الديمقراطي، أي حزمة الأسس والمبادئ التي يمكن بها تقييم الجوهر الديمقراطي لمؤسسات الدولة والمجتمع، ومدى إتساقها مع القيم الديمقراطية، وأهملت مهمة تحديث المجتمع كبوابة لا بديل عنها لهذا المسار، فقد كان البون بين المجتمع وبين الديمقراطية كثقافة ونمط حياة شاسعا، في ظل غياب الهوية الوطنية الجامعة، وبقاء أغلب الناس سلبيين تجاه المشاركة في الحياة العامة وفي الخدمة المجتمعية، وإشتداد تلك السلبية تدريجيا جراء اليأس من تحقيق المرتجى أو الخشية من القمع أو خضوعا لرجل الدين وشيخ القبيلة وللقائد الذي زينت صورته القمر او في تنامي ثقافة الإعتماد على الدولة في كل مجالات الحياة بعد تحسن الدخل القومي لاسيما واردات النفط.
ورغم إن الأغلب الأعم لتلك النخب، كان ديمقراطيا بفكره التغييري التجديدي الطامح لبناء مجتمع الأكثرية، الحر والخال من كل أشكال الأستغلال، فإن اقسامات واسعة منها وقعت أسيرة التناقض بين تمرغها في رومانسية الأمل وبين إستسلام قدري لإرادة قيادة الثورة، حتى بعد جنوح الأخيرة الى الإستبداد لمواجهة المشكلات الاجتماعية والسياسية التي برزت عقب إنتصار الثورة وكنتاج للمتغيرات التي ولدتها، بدل إستثمار التفويض الشعبي الهائل الذي حظيت به، في تطبيق حلول فورية لبعض تلك المشكلات أو تدريجية لبعضها الأخر.
وقد أدى التراخي تجاه التضييق على حرية الأحزاب السياسية وتزييف إرادة العديد من منظمات المجتمع المدني، الى إعاقتها عن تعبئة الناس للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم وعن مراقبة أجهزة الحكومة والضغط بإتجاه تحسين سياسات الدولة والإداء الحكومي، مما أضعف من دورها كقنوات رئيسة في تحقيق مشاركة مجتمعية واسعة وتأمين حق الشعب بتقرير مصيره وتسيير شؤون بلاده، وهو ما يعده الجميع الشرط الأرأس للتحول الديمقراطي.
وهكذا تبددت أحلام الحرية، وصار عصيا على قيادة الثورة (مهما إختلفنا أو إتفقنا على حسن نواياها) إنجاز مهام المرحلة الأنتقالية وبناء دولة المواطنة وإقامة مؤسسات ديمقراطية، كما أمكن وأد منجزات هامة كالأصلاح الزراعي والتقدم التقني والتحسن الكبير في ضمان حق الجميع في التعليم والصحة والسكن، وهو ما مكن، بمجموعه، تلك العصابة الصغيرة والمنبوذة من الإجهاز على الثورة وقيادتها بيسر، وإيقاف عجلة تطور العراق، وإعادته الى الوراء متخلفا في كل شيء كما هو عليه اليوم!.
في يوم 14 تموز 1958 كنت سجينا سياسيا
ثورة 14 تموز نمط الثورات التي تتقادم قيمها الثورية على مراحل تاريخية متعاقبة، تتحول الى مقياس محوري لطبيعة الحراك الاجتماعي خاصة عندما تتوفر عوامل الولادة الطبيعية وخصوبة التشابك مع مهمة التغيير المطلوب نحو الأفضل، كان لقاء "طريق الشعب" مع النقابي المخضرم والسجين السياسي إبان اليوم الأول من الثورة محسن ملا علي.
1- أين كنت يوم 14/ تموز 1958؟.
يوم ثورة 14 تموز عام 1958 كنت سجينا سياسيا في سجن بعقوبة وكانت محكوميتي خمس سنوات ونصف،
هذا السجن قد صمم على الطريقة الأميركية حيث الغرف المتقابلة وبين هذه الغرف ممر عرضه متران، يوجد في كل غرفة من ثلاثة الى أربعة أشخاص وقد جمعت السلطة الملكية الحاكمة كل السجناء من سجن نقرة السلمان وسجون بغداد في هذا السجن، أبواب الغرف كانت تفتح يوميا من الساعة السادسة صباحا وتغلق في العاشرة ليلا نخرج فيها الى باحة السجن لمدة ساعة كي نتنفس بعض الهواء النقي ونرى الشمس.
2- يعتقد البعض أن ثورة 14/7/1958 كانت مفاجأة، من الذي كان يتوقعها ويعمل من أجلها؟.
لقد كانت الثورة مفاجأة لنا نحن السجناء السياسيين فبعد فتح الأبواب وانتظار وجبة الفطور جاء عريف السجن بحدود الساعة السابعة والنصف طالبا منا الدخول الى الغرف ولم ننفذ ذلك الأمر وعاد لنا بعد نصف ساعة تقريبا متهسترا قائلا: الى الغرف وبسرعة (لا تهجمون بيتي) وعندها دخلنا الى غرفنا وكنا نسمع صوت المذياع من بعيد وفيه الأناشيد الوطنية، وكانت هناك سماعة خارجية تفتح عند فتح الأبواب إلا أنها لم تفتح ذلك اليوم ولهذا السبب لم نعرف ما يدور حولنا وبعد فترة سمعنا أهازيج من خارج السجن وبدأنا بتحليل الأوضاع التي لا نعرف عنها شيئا سوى قول حسين سلطان: أنها بوادر خير، وفي الساعة الثانية عشرة حضر لنا مدير السجن ومعه ثلاثة ضباط وقالوا لنا: إن الأهداف التي تعملون من أجلها سوف تتحقق، حيث قام الجيش بثورة ضد النظام الملكي وأعلن نظاما جمهوريا في العراق، وأنتم أحرار من الآن، فقال لهم الشهيد مهدي حميد نطلب أ– فتح سماعة الراديو الخارجية، ب– فتح أبواب الغرف وباب ساحة السجن، ج– المواجهة تكون في أي ساعة، ووافق المدير مرغما على هذه الطلبات، وعلمنا أيضا بوجود تظاهرات جماهيرية حاشدة تطوف شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى مؤيدة ومساندة لهذه الثورة وكان الشيوعيون في مقدمة هذه التظاهرات، وفي اليوم الثاني جاءت برقية من نسيب شاكر السماوي جاء فيها (نهنئكم ونهنئ الحزب بالثورة المجيدة) ومع مرور الأيام بدأنا نتعرف على التفاصيل كافة.
أعتقد أن ثورة تموز كانت مفاجأة لنا نحن السجناء الشيوعيون، ولكن هل كانت مفاجأة لحزبنا الشيوعي، كلا فقد أصدر الحزب في 12 تموز بيانا موجها الى منظمات الحزب فيه أهم الشعارات التي تطرح حادثة مستقبلا، علما أن الشهيد سلام عادل كان في فجر يوم 14 تموز ينصت الى المذياع وبين فترة وأخرى يخرج الى الشارع كأنه ينتظر حدثا مهما، ولا ننسى أن هناك مجموعة من الضباط الشيوعيين بين صفوف الضباط الأحرار، ولا ننسى نحن الشيوعيون داخل السجن وخارجه نؤمن إيمانا عميقا بحدوث مثل هذه المفاجأة من أجل إسقاط السلطة الملكية، والمثل يقول: (لولا العمل لخاب الأمل) فقد كانت لنا كل الثقة بانتصار شعبنا وتحقيق طموحاته في حرية الوطن وسعادة الشعب، وسنبقى نعمل بهذا الشعار مهما كانت الصعوبات التي يتعرض لها الشيوعيون، ولابد لنا النصر كما انتصرت شعوب قبلنا في أميركا اللاتينية وغيرها من البلدان.
3- هناك من يسمي فعالية الضباط الأحرار صبيحة 14 تموز إنقلابا وهناك من يسميها ثورة، رأيكم بذلك؟.
إن كل تحول في السلطة أو الإطاحة بها إذا لم يجر فيها من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا تسمى ثورة، أما ثورة 14 تموز فقد حصل فيها تحولات سياسية كالخروج من حلف بغداد وإلغاء معاهدة 1930 بين العراق وبريطانيا المستعمرة وكذلك الخروج من منطقة الأسترليني وضرب الاقطاع وإشاعة الحريات الديمقراطية لكل طبقات الشعب من نقابات العمال وجميع منظمات المجتمع المدني.
4- كنت قياديا نقابيا قبل وأثناء الثورة، كيف قيمت الثورة العمل النقابي آنذاك؟.
بعد الثورة بأكثر من شهر خرجت من السجن وأعدت الى دائرة الموانئ العراقية حيث كنت مفصولا سياسيا، بعد هذا التاريخ بدأنا بالعمل من أجل تكوين نقابات العمل في لواء البصرة حيث كانت الحريات الديمقراطية لم تكن هناك في العهد الملكي أي نقابة مجازة ولا تنظيمات للمرأة العراقية وجمعيات للفلاحين وغيرها من منظمات المجتمع المدني، لقد كانت الأجواء مهيأة لهذا العمل فقد تكونت في البصرة أكثر من 40 نقابة عمالية وكذلك برزت رابطة المرأة العراقية في تنظيماتها في كل محلة وكذلك الشبيبة الديمقراطية واتحاد الطلبة العام، حيث كنت رئيسا لنقابة عمال الموانئ ورئيس اتحاد النقابات في البصرة وكنا نعمل بكل جد ونشاط في هذا العمل وحتى انعقاد مؤتمر نقابات العمال في العراق، لقد كانت قيادة الثورة مساندة لهذه التنظيمات، إلا أنها وبعد مرور سنة على هذه الثورة تراجعت عن هذا الطريق وسلكت طريقا معاديا لهذا وبدأت بمحاربة قادة هذه المنظمات التي كانت السند الرئيس للثورة حيث انضم لهذه التنظيمات أكثرية الشعب العراقي ويمكن لنا القول أن ضرب هذه التنظيمات كان عاملا أساسيا لحدوث انقلاب سنة 1963.
5- هل كان انتماء بعض قوى جبهة الاتحاد الوطني صوريا وانكشف ذلك بعد نجاح الثورة والتفاف الجماهير حولها؟.
كان شعار جبهة الاتحاد الوطني هو اسقاط السلطة علما أن هذه الأحزاب المنظمة لهذا الاتحاد لم تكن برامجها متوحدة بل كان لكل حزب أهدافه يعمل من أجلها ولما نجحت الثورة بدأت بعض الأحزاب مثل البعث والقوميين بالتآمر عليها ومحاولة حرف مسيرتها وهذا طبيعي ولكن الحزب الشيوعي بقي مساندا لقادة الثورة رغم سلبياتها في المدة الأخيرة لأنه يعمل للمصلحة الوطنية العامة حيث ساندها وعاضدها ودافع عنها ضد الانقلابيين جميعا.
6- القوى التقدمية آنذاك طرحت شعار (حلوا مشاكل الشعب بالديمقراطية) هل تم ذلك؟ وهل يصلح هذا الشعار لحل مشاكلنا الآن؟.
لقد كان شعار الديمقراطية عاملا أساسيا لنهوض الشعب في السنة الأولى من الثورة حيث كانت المسيرات بالآلاف من رجال ونساء وشيوخ كلهم سعداء بهذه الثورة وهذا الانفتاح الديمقراطي وهذه النقابات والاتحادات والجمعيات التي كانت موجودة في طول البلاد وعرضها ولكن بعد سنة من الثورة وتقليص الديمقراطية وضربها بدأت مشاكل الشعب تبرز من جديد مما شجع المتآمرين لاستغلال هذا الظرف والقيام بمؤامرتهم سنة 1963 والآن نحن نعمل من أجل الديمقراطية وعدم تدخل السلطة في شؤون منظمات المجتمع المدني وسنواصل العمل بكل جهد ومثابرة لتحقيق استقلالية هذه المنظمات، وهذا لا يتم إلا من خلال تبني نهج الدولة المدنية الديمقراطية في محورها الأساس "العدالة الاجتماعية" ضمن لقاء عام نشط يتمحور في مؤتمر وطني يتبنى الديمقراطية أسلوبا في العمل.
الدكتور عقيل الناصري ينصف ثـورة 14 تموز الوطنية
د. مجيد مسعود
نحتفل هذه الأيام بالذكرى الخامسة والخمسين لثورة 14 تموز 1958 الوطنية، "هذه الثورة التي دشنت سياقا تاريخيا (كما كتب كامل شياع في الثقافة الجديدة ع، 310)، يختلف جذريا عما سبقه من نواحي القضايا التي تبنتها، والقوى المحركة لها ، والأفق التاريخي لمشروعها التحريري".
هذه الثورة المغدورة قد صدرت عنها _ معها وضدها ــ العديد من المؤلفات والأبحاث والمذكرات إلا أنها كانت تعبر عن الكم ونقص فاضح في كشف الحقيقة لما جرى خلال تلك المرحلة التموزية \ القاسمية.
ولهذا فقد تعهد الباحث الجاد الدكتور عقيل الناصري أن يخصص كل خبرته البحثية وبعمل دؤوب استمر اكثر من عقدين من الزمان ولا يزال، ليساعدنا والأجيال الجديدة من شابات وشباب الوطن، في "فهم حقيقة واهمية الظاهرة التموزية \القاسمية، والرقي بها دراية وتحليلا، بغية وضعها في مسارها الصحيح، وتحديد المسؤولية التاريخية للقوى والشخصيات التي اعاقت اكتمال هذه التجربة، وتشخيص الخلل الموضوعي والذاتي لتلك الأحداث".
يتكون مشروع الدكتور عقيل الناصري البحثي هذا من:
المرحلة الأولى: التي درس فيها ما استطاع الوقوف عليه من سيرة عبد الكريم قاسم منذ ولادته لغاية 14 تموز عام 1958، مقسمة إلى خمسة فصول، وقد صدرت بكتاب (475 صفحة من القطع الكبير)، بعنوان: "عبد الكريم قاسم – من ما هيات السيرة الذاتية".
المرحلة الثانية: يحاول فيها دراسة المفاصل الأرأسية لسيرة قاسم من خلال إدارته للحكم وضبطه للصراع الاجتماعي وبوصلته بتحديد مساراته ومواقفه على ما اثرته الثورة من تغيير للبنى الاجتصادية (اجتماعية_ اقتصادية)، ومن علاقات اجتماعية عامة وتأثيرها على واقع ومستقبل العراق كوحدة جغرافية وتركيبة اجتماعية، (وهو قيد الإعداد حاليا).
المرحلة الثالثة: بحث تمحور حول استشهاد قاسم، الذي سبق له أن أتمه ونشره بكتاب يحمل عنوان: "عبد الكريم قاسم" في يومه الأخير– الانقلاب التاسع والثلاثون".
لقد استخدم الباحث الدكتور عقيل الناصري كما لا بأس به من المصادر والدراسات العلمية والبحوث التي توفرت له عن واقع العراق الاقتصادي والسياسي ببعديهما التاريخي، وكذلك العديد من أدب المذكرات للسياسيين العراقيين والضباط الأحرار، وعن تاريخ بعض الحركات والأحزاب السياسية المؤثرة في الظاهرة التموزية /القاسمية، كما قام بإجراء العديد من المقابلات الشخصية من مستويات اجتماعية متباينة ومن أجيال عمرية مختلفة كانوا شهودا أو مساهمين أو مراقبين للحدث.
مع كل التقدير والاعتزاز بهذا الجهد البحثي الموضوعي قدر الإمكان، الموثق بالمتوفر المتاح من المصادر، علما بأن الوثائق الرسمية للمرحلة القاسمية ضمن ارشيف الدولة المحفوظ لدى المركز قد تم اتلافه بالكامل، وبصورة مقصودة مع سبق الاصرار من قبل عناصر يبدو أنها مخصصة لذلك العمل التخريبي، كما صرح بذلك مدير المركز الوطني لحفظ الوثائق، بعد سقوط النظام المناوئ لقاسم عام 2003.
ولهذا واستكمالا لهذا الجهد الكبير اقترح على التيار الديمقراطي الوطني العراقي أن يتبنى تأسيس مركز بحثى متخصص بالمرحلة التموزية/ القاسمية، وذلك بالتنسيق مع الدكتور عقيل الناصري والمهتمين الآخرين من أمثاله.
بمناسبة ذكرى ثورة 14 تموز
قانون الزعيم لمحاربة الفساد عنوانه: من أين لك هذا؟
جاسم المطير
بعجالة أحيانا ومتسرعا في أحيان أخرى، كان زعيم ثورة 14 تموز 1958 يجول، متنقلا، في محاولاته لصنع دور تاريخي للعراق في مختلف ميادين الحياة العراقية لاذكاء وعي الشعب ومقاومة كل الأفكار المعادية لمصلحة فقرائه خصوصا، كان منها رسالته في تقوية وعي الموظفين العراقيين والشعب كله بموضوعة اسمها (النزاهة) كوسيلة لخلق إنسان عراقي أوعى وأجمل، لتحقيق حياة أفضل، في مقالتي هذه أجول حول لؤلؤة مضيئة للتوعية ارتبطت بالثورة وبقائدها الزعيم عبد الكريم قاسم كان عنوانها كبيرا موجها لكل (موظف كبير) في مناصب الدولة، أطلق أمام الجميع سؤالا يمثل كان جوابه مفتاحا نحو طريق النزاهة،
السؤال كان يتكون من بضع كلمات: من اين لك هذا؟.
ليس من الصعب على أي مراقب معرفة تفاصيل اللبس الحاصل في العراق عن ظاهرة انفصال الموظف الحكومي عن طبيعة (النزاهة) وعن احتمال سقوطه في مستنقع الفساد المالي على اعتبار ذاك (الانفصال) وهذا (السقوط) اعتبار ظاهرة ملازمة من ظواهر حب الفرد للمال، سواء كان الفرد متدينا أو غير متدين، في بلادنا نشاهد هذه الظاهرة، اليوم، غير معزولة عن بعض قادة وأعضاء أحزاب (الإسلام السياسي) في إيران ولبنان وتركيا وماليزيا وتونس وليبيا ومصر حيث تتعالى فيها أصوات (تثوير..!) شعارات أحزابهم الإسلامية، كما ظهرت نفس الأصوات بصورة واسعة صحبة، أسيس مثل هذه الأحزاب في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين ونشوء (الحزبية الدينية) و(الحزبية المذهبية) على نطاق واسع، الملاحظ، أيضا، أنه قد ظهرت إدانة واتهام العديد من (الإسلاميين العراقيين) خلال السنوات العشر الماضية، بنهب المال العام، الأمثلة بشأن هذه الاتهامات والإدانة كثيرة.
كما تضم قوائم (هيئة النزاهة) أسماء الكثير من الناشطين من الذين استيقظوا، في هذا الزمان، على أحلام الإسلام السياسي وبعض أحزابه ليتغلغل في دمائهم اندفاع مزدحم للإثراء السريع، مما أكد حقيقة أنه لا يوجد في كثير من الحالات تناقض بين الإدعاء بالتدين وبعض أصحاب أخلاق الفساد المالي، كذلك كانت القناعة بالفساد المالي لدى المتدينين المسيحيين قد ترسخت، أيضا، في العام الماضي حين انكشفت فضيحة مالية في المرجعية المالية بالفاتيكان بعد أن اعتقلت السلطات الإيطالية الأسقف البارز نونزيو سكارانو في إطار تحقيق في شأن مزاعم فساد مالي في (بنك الفاتيكان) بقيمة 26 مليون دولار بالإضافة إلى اعتقال اثنين آخرين أحدهما جيوفاني ماريا زيتو وهو عنصر بجهاز الخدمة السرية في دولة الفاتيكان الدينية، والآخر جيوفاني كارينزيو المتخصص بالأمور المالية للمرجعية الدينية المسيحية العالمية، كما انكشفت فضائح الرشاوى في الدولة اليهودية (إسرائيل)، بينما نرى واضحا أن الدول الأوربية– العلمانية لا تشهد فضائح لنهب المال العام حتى بوجود الفاسدين في بعض مفاصل الدولة الرئيسية كما في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
من يطلع، في هذه الأيام، على ما تنشره وتتحدث بهم منظمات الشفافية العالمية والمحلية عن (المرض المخفي) في جسد الدولة العراقية خلال فترة ما بعد نيسان 2003 هو تشخيص (الفساد المالي) في بلادنا بنسب هائلة جعلت من العراق الدولة الأكثر فسادا في العالم المعاصر.. وقد أصبحت وقائع وإحصائيات (الفساد) تحتل صفحات موسوعة عراقية ضخمة تتعلق بجميع جوانب الاقتصاد الوطني، التي تشمل ذخيرتها مقاولات البناء والعقود المحلية والأجنبية وظروف الاستثمار وما يسمى بالأعمار وغيرها من مجالات العمل الحكومي، هذه الفعاليات المالية الفاسدة حققت أرقاما بمليارات الدولارات لصالح أفراد وشركات، داخل العراق وخارجه، نتج منها ضرر كبير لاقتصاد البلاد جعل الدولة العراقية في حالة عجز تام أمام القدرة على مجابهة هذا المرض الخطير، كما جعلت القضاء العراقي عاجزا عن كشف الوسائل السرية التي يعتمدها الفاسدون في إخفاء وسائلهم الذكية بارتداء أشكال متعددة من أقنعة التمويه على الجرائم المالية مما أنتج روايات غريبة وعجيبة في نهب المال العام وتهريبه إلى خارج البلاد.
لا بد هنا من القول أن مساحات الصمت الشعبي العراقي اتسعت حيال الفساد المالي منذ سقوط النظام الملكي ومنذ إسقاط دولة ثورة 14 تموز في 8 شباط عام 1963 حتى صارت بالوقت الحالي تميد بالكثير من التشاؤم واليأس وعدم القدرة على الإصلاح.
كثيرة هي الكتب والمقالات والدراسات التي تناولت الجوانب الدلالية في ملامح وآثار ثورة 14 تموز 1958.. بعض تلك الكتابات جاس مجاهل الثورة وبعض انجازات قوانينها وإجراءاتها الثورية لكن بالتأكيد فأن الرؤية في الدراسة والبحث والنقد لم تكن كافية أو متوازنة بصورة عامة لأنها لم تشتمل جميع جوانب الثورة ولا ظواهرها، السياسية والاجتماعية، ولا حتى أجزاء من نشاطها، النفسي والذهني، الرامي لإصلاح النشاط الإنساني في المجتمع العراقي، ذلك كله جعل الحاجة ماسة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث القادرة على تقديم نظرات متكاملة عن الإجراءات والخطوات التي عبرت فيها الثورة سنوات عمرها عبر مسالك وعرة جعلت سياقات الباحثين في شؤونها بمساحات دلالية ضيقة، لحد الآن، حتى الباحثين من الناقدين للثورة وزعمائها وأحزابها،خاصة من مؤيدي منهج القومية الناصرية أو منهج القومية – البعثية وغيرهم من نقاد الثورة أو أعدائها، لم يحللوا محاورها وخصائصها ولم يبلغ أي منهم مرتبة نقدية على أسس علمية وكانت غالبية انتقادهم ليست شاملة ولا وفقا لما تتطلبه المناهج العلمية في البحث داخل الدائرة الدلالية في الثورة، يوم الرابع عشر من تموز عام 1958 ليس يوما عاديا في التاريخ العراقي فلقد أعلنت فيه الثورة ضد النظام القديم، الذي سقط بضربة واحدة، خلال ساعة واحدة، وقد اتجهت أنظار أبناء الشعب العراقي في ذلك اليوم إلى زعيم الثورة عبد الكريم قاسم، الذي وعد في بيانه الأول والبيانات اللاحقة أنه سيخرج العراق من الحياة اللاإنسانية التي يحياها الفقراء إلى حياة إنسانية جديدة، وقد رسمت صورة هذا التغيير خلال عمر الثورة القصير في عدد من القوانين والإجراءات، منها مثلا: قانون الإصلاح الزراعي وقانون مجلس الأعمار ووزارة الأعمار وقانون تنظيم إدارة الأموال المحجوزة بسبب إجراءات نظام الحكم، وبيان رقم 1 بشان قسمة الحاصلات بين الفلاح والملاك، و قانون تعديل قانون لجنة تنظيم تجارة الحبوب، وقانون تعديل قانون مصلحة مصافي النفط الحكومية، وقانون تطهير الجهاز الحكومي، وقانون تطهير الجهاز القضائي، وتشريع الدستور المؤقت وغيرها من القوانين والإجراءات لتحقيق وضع البنى التحتية لتصنيع البلاد وتحريره من قبضة الارتباط بمنطقة الإسترليني ثم تحقيق هدف الثروة البترولية بالقانون الشهير رقم 80.
كثيرة هي القوانين والمنجزات التي بزغت تحت قيادة عبد الكريم قاسم الذي كان يتطلع منذ أول يوم من قيام الثورة إلى تغيير حياة الناس الفقراء ومحاولة أن تكون الثورة أداة، ليس فقط لتغيير الطبيعة السياسية والاقتصادية للمجتمع العراقي، بل العمل على تحسين النسل الأخلاقي لموظفي الدولة، الكبار منهم على وجه الخصوص، معتمدا في ذلك على أن تكون الدولة الثورية الجديدة قادرة على التخلص من كل شكل من أشكال (الفساد المالي والإداري) بهدف أخلاقي أراد تحقيقه بشكل قانوني موجه لتطويق الموظفين المصابين بمرض استغلال مكانتهم ووجودهم في مناصب الدولة للإثراء غير المشروع، عن طريق الرشاوى وفساد الذمم، وقد كان الزعيم عبد الكريم قاسم يفكر أساسا ليس بالمعالجة (الفردية) وإنما بالمعالجة (الجماعية) أي بالمشاركة الجماعية بين الموظف والدولة، عن طريق اعتماد أسلوب ملائم ومناسب للحد من مخاطر الفساد المالي والتلاعب بأموال الدولة ونهبها باليات سرية من قبل كبار موظفي الدولة، وقد هيأ قانونا تحت عنوان: ( من أين لك هذا..؟) وقد صيغت مواد هذا القانون ليثير أمام الدولة والمجتمع أسئلة كثيرة تتعلق بالجوانب المالية والأخلاقية والشرعية والاجتماعية المتعلقة بواقع ملكية موظفي الدولة العراقية الجديدة والنتائج السلبية المتعلقة بأخلاقيات المجتمع العراقي وذلك عن طريق إلزام موظفي الدولة بتقديم معلومات شفافة عن أموال كل موظف وملكياته العقارية وغيرها، جاعلا من قانون (من أين لك هذا..؟) حقا للدولة على موظفيها، فقد جاء في القانون: (انه بعد الاطلاع على الدستور المؤقت وبناء على ما عرضه رئيس الوزراء ووافق عليه مجلس الوزراء صدق قانون من أين لك هذا بشأن الكسب المشروع على حساب الشعب).
أجبر القانون في مادته الأولى رؤساء الوزارات والوزراء والحكام والقضاة وضباط القوات المسلحة والشرطة ورؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصالح العامة والمؤسسات والمصارف والشركات الرسمية وعلى أعضاء مجلس الأمة وأعضاء المجالس البلدية والإدارية وأمين وأعضاء أمانة العاصمة وعلى كل موظف وعلى المستخدمين الذين يصدر بتحديد فئاتهم أو أصنافهم قرار من مجلس الوزراء وعلى كل شخص مكلف بخدمة عامة بصفة دائمة أو مؤقتة أن يقدم خلال شهرين من تاريخ تعيينه أو انتخابه إقرارا عن ذمته المالية وذمة زوجته وأولاده القصر في هذا التاريخ يتضمن بيان ما له من أموال منقولة وغير منقولة وعلى الأخص الأسهم والسندات والحصص في الشركات وعقود التأمين والنقود والحلي والمعادن والأحجار الثمينة وما له من استحقاق في الوقف وما عليه من التزامات.
يتضح من جميع مبادئ هذا القانون انه يمتاز بالقدرة على معرفة تفاصيل الملكية المالية والعقارية وغيرها في مرحلة البدء بتوظيف أو انتخاب أي مسئول في الدولة هو وعائلته المباشرة.
حاول الزعيم عبد الكريم قاسم أن يجعل قانون (من أين لك هذا..) شاملا عمل الموظفين العراقيين قبل الثورة وبعدها اعتقادا منه أن بإمكان هذا القانون وإجراءاته العملية في جعل ارض الدولة العراقية طهورة من الفساد وكشف جميع ما يمور به جوفها من فساد سابق أو لاحق لتكون بيئة الوظيفة نظيفة، حقا وفعلا، وهو ما عجز عنه النظام الملكي السابق حيث كانت لوثة الفساد قد مست الكثير من الموظفين المتفننين بهذا الداء لذلك، وقد وجد الحاجة لتطبيق القانون التوجه إلى ما يلي في بعض فقراته:
1- يسري قانون (من أين لك هذا..) على من تقدم ذكرهم وعلى موظفي البلاط المالكي السابق والخزينة الخاصة الموجودين في الخدمة وقت العمل بهذا القانون أو الذين قد تركوها بعد أول أيلول سنة1939.
2- يقدم إقرار الذمة المالية من قبل الموجودين بالخدمة أو ممن تركوها خلال شهرين من تاريخ العمل بقانون (من أين لك هذا..) متضمنا بيانا بذمتهم المالية على الوجه المتقدم في أول أيلول سنة 1939 أو عند دخول الخدمة إذا كان لاحقا لهذا التاريخ ثم بيانا بذمتهم المالية في تاريخ العمل بهذا القانون أو في تاريخ ترك الخدمة وإذا كانت الخدمة متقطعة وجب أن يكون الإقرار عن كل فترة على حدة.
3- نص القانون أيضا أن على كل من يشمله حكم مواد القانون أن يقدم، أيضا، خلال ستين يوما من تاريخ ترك الوظيفة أو الخدمة أو زوال الصفة النيابية إقرارا عن ذمته المالية وذمة زوجته وأولاده القصر في هذا التاريخ على الوجه المعين في قانون (من أين لك هذا).
لقد انتشرت في مواد هذا القانون صور الكثير من أساليب الفاسدين لكي تساعد في استجلاء ما يحيط بها من وسائل تخفي الفاسد وعمله، ففي المادة الرابعة من القانون تم الإشارة إلى تعريف معنى الكسب غير المشروع على حساب الشعب وذلك كما يلي:
أولا: كل مال حصل عليه أي موظف حكومي أو وزير أو نائب برلماني بسبب أعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه أو بسبب استغلال شيئ من ذلك.
ثانيا: كل مال حصل عليه أي شخص طبيعي أو معنوي عن طريق تعاونه مع أي شخص من موظفي الدولة.
ثالثا: كل مال يورده شخص من الأشخاص المشمولين بقانون (من أين لك هذا..) بإقرار مقدم منه أو أورده ولم يثبت مصدرا مشروعا وكل زيادة ترد في إقراراته التالية للإقرار الأول يعجز عن إثبات مصدرها المشروع وعلى العموم فقد اعتبر هذا القانون كسبا غير مشروع أموال كل شخص مكلف بتقديم الإقرار ولم يقدمه ما لم يثبت حصوله عليه بالطرق المشروعة.
لا ادري هل استفادت هيئة النزاهة العراقية من الإطار النوعي لهذه النقاط الثلاثة أو من الصفة النوعية لـ (قانون من اين لك هذا..؟) بعد أن تشكلت هذه الهيئة حال سقوط نظام صدام حسين المليء بالفساد الإداري والمالي، الذي انتقلت ممارساته النصية إلى الكثير من الموظفين والقادة السياسيين والبرلمانيين خلال السنوات العشر الماضية بأساليب متجددة، خفية وذكية، تـرى هل استطاعت هيئة النزاهة دراسة إشكاليات تعامل الموظفين الكبار على ضوء تجارب عراقية سابقة وتجارب عالمية كثيرة..؟.
من الواضح للجميع في العراق الجديد أن آلاف الموظفين، الكبار والصغار، في الدولة العراقية وبعض قادتها السياسيين - وهم أقلية سياسية – أصبحوا، الآن، في عداد الرأسماليين الكبار وغالبيتهم يرفضون تقديم إقرار الذمة المالية فقد نشر أن عدد النواب الذين قدموا إقرارا بالذمة المالية لم يزد على 110 نائبا من مجموع 325 نائبا، كما أن عدد الوزراء الذين قدموا بيان الذمة المالية لم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، مما يجعل أبناء الشعب والصحفيين عموما أمام مهمة طرح أسئلة حادة عن تقصيرٍ وإهمال متعمد في إبقاء ذمم موظفي الدولة بوضعية التستر عن مصادر إثرائهم السريع بأسوأ مما كان عليه الحال في زمن صدام حسين، بل يمكن رؤية التوسع الحاد والمتسرع في مالية كثير من قادة الدولة ومنهم من كان يعيش قبل عام 2003 على مساعدات بلديات دول اللجوء في أوربا وأمريكا بينما هم، الآن، يملكون العقارات في العراق إضافة إلى تملكهم أسهم شركات المقاولات والقنوات الفضائية، التي بمجملها تدر مصادر كسب ليست مشروعة تزيد أرصدتهم في البنوك الأجنبية.
ما تجسده الصورة الساخرة التي بدأها كثير من قادة الدولة العراقية الجديدة أنهم عبروا عن رغبتهم في التحول السريع، من حالة معيشية معتدلة إلى حالة الثراء غير المشروع، حين سيطروا بسرعة على قصور وعقارات قادة النظام البائد مبرهنين أنهم يريدون أن يعيشوا حياتهم الخاصة كما عاشها صدام حسين ومعاونوه، بل الأكثر من هذا أنهم راحوا يبحثون عن مغانم أخرى في بغداد والمحافظات لامتلاك قطع الأراضي السكنية المتميزة والمتاجرة بها أو بيعها بأسعار خيالية من دون رؤية الناس، من الرجال والنساء الفقراء والفقيرات، الذين يجهشون بالبكاء أمام شاشات التلفزيون وهم بالملايين من سكان المناطق العشوائية المليئة بالمزابل والمستنقعات، يرفعون أصواتهم التلفزيونية بالعويل مناشدين الحكومة وقادة الدولة بإنصافهم عن طريق إسعافهم بالسكن الإنساني اللائق والخلاص من السكن الحيواني المخالف لقوانين الحياة والضمير والأخلاق.
كثير من القادة الجدد الراكضين وراء الإثراء السريع يعلنون تمسكهم بالأمور الفقهية الإسلامية لكنهم لا يشعرون أن مواقف وسياسة إهمال مطالب الفقراء من أبناء الشعب هو شكل من أشكال الاعتداء على كرامة الإنسان العراقي.
لقد كان الزعيم عبد الكريم قاسم أول حاكم عراقي يقدم نموذجا أخلاقيا وطنيا كي يبرئ نفسه من كل شكل من أشكال الركض وراء حب المال، بل نراه منذ أول صعوده إلى السلطة يبتكر أعمالا ذات صبغات معنوية مضيفا نموذجا فذا إلى الأخلاقية العراقية وذلك من خلال ما يلي:
1- تبرع الزعيم/ عبد الكريم قاسم بقطعة الأرض الوحيدة التي ورثها عن أمه في بلدة الصويرة، الى وزارة التربية لبناء مدرسة ثانوية للبنات، اللواتي كن يتجشمن عناء السفر إلى مدينة الكوت البعيدة للدراسة الثانوية، مما دفع أهاليهن لمنعهن من مواصلة التعليم، وببناء هذه المدرسة سهلت عملية متابعة هؤلاء البنات لدراستهن الثانوية، وتعد بناية المدرسة التي حملت اسم (ثانوية 14 تموز للبنات) نموذجا لعمارة الستينيات، والحق بها سكنا داخليا ومكتبة عامة تصل إليها طالبات الثانوية عبر نفق يمر تحت الشارع، حتى يطالعن الكتب ليلا من غير الحاجة إلى الخروج من السكن أو المدرسة، حيث كانت الأعراف الاجتماعية مشددة في بلدة ريفية مثل الصويرة.
2- ارتضى لنفسه كقائد شعبي محب لوطنه أن يعيش عيشة بسيطة مساوية لعيشة الناس الفقراء فقد اكتفى بالنوم على أرضية مكتبه بوزارة الدفاع أي انه لم يتملك قصرا من القصور الملكية، بل قرر إعادتها الى الدولة، كما انه اكتفى بغذاء بسيط ينقل إليه من بيت عائلته ب (سفرطاس) صغير، ظل موافقا على العيش في بيت بسيط يدفع إيجاره من راتبه كل شهر، لم يملك غير بدلتين عسكريتين يتناوب على ارتدائهما.
3- أصر على رفض كل اقتراحات مساعديه بتخصيص حماية عسكرية مبالغ فيها عند تنقله من بيته إلى مقر عمله اليومي في وزارة الدفاع رغم التهديدات الكثيرة التي كانت تذيعها وتحرض عليها بعض الإذاعات والتلفزيونات العربية المعادية له ولنظام حكمه، التي كانت تحرض حزب البعث وبعض حلفائه على اغتياله، كان يكتفي بمصاحبة جندي واحد لحمايته في أثناء تجواله في مناطق العاصمة وشوارعها.
لم يسلك الزعيم عبد الكريم قاسم طيلة وجوده على رأس السلطة أي سلوك منفصل عن الاعتبارات الشعبية ولم يسافر إلى أية دولة أجنبية بسبب شعوره المكرس لمحاربة الأمراض الاجتماعية الخطيرة (الفقر والجهل والمرض)، وقد عظمت انجازاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية خلال مدة تزيد قليلا على الأربع سنوات كل ما أنجزته الأنظمة الحكومية السابقة واللاحقة كما ان التاريخ المتعلق بثورة 14 تموز.
تحت ظل حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم لم تشهد البلاد أية واقعة من وقائع الفساد المالي بسبب تحصينه الدولة العراقية بالكثير من الإجراءات والضروريات الرقابية والحاجات الإدارية مما أدى إلى تحقيق تقدم نسبي في حياة الناس الفقراء جعل نظامه متميزا، حتى الآن، عما سبقه وعما لحقه من حكومات وأنظمة، وقد ظلت الكفاءات العلمية الحقيقية (الموظفون في دوائر الدولة وأساتذة الجامعة) والكفاءات الجمالية (المثقفون) أيضا منفصلة تماما عن هياكل وأساليب الفساد المالي.
ترى هل من الممكن مقارنة العمر القصير لحكم عبد الكريم قاسم الذي لم يستمتع وجوده الحر بالعمر الطويل للنظام العراقي الجديد الذي لا يتحفظ قادته وفقهاؤه من الإدعاء بأنه مبني ومشاد على أسس (الحرية والديمقراطية)..؟.
لا بد من التذكير، أيضا، أن درء الفساد المالي والإداري يتطلب أحكاما ووسائل من أولى قواعدها أن يكون (الحاكم) مؤهلا وأن يكون نموذجا في الإخلاص، والتفاني، والنزاهة، والتواضع، وأن يكافح لمنع أصحابه وأقربائه من السيطرة على أموال الدولة ومصالح الشعب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة "طريق الشعب"
الاثنين 15/ 7/ 2013
الحزب الشيوعي العراقي
مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ