خليل المعاضيدي.. لبعقوبة الآن ليمونة ولك نهرها الأمين
يرى مثقفون وناشطون ساهموا في الاستذكار الذي نظمه الحزب الشيوعي العراقي يوم 20 كانون الاول 2014 في مدينة بعقوبة بالذكرى الثلاثين لاستشهاد الشاعر والمربي خليل المعاضيدي، أن التوصية بإقامة مهرجان سنوي وحدها غير كافية، رغم أهميتها، فالمعاضيدي يستحق أولا جمع منجزه الشعري، وبعدها يصار إلى تنظيم ورش أدبية ونقدية تغني تجربته، فضلا عن إقامة ندوات في جميع المحافظات ليصل الشاعر وشعره إلى جمهور أوسع، وتبني جائزة باسمه تمنح للشباب المتميزين.
الباحث والكاتب ناجح المعموري يبيّن انه "على الرغم من أن الاحتفاء باستشهاد خليل المعاضيدي ومنجزه الإبداعي جاء متأخرا لكني اعتقد بأنه ينطوي على الرقي دلالة وأهمية"، اذ يعد "استكمال الحزب لمشروعه التكريمي والاستذكاري لعدد من الأسماء الثقافية والإبداعية، للمبدعين الذين قاوموا الدكتاتورية ودفعوا حياتهم قربانا للإبداع والمبادئ، لهم استحقاق علينا، فقضيتهم في المكانة التي تستحق".
ويرى المعموري أن "كل الأسماء التي احتفى الحزب بها ذات تاريخ حافل بالانجازات وهي أسماء لامعة ومتميزة عبر تاريخنا الطويل، واعتقد بأن اختصار الاحتفاء أو الاستذكار بجلسة واحدة غير كافية، لذا اقترح أن تكون بجلستين على اقل تقدير مع حضور ثقافي وليس جماهيريا، مثلما حصل في ديالى، حيث كانت نسبة عالية من الحضور لا علاقة لها بالثقافة، وإنما تبدى حضورها كنوع من الحشد والتعبئة، وهذا أثر كثيرا على الفعالية، التي كان بالإمكان أن تكون أكثر تميزا على الرغم من أهميتها، بالإضافة إلى أن المكان لا يناسب مثل هذه الفعاليات الثقافية، ووجدتها – القاعة – اقرب إلى الأنشطة الاجتماعية منها إلى الثقافية".
غياب الجهات الرسمية
ويذكر المعموري أن "الفعالية تمثل بالنسبة لي علاقة دالة مع النتائج الأمنية التي حققتها القوات العسكرية/ الشرطة والأمن/ الحشد الشعبي، حيث الأمن والأمان وتحرير مساحة واسعة من المحافظة تقدر بـ95% حسب تصريحات الأجهزة المعنية، لذا سارعت المحافظة متمثلة بطلب أحزابها الوطنية - الحزب الشيوعي - لاستثمار هذه الفرصة وإقامة الاستذكار لمبدع معروف وهو خليل البرتقال، ونعرف العلاقة التاريخية التي تربط الحزب الشيوعي العراقي مع الثقافة والفن".
ويبيّن المعموري انه "لابد من ملاحظة سريعة، لكنها جوهرية، وهي غياب الجانب الرسمي وممثلي الأحزاب والكيانات ومنظمات المجتمع المدني، باستثناء مؤسسة الشهداء، انه أمر مؤسف ويكشف عن نوع واضح من القطيعة بين الحكومة المحلية وحركة الثقافة والإبداع، ولم يكن هذا الموقف مثيرا للغاية لنا، لأننا نعرف دور الحكومة المحلية بعنايتها بالثقافة كما اعتقد أن الرواسب السياسية فاعلة ومؤثرة على الآخر في هذه اللحظة، ولخليل البرتقال حق مضاعف على كل الواجهات المعروفة والبارزة في المحافظة، والشاعر ينتمي إلى عمق الحركة الإبداعية مشكلا للهوية الوطنية، وبالتالي فانه يقدم أنموذجا لتمثيل محافظته ويستحق هذه الصفة التي حاز عليها بجدارة لائقة به، لأنه – خليل البرتقال – لم يكن طارئا في الحركة الأدبية بل احد عناصرها المبدعة".
ويشير المعموري إلى التوصيات المعلنة بختام الاستذكارية والتي اقترحت في واحدة منها إطلاق تسمية لوركا ديالى / أو العراق، موضحا: "لا ادري لم حصل اقتران بين الداخل والخارج على الرغم من وجود أكثر من عنصر، ولوركا استحق تاريخا مازال ممجدا له ولغيره، اعتقد بأن خليل مكتف بعناصره الثقافية التي ربما تحيل لغيره ولا أفضل اقترانه بأي اسم آخر والسؤال لماذا نرى خليل بمرآة لوركا/ الآخر، تجربته كافية له ومنجز خليل – على الرغم من قلته – مختلف تماما عن تجربة لوركا، وربما أبدو أكثر تفاؤلا وأقول بأن النصوص التي تركها لنا خليل. تمثل ظاهرة منفردة خلال مرحلة السبعينات".
المعموري يقترح من اجل تطوير هذه التجربة الذهاب ابعد كثيرا من الذي حصل، وذلك من خلال:
ـ إقامة مهرجان خليل البرتقال لمدة يومين بدعم من الحكومة المحلية والمنظمات المركزية كاتحاد الأدباء/ المركز العام، ونقابتي الفنانين والصحفيين.
ـ إذا تعذر ذلك يصار إلى استكتاب لجمع التبرعات من محافظات العراق وبالإمكان الاستعانة بشخصيات متمكنة.
ـ إقامة نصب نصفي للشهيد في مدخل اتحاد أدباء ديالى، وإطلاق اسمه على المدرسة التي عمل فيها أو على الشارع الذي سكن قريبا منه.
ـ تشكيل لجنة من الأدباء لجمع انجازاته الأدبية والعمل على تعميم توزيعها.
ـ ضرورة أن تتبنى جامعة ديالى تجربة الشاعر بعد التوفر عليها وتوجيه دراستها أكاديميا.
ـ تبني القصائد التي كتبها للأطفال وطبعها وتوزيعها.
ـ التشاور مع اتحاد الأدباء/ المركز العام لإقامة حلقة نقدية لدراسة نصوص الشاعر.
ـ بالإمكان نشر نصوص الشاعر ضمن ملف تتبناه المجلة الخاصة باتحاد الأدباء/ المركز العام
ـ التنسيق عبر اتحاد الأدباء/ المركز العام لإقامة جلسات نقدية وقراءة نصوص في المحافظات من اجل توسيع مساحة انتشار المنجز الإبداعي للشاعر الشهيد خليل المعاضيدي.
ـ طباعة وتوزيع منجزه على النطاق الثقافي والأكاديمي.
ـ تبني جائزة باسم الشهيد خليل المعاضيدي، تمنح للشعراء الشباب المتميزين.
ويقول الباحث والكاتب ناجح المعموري انه "أثار اطلاعي على ثلاثة نصوص فقط، أرسلها لي صديقي إبراهيم الخياط، كثيرا من الدهشة والسعادة، ووجدت بأن هذا الشاعر كان متميزا بين أبناء جيله، الذين ظهروا بالسبعينات، لأنه استطاع أن يفلت من طوق الايديولوجيا وتأثيرها على الشعر بالنسبة للمبدع المنتمي، وقلة من المبدعين تجاوزوا هذا الإشكال والمعاضيدي واحد منهم".
المعموري يعد بأنه سيقدم دراستين عن المعاضيدي هو وصديقه الروائي جاسم عاصي ويضمناها بكتاب واحد.
أخيرا يذكر المعموري ان "المعاضيدي شاعر ومناضل يستحق منا الكثير والأكثر أهمية التعريف بنصوصه من خلال الحفر فيها والكشف عن قيمتها الفنية العالية".
بعقوبة ساخنة بمحبة أهلها
الأكاديمي والفنان المعروف د.ميمون الخالدي يقول "لقد سعدت باقامة هذه الفعالية الغنية بمضامينها الثقافية والاجتماعية وحتى التربوية، اذ سعت ليس فقط الى استذكار الشهيد المعاضيدي حسب، بل الى خلق روح من الالفة واشاعة الحياة التي نصبو اليها، حياة ملؤها المحبة والسلام والانفتاح على الاخر من خلال الاحتفال به وصولا الى تقوية اواصر الجماعة بعيدا عن الضغائن والكره والعنف".
ويذكر ايضا ان "الشاعر الشهيد خليل المعاضيدي كان رمزا للحياة ضد موت جلاديه، انه الوجود الدائم للقيم الانسانية الحية، التي ارادت ان تكون في المجتمع العراقي مقابل قيم التخلف والرجعية التي ركبتنا مع الاسف، وجنينا ثمارها الان في حين دفع الشاعر الشهيد دمه لكي لاتسود هذه القيم البالية، كان شفافا رقيقا في كلماته لكنه عنيفا في ازدراء الواقع"، مضيفا ان "خليل تسلح بالبرتقال والليمون ضد رصاص جلاديه فكسب المحبة والخلود اما هم فكسبوا مزبلة التاريخ، لم اجد مدينة ساخنة بالعنف لكني وجدت بعقوبة ساخنة بمحبة اهلها للضيوف وقد لمست ذلك بوجوههم المشرقة والمحبة للحياة بالمحبة".
الخالدي يذكر "افرحني كثيرا الحضور الجميل لاهالي بعقوبة رجالاً ونساءً، وشعرت انهم ينتمون الى منطقة عالية في الوعي الانساني المتذوق للجمال والمتحسس للذائقة الثقافية، بوصفها نتاج تفاعل البشر في مكان معين وظرف معين ولغاية بعينها، بحيث ان هذا الحضور قد امدني شعورا بوجوب تفاعلي معهم عندما تصديت لقراءة ثلاث قصائد للشاعر الشهيد خليل المعاضيدي، وكأني أزف اليهم خليل ابن مدينتهم في ليلة عرسه، الف تحية لذلك الحضور النوعي حقاً".
ويذكر الخالدي انه "بهذه المناسبة لابد لي ان اضم صوتي الى كثير من الاصوات التي تطالب وتدعو الى اعتماد هذه المناسبة مهرجانا سنويا للشعر العراقي الذي سجل وارشف سيرة شعب بنضاله من اجل الحرية وصنع حياة كريمة للكادحين ووقف شامخا بوجه الطغاة والقتلة".
مدينة لن تختفي من خارطة الحياة
الكاتب د. جمال العتابي يروي رحلته برفقة نخبة من المثقفين من مقر اتحاد الادباء في بغداد وصولا الى محافظة ديالى، ويذكر "في اللحظة التي وصلتني فيها الدعوة للمشاركة في حفل استذكار الشاعر الشهيد خليل المعاضيدي في مدينة بعقوبة، حزمت امري واعددت نفسي لليوم التالي، يوم انطلاقة الرحلة من مقر اتحاد الادباء في بغداد نحو بعقوبة، وعليَ ان اعلن لعائلتي عزمي على السفر برفقة نخبة رائعة من المثقفين والادباء، لم أفاجأ بردود افعال افراد عائلتي، الاولاد وأمهم الرافضة للفكرة اساسا، كنت اشاركهم المخاوف في داخلي، لكنني لا اريد التعبير عنها بأية اشارة تصدر عني، انطلقت الحافلة بنا صباح يوم شتائي مشمس، وانصرفت الى مراقبة الطريق الذي فقد كل ملامح جماله، بفعل عقود الحروب والقتل والديكتاتورية، حاولت تصريف حزني على سنوات جميلة مضت، بتبادل الحديث مع زملاء الرحلة، إلا ان النداءت المتواصلة من البيت عمقت كآبتي، وافسدت عليً متعة اللقاء على الاقل.. اين انت الان؟ كم من الوقت بعد؟ وصلتم؟ طول الطريق، لم يفارق الهاتف يدي.. اخيراً، البشرى عليَ ان ازفها بنفسي.. سالمين، نعم سالمين.... ربما هذه الهواجس واجهت كل زملائي وهم يودعون بيوتهم في ذلك الصباح، سوى اؤلئك الذين رافقونا من اصول تعود للمدينة، كانوا يبعثون فينا الاطمئنان طوال الرحلة القصيرة، ها نحن في مدينة الجمال والبرتقال الستيني والسبعيني، اشجار شاحبة، يعلوها الغبار، اثار خراب واضحة في مبانيها وشوراعها، اطلال لدار سينما شيدت منذ اربعينيات القرن الماضي، تروي شهادة حية وحقيقية لزمن ولد فيه خليل المعاضيدي، حاولت ان ابدد الصورة المعتمة للمدينة في رأسي، وانا اتابع حركة الاسواق والمركبات والمارة الطببعية، وفي ركن مطل على نهر خريسان لمحت يافطة حمراء، تشير الى مقر الحزب الشيوعي العراقي..
ـ هل صحيح هذا؟.
نعم، اجابني ابن بعقوبة، وفي مدخل قاعة الاستذكار كانت الحقيقة اوضح بتلك الجمهرة الواسعة التي استقبلت المدعوين بحفاوة بالغة، فأيقنت ان كل محاولات الخائبين التي ارادت ان تضع المدينة على لائحة الموت في انتظار ان تغرق، قد اندحرت، فليس من قوة تستطيع ان تخفي بعقوبة من خارطة الحياة، انها مساحة من العصور والدهور والتواريخ، ولوعات العشاق وولادات الليل والنهار ودفقات خريسان الذي يستمر به دفق الزمن الى المستقبل.. هاهي المدينة تستذكر احد ابنائها المبدعين، خليل المعاضيدي، الشاعر الشاب، الذي غيبته سلطة الاستبداد، كما لو كان حلما، لم تختف صورته، بطوله الفارع، ووسامته، بأناقته، وهو يخطو نحونا في جريدة "طريق الشعب" في سبعينيات القرن الماضي، وكأنه يروي بقصائده قصة مدينة وحياة عليها ان تستمر دون ان تغير من نواميسها الازلية وان اختطفه الموت، ان تعيش مدينة جديدة بكامل وجودها الجميل هذه الرسالة التي اوصلتها الفعالية".
ويدعو د.العتابي "اتحاد ادباء ديالى، ان يتمكنوا من تحويلها الى مناسبة سنوية، وتقليد ثابت للاحتفاء بهذا الرمز الخالد، ليس للطابع التراجيدي المأساوي في تغييبه، انما لشاعريته المتدفقة، ونزعته الحداثية المبكرة، فعلى قلة نصوصه المنشورة والمطبوعة، فانه استطاع مع ابناء جيله ان يشكلوا ظاهرة شعرية متقدمة حينذاك، فضلا عن النموذج الانساني المفعم بالرقة والخلق الرفيع، والالتزام بعدالة قضيته".
ويرى ايضا ان "مسؤولية اخرى تقع على ادارة المحافظة المحلية والمؤسسات الثقافية في تطوير هذه الذكرى، لا بإطارها المحلي، انما الاحتفاء بإطارها الوطني، فالشاعر المعاضيدي رمز ثقافي عراقي بامتياز، شأنه شأن الشعراء امثال لوركا ونيرودا وناظم حكمت من ضحايا القمع والاستبداد".
ويتمنى د. العتابي ان "لايغيب عن بال المعنيين، في دراسة حياته وسيرته الشعرية، ومنجزه الابداعي، الى ضرورة البحث في اشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة، اذ اتسمت بحالة من الصراع الدائم بين القطبين، السلطة المستبدة تدرك ان كل انتاج ابداعي في حقل الثقافة له بعد سياسي تغييري، واعني الثقافة التي ترفض الوصاية والتبعية والتدجين، واذا ما رفض المثقف طريق التبعية للسلطة فانها ستلجأ الى وسائلها الوحشية في تصفية هذا المثقف، فكان خيار خليل هذا دون تردد، هكذا يقرأ تاريخ المعاضيدي حين يكون شاهدا مشغوفا بجمال الكلمة وقصائده وعراقيته".
اقتراح بجمع قصائده
القاص حسب الله يحيى يذكر ان "الشهيد المعاضيدي مناضل نعتز به"، مقترحا "جمع قصائده وتفاصيل نضاله بدلاً عن الاحتفال السنوي".
للمكان دور في إحياء الفعالية
من جهته يقول الروائي جاسم عاصي ان "الفعالية جيدة، وكانت بحاجة إلى إعداد أكثر من باب تقديم دراسات عن الشاعر، وطبع كرّاس يتضمن نماذج من شعره، واختيار القاعة المناسبة لمثل هذه الاحتفالات"، مضيفا انه "لا شك، الاحتفال بكل المبدعين الذين ضيّعتهم السجون وساحات الاعدام بصورة تُليق بهم، وعلى الحزب أن يشكّل لجنة تهتم بذلك، تستطيع أن تفتح ملفات الذاكرة، لإبراز دور المثقفين الشيوعيين في الدفاع عن الوطن بالقلم، ولعل أولهم القاص الخمسيني (عبد الرزاق الشيخ علي) الذي اختفى منذ عام 1957 وبرفقة حقيبته التي تحتوي نتاجاته الأدبية، علماً أني أعددت ملفاً عنه في صحيفة (الفكر الجديد) ما زلت أحتفظ به رغم تمزقه".
ويرى عاصي ان "للمكان (مدينة بعقوبة) دور في احياء الاحتفالية، كونها مدينة معرّضة لهجمات الارهاب، وقد عشعش فيها لسنين طويلة، إنه نوع من التحدي الثقافي (الفكري)"، لافتا الى ان "الحضور لابد من دراسته، وتنظيم دعوات متميّزة، يكون لها دور فاعل في الاحتفالية. ونؤكد على النوعي".
ويقترح عاصي "إقامة مهرجان سنوي، بحيث يصبح تقليداً، ويُعمم هذا على محليات الحزب لكي تُجري مسحأً لشهدائها من المثقفين، وعلى سبيل المثال (خالد الأمين) في الناصرية، و(حميد ناصر الجيلاوي) في الكوت، و(شاكر رزيج فرج) في السماوة، و(قاسم محمد حمزة، قاسم عبد الأمير عجام) في الحلة، إضافة الى تنشيط ظروف الاحتفالية، قبل وبعد إجرائها، وفتح ملف على صفحات جريدة "طريق الشعب" الثقافية لتغطية مثل هذا النشاط".
المعاضيدي الذي عرفته
ويقول القاص والروائي سعد محمد رحيم، "لم التق بخليل المعاضيدي قط، لكني أحس بأني أعرفه جيداً، والسبب هو كلام من كانوا يعرفونه في بعقوبة الستينيات والسبعينيات عنه، ومنهم صديقي الكاتب صباح الأنباري، كانوا يتحدثون عن شخصيته بمحبة وحميمية وإعجاب، عن شعره وجرأته، ومرحه، وشخصيته المؤثرة، وكأنه رمز أو أيقونة، حسبته للوهلة الأولى سياسياً أعدمه النظام السابق فاكتسب شهرته شاعراً من هذا الحدث الدرامي الفاجع، لكني حين اطلعت على قصائده بعدئذ أدركت اي موهبة أصيلة كان يمتلك وغُدر بها. كان يمكن للمعاضيدي أن يهب الشعر العراقي إضافات راقية لو قدر له أن يعيش حتى اليوم".
ويذكر رحيم ان "الاحتفالية اللافتة التي أقامتها له محلية الحزب الشيوعي في بعقوبة قبل أسابيع بالذكرى الثلاثين لاستشهاده مناسبة مهمة للاطلاع على جوانب من حياته ونضاله وإبداعه، مبينا ان المعاضيدي "يستحق بالتأكيد أن يخلد في مهرجان أدبي سنوي يحمل اسمه ويتبناه اتحاد الأدباء ونقابة الصحافيين وجهات مدنية ورسمية أخرى، وحتى أن يكون هناك جائزة باسمه تمنح لأديب بارز في كل سنة، أو مسابقة بأية صيغة يمكن الاتفاق عليها بين من يعنيهم الأمر".
وينهي حديثها بالقول: "شخصياً أشعر أن خليل المعاضيدي، لو لم تُغيبه سلطة الاستبداد، كان ليصبح أحد أصدقائي المقربين حين سكنت بعقوبة في بداية التسعينيات".
نضال القاضي
المعاضيدي واحد من الاف غيبهم نظام فاشي اعتقد انه يملك الحقيقة المطلقة وراح يفرض آليّات وجوده بحذف متواصل للآخر فانتج جيلا مُصادَرَ الذاكرة الشخصية بوصفها نموذج ممارسة لحرية فكر ومعتقد.. كضرورة يفترض انها من يغذّي الحياة .ولأن المعاضيدي شاعر فقد انكبّ على أوراقه وقراءاته بحثا عن خلاص ذاتهِ الرافضة المحتجّة على واقع فظّ من أجل فسحة من ضوء في داخله,عمل جاهدا ان لايخسره في مواجهة الفقد الروحي والنفسي اللذين استهلكتهما ظاهرة نظام طالت الكلمة قبل غيرها، فسجّل المعاضيدي ذلك كله في نصوصه ومثله مثل اقرانه ترك الحزن أثره العميق في نفسه وتعدّاها الى سحنة كتابة ووجه ..
وجاءت قصيدته "صرخة ذات ايقاع خاص" ترجمة لكل مااختلج فيهمن معان مشبّعة بالألم والقهر، وشكلت نصوصه صورة من صور الاحتجاج على واقع فظ استهتر بوجودنا وعاش ذاتا كليّة نابت عن ذات شعب واختصرت حياته في حيّ أثير واحد أوحد يذكّر بكل أباطرة التاريخ.
وفي مطلع السبعينات وهو يقرأ "هلاّ قرأت البيان الشيوعي" في جموع حاشدة, على حدائق نادي المعلمين وفي بساتين الويدر وبهرز اعتبرت السلطة ذلك تجاوزا فاستاءت.. وليس من توحش مثيل اذا ما استاءت .. وهوالماهر في استفزازها فقرّرت التخلص منه وتصفيته التي تذكّر بتصفية الشاعر الاسباني لوركا على يد الطغمة العسكرية الفاشية عام 1936..
الحديث عن المعاضيدي طويل فما يتعلق به انما هو مرحلة من آلام شعب تكرّس في تجربته الشعرية العميقة التي تناولها الاستاذان الروائي والباحث ناجح المعموري والشاعر والناقد علي الفواز وعن شخصه وسيرته الذاتية تحدث أيضا إثنان من صفوة المقربين اليه الأستاذ سعيد حسين عليوي والاستاذ ظاهر شوكت فبهذه الجلسة التي تبناها الحزب الشيوعي العراقي واتحاد الادباء والكتاب وحضرها ذووه وجمع غفير من محبيه واصدقائه وابناء مدينة البرتقال .. مدينته بعقوبة وقد كان لي شرف حضورها وإدارتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة رسمت في المهرجان بريشة الفنانين هادي البناء، منعم الحيالي، عمر الحسك