منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وفي عالم يغط في فوضى عارمة متمثلة في صعود الاحزاب اليمينية والفاشية، بزغ هنا فجر جديد، من وسط الفقراء والضعفاء والمهمشين.

ومنذ تلك اللحظة التاريخية يواصل الحزب الشيوعي العراقي كفاحه المعمد بتضحيات كبيرة وغالية من اجل تحقيق هدفه النبيل في "وطن حر وشعب سعيد"، فقد مارس العمل السياسي السري وتمرس فيه، مدركا كل المخاطر التي كانت تهدد حياة اعضائه، وقاد كفاح العمال والفلاحين والطلبة، وشارك مع كل القوى الوطنية والخيرة في وثبة كانون الثاني عام 1948 وكان ثمن ذلك باهظا جدا، حيث صعد الثلاثة الكبار "فهد، وحازم، وصارم" بكل كبرياء وشجاعة الى منصة الجلاد في عام 1949.

كل ذلك لم يفت في عضد الحزب الشيوعي واصدقائه بل قدموا للعالم اجمع اجمل معاني التضحية والفداء، وزج الآلاف من الشيوعيين واصدقائهم في السجون (رقم 1 في بغداد، وسجنا بعقوبة ونقرة السلمان) وهذا الأخير كان مصنعا للرجال، وشكل الحزب في هذا السجن المخيف ما يمكن تسميته (ادارة ذاتية) لادارة حياة السجناء، وازداد الحزب قوة ومنعة، وقاد او كان له الدور الطليعي في كل انتفاضات الخمسينيات ضد الاستعمار البريطاني وعملائه الحكام، وشارك مع كل القوى والاحزاب الوطنية والقومية والديمقراطية عام 1957 في تأسيس جبهة الاتحاد الوطني والتي كان لها الدور الكبير في اسقاط النظام الملكي في ثورة 14 تموز عام 1958 المجيدة، وقيام النظام الجمهوري، تلك الثورة التي تم اغتيالها في انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963 الذي قاده البعث المقبور.

لقد قدم الحزب الشيوعي العراقي واصدقاؤه ثمنا باهظا جدا، وتحكي جدران قصر النهاية سيئ الصيت، قصص الصمود والتضحية التي قدمها بكل شجاعة شهداء الحزب واصدقاؤه وعلى رأسهم القائد الخالد سلام عادل، وجمال الحيدري، والعبلي، وقوافل من الرموز الوطنية.

ان جرائم 8 شباط، هي وصمة عار في جبين البعث البائد، وستبقى تضحيات الشعب العراقي درسا للاجيال القادمة، تحكي قصص الكفاح والنضال ضد الدكتاتورية، ورغم الجراح، فقد تسامى الحزب الشيوعي ايفاء منه للوطن والشعب، ليدخل في الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، لتفويت الفرصة على الحزب الحاكم، وليرصد الخلل والفشل، ويعالج ما امكن من ذلك، وليكون قريبا من موقع الحدث والقرار، لكن الحزب الحاكم بعقليته الاقصائية، لم يستمر في هذا المشروع الوطني، فانقلب على الشركاء الاخيار وليمعن كعادته في الظلم والغدر.. حتى اسقط بيد حلفاء الامس في 9 نيسان 2003.

ويشارك الحزب الشيوعي القوى الوطنية والاسلامية اليوم في اعادة البناء والاعمار وترميم ما تبقى من الوطن الذي انهكه البعث البائد في حروبه العبثية وجرائمه.

لكن لمسيرة الكفاح والنضال شموعها التي تنير الدرب للآخرين، فكان الشهيد ابو كفاح، والشهيد كامل شياع.. قناديل على هذا الدرب..

تهنئة للحزب الشيوعي في عيده الثمانين..

والمجد لشهداء الحزب واصدقائه..

وتحية لكل الخيرين في هذا الوطن العزيز..