مشهد لم تألفه العين العراقية سوى في الأفلام الملحمية، حيث الجماهير الرومانية أو جيوشها تظهر وهي تسد مرأى العين ومرأى الشاشة، هكذا كان نزول عشرات الآلاف الى ساحة التحرير عصر الجمعة 14 آب 2015.

ولم تكن العين العراقية رائية فحسب بل كانت هي الراسمة للمشهد العظيم، الذي ازدهى بالعلم العراقي، والعلم العراقي وحده، وكانت مسحة التظاهرة وهالتها سلمية مدنية عصرية جذبت الكثير من العوائل للحضور والمشاركة، وكذلك كان لافتا حضور العدد الكبير من الفنانين والأدباء والمثقفين والأكاديميين، وكان ثمة جديد وهو مشاركة اتحاد أدباء العراق الذي انطلقت تظاهرته من مبناه في ساحة الأندلس الى ساحة التحرير، وكان عشرات الادباء يرددون الاهازيج، وينشدون "موطني"، ويصدحون ب: " اذا الشعب يوما أراد الحياة ..."

وكم تمنت الحشود أن يقوم طيران الجيش الحوام بتصوير التظاهرة الكبرى بعين الطائر كما سبق في مصر، حتى يتجسد المشهد بأزهى صوره.

ومن جديد هذه الجمعة أيضا أن حدث اعتداء على المتظاهرات والمتظاهرين وبشكل "بلطجي"، وحتما فان هذا الاعتداء جاء من الذين ضربت التظاهرات مصالحم وامتيازاتهم وأهدافهم، وبالتالي لا يمثل الاعتداء الا انتحارا سياسيا ولا يجني أصحابه الا عزلة مجتمعية ومحاسبة قضائية، ويتحمل المسؤولية بعض العناصر من القوات الأمنية الذين كانوا سببا في هذه الخروقات الفظة بحيث دخلت "المقصات" و"السكاكين" رغم الحواجز المتعددة، ولم يغير الحادث الآثم من الطابع المدني الغالب للتظاهرة الواسعة الغفيرة التي حضرتها هذا الاسبوع قواعد لفئات عديدة من التيارات السياسية الاسلامية.

واستمرت التظاهرة البليغة، وكل مافيها يشي بل يصرح بأن هذه الجمعات لا تتوقف الا مع إصلاح النظام السياسي الفاسد الفاشل، ومثلما كان شعار هذه الجمعة "إصلاح القضاء" فللجمعات المقبلة عنواناتها وشعاراتها، وقد رددت الساحة الوضاءة وهي تقصد ما تردد بهتافها: (بغداد.. بغداد.. بغداد ما تسكت بعد).