يستقبل الشيوعيون العراقيون واصدقاؤهم هذه الايام، ذكرى صدور"كفاح الشعب" في نهاية تموز 1935، كأول صحيفة عراقية تصدر سرا وتحمل اسم الحزب الشيوعي العراقي في صدر صفحتها الاولى، وبهذا يحتفلون بالعيد التاسع والسبعين لبدء المسيرة البهية من اجل حرية الوطن وسعادة الشعب.
واليوم يواصل المسيرة، احفاد فهد وسلام عادل وجمال الحيدري، رفاق وزملاء وتلامذة عبد الجبار وهبي (ابو سعيد) وشمران الياسري (ابو كاطع) وعبد المجيد الونداوي وعدنان البراك ورشدي العامل وكثيرين، الذين عمدوا كلمات صحافة الحزب بحيواتهم التي بذلوها رخيصة من اجل سمو المبادىء النبيلة.
ويوما بعد اخر يبرز المزيد من التحديات والمهام امام صحافة حزبنا التي مدت جذورها عميقا في تربة هذه الارض، وفي الوقت الذي تشهد وسائل الاتصال ووسائل الاعلام تطورات مذهلة، يسعى الشيوعيون لمواكبة التطورات بالمزيد من العمل والجهد والاجتهاد لتصل الكلمة حية، ذات الموقف المعبر عن هموم الناس الكادحين وشغيلة الفكر ومطالبهم المشروعة من اجل حياة حرة كريمة في دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، كاملة السيادة.
"طريق الشعب"، سليلة، كل ما تقدمها من صحافة الحزب، التي صنع بهاءها مناضلون اشداء عمدوا كلماتهم بدمائهم، احتفاء بهذا السفر الخالد، الذي طالما حمل هموم الناس وتطلعاتهم، ووفاءً لكل الذين رحلوا، تقدم هذا الملف مع العهد على المسير على الدرب تحت ذات الراية من اجل سمو الكلمة المناضلة ..
مجدا لكل شهداء الصحافة الشيوعية العراقية، شهداء الكلمة والموقف ...
تحية لكل المناضلين من اجل الكلمة الحرة ...
مساهمات فهد الصحفية المبكرة
عبد المنعم الاعسم
(من العصبة الى طريق الشعب)
ان افكار واسم - الشيوعية- لم تكن، اذن غريبة عن النخب العراقية المثقفة وجمهرة العمال النقابيين النشطاء، التي وجدت نفسها خارج المؤسسات السياسية للدولة وبعيدا عن التدجين في أروقة الأحزاب الاقطاعية والمحافظة والبلاط الملكي، بالاضافة الى تلك القطاعات الشعبية التي كانت تخوض المعارك الوطنية والطبقية من اجل توزيع عادل للثروة والفرص واشاعة الحريات.
وهذا ما دفع داعية الاستعمار توماس ليل الى القول عام 19922 ما يلي: انه لمن الجنون أن نتخلى عن بلاد المسلمين أو عن قسم منها مادامت بذور البلشفية مبثوثة بينهم جميعا.. لقد أوضحت رأيي، فالسبيل الوحيد الذي يجب ان نتبعه في سياستنا أن نثبت في الشرق.. أن نبث دعايتنا ونحسن سمعتنا بين المسلمين، وأن ننهض بمصادر العراق الاقتصادية لتساعد بريطانية في ماليتها واعمالها.
من جانبها كانت ثورة اكتوبر البلشفية في روسيا 1917 ومعارك ترسيخ الدولة السوفيتية الفتية ملهما رئيسيا لتلك الأفكار ولروادها، كونها مثلا حيا على امكانية القضاء على الاستغلال والأستبعاد.. فتحت تأثير هذا العامل، انتشرت الأفكار الشيوعية في اقطار متخلفة لم تظهر فيها الطبقة العاملة بعد، وحمل الرواد الشيوعية علما، من قبل أن تنشأ الظروف الموضوعية محليا، ويلاحظ السياسي والمؤرخ حسين جميل في عرضه للتأثيرات المبكرة على افكاره ان: "اول المؤثرات الخارجية، الثورة العربية في الحجاز، الثورة الكمالية في تركيا، الثورة البلشفية في روسيا"، كما أن ثورة 1920 الوطنية ضد الاحتلال البريطاني لم تكن إستثناء لحالة النهوض الثوري الذي أحدثته ثورة اكتوبر، بل كانت في الواقع مثالا ناطقا على امتدادها.. وها هي صحيفة "الفرات" التي صدرت عن قيادة الثورة، تخصص مكانا بارزا في عددها الأول لتشرح لقرائها البشفية.
ويلاحظ أن مخاوف الدوائر الأستعمارية والحكومات الموالية لها صارت تتسع ازاء - خطر الشيوعية - منذ مطلع العشرينيات، وقد حذرت جريدة "المفيد" في عددها 286 كانون الثاني
1925 حكومة العراق من انتشار افكار ثورة اكتوبر ودعت الى المراقبة "بعين ساهرة كل الدعاية التي يقوم بها البلاشفة.. وايران هي الطريق الوحيد التي تصلنا منها البلشفية"، وأشارت جريدة "العالم العربي" الى تلك المخاوف في عددها 7 كانون الثاني 1925 حيث نشرت مقالا تعترف فيه بانتشار افكار الشيوعية في العراق "ودعت رجال الدين الى محاربتها".
وتصل تلك المخاوف حذ التلويح باستعمال القّوة، ففي اجتماعه بالسابع والعشرين من نيسان 1926 اتخذ مجلس الوزراء العراقي سبعة قرارات هامة بشأن التنسيق مع السلطات السورية لتطويق "النشاط الشيوعي" في البلدين.
فهد صحفيا..
ويدلل، من جانب ثان، نشاط "فهد" السياسي والفكري والصحفي في العشرينيات وأوائل الثلاثينيات على سعة جذور الشيوعية في العراق، وقد برز من بين جميع رفاقه الرواد الماركسيين بعمق معرفته للمزاج الشعبي ووضوحه في اطار وعيه الوطني.
لقد مارس فهد الكتابة الصحفية كنافذة لا غنى عنها لايصال افكاره، واختبارها، وتوظيفها في خدمة حركة الطبقة العاملة والشعب.. كان مراسلا لصحيفتي - الأهالي والوطن - والأخيرة كانت لسان حال الحزب الوطني العراقي الذي كان "فهد" عضوا قياديا فيه، لقد كان يتصل بالصحف البغدادية منذ عام 1927 كما سافر الى عدد من البلدان العربية لدراسة اوضاعها الأقتصادية والأجتماعية والسياسية، وقد نشر ملاحظاته ومشاهداته في جريدة "البلاد" العراقية.
ويكشف فهد في مقاله المنشور في صحيفة (نداء العمال) باسم "فتى المنتفك" عن نظرة متقدمة الى حقوق كادحي المدن والريف اطارها المفهوم الطبقي لتلك الحقوق، وتفاصيلها المهمات الأكثر تماسا بمصائر البشرية.. يقول : "ان حركة العامل، تلك الحركة التي عليها تتعلق جل امالنا وأسمى أمانينا، لايراد بها الا تحقيق ما تصبو اليه البشرية في الحياة من مساواة واخاء وعدالة".
و"فهد" أول عراقي يقف أمام المحكمة مدافعا عن الشيوعية بعد أن القي عليه القبض عام 1933 (63) بتهمة توزيع نشرات باسم مستعار هو "عامل شيوعي" في مدينة الناصرية، ويومها لم يكن الحزب قد ولد كما لم تكن القوانين التي تحرم اعتناق الشيوعية قد صدرت بعد، وليس من دون معنى ان يجري اعتقاله والتحقيق معه - كما جاء في كتاب متصرفية المنتفك (42) في 21 شباط 1933- باهتمام وتكتم، "وكان يجيب باصرار: نعم انا شيوعي وليس لدى الشيوعي مال عدا الألبسة والأضطهاد".
وعندما ولد الحزب الشيوعي العراقي لم يكف"فهد" عن نشر آرائه بواسطة العديد من الصحف العلنية.. فصحف: المجلة، الحكمة، الحارس، المثل العليا، الشعب، الانقلاب، الرأي العام، الأهالي والعصبة كانت تنشر مساهماته التي كانت تثير انتباه القراء والنخب المثقفة، من غير أن يقلل ذلك من اشرافه على صحافة الحزب السرية وتحريرها، فضلا عن مهماته القيادية، والمهم لمن يبحث هذه الظاهرة ان فهد اسس قاعدة من قواعد العمل الاعلامي للحزب لمواجهة قوانين التحريم والمنع والحجر باستخدام اساليب جديدة في الوصول الى قراء الصحف الحكومية او المرخص لها في ظل امكانات الواقع ومعرفة مؤشراته.
وقد غدت الصحف الوطنية بعد ذلك "تفتح صفحاتها لأقلام الشيوعيين والتقدميين "وشهدت الفترة بين تأسيس الحزب 1934 وانتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 تطورات هامة في العراق: (انقلاب بكر صدقي1936، حركة مايس العسكرية 1941، أغتيال الملك غازي، تشكيل حكومة جديدة لنوري السعيد بحجة وجود مؤامرة على النظام.. الخ) فاتسعت خلالها هيبة الاشتراكية، ومجالات النشر للشيوعيين، جنبا الى جنب مع تزايد ثقلهم في النضال الوطني والطبقي.. دون أن ينجحوا حتى ذلك الزمن بانتزاع حقهم المشروع في اصدار صحيفة علنية ناطقة بأسمهم، معبرة رسميا عن سياستهم.. وكانت صحافة الحزب السرية هي التي تتولى تلك المهمة.
ولم تكن صحف تقدمية مثل "المجلة" التي صدرت عام 1938 في الموصل أو "الحكمة" عام 1936 في مدينة الحلة، أو "الحارس"، عام 1936 في بغداد تمثل رأي الحزب - خلافا لما يعتقد البعض.. لربما كانت "بمثابة المتنفس" بالنسبة للشيوعين.. وتجدر الاشارة هنا مثلا الى أن أكثر تلك الصحف اقترابا من الشيوعيين وهي صحيفة "المجلة" كان قد وضعها صاحبها ذو النون ايوب تحت تصرف الحزب "ليزكي نفسه سياسيا من تهمة النازية" حسب زكي خيري.
"الصحيفة" أول جريدة ماركسية في العراق
عبد المنعم الاعسم
(من العصبة الى طريق الشعب)
تعد جريدة "الصحيفة" البغدادية، الصادرة في كانون الأول 1924- نصف شهرية - باكورة الصحافة الماركسية في العراق.. وأول صحيفة يوحد مواضيعها خط فكري وسياسي متجانس، على حداثته وشحة المصادر النظرية للماركسية.
وأذا ما ألقينا نظرة على مواضيعها، فسنضع أيدينا على نمط من الممارسة النظرية الأبداعية.. وأهميتها هنا هي في مواجهة الواقع العراقي والتحرك فيه بواسطة ازاحة الستارة عن قبح الفكر المحافظ والغيبي والرجعي السائد وبواسطة التحريض ضد فكر التخلف وترويج المفاهيم العلمية الجديدة وطرق التحليل المتطورة والمنهجية جاهدة في الوصول الى الأكتمال.
لقد نشرت في عددها الأول مقالا عن - ناموس التطور - وهو بحث في قوانين الديالكتيك، وتضمن العدد الثاني موضوعا بعنوان نظرية التاريخ.. استهل بعبارة غوته: "ليس التاريخ بدون نظرية الآ تفاصيل عارية عن كل معنى" استلهاما لشعار الفلاسفة الماديين في القرن الماضي، وتصديا للنظريات البرجوازية عن تطور المجتمع، وفي هذا العدد مقال من سلسلة مقالات بعنوان - متى تنتهي الأزمة - وهي فصول من كتاب - لينين – "الأستعمار أعلى مراحل الرأسمالية"، وفي مكان آخر يتصدى مقال آخر للعنصرية والأفكار الفاشية الآخذة بالآتساع، بعنوان: هل هناك عروق ممتازة؟.
وفي عددها الثالث نشرت "الصحيفة" موضوعا بعنوان: الشعور الملي.. الأقتصاد الملي- ويتضمن شرحا مبسطا لتأثير البناء الأقتصادي- التحتي - على البنية الفوقية للمجتمع، وعرضا لمفاهيم مستقاة من الاقتصاد السياسي الماركسي، كما دعت في اعداد اخرى الى تحرر المرأة وتعليمها، وفضحت العلاقات الأقطاعية السائدة في الريف العراقي.
ودخلت "الصحيفة" كمصدر لاغنى عنه الى مصادر البحث في تاريخ الفكر الأشتراكي في العراق، فرحابة وقوة المفاهيم وجرأتها مهد لها أن تحتل هذا الموقع، كما فرضت نفسها على الدراسات والبحوث الأكاديمية من زاوية جدة مواضيعها و"غرابتها"، وأهمية "الصحيفة" لا تتعطل عند حد الدعاية للأفكار الأشتراكية والماركسية، فهي، بالاضافة الى كونها "مجهودا بطوليا صنعه أشخاص قلائل بدون حركة منظمة تدعمها" إلا أنها أصبحت فيما بعد محط استقطاب عدد من رواد الفكر التقدمي في العراق... إذ "بدأت تلتف حول هذه النواة الماركسية مجموعة من المثقفين الثوريين"، التي عرفت فيما بعد بـ "جماعة الصحيفة" حيث اتصلت بمجموعات ماركسية أخرى في العاصمة والناصرية والبصرة لتشكل ارضية للنخب الثقافية العراقية التي اعتنقت الفكر الماركسي منذ وقت مبكر، لكنها "لم تستطع الثبات في ميدان الكفاح السياسي الآ بعد إنضمامها الى الحزب الشيوعي العراقي"، أنها اول حلقة من الماركسيين حاولت تأسيس أول منظمة شيوعية.
وليس من شك أن دورا كهذا لابد أن يطبع المرحلة اللآحقة لتطور الفكر الأشتراكي في العراق بسمات عدة، أبرزها عمق الصلة بالنضال الوطني والألتزام اللا محدود بمصالح الفقراء والعمال والجماهير الكادحة والتمركز وسط ذلك النضال ودفعه، ولا يصح، هنا، اغفال أن "الصحيفة" صدرت لأول مرة عام 1924 كجريدة "أدبية علمية اجتماعية في بغداد، صاحبها ومديرها المسؤول حسين الرحال" ثم اغلقت بعد أربعة أعداد، وعادت للصدور مرة ثانية بعد سنوات بواسطة عوني بكر صدقي لثلاثة اعداد فقط، ثم صدرت مرة ثالثة أواخر عام 1953 عن رياض حمزة غير ان تأكيدنا على دورها الريادي في نشر الفكر الأشتراكي والماركسي يقتصر على مرحلتها الأولى بتاثير حسين الرحال دون أن يقلل ذلك من أهمية مواقفها الوطنية في المرحلتين اللاحقتين.
من ذكريات رشدي العامل عن الصحافة
لم يكن رشدي العامل مجرد شاعر مبدع، او مناضل شيوعي ظل حتى اللحظة الاخيرة من حياته يحلم بيوم سقوط الدكتاتور ونظام القتلة، كان صحفيا مثابرا واكب مسيرة الصحافة العراقية والشيوعية لسنين طويلة، من ارشيف "طريق الشعب" نقتطف بعضا من ذكرياته عن الصحافة. المحرر
*عملت في الصحافة قبل ثورة تموز، كيف كانت اوضاعها؟.
ــ لم تكن للصحفي اية ضمانة مهنية او سياسية، وكانوا ـ الصحفيون ـ عرضة للملاحقة والمحاكمات بسبب نشر هذا المقال أو ذاك مما كان يعتبر تعريضا للسلطة الملكية، كانت الصحافة معارضة بشكل عام رغم انه لم يكن بوسعها الافصاح المباشر والجدي عن المعارضة، بالطبع كانت هناك صحف حكومية بحتة تمثل البلاط والحكومة القائمة انذاك، الا ان الحركة الوطنية استطاعت الاستفادة منها بأشكال مختلفة، فمثلا جريدة الزمان كانت تنشر بيانا سياسيا لحزبنا على سبيل ادانته الا انها تورد النص الكامل للبيان مما يتيح فرصة نشر اوسع وقد تعرض صحفيون كثيرون الى الملاحقات والمحاكمات ومن المحاكمات الشهيرة جدا محاكمة الجواهري على نشره قصيدة له في جريدته هي "اطبق دجى، اطبق ضباب.. الخ" واعتبرت تعريضا بالسلطة، وهذا نموذج صغير على اوضاع الصحافة والصحفيين وقد تشكلت لجنة للدفاع عنه من نقابة المحامين كما شكلت لجنة اخرى من المجمع العلمي للحكم على مضمون القصيدة.
*وبعد ثورة 14 تموز؟.
ــ في الايام الاولى للثورة وجهت دعوة لاقامة اوسع تجمع للصحفيين والادباء والمثقفين بمقال كان لي شرف كتابته في جريدة "البلاد"، التي لعبت دورا هاما في نشر الفكر التقدمي والديمقراطي واكتسبت الصحافة حرية العمل على اختلاف وجهات نظرها.
*تجربة اتحاد الشعب؟.
ــ على طول ممارستي للعمل الصحفي، الذي هو العمل الاساس الذي مارسته، كانت اتحاد الشعب بالنسبة لي على قصر فترة صدورها المدرسة الحقيقية للتجربة الصحفية، وكان الرفاق قادة الحزب يعملون في اتحاد الشعب، ويساهمون في اغناء تجربتنا الصحفية وتعميقها، بالاضافة الى الروح الرفاقية المتميزة التي تسود العاملين جميعا من رئيس التحرير حتى شغيلة الجريدة وعمال المطبعة، كانت تجربة متميزة تسود فيها روح ديمقراطية عالية وحرص على اغناء التجربة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريق الشعب ـ العدد 1131
15/ 6/ 1977
قصة كليشة اتحاد الشعب
المناضل الشيوعي والصحفي المخضرم عبد الرزاق الصافي، معروف بحيويته ومرحه وذاكرته التي تحتفظ بالكثير من الحكايات التي يجيد روايتها بشكل مشوق، في إحدى المرات، في سبعينيات القرن الماضي، وحين كان يشغل رئاسة تحرير"طريق الشعب" تحدث لبعض الرفاق في التحرير عن بعض الشؤون الفنية في الجريدة، واستطرد لذكر ذكريات سنوات مرت، ولم يذهب الحديث عبثا فقد سجله محرروا الجريدة ووجد طريقه للنشر. المحرر
كان ذلك عام 1956، وبعد اعادة الوحدة لصفوف الحزب ومعالجة المنظمات الانقسامية، وكان من بين ما اولاه الحزب اصدار جريدة الحزب باسم جديد، وقام بنوع من الاستفتاء بين الرفاق والاصدقاء عن الاسم الجديد الذي يرشحونه للجريدة، وحيث ان من جملة المسائل المركزية التي كانت تحتل اهتمام الحزب في تلك الايام كانت قضية وحدة كل القوى الوطنية والتقدمية ضد النظام الملكي فقد حظي اسم "اتحاد الشعب" بقبول واسع عند اختياره من قبل قيادة الحزب وجرى الايعاز بعد ذلك الى احد الرفاق بأن يتدبر الحصول على خط وكليشه للاسم الجديد، الرفيق المكلف، اتصل بالفنان الراحل هاشم الخطاط وطلب منه ان يخط له كلمتي (اتحاد الشعب) بخط من نوع معين، فاعترض المرحوم الخطاط قائلا: ان هذا النوع لا يصلح للعناوين الكبيرة، وبعدها خط "اتحاد الشعب" بنوعين من الخطوط احدهما يصلح للعناوين الكبيرة والاخر للصغيرة ونفذ الفنان طلب الرفيق، وقبل ان يتسلم الرفيق الخطوط دخل احد الاصدقاء وراى الاسم مخطوطا على الورقة، وهنا كان على الرفيق ان يحتاط ، لقد كان حريصا على ان لا يكشف علاقته بالفنان الراحل (رغم ان هذا الصديق كان موثوقا) وهكذا ذهب الرفيق الى ستوديو الحكيم في رأس القرية وطلب منه ان يخط "اتحاد الشعب"، اصبح لدى رفيقنا الآن خط الفنان هاشم والخط الذي اخذه من ستوديو الحكيم، وتدبر ان يحصل على كليشة للخطين، ثم ارسلهما للحزب مع رسالة يقترح فيها استعمال كليشة ستوديو الحكيم بعدد او عددين (خشية انكشاف علاقة هاشم الخطاط بكليشة "اتحاد الشعب") ثم العودة الى الكليشة التي اعدها الفنان هاشم، وفي عام 1957 جرى كبس مطبعة الحزب ومن جديد كان ينبغي ان يتدبر الحزب كليشة جديدة، اذكر ان المرحوم يعرب البراك تبرع بأن يحصل لنا على الكليشة: سألته كيف؟ وحذرته من مخاطر الموضوع، قال اتركوا الامر لي فانا كفيل به، وكررت تحذيري له فقد كنت واثقا بان كل محلات الزنكغراف مراقبة، عمد المرحوم البراك الى تجزئة الاسم (اتحاد) و(الشعب) وطلب خط الكلمتين منفصلتين على امل ان يجمعهما بعدئذ، ثم اودع الكلمتين لدى احد اصحاب الزنكغراف، واتفق معه على الموعد، حين ذهب في الموعد المحدد وجد رجال الامن بانتظاره، ولكن المرحوم البراك كان قد احتاط للامر مسبقا، فقبل مراجعة الزنكغراف ذهب الى مديرية الدعاية العامة وقدم عريضة شرح فيها انه بصدد تأليف كتاب عن الاتحاد الهاشمي وترد في فصول الكتاب كلمتا اتحاد والشعب وطلب البراك من مديرية الدعاية تزويده بالوثائق المطلوبة وسجل عريضته واخذ "رقم وتاريخ" واخذ وصلا بها، وهكذا حين واجهوه في الامن وحاصروه بتهمة العلاقة مع الحزب والعمل على استحصال كليشة باسم جريدته قال لهم ببساطة: انه يريد ان يعد كتابا عن الاتحاد الهاشمي يتحدث فيه عن اهميته، اوقف البراك عدة ايام وتعرض للضغط لكنهم لم يحصلوا منه على شيء، وما كان لهم ان يحيلوه الى المحكمة، ولهذا اضطروا الى اطلاق سراحه وفيما كان الرفيق يغادر التوقيف كان ضابط الامن يقول بعصبية: انظر انا مقتنع بانك اعددت هذه الكليشة للشيوعيين، مقتنع مئة بالمئة ولكن ما الذي املكه لقد استطعت ان تفلت هذه المرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريق الشعب العدد 1131
15/ 6/ 1977
الصحافة الشيوعية في العراق تاريخ مجيد وتحديات قاسية
د. إبراهيم إسماعيل
قد تكون الصحافة الشيوعية في العراق، من بين أبرز الصحف اليسارية تواصلا، إذ بقيت طيلة عقود ثمان، تكافح دون توقف، رغم كل ما تعرضت له من حصار وقمع وتحطيم، ورغم إصطباغ حروفها، فعلا لا مجازا، بدم كتابها وطباعيها وموزعيها، مرارا على مر تاريخ العراق المدمى.
ويكمن سر هذه القدرة على التواصل، كما أعتقد، في تلك الأسس التي شيدت عليها والمبادىء التي تبنتها، والتي خلقت صلة متميزة لها مع قرائها المختلفين، صلة تغمرك برهبة لقاء عاشقين، حين تقتنيها من البائع يوم تكون علنية، أو حين يدسها في يدك، حين تكون سرية، مناضل لا تعرفه، فتسارع لإخفائها، والبحث عن مكان يخلو من عسس الطغاة، تتمكن فيه من التجلي في شميمها قبل أن تدسها أنت في أكف عاشق أخر.
ولعل من أبرز تلكم الأسس قدرتها على أن تتسع لهموم الجميع، وأن تعرض كل تلك الهموم بأبسط حلة ممكنة وبأقل عدد من الكلمات (ما أشق "تقريم" الأعمدة في الصحف السرية)، وأن تقرن الهموم بما يلزمها من معالجات وتصورات وحلول، ولما كان الناس موضوعها (وهل لنبع كهذا أن ينضب)، قرأت تلك الصحافة الواقع جيدا، كما هو لا كما تصفه الأفكار، وخاضت صراعا مجيدا ضد كل أشكال التخلف، ولكي يتمكن الناس من فهم الخطاب الثوري التغييري المنظم لكفاحهم من أجل غد يتوقون لنعيمه، لم تقتصر الصحافة الشيوعية على تنمية الوعي السياسي والوطني للجماهير، بل لعبت أيضا دورا مهما في تحفيز الناس للأهتمام بمحيطهم وفهم الواقع وتحليله، وصارت دوما صوتهم العنيد دفاعا عن حقوقهم المستلبة، وقوة تغيير ثقافية وأخلاقية في المجتمع.
وكما أنارت مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تميزت بإهتمامها بالثقافة الوطنية والدفاع عنها ونشر النتاجات الأبداعية وتبني هموم المبدعين وفي طليعتها إطلاق الحريات العامة، ولهذا إستقطبت هذه الصحافة مئات الصحفيين والكتاب وتخرج من معطفها المئات، ممن هم اليوم نجوم زاهية في سماء الأعلام العراقي.
والى جانب شغلها الأراس، الدفاع عن حقوق الشغيلة والكادحين وتوجيه كفاحهم لبناء وطن خال من كل ما ينتهك آدمية البشر، كان للصحافة الشيوعية في العراق، وربما أكثر من كل معاصريها، شرف الدفاع عن الحرية بإعتبارها قيمة إنسانية مطلقة، لا يمكن أن تتحقق أية تنمية أو تقدم بدونها، وعن الديمقراطية بشقيها المترابطين السياسي والاجتماعي.
والى جانب مشروعها الوطني في الدفاع عن الأستقلال والسيادة وحرية الوطن، تبنت هذه الصحافة تنمية الوعي بالحقوق القومية العادلة للعرب والكرد، في إطار إنساني بعيد عن الشوفينية والتعصب، وقدمت عصارة الخبرة الثورية لشعوب العالم ودافعت عن أخوتها، مناغمة بين ذلك النقل الفعال وبين التنويعات التي يظهرها الواقع المعاش ومتغيراته الدراماتيكية أحيانا، وعلى الصعيد الداخلي، إهتمت الصحافة الشيوعية بتربية الكادر الحزبي والقائد النقابي والاجتماعي، والجمع بين الخطاب الثوري التعبوي والخطاب التنويري المنظم للكفاح.
وفي ترسيخ وحدة الإرادة والعمل في صفوف المنظمات الحزبية، لاسيما في المنعطفات الخطيرة، تأكيدا على بداهة تقول: أن الإنضباط الواعي الشرط الذي لا بديل له للنجاح، بل والصمود بوجه عقود من القمع الدموي، وكان سلاح هذه الصحافة للوصول الى مبتغاها هذا إعتمادها إسلوبا يتسق مع المستوى الثقافي للناس، ومكافحة رواسب البداوة والأنانية وغيرها من مشاكل التخلف الاجتماعي.
وإذ واجهت صحافتنا الشيوعية، ومنذ زلزال غورباتشوف (هل أقول عنه سيىء الصيت أم أردد القول "وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم") تحديات فكرية وإعلامية قاسية، فإن ما تمر به بلادنا ومنذ عام 2003 قد ضاعف من تلك التحديات كما وعمقا، ففي ظل الإنقسام الطائفي والعرقي المريع وتراجع دور الهوية الوطنية الجامعة وضعف ثقة قطاعات واسعة بها، وغياب السلم الأهلي والأستقرار النفسي للناس، وضعف الإيمان بالقيم الديمقراطية لدى النخب (حاكمة ومحكومة) وسيادة الأمية والبطالة وإتساع دائرة الفئات المهمشة في المجتمع وضعف مؤسسات المجتمع المدني، تبدو مهمة إعلامنا كبيرة جدا وبالغة التعقيد، في إيصال خطابنا الوطني الديمقراطي للناس، ويبدو إن عواملا كثيرة لابد أن تتضافر لتتحول أدواتنا الأعلامية الى فضاء للجميع، مفعم بالحركة والمعرفة والأختلاف الخلاق، فضاء قادر على تعبئة الجميع نحو غد فاضل لهم، قدمنا من أجله قوافل الشهداء من خيرة رفاقنا، ولعل في مقدمة تلك العوامل التحرر من أية أنساق مغلقة على مسلمات الحتمية التاريخية، والتناغم بين إقتحام أية تابوات مصطنعة وبين إعمال العقل في الواقع وما يطرحه من متغيرات وأفكار ورؤى ومفاهيم، وضروة تلازم النقد العميق والمعلل فكريا لإطروحات الأخرين مع المراجعة الدورية للذات وتدقيق إطروحاتها صوب تجديدها وتطويرها، كما يتطلب الأمر أيضا إتقان فن سماع المختلف والحوار معه، والمساهمة الجريئة في التحديث، الذي هو جوهر أية تنمية سياسية، لاسيما إذا ما عرفنا بأن الأعلام لابد أن يسبق العملية التنموية ممهدا لها ومشاركا في إنجازها، ومن أجل تنشيط مساهمة المرأة والشباب في العمل السياسي، وفي بلد جل أبنائه من الشباب، لابد من تطوير صحافتنا لسبل الصلة بهم، أن تعيش همومهم، وأن تشترك معهم في البحث عن حلول لها، والتي غالبا ما تكون جديدة وغريبة عما نعرفه، وأن نتجنب تقديم المشورة والأجابات الجاهزة في علب مزينة بتعويذات مقدسة، إن الحلول التي يجدها الشاب الثائر بنفسه، وعلى أساس ما يختاره من حكمتنا بحرية تامة، هي القادرة على تعميده على طريق الكفاح المستمر، كما لابد أن يتجاوب إعلامنا مع التطور التقني، لاسيما في مجال الأتصالات كصفحات التطور الاجتماعي والأنترنيت وغيرها، مما يشكل قنوات إتصال للشباب بديلة عن الورق، الذي ربما لم يعد غيرنا، نحن الكهول، شغوفا به.
وختاما أقول، لصانعي الكلمة المقاتلة، للصحافة الشيوعية الباسلة، بورك عيدكم التاسع والسبعون وكل عام وأنتم بخير.
من الصحافة السرية للحزب الشيوعي العراقي في كردستان
د.فائق بطي
الموسوعة الصحفية الكردية في العراق
اصدر الحزب الشيوعي العراقي في اقليم كردستان العديد من الصحف والنشرات السرية منذ اواسط الاربعينيات من القرن المنصرم، وكانت اغلبها تطبع بآلة الرونيو، وقد توقفت هذه الصحف والنشرات السرية عن الصدور في العام 1970، وبعد تشكيل حركة الانصار في جبال كردستان، صدرت صحف ونشرات عديدة مؤكدة بقاء صحافة الحزب واستمرارها وديمومتها رغم كل الظروف، في هذا التقرير استعراض للمطبوعات والنشرات والصحف الحزبية.
* صوت الفلاح
اصدرت منظمة السليمانية للحزب جريدة دورية تطبع باليد في عامي 1948- 1949 تتعامل مع قضايا الفلاحين ضد الاقطاع.
* صوت المنجل
جريدة تطبع باليد صدرت في منطقة وارماوه في قاطع السليمانية عام 1951 ثم صدرت بالرونيو ووزعت في مختلف مناطق كردستان، استمرت ثلاث سنوات متقطعة وتهتم بقضايا تثقيفية للعمال والفلاحين، استمرت بالصدور حتى عام1954.
(راية العمال)
من الصحف السرية الناجحة التي اصدرتها منظمة الحزب في مدينة السليمانية للاعوام 1967- 1970 وكانت توزع سرا باعداد كبيرة وحملت شعار "الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان" الى جانب رمز المنجل والمطرقة وشعار وطن حر وشعب سعيد، كانت تطبع بالة الرونيو بتبويب جيد اثمر في استيعاب مواد كثيرة ومتنوعة واغلبها كانت تصب في باب التثقيف الحزبي من اجل وحدة الحزب وتقوية منظماته، كما جاء في عددها الثاني الصادر في شهر اب 1968 "وبدون شن نضال قوي ومتين في ميدان الفكر والمبادئ ضد جميع التيارات والمواقف الانتهازية اليمينية واليسارية المتطرفة لدحرها وبدون تقوية العلاقات مع اوسع فئات الجماهير وخاصة الكادحين لقيادة نضالهم من اجل تحقيق مطالبهم اليومية وجرهم الى ميادين النضال الثوري"، وفي المقالات الهامة التي تناولتها الجريدة في اعدادها الغنية خلال السنوات الثلاث:
- الحل السلمي للمسألة الكردية.
- تعزيز الاخوة العربية الكردية.
- قانون الاصلاح الزراعي ونواقصه ودعم مطالب الفلاحين.
- التضامن مع نضال شعوب العالم وتمتين التضامن الاممي.
توقفت معظم هذه النشرات والصحف الحزبية السرية بعد عام 1970 في اعقاب الاعلان عن ميلاد الجبهة الوطنية والقومية التقدمية مع حزب البعث الحاكم منتصف عام 1973 وظهور جريدة "طريق الشعب" كجريدة مركزية للحزب الشيوعي العراقي في التاريخ المذكور، وبعد اندلاع القتال بجبال كردستان وتشكيل حركة الانصار لمقاومة النضال الدكتاتوري، عاود الحزب الى اصدار النشرات والمطبوعات في مناطق وجود الانصار:
(النصير)
اول نشرة للانصار في قاعدة بهدينان حيث يوجد فيها عدد من مثقفي واعلاميي الحزب، صدرت في 4 تشرين الاول 1980 في منطقة كوماته الحدودية لخمسة اعداد وبثلاثين صفحة مكتوبة بخط اليد ومستنسخة عن طريق الكاربون وفي بعض الاوقات كانت تطبع على آلة الطابعة، تشكلت هيئة تحريرها من المثقفين الانصار: انوار طه، لطفي حاتم، ابراهيم اسماعيل، علي الصراف وقاسم الساعدي، وكانت الهيئة تحصل على الورق بتعاون مع اعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين كانوا يطبعون هيئتهم السرية (متين) في وادي كلي كوماته، كان يطبع من (النصير) 400نسخة، وفي شهر تموز 1982، وحتى نهاية عام 1985، تولى رئاسة تحريرها داود امين (ابو نهران) واصبح عدد صفحاتها 8 وبحجم صغير، ويتضمن كل عدد الاخبار العسكرية والمنطقة وتحركات السلطة وحياة الانصار، الى جانب المقابلات واعمدة ثابتة عسكرية وصحية وصفحة ثقافية، ساهم في الكتابة فيها الشاعر عواد ناصر ومنذر ابو الجبن وعبد اللطيف السعدي، كما اصدرت الجريدة ملاحق باللغة الكردية، توقفت الجريدة بقرار من الحزب بعد المؤتمر الرابع في خريف1985.
(نهج الانصار)
اصدرها المكتب العسكري للحزب الشيوعي العراقي في الجبال (اقليم كردستان) في 8 شباط 1980 ولغاية 1988 وكانت تعتبر لسان حال المقاتلين ونشاطات حركة الانصار العسكرية، وكانت تحمل شعارات الحزب السياسية "بمساعدة الجماهير والمناضلين، تقضي على الدكتاتورية، وان تبني الطريق الصحيح لمسيرة شعبنا في العراق" وتعتبر من الصحف السرية المهمة التي اصدرها الحزب في تلك الفترة.
كانت تطبع في البداية على الالة الكاتبة وبحجم صغير وتوزع في مناطق مختلفة من كردستان العراق ويعاد طبعها على شكل جريدة (تابليوت) وبحروف مطبعية بصفحتين خارج العراق وتوزع على نطاق واسع.
في عددها الصادر في اواخر اذار 1981 نشرت المواد التالية:
- من نشاطات مفارز انصارنا (اخبار المعارك في بعض المناطق).
- تحية الى حزبنا الشيوعي في عيد ميلاده.
- يكتبون بدمهم شهادة للشعب والوطن (عدد من الشهداء).
- ملامح من حرب التحرير اليوغسلافية.
- من تجارب انصارنا الابطال (معركة ده ره دوين).
- حجز وتهجير عوائل الانصار جريمة لن تثني الانصار عن مواصلة النضال.
وفي العدد 11 الصادر في اوائل تشرين الثاني من نفس العام، تنشر حزمة من انباء العمليات العسكرية للانصار في قطاعات مختلفة.
- قرية (امام زلمن).
- مفرزة تدخل مدينة السليمانية والقاء القبض على شرطي (عبد الواحد خالد محمد).
- قصف مقر فوج (باكرمان) والربايا المحيطة به.
- قصف اليات العدو في مدينة شقلاوة.
- مركز ناحية سيروان في قضاء حلبجة.
- ضرب ربية ومقر سرية الجيش اللاشعبي بالقرب من قرية (ارادن).
- دخول مفرزة من الانصار قصبة (بامرني) واحتلت مركز الشباب.
- تفجير لغم في الطريق العام (ازما- جوارنا)، ونشرت في العدد المذكور نتفا عن الشهداء: مام طه، ابو انتصار محمد جواد طالب، ياسين (سليم خضر علي)، عبد الله ماويلي، الشهيدة ام سرباز (اول شهيدة للحزب)، وفي اواخر شهر اذار 1986 بدأت تصدر بلونين، وكتبت تحت اسم (نهج الانصار) وباللغة الكردية (ريبازى بيشمه ركه) وبحجم صغير باثنتي عشرة صفحة واستمرت بالصدور حتى عام 1988، في عددها الخامس الصادر في اواخر شهر اب 1986، نشرت مقالا افتتاحيا بعنوان "لنصعد عملياتنا العسكرية المشتركة" قالت فيه:
"يشكل اسقاط النظام الدكتاتوري هدفا مركزيا تجمع عليه كل قوى المعارضة الوطنية في بلادنا، التي تمارس النضال، وبمختلف الاساليب منفردة ومشتركة من اجل تحقيقه، ويعتبر الكفاح المسلح الذي تخوضه القوى الاساسية والفاعلة على الساحة في كردستان العراق، اسلوب الكفاح الرئيسي ضد النظام الدكتاتوري ومؤسساته الارهابية، فخلال السنوات السبع الماضية، الحق انصار وبيشمه ركة قوى المعارضة وفي طليعتهم قوى (جود) الباسلة بالعدو خسائر كبيرة بالارواح والمعدات خلال عمليات بطولية خاضوها منفردين ومشتركين.
".. ان ازمة النظام الدكتاتوري تتعمق الان بشدة اكبر وعلى كافة الاصعدة، وتأخذ عمليات التحدي الجماهيري ابعادا جديدة، ممهدة لنهوض ثوري يجب استيعابه والاستعداد له من قبل قوى (جود).."
في العدد 4 للسنة 8 في اواخر نيسان 1987، نشرت مقالا افتتاحيا بعنوان "دروس ملحمة قرداغ البطولية، قالت فيه:
"في نيسان الجاري، حرر انصار خمسة من احزاب المعارضة الوطنية وهي: حزبنا الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الاشتراكي الكردستاني والحزب الاشتراكي الكردي (باسوك)، وبمساندة المقاومة الشعبية المسلحة، حرروا ناحية قرداغ التابعة لمركز محافظة السليمانية وانزلوا بالعدو الدكتاتوري الفاشي ضربة قاسية ومناسبة للرد على تصعيد حملته الشوفينية الاخيرة ضد شعبنا الكردي، والتي تجسدت بحرق القرى والقصبات والتهجير القسري للسكان، واستخدام الاسلحة الكيمياوية ضدهم، الامر الذي لم يسبق له مثيل في بلادنا، لقد كان تحرير قرداغ تتويجا للعمليات البطولية والشجاعة الكثيرة التي سبقتها، وفي معركة مشتركة في مانكيش وفي طريق قادر كرم، تازهشار، وفي جبل زوده، دربندخان وداخل طوزخرماتو ودشت اربيل وسهل كويسنجق وهيبت سلطان وفي مختلف مناطق بهدينان.." وفي العدد نفسه، تنشر خبرا وتعليقا عن استعمال الغازات السامة ضد ابناء كردستان العراق، الى جانب المواد التالية:
- قاطع اربيل: معركة بطولية لانصارنا والمقاومة الشعبية.
- قاطع السليمانية: طوزخرماتو مرة اخرى.
- المقاومة الشعبية المسلحة تصد هجوما بنجاح لمرتزقة النظام.
- قاطع بهدينان: محاصرة قوات الشرطة في بامرني.
- مناطق دهوك وزاخو: انصارنا يضربون المرتزقة في حجافة.
- السرية الخامسة المستقلة تنشط في مناطق العمادية وسولاف.
- نحو تصعيد حركة الجماهير المسلحة.
- فعاليات انصارية في ذكرى تأسيس الحزب: قاطع السليمانية وكركوك - قاطع بهدينان.
- الانصار في مدينة القوش.
- اقتحام ربيتين في اربيل.
- الرفيق البطل الملازم بروا يستشهد في معركة باسلة.
فجر النصير
نشرة شهرية اصدرها الانصار في قاعدة هه ركي في كانون الثاني 1981 ولغاية 1986 وباشراف ابو عوف وابو بسام ودلمان ثاميدي وجعفر اسبينداري، كانت تصدر باللغة العربية، واصدر الانصار كذلك نشرة كملحق لفجر النصير باللغة الكردية (ئه لندا بيشمه ركه) في الاول من اذار 1981 ولغاية ربيع 1984 باشراف ابو عوف وساهم معه عدد من الانصار حيث كانت تنشر البلاغات عن معارك الانصار ضد قوات نظام صدام حسين.
(المنحدر)
نشرة صدرت باللغتين العربية والكردية في قاطع بهدينان في كانون الاول 1981 لغاية صيف 1983.
"الصفارة" جريدة رياضية ساخرة أصدرها الانصار الشيوعيون
يوسف أبو الفوز
اثر حملات الابادة الجماعية، المعروفة بأسم الانفال، في مناطق بهدينان، صيف 1988، التي شنها النظام الديكتاتوري المقبور ضد الشعب الكردي وفصائل المقاومة المسلحة من قوى الانصار والبيشمه ركة، اضطر سكان القرى والقصبات لعبور الحدود الى ايران وتركيا، ولعدم التوازن في القوى وامكانية خوض معارك جبهوية مع فيالق النظام المدججة بمختلف انواع الاسلحة ومنها الكيمياوية انسحبت ايضا قوات الانصار والبيشمه ركة.
ووجدنا انفسنا حوالي 120 نصيرا ونصيرة وفينا بعض العوائل بصحبة اطفالهم، نقيم في مخيم للاجئين مع مئات العوائل الكردية من ابناء القرى، في بقعة جغرافية نائية قاحلة لا ترحم، المفارقة ان اسمها "زارعان" (اثارت التسمية حنق النصير ابو جاسم فصرخ "زارعان بس حتى شوك مابيها")، حيث شيدت السلطات الايرانية مخيما اشبه بالمعتقل، تحيطه الاسلاك الشائكة والحراسات والخروج منه متعذر لأي سبب، وبالرغم من ان الانصار الشيوعيين دخلوا بغطاء كمقاتلين في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الا ان السلطات الايرانية كانت تشك بأمرنا مما جعل اوضاعنا الامنية مجهولة المصير ومحفوفة بالمخاطر، كانت تشاركنا المخيم او معسكر الحجز مئات العوائل التي لا تعرف مصيرها ومستقبلها، وكانت المساعدات الغذائية محدودة والاحوال النفسية سيئة، والخدمات متدنية، فهناك حمام عمومي واحد خصصت ايام منه للرجال وايام للنساء، وهناك مكتبة فقيرة اغلب كتبها دينية، فكان كل يوم هناك شجار او تلاسن لسبب ما بين ابناء القرى خصوصا الشباب، اذ لا يوجد لديهم عمل ولا توجد وسائل لهو لتصريف طاقتهم او غضبهم، هنا جاء دور الانصار الشيوعيين، كانت هناك مداولات، وكانت هناك افكار واقتراحات، فولدت فكرة "دوري كرة القدم".
يقول النصير ابو حاتم "مناف الاعسم":
ــ (كان في المعسكر ساحة اصولية لكرة القدم مع الاهداف والشباك، مما ساعد على تنفيذ الفكرة، وتقرر اشراك شباب القرى في الدوري، لم يتم تشكيل الفرق على اساس القرى او المناطق، بل تم اولا توزيع الانصار المعروفين بممارستهم للعبة كرة القدم، ثم تم خلط اسماء كل من يرغبون باللعب من الانصار وابناء القرى وتم توزيعم الى مجموعات، فكانت الحصيلة ثلاثة فرق رياضية متكاملة، حملت اسماء (الانصار)، (التقدم)، (الطليعة) وتم تحديد اللاعبين الاصليين ولاعبي الاحتياط وحماة الاهداف، وتم اختيار لجنة للحكام على رأسها النصير ابو عليوي، وبدأ الدوري بحماس كبير).
النصير ابوطالب "الشاعر عبد القادر البصري"، قال لنا:
ـ (كانت الاوضاع النفسية للجميع سيئة، وحياة المخيم ـ السجن زادت الاوضاع سوءا، فكنا بحاجة لاي شيء لكسر الرتابة، حاولنا تنظيم صفوف دراسية للغات الانكليزي والروسي والفرنسي، ونظمنا حفلات في مناسبات وطنية عديدة، وقدمنا مسرحية، الا ان هذه الفعاليات كانت محدودة بين الانصار، فكرة دوري كرة القدم جاءت في وقتها، خصوصا ان الانصار استطاعوا جذب شباب القرى ليساهموا فيها والكثير من اهل القرى من سكان المخيم ليكونوا متفرجين، مبادرة النصير يوسف ابو الفوز لاصدار نشرة رياضية ساخرة خاصة بالدوري جاءت مساهمة طيبة لتضيف للاجواء شيئا من المرح وشخصيا ساهمت بالنشرة برسوم الكاريكاتير انطلاقا من هذا السبب).
ولم تكن اوضاعي الصحية، تسمح لي بالمساهمة في الدوري كلاعب، فخطرت لي فكرة المساهمة، بأصدار نشرة تهتم بشؤون الدوري، فرأقت الفكرة للعديد من الانصار، اقترحت اسم "الصفارة" للإشارة الى كونها ستكون مراقبا للدوري وتملك الحق ان تصفر للخطأ وان تنتقد أمرا ما، قام النصير ثائر (سلام كنون) بخط العنوان وتصميمه وخط العناوين الرئيسة للموضوعات بالالوان، وصدر العدد الاول بحجم (3A)، وكتبنا في الكليشة (الصفارة ـ جريدة رياضية ديمقراطية مستقلة)، ولم تحمل اي رسم او صورة، وكانت الكتابة بخط اليد بقلم الجاف، ولم يكن خطي بالمهارة والجودة المناسبة مما اثار العديد من الملاحظات لضرورة تحسين شؤون "الطباعة"، وحمل العدد الاول تعليقات ورصدا لما جرى في اليوم الاول من الدوري ومواعيد المباريات واسماء الفرق واللاعبين، فأثار انتباه الكثير من الرفاق، وفي الاعداد التالية بادر النصير ابو بسام (الفنان ستار عناد) لتزويد النشرة برسوم كاريكاتيرية، راقت كثيرا للانصار، وسرعان ما التحق به النصير ابو طالب (الشاعر عبد القادر البصري) فأضافت رسوماتهما الكاريكاتيرية حيوية للنشرة وصارت من المواد الاساسية التي يتابعها القراء، أيضا ساهم في تقديم الاقتراحات والتصميم والكتابة والتحرير النصير ابو سعد (الاعلامي علي محمد)، وتوسع حجم النشرة في الاعداد اللاحقة ليكون بحجم صفحتين 3A، حرصت النشرة على ان تكون ساخرة، ورياضية وتهتم بشؤون الدوري، وصدر منها خمسة عشر عددا على مدى ايام الدوري، وكانت تصدر حتى في ايام استراحات الفرق، واستكتبنا بعض الانصار للحديث عن ذكرياتهم الرياضية، وللكتابة باختصار عن اوضاع الرياضة في ظل النظام الدكتاتوري، لم يكن حجم النشرة، وهدفها يسمح بنشر مواضيع طويلة، فقد كانت حريصة على رصد ما يجري في داخل الساحة وعلى اطرافها، فمثلا الحكم الاساس النصير ابو عليوي يقف في منتصف الساحة، ويترك اللاعبين يركضون ويتقاتلون ومن على البعد يحدد الخطأ والصح اعتمادا على حدسه ولم يكن يجد احدا يعارض قراراته فلقد كان لها "وزنها" في الساحة، فكانت النشرة ترصد قرارات الحكم وردود الافعال حولها! وخلال المباريات ظهر العديد من الالقاب والنعوت الطريفة للاعبين، فالشاعر ابو طويلب الاسمر نال لقب "الجوهرة السمراء"، احد شباب القرى كان حين يجري يثير خلفه عاصفة من الغبار تعمي اللاعبين من حوله فسمي "العاصفة"، بينما شاب اخر بدأ أشبه بممثل في مسلسل مصري يؤدي دور عمدة البلد فصار اسمه "العمدة" وهكذا.
يعود النصير ابو حاتم ليقول: (كنا نتلاقف "الصفارة" لانها وببساطة تصدر بنسخة واحدة وبجهد كبير وابداع لا يوصف برسم الكاريكاتيرات وخط اليد والتصميم ذو الذوق الفريد، اما المحتويات من اخبار وتحليلات رياضية فكانت مثارا للضحك والتعليقات، مثلا كانت اللياقة البدنية لاغلبنا مضحكة فلا نستطيع الاستدارة نحو الكرة الا بصعوبة فمن يعاني من الاستدارة والمراوغة المطلوبة بلعبة كرة القدم، اطلق عليهم تسمية "التريله" (مركبة طويلة) وكان في النشرة عمود ثابت لنقل اخبار التريلات).
موعد صدور النشرة كان الساعة الثامنة صباحا حيث تعلق في الممر الخارجي بين غرف النوم في قسم العزاب، مما يتطلب السهر ليلا لتصميمها وخطها، وكان النصير ثائر يخط اولا عنوان النشرة، وبعد التداول حول حجم المواد المتوفرة، وبالتعاون من النصير ابو سعد يتم تصميم العدد بشكله النهائي، حيث يتم كتابة النصوص بالقلم الجاف، ليعود ثائر ليخط عناوين المواضيع بالحبر الملون، بعد الظهر كانت النشرة تنتقل من بلوك سكان العزاب الى غرف العوائل فتدور عليهم بالتناوب، وكانت تصل النشرة بأستمرار شكاوى حول التأخير في "التوزيع"، لم يكن هناك تصور اولي لمدى نجاح النشرة والاستقبال الذي ستلاقيه، لكن الاهتمام الكبير الذي ابداه الانصار وعوائلهم وترقبهم لها، دفع بالنشرة لأن تكون اكثر مهنية، وتحافظ على مواعيدها في الصدور، وتحرص على التنوع في المواضيع.
للاسف، ان اوضاع السفر والتنقل بين محطات مختلفة ادت لفقدان اعداد النشرة، لكن عائلة عراقية رائعة مقيمة في ايران استطاعت الحفاظ على مجموعة الرسوم الكاريكاتيرية، وبعض القصاصات، منها مقال النشرة في العدد الاخير وهو الخامس عشر، وكان تحت عنوان "صدى اللحظات الممتعة" الذي يقول (حين ظهرت فكرة أقامة الدوري، ظهرت فكرة اصدار جريدة رياضية تتابع الدوري، وبذلت جهود متواضعة لتكون الجريدة مقبولة ومناسبة مع الحدث، والى حد ما استطاعت الصفارة ان تصل الى قرائها بعد ان وجدتهم ووجدوها.
الثقافة الجديدة.. مجلة وقضية
عبد المنعم الاعسم
(من العصبة الى طريق الشعب)
صدرت "الثقافة الجديدة" كمجلة شهرية في تشرين الثاني 1953 ولثلاثة اعداد فقط.. ولكنها شاءت ان تتحول الى قضية موصولة بالتطلع الى الحريات العامة، بل وصارت "رمز معركة من أجل الديمقراطية ومن أجل حرية الفكر في العراق"، ومأثرة المجلة الأولى التي اسهم في الكتابة لها شيوعيون وديمقراطيون وقوميون، أنها أمسكت، منذ أول عدد، بخيط الموازنة الصعب.. الموازنة بين عملية البحث والتنوير وبين الأسلوب المناسب للعبور من "خرم" الحرية الضيق الى فضاء القراء في وقت اطبقت فيه يد النظام على كل ما يحض على التفكير والوعي بصلة وكل ما له علاقة، على أي نحو، بالأفكار الشيوعية والاشتراكية، ولم يبق ذلك "الخرم" سالكا حتى عندما عادت الثقافة الجديدة، بعد اغلاقها لأول مرة - بعد العدد الثاني تحت ملكية النائب الوطني عبد الرزاق الشيخلي.. فصدرت بعد ذلك لعدد واحد ثم أغلقت، ومع أن الشيوعيين كانوا أحد روافدها، وربما هم وأصدقاؤهم يشكلون رافدها الأساسي، الا أن السلطات الملكية اعتبرتها شيوعية خالصة، ودلل الحوار الذي جرى في مجلس النواب بين النائب الشيخلي ورئيس الحكومة فاضل الجمالي على حجم خوف السلطة الاستبدادية أزاء التفكير العلمي التنويري.. فقد جرى ذلك الحوار، كما جاء نصه في الصحف العراقية، هكذا:
* الجمالي يرد على استفسار الشيخلي عن سبب اغلاق - الثقافة الجديدة- : أنها مجلة حمراء.
ــ الشيخلي: دلني على سطر واحد فيها - شيوعية -.
* الجمالي: المجلة كتبت بعناية ولكنها حمراء من الغلاف حتى الغلاف.
ــ الشيخلي: انكم تضطهدون حرية الفكر.. وسيأتي يوم ما إما تعلقونا فيه على أعمدة الكهرباء في الشوارع، وأما أن نعلقكم عليها.
وعندما اصرت الحكومة على قرارها باغلاق الثقافة الجديدة رفع واحد وأربعون شخصية سياسية وثقافية وجامعية عراقية مذكرة الى رئيس الحكومة احتجوا فيها على اضطهاد حرية الفكر وطالبوا بعودة المجلة "التي سدت فراغا كبيرا في الحياة الثقافية، واحتلت مكانة حسنة.. واننا في وقت أحوج مانكون الى امثالها، ومما له مغزى أن الثقافة الجديدة شددت في افتتاحية العدد الأول منها على انها مجلة "تقدمية" تؤمن بوجود أفكار رجعية تحاول منع تقدم المجتمع.. وهي "علمية" لأنها ترى الوسيلة الصحيحة للوصول الى الأفكار التي يتوق لها المجتمع هي البحث العلمي، وهي "شعبية" لأنها تعتبر نفسها وسيلة من وسائل الشعب، وسلاحا في يده، وهي "قومية" لأنها تعتبر أن من حق، بل من واجب، كل قومية من القوميات أن تعنى بتراثها القومي وتبذل جهدها في تطويره وتنميته، وهي كذلك"أنسانية" لأنها تعتقد ان البشر يستطيعون العيش اخوانا على الأرض، وفي هذا العدد نشرت مقالات عدة وبحثا عن "البيروقراطية والدولة" تناول نشوء الدولة في ضوء التحليل الماركسي اللينيني وخلص الى تسليط الضوء على "نمط" الدولة في العراق، ويضم العدد الثاني مقالات عن – بابلونيرودا - و- الحرب في اسبانيا - و- تداعي النظام الكولنيالي - و- قيمة الوعي في الأدب - وعن واقع المسرح العراقي، أما العدد الثالث فقد تصدرته افتتاحية بقلم عبد الرزاق الشيخلي أستهلها بتثبيت الحاجة الى صحيفة تنقل الى الناس من الأدب ما اعتقد أنه يلائم روح العصر ويوافق مقتضيات التطور الانساني، ويصور لنا حياتهم القائمة على حقيقتها الحالكة: ذليلة، عسيرة، جوفاء... وكما يجب أن تكون: كريمة، رضية، حافلة، وفي صدور "الثقافة الجديدة" واغلاقها بعد ثلاثة اعداد وعودتها بعد أكثر من أربع سنوات ثمة معاني، هي سر اعتبارها جزءا هاما من تاريخ حركة الأدب والفكر في العراق:
الأولى، أن المواد المعدة للعدد الرابع بقيت في المطبعة بعد اغلاق المجلة بحماية العمال واعتزازهم ،وكانت هي نفسها مواد أول عدد صدر في العهد الجمهوري وفي هذا مغزى للوشيجة العميقة بين "الثقافة الجديدة" ونخب العمال المتنورين، واشارة الى خط تواصل المجلة على اهمية مواد تحتفظ دائما بقيمة تحليلاتها العلمية، الثانية، أنها صدرت في عددها الرابع عن مركز الحزب الشيوعي العراقي، وكان يرأس تحريرها عضو اللجنة المركزية للحزب الشهيد عبد الرحيم شريف، وسكرتير أول نقابة للصحفيين العراقيين.. دليلا على احترام الحزب للاجتهاد والبحث ووجهات النظر الديمقراطية.. المؤمنة بالعلمية، الثالثة، أن صيغة التحالف الثقافي الرحب التي تأسست في العدد الأول، بين الشيوعيين والديمقراطيين والقوميين اغتنت، فيما بعد، وتشربت مضمونا جديدا ينهل من المعطيات الجديدة للحياة ويستشرف مستقبلها المنير.
كتاب ومثقفون يحيون هذه المناسبة
"طريق الشعب" رمز التطور والقوة في العمل الصحفي
تحقيق: علاء الماجد
في الحادي والثلاثين من تموز تمر الذكرى الثامنة والسبعون لعيد الصحافة الشيوعية، حيث صدر العدد الأول لجريدة (كفاح الشعب) في 31 تموز 1953، وكانت إيذانا بولادة اول صحافة ديمقراطية، يسارية في العراق اخذت على عاتقها إبراز هموم وقضايا الناس، الى جانب إبراز دور المثقفين في الحياة السياسية للبلد، من خلال نشر منجزهم الثقافي والادبي، وقد برزت اسماء كثيرة وكبيرة لكتاب مرموقين ناصروا قضايا شعبهم واقضوا مضاجع الطغاة في مقالات وأعمدة لا يزال يتذكرها الكثير ممن عاصروا (اتحاد الشعب) و(الشرارة) و(القاعدة) و(طريق الشعب) منذ ثلاثينيات القرن المنصرم، هذه الصحافة التي كانت بحق مدرسة نموذجية لكل الصحفيين الذين عملوا بمهنية وإخلاص لقضية الشعب طوال العهود التي مر بها العراق، في هذا العيد الكبير نستطلع آراء بعض المثقفين والكتاب وذكرياتهم عن صحافة الحزب:
الناقد علي حسن الفواز تحدث عن هذه المناسبة قائلا:
استعادة التاريخ لا تعني استعادة كل المظاهر التي ارتبطت بسيرورات هذا التاريخ، بل استعادة مظاهر القوة الفاعلة التي تعبر عن حراك الكتلة التاريخية التي قادت الحراك الوطني الديمقراطي العراقي، وهذا ما أعطى الاعلام الوطني دوره في صناعة الرأي العام العراقي، في اخطر تشكل مظاهره وأسئلته وموجهاته.. واحسب ان الاعلام الشيوعي الذي انطلق مع اول التنظيمات السياسية التي تصدت للمواجهة وللنضال الاجتماعي، إذ تحولت الصحافة الشيوعية الى منطقة جذب مهم للحراك الاجتماعي والسياسي، ولاستقطاب الكثير من الأسماء الوطنية التي تصدت لمعطيات المرحلة وتحولاتها وصراعاتها.. مثلما أصبحت واجهة لقيادة الحراك الوطني والقوى الديمقراطية بمواجهة الواقع السياسي، وتداعيات المرحلة، مثلما أسهم في ما بعد في تشكيل الكثير من مظاهر الرأي العام، وإنضاج اسئلة التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ناهيك عن دور هذه الصحافة في التنوير والإصلاح وإشاعة قيم التغيير والبناء، والتعريف بالافكار الماركسية في إنضاج اسئلة الوعي وقيم التقدم، واستشراف آفاق المستقبل، لقد كان للصحافة الشيوعية حضورها المميز والرائد في أن تكون شاهدا على حيوية قوى التغيير والنضال الاجتماعي، كذلك التعريف بنضال الشعوب من اجل الحرية والسلام والبناء الوطني والاممي، وهذا بطبيعة الحال كرس دور هذه الصحافة في ان تكون الأبرز والاخطر في المواجهة، وفي تعرضها للكثير من المضايقات، مثلما ذهب العديد من كتابها شهداء على طريق التضحية من اجل الحرية ومواجهة الاستبداد والظلم والطغيان... إن حقيقة ما اسسته الصحافة الشيوعية، كان هو الأساس القوي الذي عزز تقاليد بناء الصحافة الوطنية على مستوى صناعة الوعي، والموقف، والتنوير، وعلى مستوى قيادة الجمهور وتعبئته بالقيم الوطنية والإنسانية.
أما الكاتب المبدع جاسم المطير فقد قال:
اكتب هذه السطور في لحظة تاريخية حاسمة، لحظة الاستعداد لاستقبال العام الثمانين من عمر الحزب الشيوعي العراقي، وهو، تقريبا، نفس عمر الصحافة الشيوعية في العراق، التي أجد من الضروري إلقاء نظرة تقييم أولية لما وصلت إليه صحافة الحزب، خاصة جريدة "طريق الشعب"، متزامنة مع ما وصلت إليه في اللحظة الحاضرة من حيث وضعها النقدي والأسلوبي والسيميائي وفي عملية توظيفها بشكل يومي في عرض مطالب الجماهير الشعبية، خاصة الفقيرة، وفي تناولها الجدلي للقضايا الثقافية، خاصة التقدمية والحداثوية وما بعد الحداثة أيضا، كما كانت جريدة الحزب الشيوعي رافدا أساسيا من تلك الروافد التي اكتشفت وخلقت ودربت الكثير من الصحفيين، الذين انتشروا في صفوف العديد من الصحف الوطنية العراقية، اليسارية منها واليمينية، حاملين معهم رومانسية الخلق الشيوعي وقيمه الإنسانية.
واكبت صحافة الحزب، العلنية منها والسرية، منذ زمن طويل وبكل ما تضمنته من جهود، فردية وجماعية، فكرية وسياسية، ثقافية وجماهيرية، بأساليب متعددة وبموضوعات جريئة كثيرة قد تحتمل الخطأ والصواب، خاصة في ظروف تعقد وتشابك الأوضاع السياسية في بلادنا أو في منطقة الشرق الأوسط أو في العالم.
كثيرا ما كانت جريدة "طريق الشعب" في سنواتها العلنية العشر الأخيرة ذات علاقة تفاعلية، تواصلية مع القراء، متميزة بالمرونة والانفتاح والدقة في التعبير، هذا في الناحية السياسية، أما في ميدان الثقافة والفنون فقد بذلت جهدا نقديا مرموقا في نظريات الحداثة وما بعد الحداثة في الآداب والفنون وهي تحاول تحديد المرحلة الثقافية التي يمر بها المثقف العراقي والمتلقي العراقي في حقول جميع أنواع وأجناس المعارف التنظيرية والنقدية في مجالات الأدب والرسم والسينما والمسرح والفن التشكيلي وعلم الاجتماع والسياسة والاقتصاد، في الشهور الثلاثة الماضية لاحظت جهودا مبذولة في تجديد وجه الجريدة وشكلها في تصاميم الموضوعات وصورها، كان هذا التجديد منسجما مع حركة العصر الجديد في العراق والعالم انطلاقا من مبدأ أن لا صحيفة متطورة من دون تنسيق جديد ومن دون رؤية صحفية جديدة ومن دون توفير الشعور الذاتي لدى محرري وفناني الجريدة للدخول إلى عصر ثقافي جديد يتناغم فيه كل شيء مع الروح الإنسانية الجديدة المتطلعة الى حياة ديمقراطية فضلى، يمكنني القول وبكل ثقة إن بنية جريدة "طريق الشعب" قد تجددت بصورة قادرة على تحديد علاقات أوطد مع القراء في المرحلة القادمة من عمر الجريدة وحزبها، أملا بإمكانيات هيئة تحريرها في تحقيق التفوق الصحفي، المنهجي والأكاديمي، شكلا ومضمونا، كلما صار انتماؤها إلى الواقع العراقي الراهن الأليم في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكلما صارت متميزة بالقدرة على كشف جميع الظواهر المرتبطة بذلك الواقع من خلال رؤية ماركسية وبنوع من السرد التراكمي في تجارب الشيوعيين العراقيين في المدن والأرياف البعيدة، كلما تعمق القارئ في رصد وتحليل بعض أعداد الجريدة خاصة في الفترات الصعبة الكثيرة التي مرت بها وبجماهير الشعب منذ عام 2003 حتى الآن، فأنه يجد أن العلاقة بين الجريدة والشعب، بين الشيوعي والعمل الجماهيري، هي علاقة جدلية وإنسانية واجتماعية غاية في الصعوبة وترتبط ارتباطا كبيرا بدور صحافة الحزب، خاصة جريدة "طريق الشعب" في تخطيط دور الإنسان الشيوعي وحركته السياسية المتقنة في هذه المرحلة من نمط حياة مليئة بالقنوات التلفزيونية الفضائية في ظروف اختصاصها وأهدافها وفيها أهداف واختصاصات تنطلق من نظريات تتعارض مع أفكار وأهداف واختصاصات جريدة الحزب الشيوعي، ولا شك في أن كل إنسان في بلادنا يعرف الآن أن الصوت الإعلامي الأكثر تأثيرا في عقول الناس ومواقفهم هو (الإعلام التلفزيوني الفضائي) مما يلقي على الصحف الشيوعية مهمات يومية إضافية وصعبة لتطوير التطبيقات الفنية الجذابة في الفنون الصحفية في هذه المرحلة التي أوجدت داخل الساحة الصحفية العراقية أكثر من 70 جريدة يومية وأكثر من 50 فضائية، من هذه الصحف والفضائيات نجد العديد منها يريد تفكيك حاضر الزمان العراقي وإعادة علامات القرون الوسطى عن طريق زرع الرعب والتخلف بين أبناء الشعب العراقي من قبل مختلف أنواع المجاميع الجاهلية والإرهابية.
أخيرا اغتنم الفرصة لتوجيه التحية الطيبة الحارة في عيد الصحافة الشيوعية لجميع عناصر النسيج الخلاق في هياكل جريدة "طريق الشعب" ابتداء من رئيس تحريرها ورؤساء الأقسام والمحررين والمراسلين والفنانين المصممين والطباعين وانتهاء بكل من يوزعها ويوصلها إلى ابعد حي أو قرية في وطننا، متمنيا لجهودهم الجبارة أن تحقق قفزة جديدة لتوظيف جميع صيغ الحداثة في العمل الصحفي والفكري، كما أتوجه بالتحية إلى جميع كتابها وقرائها فهم أداة الجريدة لتحقيق الحالة السياسية ـ الثقافية الجديدة في التكيف مع الواقع ومواجهة صعوباته.
الكاتب والباحث والإعلامي توفيق التميمي قال:
بمراجعة تاريخية لقوانين الرقابة على الصحف العراقية التي ابتدأت بقانون المطبوعات في وزارة مزاحم الباجة جي 1931 وحتى نهاية العهد الدكتاتوري المباد في 2003، نجد ان الصحافة الشيوعية نالت الحصة الأكبر من عسف وقهر هذه القوانين حتى في ظل أكثر هوامش الحرية اتساعا سواء في زمن عبد الكريم قاسم الذي شهد ولادة أول مطبوع علني للصحافة الشيوعية او في زمن العارفين في ستينيات القرن السابق.
ووسط اجواء هذه الصحافة المسموحة والمعلنة كانت نواتات الصحافة الشيوعية تظهر في قدرات شابة كانت إما تخفي انتماءها بسبب الحظر على تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي أو ملاحقة كوادره أو بكوادر كانت تتأرجح في انتمائها اليساري كما في مثال كامل القزانجي الذي تحول من الوطني الديمقراطي الى الشيوعي العراقي منتصف الأربعينيات، وشاب كمفيد الجزائري الذي ظهر صحفيا لأول مرة في جريدة البلاد لرفائيل بطي نهاية خمسينيات القرن السابق بواسطة صديقه الخطاط والشاعر والصحفي المعروف صادق الصائغ، الذي شكل احد رموز الإعلام الشيوعي في الداخل والمهجر ويضاف إليهما الشاب الناشئ في مدرسة أبيه فائق بطي الذي سيكون له شأن في الصحافة الشيوعية خلال مراحلها المتعاقبة في طورها السري والعلني في الداخل والمنفى.
تم حظر تنظيمات الحزب الشيوعي كتنظيم باسم عصبة مكافحة الاستعمار والصهيونية والاستثمار في العهد الملكي ترتب عليه حظر لصحافته بالطبع، ولذا يعد ميلاد ثورة 14 تموز الفرصة التاريخية التي أتاحت للصحافة الشيوعية الظهور أول مرة لقرائها بصورة علنية، ومعبرة بصراحة عن رأي الحزب في مجمل القضايا والصراعات التي شهدتها مرحلة الإصدار الأول لجريدة (كفاح الشعب) و(اتحاد الشعب) لاحقا.
لم تكن فترة عبد الكريم قاسم فترة عسل ووئام كاملة بين الصحافة الشيوعية وبين الحكومة بمراقبتها وقوانينها التي كانت تجيز غلق هذه الصحافة بين الفترة والأخرى، وبالتالي على سبيل المثال لا الحصر أجازت حكومة عبد الكريم قاسم جريدة المبدأ لداوود الصائغ، ولم تجز صحيفة الحزب الشيوعي العراقي المركزية، تأثير الصحافة الشيوعية ظهر قويا في هذه المرحلة من خلال تحريك الشارع وقواه الشعبية وتصاعد المد الجماهيري نحو الشيوعية وأيضا كان يظهر اثر الصحافة الشيوعية في تلك الحملات التوعوية عبر الأعمدة ومقالات الرأي التي استهدفت في رسالتها الإعلامية والسياسية جماهير وقوى الكادحين والشغيلة تحديدا.
ويمكن اعتبار الصحفي الرائد شمران الياسري وعنوان برنامجه الإذاعي الذي تحول الى عمود لاذع وساخر حتى نهايات السبعينيات من القرن السابق (دا احجيها بصراحة ياابو كاطع) وظاهرة أعمدة الصحفي الرائد عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) في (اتحاد الشعب)، هي ابرز العلامات الفارقة والنموذجية لصحافة الحزب الشيوعي العراقي في طورها العلني الأول زمن الزعيم عبد الكريم قاسم.
لم تقتصر الصحافة الشيوعية خلال مراحلها التاريخية المختلفة رغم حملات التضييق والملاحقة والمصادرة التي عانت منها وواجهتها، على المهام والأهداف السياسية فيمكن اعتبار الصحافة الشيوعية ابتداء من (كفاح الشعب) و(اتحاد الشعب) وانتهاء بـ (طريق الشعب) مدرسة ابداعية تخرج منها رموز الادب والثقافة العراقية التي اغنتها في حقولها المختلفة وميادينها المتعددة، فأسماء كيوسف العاني وزهير الجزائري وفخري كريم وشاكر لعيبي وفائق بطي وغضبان السعد وخليل الاسدي وهاشم شفيق وفوزي كريم وعشرات غيرهم هم تلاميذ في مدرسة الصحافة الشيوعية باختلاف أجيالها وأجيالهم، حتى بات من الصعب الحديث عن الثقافة العراقية وصفحاتها من دون الحديث فيها عن الدور الثقافي والإعلامي للشيوعيين العراقيين فيها.
ثمة محاولات لإحداث نقلات تصميمية فنية وتغيير في بنية الخطاب الإعلامي للصحافة الشيوعية تسعى من خلاله الى التخلص من الهيمنة الأيديولوجية المحضة، واحتواء التطلع اليساري العراقي بكل تصنيفاته وتنوعاته لمواجهة المد الظلامي في خطاب وبنية الإعلام الذي يسعى لتكريس الدولة الدينية على حساب الدولة المدنية الديمقراطية التي يتطلع إليها الشيوعيون وقوى اليسار والمدنية كلها في عراقنا.
الناقد والكاتب السينمائي كاظم مرشد السلوم قال:
عيد الصحافة الشيوعية... ما زلت أتذكر تلك الرغبة واللهفة للحصول على جريدة "طريق الشعب"، وشراء أكثر من عدد لإيصالها الى الأصدقاء الذين لا يتسنى لهم الحصول عليها، لسبب أو لآخر، كانت مكتبة غني، هي المكتبة الوحيدة التي تحرص على توفير أعداد كبيرة منها، كون صاحبها الشيوعي يعرف عدد الشيوعيين من أبناء مدينته، كذلك يعرف عدد المتعاطفين والمعجبين بالجريدة، كان بعض البعثيين ينظرون إلينا شزرا كلما شاهدوا الحافات الحمر للجريدة، رغم أننا كنا نخفي عنوانه الرئيسي، لكن البعض منا كان يتعمد المجاهرة بها، بل وقراءتها وسط سيارات النقل، ومن ثم تركها على مقعده لكي يأخذها شخص غيره في اعداديتنا إعدادية "قتيبة" كانت الجريدة تصل قبل وصول الطلبة، كان الطلبة يتصفحون الجريدة في ساحة المدرسة قبل الدخول الى الدرس، معاون المدرسة رحمه الله، كان يمتعض من ذلك، وكان يقول لنا مازحا "شنهي بوية بايتين بالجريدة" كان بعثيا طيب القلب، "طريق الشعب" كانت تتميز برقي مواضعها، ومتابعتها كل الأحداث، ويكتب فيها كبار الأدباء والمثقفين والفنانين، ذلك كان يشكل قوة دفع كبيرة لها، وسببا للإقبال عليها، اسماء مثل سعدي يوسف، يوسف الصائغ، صادق الصائغ، شمران الياسري، مؤيد نعمة، وغيرهم كانوا ثقل الجريدة الكبير، اليوم وفي ذكرى الصحافة الشيوعية العراقية وصدور أول عدد من جريدة (كفاح الشعب) في 31 تموز 1953، نتمنى على أصدقائنا العاملين في الصحفية أن ينهضوا بها، والملاحظة من هذه الجهة أو تلك، إنما هي تعبير عن الحرص في ان تبقى الصحافة الشيوعية هي الرائدة، وفي المقدمة كمعبر عن حال الجماهير، كل عام والشيوعيون وصحافتهم بخير.
د. حمد محمود الدوخي/ شاعر وناقد وأكاديمي تحدث بهذه المناسبة قائلا:
شمعة لا تضيء بل تجعل الطريق صبحا حتى الوصول بمناسبة عيد الصحافة النزيهة التي بقيت وستظل نصيرة الفقير والعامل والكادح... كيف لا وهي بهم ولأجلهم ومنهم تنطلق وتقول وتبشر بكل ما هو خير وحقيقي ونزيه.. إنها صحافة محكومة مذ ولدت بالتعبير والالتزام بصوت المعول وعرق جبين عمال المناجم ومواويل فلاحي الحقول المزهرة أبدا بأحلام المناضلين الذين حملوا بنادقهم زمنا بوجه الطاغوت أينما وجد وسيظل لمعولهم صدى يدوِي في صدر كل مؤمن بالإنسان وبقيمة وجوده.
أما الشاعر والناقد ريسان الخزعلي فقد قال:
في عيد الصحافة الشيوعية العراقية يحضر الماضي بكل عذابه وعذوبته، ويشع الحاضر حاملا كل وهج الحروف التي تراكمت في الأعماق القصية وهي تحمل الإيقاع الشعري (كفاح الشعب، اتحاد الشعب، طريق الشعب...، وهكذا كانت التوصيفات الشيوعية العراقية النضالية تضاف للشعب بانحياز تمتد جذوره الى تراب يضم عظام الأجداد من المناضلين.. حتى ان المرء يخجل من ان يدوس هذا التراب (هذا التراب المر حبيبي)....، ان الصحافة الشيوعية العراقية ومنذ بداياتها السرية أو العلنية ما كانت صحافة حضور شكلي أو إعلان دعائي وتسلية، بل كانت صحافة شعب وقضية شعب (تكتب عنه وفيه ومنه).. كتبت وتكتب عن جوهر الصراع..، مقدماته وأسبابه ونتائجه، وقد كان الانحياز الطبقي في هذه الصحافة يرتكز على وعي فلسفي وفكري وحياتي من اجل بقاء أرقى ووجود أنقى...، وهكذا كان الانحياز - بجذره التأسيسي - للعمال والفلاحين وكل طبقات المجتمع، وفي عيد الصحافة الشيوعية العراقية نستذكر ما قدمته هذه الصحافة من مفكرين ومثقفين وأدباء، كانوا وما زالوا في الخط من مشهد الثقافة العراقية..، في هذا العيد لا بد ان نستعيد ذلك النبض الذي شدنا إليها، وقد كان الضوء الذي يكشف الطريق من اجل الإنسان وجدوى وجوده...، تحية إجلال لهذه الصحافة في عيدها والتحية موصولة كذلك لمؤسسيها ومن يديم حضورها حتى هذه اللحظة..، والخلود لشهدائها....، وان الأمل وطيد بان تتقدم وتتقدم من اجل الانتصار لقضية الإنسان وتحقيق طموحه في وطن حر وشعب سعيد.
الشاعر إبراهيم الخياط قال:
أمران لو لم يكن غيرهما من سبب، يكفيان أن يمنحا غار الفخر للصحافة الشيوعية العراقية، أولهما ان هذه الجرائد المناضلة كانت ولما تزل تلعب دورا مميزا في وثبات وانتفاضات وثورات واحتجاجات شعبنا، بل لمرات قادت هذه الملاحم الناصعة ووجهتها ومن ثم قيمتها وقومتها واستخلصت الدروس الكبيرة، حتى صار شعبنا يمتلك من الخزين الثر والتجارب الغنية قدرا وكما ونوعا ما أستطاع به شعبنا ان يطوي صفحة الاحتراب الطائفي بفضل او قل بنبل الصحافة الوطنية للشيوعيين العراقيين، وثانيهما ان الجرائد الشيوعية العراقية كانت مدرسة تدرب وتعلم وتخرج وتمنح الوطن العزيز كفاءات عقب كفاءات، فقلما من المعروفين نجد صحفيا او سياسيا لم يمر في سراديب هذه البيوت (المدارس)، بل أن نخبة من صفوة الخط الاول لسياسيينا وصحفيينا وفنانينا وأدبائنا واكاديميينا قد اخذوا الأبجدية الوطنية الصافية من هذه الجرائد التي تفتخر ونفتخر معها ان مؤسس الحزب المعلم الخالد (فهد) كان صحفيا محررا، تحية لـ "لطريق الشعب" وريثة المجد الصحفي السري والعلني.
الشاعر والإعلامي كاظم غيلان قال:
الصحافة الشيوعية صحافة استثنائية، من حيث الجانب المهني الذي يستند الى الجانب الفكري، وقد خرج من معطف هذه الصحافة خيرة الصحفيين وكتاب الأعمدة، بدلالة ما كتبه عبد الجبار وهبي (ابو سعيد) وشمران الياسري (ابو كاطع)، وهي صحافة لها علاقة بوجدان الإنسان وهمومه وتطلعاته، وأنتجت خيرة الكتاب والمبدعين، الذين عملوا في هذه المؤسسة وأسهمت في نشر منجزهم الإبداعي، الصحافة الشيوعية صحافة نخبة، كما إنها صحافة شعبية لها علاقة بالشارع وبشرائح الشعب المسحوقة، وبرغم ما تعرضت له من قمع على أيدي الجلادين والمجرمين أعداء الحرية والإنسان، إلا أنها تحملت وكابرت واستمرت، وكانت منبرا مهما وصادقا في الصحافة العراقية ليس للشيوعيين وأصدقائهم فقط، بل لكل الشعب وقواه الديمقراطية واليسارية.
الناقد والإعلامي عباس لطيف تحدث قائلا:
الصحافة الشيوعية في العراق تشكل ركيزة مهمة وفاعلة على المستوى الصحفي والمعرفي عموما، الصحافة الشيوعية عرفت باهتمامها الكبير ببناء الإنسان والتبشير بالأفكار التقدمية، لذا نجد من الصعب الفصل بين الصحافة والثقافة فيها، كان المثقف ينهل من الصحف الشيوعية لاسيما في مجال القصة والشعر وفنون الكتابة الأخرى، وخرج الكثير من المبدعين من معطف الحزب، واعتقد أن الثقافة الماركسية واليسارية التي انتشرت في العراق منذ ثلاثينيات القرن المنصرم، أسست لمشروع ثقافي كبير على مستوى الفكر والثقافة، ولعبت دورا كبيرا في تنوير الشعب، والإحاطة بكل الصراعات السياسية، لقد كانت الصحافة الشيوعية العراقية ولا تزال تشكل الخطاب النخبوي والخطاب الشعبي الجماهيري على حد سواء.
وعن هذه المناسبة توجهنا الى الرفيق حجاز بهية/ عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ليحدثنا عن دور صحافة الحزب وتأثيرها في الحياة العراقية:
يبدو الحديث اليوم ومع اقتراب الذكرى الـ (78) لعيد الصحافة الشيوعية العراقية في 31/ تموز والخوض في تاريخ الصحافة الشيوعية لما لها من دور كبير وبارز في الساحة العراقية، فلو استرجعنا الذاكرة التاريخية لوجدنا ظهور اول صحيفة شيوعية اقترن بالسنوات الأولى لقيام الدولة العراقية الحديثة، يصبح من السهل جدا إدراك ان هذا التاريخ قادر على منحنا صورة متكاملة عن التاريخ العراقي الحديث بما يشتمل من تطورات اقتصادية واجتماعية وفكرية وسياسية، ومن جانب آخر، لا يمكن للمتابع لخريطة الصحافة العراقية اليوم، ان ينسى او يغفل دور الصحافة الشيوعية، فهي واضحة الملامح بشكل لا غبار أو لبس فيه على اغلب مفاصل الصحافة الحديثة منذ عام 1953، وصدور صحيفة (كفاح الشعب) التي قدمت نفسها كناطقة بلسان (العمال والفلاحين) وكمطبوعة صادرة عن اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي، وقد طرحت أهداف الحزب بدقة كبيرة وشملت الأهداف المعلنة والمتعلقة بالفترة التي نتحدث عنها انذاك، حيث توالت صدور العديد من الصحف السرية والعلنية بعد ذلك ارتباطا بالظروف النضالية والسياسية التي عاشها حزبنا، وإنها أرست تقاليد عمل جديدة في تاريخ الصحافة العراقية، ولعبت دورا مؤثرا وأساسيا في كشف وفضح سياسات الحكومات العميلة آنذاك المرتبطة بسياسة الاستعمار وقوى الاحتكار وحملت تطلعات آمال جماهير الكادحين من شغيلة اليد والفكر وتسليطها الضوء على معاناة الناس الفقراء فقد كانت هي الصورة العاكسة لمعاناتهم وفي اشد الظروف على الرغم من الهجمات المتتالية للحزب وصحافته فكانت الصورة المشرقة.
وطوال الــ 78 عاما، كانت صحافتنا، ميدانا للنضال من اجل حقوق الجماهير والأفكار التقدمية النيرة، وكانت مدرسة لأجيال من الصحفيين والمثقفين العراقيين، الذين على صفحاتها تعلموا وشقوا طريقهم إلى ميدان العمل في الصحافة والادب والثقافة،
اما تأثيرها في الساحة العراقية فهو كبير جدا في الاوساط السياسية والاجتماعية والثقافية، انما اقول وبصراحة انها لم تنصف الى يومنا هذا من قبل الباحثين والكتاب في دراساتهم عن تاريخ الصحافة العراقية، اعتقد اليوم مناسبة جيدة ان تكون الصحافة الشيوعية العراقية مادة تدرس في كليات الاعلام وان تدون في منجز لكي تكون خالدة في تاريخ الصحافة العراقية لما لها من دور وطني مشرف على مدى السنوات النضالية الكبيرة، لقد رسم حزبنا الشيوعي العراقي بصمة واضحة ومضيئة في تاريخ الصحافة العراقية، وبهذه المناسبة اقف باحترام واجلال لشهداء الصحافة الشيوعية العراقية، واتقدم بالتهاني من أعماق القلب الى كل المناضلين الصحافيين العاملين في المنابر الإعلامية لحزبنا من "طريق الشعب" ومجلة "الثقافة الجديدة" و"ريكاى كردستان" ومجلة "الشرارة"، ومجلة "الغد".. ولهم المزيد من التقدم والتوفيق في حياتهم المهنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريده "طريق الشعب" ص 8،7،6،5
الاربعاء 31/ 7/ 2013
الحزب الشيوعي العراقي
مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ