صمت الحاضرون طويلاً أمام اعتراف رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في الديوانية الجديد على الطرفي، وإلقائه باللوم على نفسه لاغتياله الإعلامي والفنان هادي المهدي، إذ كان اعترافه أمام عشرات الشهود الذين حضروا حفل استذكاره السنوي الثاني بأنه "هو من قتل المهدي"، صدمة أذهلت الحاضرين، لكنها سرعان ما تبددت حين عرف الجميع نهاية رسالته، بعد أن طالب الحكومة بإغلاق ملف تحقيقها في حادثة اغتياله نهائيا.
وأقيم حفل الاستذكار السنوي الثاني لهادي المهدي، الذي إقامته شبكة فكر بالتعاون مع اتحاد الأدباء والكتاب، وقصر الثقافة والفنون في محافظة الديوانية.
ويقول الطرفي في حديث إلى (المدى برس)، على هامش حفل تأبين هادي المهدي السنوي الثاني، إن "اعترافي اليوم رسالة إلى الحكومة لتغلق ملف تحقيقها في حادثة اغتياليه نهائيا، لأنني من قتله، قتلته منذ أخذت بيده من المرسم الصغير في متوسطة المتنبي أواخر عام 1979، وجئت به إلى المسرح، ليعشقه فيما بعد ويتعلم على خشبته معنى العطاء والفن والجمال".
ويضيف الطرفي أن "مسرحية الخرابة التي ألفها يوسف العاني وأخرجها الفنان الراحل رحيم ماجد، كانت أولى مواجهاته، بحوار يختم فيه أخر المشاهد يقول فيه (سنمضي نحن، ويأتي بعدنا من يحمل الراية ويسير، أغنيات الحب والإبداع، نغنيها للمظلومين في العالم، لؤلؤة الذين يعانون من الحرب، وزمهرير الشتاء، وعيونهم ترنوا إلى الحرية)"، مشيرا الى أن " الفرقة المسرحية اقتديت الى مديرية الامن للتحقيق معها بعد انتهاء العرض المسرحي".
ويبين الطرفي أن "تتبعي خطاه في بغداد عندما عرض مسرحية (وداعا أيها العالم الغريب)، التي لا تحتمل التأويل والتفسير أو التشكيك، إذ أعلن مواجهة مباشرة مع السلطة الحاكمة، التي اقتادته إلى جهاز المخابرات هذه المرة".
ويوضح الطرفي أن "إعلان المهدي دفاعه عن الحرية والديمقراطية، ومطالبته من نكث بالوعد والعهد، أدت إلى قتله، لتقيد كقضية جنائية ضد مجهول كما قيدت قبله قضية كامل شياع وآخرون، لكن مجهوليهم معلومين نعرفهم جميعا، لأنهم يستهدفون الأصوات الحرة".
من جانبها تقول رئيسة لجنة المرأة في شبكة فكر الناشطة كريمة محمود الطائي، في حديث إلى (المدى برس) إن "استذكار المهدي وطلقات الغدر التي اغتالت صوت الحرية التي تجسدت في خطابه من أجل العراق واجب علينا، لنعّرف الأجيال بالثمن الغالي الذي دفعه العراقيين من أجل حريتهم وكرامتهم، وقتل المهدي كان بداية الحياة التي لن تتمكن غربان الغدر من النيل منها وأن تسترت بأبراجها العاجية واختبأت خلف الأسوار الرملية التي سرعان ما ستنهار أمام إرادة الشعب العراقي الحر".
وتابعت الطائي أن "حفل التأبين الاستذكاري الذي نظمته الشبكة بالتعاون مع اتحاد الأدباء والكتاب وقصر الثقافة والفنون، سيستمر كل عام ليتأكد أبناء المهدي أن أباهم باقي مع الضمير وخالد مع الوجود ، ليتفاخروا بما ترك لهم من ارث على الرغم من حجم الآلام المصاحب له".
من جهته يقول الفنان المسرحي، صادق مرزوق، في حديث إلى (المدى برس)، إن "الفن والجمال والعطاء والإبداع اجتمعت كلها في شخصية الراحل هادي المهدي، وتجسدت الليلة في استذكاره، لتملأ الأجواء بأحلام الفقراء في بلد كتب على غالبية أهله العناء والفقر على الرغم من ثرواته وخيراته".
ويستدرك مرزوق أن "رحلة هادي الطويلة اختزلت بطلقة غدر جبانة قيدت ضد مجهول، في العلن ومعلوم بذات الوقت، لأنه أراد السلم بعيدا عن لغة العنف".
وقرأ مرزوق "رسالة لابن الراحل هيوا هادي، بعثها من الدنمارك عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمحتفلين بذكرى أبيه، أعلن فيها أنه ماضي على طريق أباه الحاضر في قلوب الأحرار".
وجاء في رسالة هيوا هادي التي تسلمت (المدى برس)، نسخة منها "أنا فخور بأن أكون عراقيا على الرغم من اختلاف الثقافات، وأنا فخور بأب عراقي عربي وأم كردية، وانا فخور بأن لدينا في عائلتنا ثقافة مختلطة تحمل ثقافة بلدي العراق، ولم انسى عندما غادرت العراق مع والدي وأخي إلى سورية وأنا في السادسة من العمر، وكيف كان أبي يعمل مسرحياته في دمشق ولن انسى عشقه إلى عمله".
وبينت الرسالة أن "أبي طالما اخبرني أن البشر يختزلون الخير والحب، سعادتي لا توصف أن لي أبا فريدا نادر الوجود في زمانه، وكلي فخر بأني سائر على خطاه، وسأستمر بذات الخطى لتبقى ذكراه خالدة، وسأقول لكم أن هادي المهدي ما زال حيا، لأنني جزء منه وسأمضي بما مضى".
وعبرت الرسالة عن "شكر هيوا لكل من يستذكرون أبي ويؤيدون أفكاره وأهدافه، كم كنت أتمنى أن أكون معكم، شكرا لك (أحمد عبد الحسين، وليد عبد الله، صادق مرزوق)، وأشكر أفضل صديق عندي، أبي هادي المهدي".
يذكر أن هادي المهدي، مسرحي عراقي ولد في مدينة الديوانية، (يبعد مركزها 180 كيلومتر جنوب العاصمة بغداد)، سنة 1965، وعاش سنوات كثيرة خارج العراق نتيجته مواقفه المعارضة للنظام السابق، وعاد إلى العراق بعد عام 2003، وبدأ هو ومجموعة من أصدقائه حركة ناشطة تدعو إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية.
ويعد هادي المهدي، واحداً من مؤسسي حركة التظاهرات الجماهيرية التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد منذ (الـ25 من شباط 2011 الماضي)، للمطالبة بالإصلاح والتغيير وتوفير الخدمات، وهو المحرك الأساس للتظاهرات الشعبية في (التاسع من أيلول 2011)، كما يعد من أهم ناشطي الفيس بوك العراقيين.
وكان المهدي قد اعتقل من قبل القوات الأمنية بعد تظاهرات شباط 2011، هو ومجموعة من زملائه، وعلى إثرها تقدم المهدي بشكوى ضد القائد العام للقوات المسلحة، من جراء تعرضه لـ"الاختطاف والاعتقال" بدون أمر قضائي، وتحدث لوسائل إعلامية عديدة عما طاله خلال تلك التجربة "المريرة".
وقد تم العثور على هادي المهدي مقتولاً بمسدس كاتم للصوت، في شقته الواقعة في منطقة الكرادة، وسط العاصمة العراقية، في (الثامن من أيلول 2011 ) وقد سجلت الحكومة الحادثة ضد مجهول