في ندوة حول الوضع الاقتصادي وموازنة عام 2016

قال رائد فهمي نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، أن شدة الأزمة المالية وقلة الخيارات المتاحة أمام الحكومة، لا تعود فقط إلى الانخفاض في أسعار النفط، بل إلى السياسات الاقتصادية الضارة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة، وهو الأمر الذي يجري التعتيم عليه.

 

جاء ذلك في ندوة شعبية عقدت في منطقة الكريمات ببغداد، في قاعة "كازينو" السيد جواد، بدعوة من محلية الحزب الشيوعي العراقي في الكرخ الأولى، حضرها جمهرة واسعة من المواطنين والعديد من الشخصيات الوطنية والديمقراطية وممثلي الاحزاب السياسية في منطقة الصالحية.

وتحدث الرفيق فهمي حول الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد حاليا وتأثيرها على الوضع الاقتصادي وحياة المواطن العراقي من جراء السياسات الخاطئة ونظام المحاصصة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ سقوط النظام الدكتاتوري سنة 2003 حتى الان، بالإضافة الى الانخفاض الكبير في اسعار النفط العالمية.

وقال فهمي، أن الموازنة تعتمد في تمويلها على إيرادات النفط بنسبة تزيد على 90 في المائة، وانخفضت هذه النسبة إلى 83 في المائة في موازنة 2016 بسبب الانخفاض الحاد في الايرادات النفطية نتيجة تراجع اسعار النفط العالمية إلى ثلث ما كانت عليه قبل عام، وتقوم الموازنة العامة على افتراضات أصبحت بعيدة عن الواقع، اذ ان تخمينات الايرادات فيها تفترض سعر البرميل 45 دولارا في حين ان سعر البيع الفعلي انحفض إلى ما دون 30 دولارا، ما ادى الى أن تصبح تخمينات وتخصيصات الموازنة غير ممكنة التحقيق، فالشحة المالية أحدثت ارباكا في المالية العامة للدولة وتسببت في ازمة مالية كبيرة.

واوضح: أن شدة الأزمة المالية وقلة الخيارات المتاحة للحكومة لا يعود فقط إلى الانخفاض في اسعار النفط كما تؤكد المواقف الرسمية ولكثير من المنابر الإعلامية، فما يجري التعتيم عليه أو صرف الانتباه عنه هو مسؤولية الحكومات المتعاقبة والسياسات الاقتصادية الضارة، وسوء الادارة وتفشي الفساد وهدر الأموال العامة بالامتيازات المفرطة، واعتبار الوظيفة العامة غنيمة يجري تقاسمها بين القوى السياسية المتنفذة في ظل نظام المحاصصة وفق اسس بعيدة عن معايير الكفاءة والنزاهة والمصلحة العامة.

وأضاف: فلم يكن تذبذب اسعار النفط امرا غير متوقع، فقد سبق ان انخفضت الاسعار عام 2009 مسببة ارباكا في الموازنة والدولة، فكان يفترض في أي إدارة مسؤولة أن تتحسب لهذه الاحتمالات وأن تحسن استخدام وتوظيف الايرادات المرتفعة من أجل بناء بنى تحتية يرتكز عليها النشاط الاقتصادي وتقديم الخدمات العامة، والاستفادة من الفوائض المتحققة على مدى سنوات في تمويل صناديق استثمارية، ولكن لم يتحقق اي من ذلك وحدث العكس، فبددت الأموال بالمشاريع الفاشلة والوهمية وابتلع الفساد والامتيازات الباذخة نسبة كبيرة من الايرادات النفطية خلال السنوات الماضية، مؤكداً: ان الوقع الشديد لهبوط اسعار النفط على عامة الشعب سببه سياسات فاشلة وادارات غير كفوءة ينخرها الفساد وتوجهات اقتصادية همشت النشاطات الانتاجية لصالح الاعتماد المتزايد على الاستيرادات والانشطة الاقتصادية والمالية الطفيلية.

وإلى أنه وبسبب هذه السياسات، نجد اليوم جميع الخيارات المتوفرة لمواجهة الأزمة المالية الخانقة، مُرّة؛ لا سيما فيما يتعلق بتأمين الرواتب والأجور للموظفين والمتقاعدين التي تبلغ حوالي 4 مليار دولار شهريا في حن يبلغ صافي ايرادات الدولة حاليا حوالي مليار دولار فقط، الأمر الذي ألجأ الحكومة إلى الاقتراض الخارجي من السوق الدولية وصندوق النقد الدولي كذلك اللجوء إلى الاقتراض من البنوك والصناديق المحلية ومن البنك المركزي العراقي عن طريق السندات واذونات الخزانة، وفرض ضرائب ورسوم مباشرة وغير مباشرة ذات طبيعة غير عادلة، لأنها تلقي عبئا أكبر على ذوي الدخول المحدودة والواطئة بالمقارنة مع ما تمثله من أعباء لأصحاب الدخول والثروات العالية، واجراءات تقشفية يترتب عليها تسريح آلاف من المتعاقدين المؤقتين في الدولة، وايقاف المشاريع الاستثمارية ما يتسبب في توقف عمل الكثير من الشركات والمقاولين المتعاقدين مع الدولة والذي يتسبب بدوره في مزيد من التسريح للعاملين فيها الأمر الذي سيقود إلى ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل، وبشكل خاص بين الشباب، فضلا عن تردي الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية وارتفاع تكلفتها.

وتابع قائلاً: إلى جانب ذلك يتجه التفكير إلى بيع ممتلكات الدولة من عقارات ومشاريع انتاجية، اي خصخصتها من أجل تحقيق موارد للدولة، ما يطرح اسئلة مشروعة عمن سيقوم بشرائها وبأي أسعار ؟ ففي ظل الاوضاع الراهنة لا يعني ذلك عمليا سوى تمكين من انتفخت ثرواتهم خلال السنين الأخيرة من المنتفعين من وضع اليد على الممتلكات العامة بأسعار بخسة.

وخلص نائب سكرتير اللجنة المركزية للشيوعي العراقي إلى الاستنتاج أن التوجهات الحالية لمواجهة الأزمة المالية تذهب باتجاه تحميل الناس الجزء الأكبر من أعبائها، وتفتح الطريق لاستحواذ أصحاب الثروات الجدد على عقارات وممتلكات حكومية تمثل الثروة العامة.

وفي نهاية الندوة تحدث الرفيق د. رائد فهمي عن التظاهرات الشعبية والحراك الجماهيري الذي شهدته البلاد منذ نهاية شهر تموز عام 2015 حتى الان ردا على اشتداد الازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بسبب نهج المحاصصة الطائفية الذي انتهجته القوى السياسية المتنفذة في الحكم والذي يعتبر اس ازمة النظام السياسي وفشله الذريع في بناء الدولة وادارتها وتوفير ابسط متطلبات العيش الكريم للمواطنين.