في ندوة سياسية عُقدت في العاصمة الالمانية برلين اواخر شهر آيار الماضي ، وبحضور للجالية العربية ،التي  حاضَرَ فيها الرفيقان بسام الصالحي السكرتير العام لحزب الشعب الفلسطيني وماهر الشريف عضو المكتب السياسي للحزب ،تركزت عن الوضع الفلسطيني خاصة والعربي عامة.

بدأ الرفيق الصالحي حديثه من ان القضية الفلسطينية هي في جدول الاعمال امام المشاكل القائمة والطاغية بثقلها في هذا المجال ،وان برنامج وسياسة اسرائيل هو استغلال وادامة الاحتلال لاجل اجهاض هذه القضية ،وقد كان الموضوع الفلسطيني هو السادس في النقاش الانتخابي للانتخابات الاخيرة في اسرائيل والذي يعتبر غير مألوفٍ وبغض النظر عن التيارات الاخرى.

فأسرائيل لاتعنيها الآن فلسطين بل الخارطة العربية واستراتيجيتها، بالتأثير على المنطقة ،فالمتغيرات تنسجم مع مسعى الليكود المتطرف والواضح في رفض قيام دولة فلسطين .

فالاستيطان يتوسع في الضفة الغربية وتريد حكماً ذاتياً محدوداً مرتبط بها،وعدم فتح قضية فلسطين داخل اسرائيل كخطر على مستقبل المشروع الصهيوني ،وهو غير محصن امام تطرف ليبرمان ونتانياهو نفسه ايضاً.

فهم يريدون اجهاض امكانية قيام دولة من خلال تنفيذ المشروع الصهيوني لاجل عدم تمكين حق تقرير المصير، ومفهومها للدولة ليس على اساس الاراضي المحتلة عام 1967وبدون عاصمة.

والمجابهة لهذا المشروع ليس بمستوى التحدي ،فحالة الانقسام المستمر وازدياد القاعدة السياسية والاجتماعية لقبول الفصل بين غزة والضفة الغربية ،وعجز السلطة الفلسطينية للعودة الى غزة ،ولم تستطع حكومة التوافق الوطني ان تنجح بذلك.

ولهذا فأن اسرائيل تلعب على هذا التناقض وتدير حواراً مختلفاً عما هو مع الضفة وخاصة في قضايا اقتصادية وليست سياسية.

والرد الفلسطيني تعيقه المشاكل في المنطقة العربية وانشغالها بأمور اخرى، فهناك احتكاك مباشر بين غزة ومصر وبحجم حاد في الاختلاف ،واتهام مصر حماس بأعمال في سيناء ،ونتيجة المشاكل المصرية الداخلية فأن انشغالها بالشأن الفلسطيني صارت حدوده ضيقة.

وعلى مستوى الاردن فهي اكثر راحة من مصر لعدم وجود تحديات مباشرة ،لديها قلق للمستقبل فلا تريد ان تكون الضفة الغربية منفذاً للاردن وفي المقابل تدرك التصادم مع اسرائيل الذي هو فوق طاقتها.لذا فهي تميل الى صيانة العودة للمفاوضات كما يلاحظ ذلك في التصريحات الصادرة منها.

اما في سوريا ولبنان فيجري استثمار كيفية حماية المخيمات من مخاوف الوضع المأساوي لمخيم اليرموك والذي افرغ من معظم سكانه ودور داعش فيها.وكذا عن لبنان بأنتقال الصراع اليها.

فالوضع الفلسطيني يتأثر بالانقسام ويجعل التحديات اكثر وضوحاً .

وهناك عوامل ايجابية ملموسة وهي مشروع الدولة الفلسطينية وحمايته والذي هو على طاولة البحث والقرارات الدولية بالاعتراف بدولة فلسطين ،فمغزاه السياسي اكبر من العملي والمساحات التي فتحها الاعتراف من الامم المتحدة واستثماره من الفلسطينين على مستوى المعاهدات الدولية واستخدامه في الصراع اضافة للعضوية في المؤسسات المختلفة ومواجهة الوقائع التي تفرضها اسرائيل على الارض.

هناك حراك اوربي شعبي لدعم فلسطين وبمدى واسع وخاصة بعد العدوان على غزةوالذي اصبح مختلفاً عما كان عليه سابقاً.

والمجتمع الدولي متمسك بحل الدولتين وعدم الانصياع لرغبة اسرائيل ،لكن مديات الاستعداد لذلك امر مفتوح ،من الصعب المراهنة عليه.

والحل هو عدم تكريس الاحتلال الاستراتيجي الاسرائيلي والتمسك بالدولة الفلسطينية وتغيير التوازن .

وينظر حزب الشعب واليسارالفلسطيني الى الخارطة السياسية بنمو دور الاسلام السياسي من منظمة حماس والجهاد ،فمنذ عام 2006 بدأ يطغى المشروع الاسلامي الوطني ونمو التيارات الاسلامية المتطرفة التي زيدَت من نقاط التقاطع والقوانين التي تُسن واصبحت الحركات اكثر تطرفاً متجهه نحو داعش والذي له حضوره في غزة واماكن اخرى.

والحالة الفلسطينية شبه محصنة ، فحماس في غزة هي ابرز نقيض ل(فتح)وصراعها معها هو على السلطة للمشروع السياسي ،وهو خلاف كبير ،وفي هذه الحالة تزداد الحاجة لدور متميز لليسار ،فالتشتت وعدم العمل الموحد وتغييرات المضمون الاجتماعي اضعف اليسار في الساحة الفلسطينية ،والمساعي لاعادة الاعتبار هي في اجابته على كل المسائل كمشروع جرئ في الواقع الاجتماعي دون المراوحة.وهذا له تشابهه مع حال اليسار في البلدان العربية ،فهناك فرص للاستثمار وتعديل المسار.

واليسار له حضوره الرسمي في منظمة التحرير، فتوازن القوى يجعل لليسار بان يكون له وجوده المطلوب مع تحسين مواقفه.

وهذه اولويات حزب الشعب ،التميز في المشروع الاجتماعي الفكري ويمكنه ان يعمل َفرقاً مهماً اذا ميز نفسه ،والموازنة بين رؤية اسلمة المجتمع وتعزيز السلطة ومؤسساتها واجراءاته القائمة عملياً بتعزيز صمود المجتمع والديمقراطية ونضاله الوطني ،اي تعزيز البنية الاجتماعية الديمقراطية ،وهي العناصر التي تعطي لليسار مساحة مع استقلاليته.

وتحدث الرفيق ماهر الشريف عن تراجع الوعي العربي في مركزية القضية الفلسطينية اضافة الى اننا ايضا نتحمل مسؤولية تراجع هذا الوعي ،ففي مرحلة من المراحل كانت هناك مبالغة للتركيز على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني والتفرد بالقرار وخاصة بعد اتفاقية اوسلو ،وارتكبت قيادة الحركة الفلسطينية كوارث ليس مع الانظمة بل مع الشعوب عندما أيد ياسر عرفات حرب العراق على الكويت والتي لازلنا ندفع اثمانها ،والنكبة الآن ليست فلسطين بل الجميع يعيش نكبات فماذا تطلب من شعب العراق للتضامن وكذلك سوريا واليمن فمأساة السوري كمأساة فلسطين ،وهذا الجانب خلق بيئة لابعاد القضية الفلسطينية عن مركز الاهتمام العربي ، واسرائيل لم تعُد العدو الرئيسي لدول عديدة وخصوصاً الخليجية  ،بل ايران وبغض النظر عن مخططاتها وسياساتها .

ان اعادة الاعتبار لمركزية فلسطين يتطلب اعادة التركيز على البعد القومي ،فالخطر الاسرائيلي يهدد مجموع الشعوب العربية بمجمله وعلى الاحزاب اليسارية العربية ان تعيد هذا الاعتبار لمركزية الوعي .

برلين