نحو استنهاض الجماهير لتحقيق التغيير المنشود

عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي يوم الجمعة 3 أيار 2013 اجتماعها الاعتيادي الدوري، الذي التأم عشية الذكرى الأولى لانعقاد المؤتمر الوطني التاسع للحزب، التي حلت في 8 أيار الجاري.

في بداية الاجتماع نهض الحاضرون وقوفا في ذكرى الراحلين خلال الأشهر الماضية من الرفاق والأصدقاء، ومن بينهم احمد باني خيلاني (أبو سرباز ) ود. حامد العاني - أبو سعد

وتداول المجتمعون تقريرا انجازيا عن عمل الحزب ومنظماته، وما حققت في الحملة الانتخابية الأخيرة لمجالس المحافظات، وانتهوا الى تثمين نشاط المنظمات وهمتها، اللذين تمخضا، بجانب جهود الحلفاء والمناصرين والداعمين، عن حصول القوائم المدنية والديمقراطية التي اشترك فيها الحزب على عشرة مقاعد في مجالس المحافظات، وهو ما يمكن التأسيس عليه في التهيئة التي أطلقها الاجتماع لانتخابات مجلس النواب القادمة.

ونوهت اللجنة المركزية، باعتزاز كبير، بالذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي التي ستحل بعد سنة واحدة، في آخر آذار 2014، ودعت إلى احياءهذه الذكرى المجيدة بما يليق بها وبالحزب ومكانته والآمال المعقودة عليه.

وتداول المجتمعون التطورات والمستجدات السياسية في البلاد منذ الاجتماع السابق للجنة المركزية في 12 تشرين الأول 2012، وخلصت المداولات الى كون بلادنا تعيش أزمة عامة عميقة متعددة الأوجه والأبعاد، يكاد الكل - بمن فيهم الكتل المتنفذة - يتفقون على هذا وعلى كون العديد من العوامل الداخلية والخارجية تتداخل فيه، وتبقى الأوضاع مفتوحة على كافة الاحتمالات بما فيها الاسوأ، بعد ان لم تجد المبادرات المختلفة، حتى الان، فرصتها لإخراج البلاد من أزمتها.

ورغم مضي عشر سنوات على التغيير في 9 نيسان 2003 لا يزال الصراع محتدما على المغانم والنفوذ والسلطة، وعلى مستقبل البلاد وشكل الدولة والنظام السياسي – الاقتصادي- الاجتماعي، وقد أخذت الأزمة العامة، في الفترات الأخيرة، أبعادا خطيرة جراء نهج المتنفذين وتعنتهم واصرارهم على مواقفهم، وتغليبهم مصالحهم الذاتية على مصالح الوطن وأبناء الشعب، الذين يئنون تحت وطأة الأزمة وانعكاساتها على الصعد المختلفة.

ويشير عجز القوى المتشاركة في السلطة عن التوصل إلى تسويات وحلول للمشاكل القائمة، إلى عمق الأزمة السياسية وامتداد جذورها إلى طبيعة نظام  الحكم  الذي يعتمد المحاصصة الطائفية والاثنية في رسم ملامح الدولة العراقية وفي بناء مؤسساتها والعلاقات السياسية بين القوى المتنفذة.

وفي سياق مسلسل الأزمات المتتالية التي ينتجها نظام حكم المحاصصة، دخلت بلادنا حالة استعصاء سياسي مرهق، ينطوي على صراعات ونزاعات بين الكتل الماسكة بالسلطة، وتوتر وتشنج وقطيعة في ما بينها، وسوء إدارة للبلد وفوضى ضاربة  وقلق اجتماعي وركود اقتصادي، وفساد ينخر في جسد الدولة ووزاراتها ومؤسساتها، وفشل مريع في توفير الخدمات، وتدهور في المستوى المعيشي لفئات اجتماعية واسعة، خاصة من الكادحين وذوي الدخل المحدود.

على ان الأزمة العامة، والآلية التي تدار بها البلاد، وضعف التقاليد الديمقراطية وهشاشة مؤسساتها، وطريقة بناء المؤسسات الأمنية والسعي المتزايد الى الهيمنة عليها واحتكارها، هذا كله وغيره، يثير مخاوف جدية من المساعي المتزايدة الى الزج بهذه المؤسسات في الحياة السياسية، بما يخرجها عن مهامها المحددة دستوريا، وتتجلى على نحو بيّن مظاهر عسكرة المجتمع، ودفع أعداد كبيرة نسبيا الى تشكيلات مختلفة المسميات، لا يسندها غطاء قانوني، فتتكشف عاجلا حقيقة كونها أدوات تستخدم في الصراع السياسي المحتدم بين القوى المتنفذة.

ان الزج بالجيش على نحو متزايد في السياسة، فضلا عن كونه مخالفة دستورية، أنما يضعف مؤسسات الدولة المدنية (البرلمان ومجلس الوزراء وغيرهما) ودورها، ويعكس بشكل أو بآخر رواج العقلية الأمنية – العسكرية، والتوجه الى تشكيل "الجيوش" أو بعث الحياة في المليشيات بعناوينها المختلفة، كما انه يحمل مخاطر جدية على تطورالعملية الديمقراطية وتأصلها، ويؤشر أمكانية اللجوء الى القوات العسكرية، على هذا النحو أو ذاك، في معالجة القضايا موضع الخلاف بين الأطراف المتصارعة.

وتتجلى الأزمة، أيضا، في الخلل الواضح في قيام أجهزة الدولة بوظائفها ومهامها، وفي القطيعة والتناحر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والشلل في عمل البرلمان وعجزه عن انجاز واجباته التشريعية والرقابية، وفي امتداد تأثيرها الى القضاء الذي غدا موضع  انتقادات حادة من أطراف عديدة لجهة عدم حيادته.

وتسبب هذه الأوضاع المتوترة وتداعياتها القلق للمواطنين العراقيين، وتشيع أجواء الشك وانعدام الطمأنينة وخيبة الأمل إزاء عدم وفاء المتنفذين بوعودهم، وعجزهم عن تخليص البلد من أزماته المستفحلة، وعلى خلفية ذلك يزداد الارتياب في إجراءات الحكومة، وتنعدم الثقة بين مؤسساتها والمواطنين.

 أزمة الحكومة

كان للعلاقات المتدهورة والشد المتبادل بين الكتل السياسية الحاكمة تأثير كبير على عمل الحكومة ونهوضها بواجباتها الدستورية، فقد قدم وزراء بعض الكتل استقالاتهم، وعلق آخرون عضويتهم، فيما جرى منح أجازات إجبارية لعدد غيرهم، في أجراء غير مألوف، وسعيا الى تلافي الخلل الناشئ، تم تكليف وزراء من البقية بإدارة الوزارات الشاغرة وكالة، وقد أسهم ذلك في زيادة عديد الوظائف العامة التي تدار وكالة، وفيما هبط عدد أعضاء الحكومة العاملين الى مستوى، طرحت معه تساؤلات عن قانونية اجتماعات مجلس الوزراء، أنهى البعض من الوزراء مقاطعتهم واستأنفوا حضور جلسات مجلس الوزراء، وهو ما بدا شرطا لاعتبار الوزير مستمرا في  أداء  مهامه، في حين لا يزال هذا المجلس يعاني، رغم المطالبات العديدة المتكررة، من عدم توفره على نظام داخلي ينظم عمله.

وتكررت حالات الانسحاب من الحكومة وتعليق العضوية لدوافع شتى، ولكن المبررات التي تساق في هذا الشأن تتصل غالبا بالشكوى من التفرد والتهميش وضعف التشاور في حكومة يفترض أنها "حكومة وحدة وطنية" قامت على أساس الشراكة والتوافق، كذلك كان الموقف من التظاهرات والاعتصامات في محافظات، الانبار والموصل وكركوك وصلاح الدين وديالى وبغداد، عاملا أخر في توسيع شقة التباين والخلاف، ووصل الأمر الى البرلمان أيضا، الذي  أصبحت صعوبة اكتمال نصابه سببا في عدم التئام جلساته، ومن ثم عدم حسم مصير العديد من مشاريع القوانين، التي بعضها مهم  وحساس وقد طال انتظاره.

ان هذا كله يعكس جانبا من المشهد السياسي المرتبك والملتبس في بلادنا، وهو في الوقت ذاته، وبفعل عوامل أخرى أيضا، يشكل دافعا الى حراك سياسي وإعادة اصطفاف وتوافقات جديدة، قد تكون في طريقها الى التبلور على خلفية التغيرات داخل الكتل السياسية الكبيرة نفسها، وفي علاقاتها المتبادلة وما أسفرت عنه نتائج انتخابات مجالس المحافظات، كذلك على خلفية التصدع الحاصل في الحكومة والذي أدى في الواقع الى فوضى في أدارة الحكم.

العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم

من مظاهر تدهور الأوضاع في البلاد العلاقة المتأزمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، والتي تكاد تكون مستمرة منذ تشكيل الحكومة غداة اتفاقية اربيل، وما بذلته رئاسة الإقليم خلال ذلك من جهد لتقريب وجهات نظر الفرقاء وإتمام صفقة تشكيل الحكومة القائمة.

ألقى الطرفان على بعضهما اللوم في ما وصلت اليه علاقتهما، والذي بلغ ذروته في تعليق نواب التحالف الكردستاني ووزرائه عملهم، ويتركز الخلاف على قضايا الموازنة الاتحادية وحصة الإقليم فيها، ومسألة إقرارها في غياب نواب التحالف، ما وضع مبدأ "التوافق" موضع تساؤل، الى جانب مدى الحاجة الى استمراره، خصوصا وقد سبق ذلك تمرير قانون تحديد ولايات الرئاسات الثلاث، رغم معارضة ائتلاف دولة القانون الذي أعلن انه سيطعن به إمام المحكمة الاتحادية، وهناك أيضا الاختلاف في شأن المادة 140 وتنفيذها وحسم قضية المناطق المتنازع عليها، كذلك آلية استغلال النفط في الإقليم والعقود التي أبرمت مع شركات عالمية ودفع مستحقاتها، وموضوع رواتب البيشمركة وعلاقتهم بمنظومة الدفاع الوطني الاتحادية، وكان قد سبق ذلك  توتر الأجواء كثيرا إثر تشكيل "قوات دجلة"، وما سببه ذلك من احتقان وتهديد باندلاع نزاع مسلح مدمر، وغير ذلك.

لم تحظ المشاكل المعلقة بين المركز والإقليم بالاهتمام الكافي من لدن الطرفين، اللذين لم يتحركا في الوقت المناسب لمعالجتها، بل تركاها لتتراكم، الأمر الذي عقد الحلول، يضاف الى ذلك سعي البعض على الدوام الى توتير الأجواء، وإشاعة المشاعر المعادية لتطلعات الكرد وتمتعهم بحقوقهم كما نص عليها الدستور، فضلا عن بعض التصريحات الإعلامية المتشنجة  الصادرة عن الطرفين.

على ان الإقليم، وهو جزء من الدولة الفيدرالية التي أقرت دستوريا، وما زالت محاطة بالالتباس عند البعض وموضوعا للتفسيرات من مواقع شوفينية، يتأثر بالأجواء السياسية المأزومة في عموم البلاد ويؤثر فيها، ويزداد الأمر تفاقما عند غياب الممارسات الديمقراطية الحقة ودولة المؤسسات والقانون.

ومما لا شك فيه ان هناك قضايا ذات طابع موضوعي تتصل برسم تفاصيل صلاحيات الحكومة الاتحادية  وحكومات الإقليم والمحافظات، وإرسائها على أسس توافقية ودستورية سليمة، بعيدا عن التفرد والإملاء والتجاوز على الصلاحيات، أو استغلال الأوضاع الطارئة،لفرض أمر واقع لا يشكل مدخلا صحيحا لعلاقة يراد لها الثبات والرسوخ لخير أبناء الدولة الاتحادية.

وستبقى الحاجة قائمة الى مبادرات حثيثة، خاصة من جانب من بيدهم القرار، لتحريك الأجواء ومنع تراكم المشاكل، ولحل كل قضية في وقتها عبر الحوار الجاد الصبور المتواصل وبعيدا عن القطيعة والجفاء، وقطع الطريق على المتربصين والشوفينيين ممن لهم مصلحة في إدامة التوتر، وفي الحؤول دون استقرار البلاد، والعمل على تعريض تجربتها على طريق الديمقراطية الى الاهتزاز والنكوص، وتشجيع نزعات الانفراد وتهميش الآخرين وإقصائهم.

ويمكن للقاءات الأخيرة بين ممثلي الجانبين، التي لم تأت بمعزل عن ضغوط داخلية وخارجية تعرضا لها، وما أسفرت عنه من توقيع اتفاق جديد بينهما، بعد زيارة رئيس وزراء الإقليم الى بغداد، وتواصل زيارات الوفود الى بغداد واربيل، ان تشكل بداية سليمة أذا ما جرى التمسك بما اتفق عليه وتحويله الى واقع ملموس، والذهاب الى حلول  للملفات العديدة العالقة لها صفة الديمومة والاستمرار.

التطورات العاصفة  في المنطقة وتداعياتها على أوضاع  بلدنا

يوفر سلوك الكتل المتنفذة وصراعاتها، وعدم تورعها عن الاستقراء بالخارج في سبيل الحصول على المغانم والمكاسب والاستحواذ على مواقع النفوذ والقرار، تربة خصبة لتزايد التدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية، في الشأن العراقي، وفي صياغة ملامح المشهد السياسي فيه، وقد  بلغ هذا التدخل مديات واسعة، وغدا عاملا أضافيا في تعقيد الأزمة السياسية العامة، وفي عدم وصول المبادرات الى نهاياتها المنشودة بإيجاد مخارج لصالح امن واستقرار البلد، وتوثيق عرى التلاحم الوطني والنسيج الاجتماعي، والانطلاق الى الفضاء الرحب للنماء والرخاء.

 ويرتبط تزايد التدخل من طرف الدول المحيطة بالعراق بالتطورات العاصفة التي تشهدها أوضاع دول "الربيع العربي"، واشتداد حدة الصراع في سوريا على وجه الخصوص، فبعد أكثر من عامين على انطلاق انتفاضات "الربيع العربي" التي أطاحت  بالأنظمة الدكتاتورية في تونس ومصر وليبيا واليمن، لا تزال هذه البلدان تمر بحالة مخاض، وتعيش أوضاعا غير مستقرة ناجمة عن الصراع السياسي والاجتماعي المحتدم، حول طبيعة الدولة والنظام السياسي الجديد ووجهة التطور اللاحقة، وقد تبلور منحى الصراع في انقسام مجتمعي ما بين دعاة مشروع الدولة الدينية وبين المطالبين بالدولة المدنية الديمقراطية.

 وفي سوريا، تحول الصراع بين النظام الحاكم وطيف القوى المناهضة له، إلى مواجهات عسكرية مع التشكيلات المسلحة التي تهيمن عليها قوى أسلامية متشددة، ومنذ ما يزيد على عام تعصف بالبلاد حرب داخلية ضروس بين قوات النظام الحاكم، التي لم تتورع عن استخدام المدفعية الثقيلة والطائرات الحربية  في قصف المناطق والأحياء السكنية، التي تسيطر عليها تشكيلات عسكرية لقوى معارضة لا تتورع بدورها عن ارتكاب الفظائع، على وفق ما أشارت اليه التقارير.

 واقترنت عسكرة الصراع في سوريا وتعاظم الدعم الخارجي لطرفيه، بمحاولات دفعه أكثر فأكثر في اتجاهات دينية – طائفية متشددة، على حساب الأهداف والمضامين الوطنية الديمقراطية والاجتماعية، وبات واضحا أيضا ان طول أمد الصراع وعدم قدرة أي من الطرفين على حسمه عسكريا، إلى جانب مرامي ومساعي بعض القوى الدولية الى أعادة رسم خارطة المنطقة، أديا إلى ازدياد مخاطر "أقلمة" الصراع في سوريا على أسس طائفية، ليشمل الدول المجاورة، وفي مقدمتها العراق.

وارتباطا بهذه الأوضاع والتطورات، لا يبدو مستغربا أن توفر الأزمة الداخلية في العراق فرصا أكبر ومساحات أوسع، لتدخل  قوى دولية وإقليمية في الشأن الداخلي العراقي انطلاقا من مصالحها الخاصة الأنانية، ومن سعيها الدائم لتوسيع مناطق نفوذها، وضمان أمنها القومي، خاصة وان بلادنا أصبحت جزءا من الصراع الدائر في المنطقة، الذي يأخذ على نحو متزايد بعدا طائفيا مخيفا، مثلما ينطوي على احتمال التفاقم وتغذية النزعات التقسيمية، الأمر الذي  يمكن أن يهدد، في حال أصرت القوى المتنفذة على منهجها وسلوكها، وحدة العراق  ككيان سياسي واستراتيجي.

ان للمتدخلين مصالحهم وأجنداتهم الخاصة، والمؤسف ان تنجر إليهم قوى عراقية، تستحق هي بالتالي الملامة إذ تستقوي بالعامل الخارجي في صراعها حول قضايا وطنية عراقية، علما أنها كلما أمعنت في هذا الاستقراء ازداد حجم التدخل الخارجي، وذلك ما يتوجب ان تدركه هذه القوى، وان تنأى بنفسها عنه، وتعتمد الشعب ومصالح الوطن أساسا في التنافس مع الكتل والأحزاب الأخرى، لا سيما وان أي حديث عن استقلالية القرار العراقي يفقد معناه مع هذا التدخل واسع النطاق.

التأجيج الطائفي

عاشت القوى المتنفذة والممسكة بالسلطة أياما صعبة جراء الأزمات المتتالية التي صنعتها بنفسها، وبسبب فشلها على أكثر من صعيد، ونتيجة قراراتها غير الناضجة وغير المدروسة، وترافق ذلك مع اشتداد الأزمة العامة وفقدان الحكومة هيبتها واتساع الهوة بينها وبين الجماهير الواسعة لأبناء شعبنا، عدا المجاميع التي ارتبطت بالسلطة بأكثر من وشيجة واغتنت على حساب مصالح الفقراء والكادحين من شغيلة اليد والفكر.

وخلال انتخابات مجالس المحافظات عادت القوى المتنفذة مجددا، وهي تسعى للحفاظ على مصالحها ونفوذها وسلطتها، الى السلاح الخطير وغير النظيف الذي اعتمدته في مرات سابقة، غير آبهة بحياة الناس ومصير الوطن واستقراره وتماسك نسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية، سلاح تأجيج الولاءات الثانوية والفرعية والنعرات الطائفية، وهو ما يتوقع ان تواصله الى انتخابات مجلس النواب القادمة.

ونحن نميز جيدا بالطبع بين الانتماء لأي دين أو قومية أو طائفة، الذي هو موضع احترام وحق يكفله الدستور الذي يضمن ممارسة كل إنسان لطقوسه ومعتقداته، وبين استخدام هذه العناوين المحترمة لتنفيذ أجندات سياسية وحزبية ضيقة وأنانية.

فرهان الطائفيين المتعصبين، سواء كانوا في السلطة أم خارجها، على استغلال مشاعر الناس البسطاء وتضليلهم، والذي يحقق لهم مكاسب آنية، أنما يزرع بذور الفتنة ويبث سموم الشك وعدم الثقة بين أبناء الشعب الواحد، وليس من يجهل ان التعصب الطائفي كان على الدوام مصدرا لعدم الاستقرار، وعقبة كأداء أمام التطور والتقدم.

وان ما نشهده اليوم من تصعيد وشحن وتجييش طائفي من طرف ممثلي الإطراف النافذة المتصارعة، لا يعفي أحدا منهم من مسؤولية ما ينجم عنه، ولا يسمح بتبرير الأمر باعتباره تعبيرا عن فعل ورد فعل.

انه لمنزلق خطر هذا الذي يريد الطائفيون والمتعصبون جر بلادنا اليه، ويتوجب على الجميع الحذر من الوقوع فيه، لا سيما وان العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب والطوائف، وان دوام الانسجام والعيش المشترك والتآخي بين أطيافه المتعددة، مرهون بسلوك الحكام والمتنفذين، وبالتزامهم التطبيق الصارم للمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، مثلما نص الدستور، ونبذ التعصب والانغلاق، ورفض تكريس الولاءات الثانوية والفرعية بديلا عن مبدأ المواطنة، وعن الولاء للعراق كوطن للجميع.

تداعيات الملف الأمني

وغير بعيد عن الأجواء السياسية المعقدة وانعكاساتها السلبية، شهدت الفترات الماضية خروقات أمنية كبيرة، فيما تواصل مسلسل التفجيرات الإرهابية والاغتيالات وصولات كاتم الصوت و "أعمال البلطجة" والتصفيات على الهوية في بعض المناطق، وأعمال السطو المسلح، والاختطاف وطلب الفدية، واستهدفت  هذه الأعمال المدانة مبان ومقرات عامة وخاصة، وشخصيات حكومية وأهلية، ووجوها اجتماعية وأكاديمية، ومؤسسات ومنظمات مدنية، وإعلامية، ومساجد وحسينيات، كما استهدفت ناشطين سياسيين ومرشحين لانتخابات مجالس المحافظات.

تميزت الأعمال الإرهابية الأخيرة بسعتها وتوقيتها وشمولها مناطق ومحافظات عدة، وبضمتها ما يعتبر مناطق أمنة، ولا تخفى رسالة وغايات بعض تلك العمليات، والتي تتلخص في تأجيج الفتنة الطائفية وإذكاء نارها وإلهاب المشاعر والنعرات.

يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه مجاميع مسلحة عن نفسها وعن استعدادها وقدرتها على "الاقتصاص من مثيري الفتن" في خروج واضح وصريح على القانون وتحد لإعلان الحكومة عزمها على حصر السلاح بيد مؤسسات الدولة المخولة، وتأكيدها رفض المليشيات.

ويحصل هذا كله في وقت زاد فيه عديد القوات الأمنية والعسكرية على مليون وربع المليون فرد، وخصصت للأمن والدفاع، كما في السنوات السابقة، نسبة عالية من الموازنة الاتحادية، وهذا يؤكد ما سبقت الإشارة اليه حول كون الملف الأمني لا يتأثر بعامل واحد، بل بمجموعة عوامل متداخلة ومترابطة، يضمنها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وانعكاسات ما يجري في سوريا على بلادنا، ومحاولات توريطه فيه وجعله جزءا من المشكلة، إضافة الى آلية تشكيل القوات وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وما يتسرب عن شراء المواقع القيادية وحالات الرشا والفساد، وما هو معروف عن ضعف الجهد ألاستخباري.

لقد عانى أبناء شعبنا الكثير بسبب هشاشة الوضع الأمني، وما زالوا  يعيشون أجواء عدم الطمأنينة وغياب الاستقرار، ويشكل هذا تحديا كبيرا للسلطات المعنية وهو يتطلب مقاربات متأنية، مسؤولة، إستراتيجية، بعيدة عن التعجل وعن اتخاذ القرارات التي تخرج الجيش والقوات المسلحة الأخرى عن مهامها المحددة دستوريا، وتسخيرها للكسب السياسي  والحزبي الضيق على حساب المصلحة الوطنية العليا، وعلى حساب حاجة البلاد بأسرها  للأمن والاستقرار، صيانة وحفظا لأرواح الناس وممتلكاتهم، وضمانا لانطلاق عملية حقيقية للبناء والأعمار والتنمية.

 في شأن  تشكيل الأقاليم يرى حزبنا في نظام الحكم الاتحادي (الفيدرالية) شكل الحكم المناسب لظروف العراق، بما يحفظ وحدته ويضمن الحقوق المشروعة لأطيافه المتعددة، وفي ظروف العراق الملموسة هذه  تبنى الحزب الفيدرالية باعتبارها الحل الديمقراطي للقضية الكردية، كما أيد من حيث المبدأ إقامة الأقاليم وفقا للدستور والآليات القانونية المعتمدة.

وقد شهدت الفترة الماضية مساع ودعوات لإقامة الأقاليم، سواء ارتباطا بالعلاقة المتوترة بين عدد من المحافظات والحكومة الاتحادية، أو طمعا في تحسين أوضاع تلك المحافظات، وجاءت هذه الدعوات على خلفية التوتر والتشنج العام السائدين في البلاد، والظروف الإقليمية بتجاذباتها المتقاطعة هي الأخرى، والتي تجد انعكاساتها في واقعنا العراقي وتتفاعل معه.

وبجانب الإشارة الى الحق الدستوري في ذلك، لا بد من التشديد على ان تشكيل الأقاليم يجب ان يجري في إطار التوافق الوطني العام، وأجواء المصالحة الوطنية الحقيقية، واستتباب الأمن والاستقرار، وان لا يتم الانطلاق فيه من التعامل بالفعل ورد الفعل وفي إطار ظرف آني طارئ، بل من الحاجة الفعلية القائمة، وفي ضوء إمكانية تحقيق الوئام والاستقرار في الإقليم نفسه، وان يجري ذلك بعيدا عن تكريس الانغلاق الطائفي، وفي أجواء حرية الاختيار من دون أكراه وفرض أو تهييج للمشاعر، وسيكون تشكيل الإقليم على وفق المذكور أعلاه، وفي إطار العراق الديمقراطي الموحد، عامل استقرار وطمأنينة، وتمتين لعرى الوحدة والتآخي القائمة على الإرادة الحرة والاتحاد الطوعي والتعايش المشترك، وبهذا المعنى تأتي الفيدرالية وتشكيل الأقاليم مناقضين لدعوات التقسيم والانفصال.

هل تحقق دعوات البعض الى تشكيل الأقاليم  شيئا مما ذهبنا اليها هنا لا بد من التأكيد ان العلاقة بين المركز والمحافظات لا تعالج بالهروب الى حلول غير ناضجة ولم يحن وقتها بعد، فالمشاكل ستبقى في هذه الحالة هي ذاتها، بل وقد تغدو أكثر تعقيدا وصعوبة، لا سيما في ظل تدني مستوى الأداء السياسي، وفقر الممارسة الديمقراطية وضعف اعتماد قيمها، والركض وراء المنافع والاعتبارات الذاتية والشخصية وتغليبها على ما هو عام وأساسي.

من جانب آخر يتوجب التوجه الجاد والمسؤول نحو معالجة قضايا المواطنين والاستجابة لمطالبهم العادلة، واحترام الحريات العامة والخاصة، وحق الجميع في ممارسة الشعائر والطقوس الدينية وتوفير ضمانات تمتعهم به، وتبني سياسة تنموية اقتصادية – اجتماعية فعالة، والمراعاة الصارمة لمصالح المحافظات كافة وتطورها المتوازن، كذلك يتطلب الأمر موقفا مسؤولا تجاه إشباع الإقليم والمحافظات بصلاحياتهما، وتمكين السلطات المحلية من أداء دورها، ومعالجة القضايا العالقة المتصلة بالبناء السليم للدولة الاتحادية، وتشريع القوانين التي تسهم في توضيح الصلاحيات وتحديدها على نحو بين، والتواصل والتشاور مع القوى والأحزاب الوطنية، واعتماد الحوار سبيلا للتوافق على ما هو مختلف في شأنه، بما في ذلك مواد الدستور، وبما يعزز الوحدة الوطنية ويبدد أجواء عدم الثقة.

عن حكومة الأغلبية

جراء استمرار حالة الاستعصاء السياسي، راح البعض يروج لفكرة حكومة الأغلبية من دون وضوح كاف بشأن آلية تشكيلها وبرامجها وأهدافها، فيما انتخابات مجالس المحافظات كانت على الأبواب، والكتل المعنية لا تبدي حماسا محسوسا لإجراء انتخابات مبكرة وهي طريق سلمي مشروع وديمقراطي ودستوري.

ان الدستور العراقي يشير الى إسناد مسؤولية تشكيل الحكومة الى الكتلة التي تشكل أغلبية في البرلمان، ولكن أية أغلبية؟ هل هي أغلبية سياسية ذات برنامج واضح ومحدد، أم هي أغلبية عددية لمنتسبي كتل طائفية واثنيه؟ هنا يكمن مأزق هذه الدعوات وأصحابها المستمرئين مبدأ المحاصصة المتشبثين به لإدامة حكمهم ونفوذهم، فيما هم يلعنونه لسانا ليل نهار.

ان تشكيل حكومة الأغلبية ممارسة سياسية سليمة سبقنا أليها العديد من دول العالم، وستكون موضع ترحيبنا أذا قامت على أسس وبرامج سياسية وقوائم عابرة للطوائف، وإذا جاءت خطوة جادة نحو الخلاص من المحاصصة، وبناء ممارسة ديمقراطية حقه تجسد نمط تفكير جديد في إدارة البلاد بعيدا عن الأنانية والتفرد ونهج التحزب الضيق، وتتيح الانطلاق الى فضاء احترام الآخر المختلف، وتوسيع المشاركة في رسم السياسة واتخاذ القرار، وصيانة حقوق الأقلية السياسية المعارضة واحترام آرائها ومواقفها وسبل تعبيرها عنها على وفق الدستور، والإقرار الفعلي بالتداول السلمي للسلطة عبر أغلبية سياسية واضحة ومعروفة البرامج والتوجهات.

فهل الدعوات الحالية الى حكومة الأغلبية تنسجم مع ما نشير اليه ونشدد عليه، وهل تتوفر الشروط لتحقيق هذه الدعوات، فضلا عن الجدية في ذلك ؟ أم ان الأمر يدخل في باب التراشق الإعلامي المجرد بين الكتل المتصارعة.

لا حلول جذرية مع استمرار المحاصصة الطائفية الاثنية

الحراك الشعبي

ليس الحراك الشعبي وليد لحظة معينة او تطور محدد، بل ان له اسبابه الموضوعية المرتبطة وثيقا بنظام المحاصصة الطائفية – الاثنية، وافرازاته وآثاره السلبية على مجمل اداء وتوجهات الحكومة ومؤسساتها المختلفة.

وتكمن جذوره ايضا في هذا الوضع العام المتردي والبائس، وتدهور احوال الناس، وغياب التصورات والتوجهات نحو تحقيق تنمية حقيقية، وفي البطالة وضعف الخدمات العامة، واستمرار ازمات الكهرباء والماء الصالح للشرب والنقل، وفي الفساد السياسي والمالي والاداري المستشري، وتدهور الوضع المعيشي لفئات واسعة من الفقراء وذوي الدخل الم?دود والمتقاعدين والعمال وذوي المهن المختلفة، وفي مساعي تكميم الافواه وتنميط الحياة، والتضييق على الاعلام وعلى الحريات الخاصة والعامة التي كفلها الدستور.

هذا كله وغيره دفع المواطنين الى التحرك باشكال مختلفة متنوعة من الاعتصامات والمسيرات والتجمعات، والتوقف عن العمل وتقديم الشكاوي، كذلك تنظيم التجمعات الجماهيرية الواسعة التي مر عليها اليوم اكثر من خمسة اشهر، والتي انطلقت من الانبار وانتقلت الى نينوى وكركوك  وصلاح الدين، ديالى، وشملت كذلك مناطق متعددة في بغداد،علما ان اهالي هذه المحافظات يضيفون اسبابا اخرى لتحركهم، تتصل بالتمييز والاقصاء والتهميش وانتهالك حقوق الانسان.

وقد حدد حزبنا موقفه من هذه التحركات منذ انطلاقها، وقال بدعم المطالب المشروعة التي رفعتها الجموع المليونية المحتجة، واكد اهمية وضرورة الاستجابة السريعة لها من قبل الحكومة، التي رأى ان لا تراهن على عامل الوقت في انحسار شدتها وقوتها، ونبه الى ان الوقت المفتوح ليس في صالح احد، وقد يفسح في المجال لتدخلات تزيد الامور تعقيدا وربما  تخرجها عن السيطرة، وهو ما حصل فعلا، اضافة الى وقوع المحظور وحصول الصدام المسلح  بين قوات الجيش والمتظاهرين، الذي تسبب في سقوط العديد من الضحايا،  بغض النظر عن ملابساته وادعاءات الطرفين?في شأنه، كذلك المأساة الناجمة عن اقتحام ساحة الاعتصام في الحويجة بالقوة المسلحة، وعدم فسح المجال للحوار وللبحث عن الحلول السلمية، وعن الانجرار وراء مخططات الارهابيين في اشاعة العنف ولاخراج التظاهرات عن طابعها السلمي، وما تلى ذلك من ردود فعل وتهييج للمشاعر والعواطف، ووقوع اعتداءات هنا وهناك على افراد القوات المسلحة، وسقوط ضحايا.

وفي الوقت نفسه وبقدر التضامن مع ما هو مشروع، رفض الحزب رفع الشعارات الطائفية والمستفزة والخطابات المؤججة للمشاعر والمحرضة على العنف، وخلط الاوراق، وشدد على عزل المتطرفين والارهابيين عن الاغلبية التي تطالب بحقوق عادلة، وان تستمر التظاهرات بطابعها السلمي الحضاري  الدستوري، وفي المقابل رفض التصعيد واللجوء الى القوة من قبل الحكومة، والزج بالقوات المسلحة  في  التعامل مع المعتصمين.

وعلى الضد من الخطاب المعتدل وممارسة حق التظاهر والاحتجاج السلميين الذي يكفله الدستور، والمطالب المشروعة التي يتضامن معها حزبنا ويدعو إلى الاسراع في تحقيقها، تسعى جهات تتربص ببلادنا، في الداخل والخارج، إلى استغلال مشاعر السخط لدى المتظاهرين والتذمر لدى الأهالي، ودفعها  بما يخدم مراميها المشبوهة في اتجاهات طائفية متعصبة، والترويج لرموز وشعارات ترفض العملية السياسية والدستور وتدعو الى العودة بالبلاد القهقرى.

بعد تباطؤ ومماطلة وتسويف قامت الحكومة والكتل الحاكمة بتشكيل اللجنتين الخماسية والسباعية، اللتين نظرتا في ملفات المعتقلين والمعتقلات واعلنتا عن اطلاق سراح المئات منهم، كذلك قامت بمراجعة تشريعات وقرارات ذات صلة بالاموال والعقارات المصادرة، وبقانون المساءلة والعدالة، واعلنت مرات عدة انها تواصل عملها بهدف ملاقاة مطالب المتظاهرين، علما ان ما تتخذه من قرارات لا يجد طريقه كاملا الى التنفيذ، خصوصا ما يتعلق بالتشريعات الواجب اقرارها من طرف مجلس النواب.

وبحسب اللجنة ذاتها وما اشارت اليه، فقد حصل العديد من الانتهاكات والاعتقالات الكيفية وحالات التعذيب، الامر الذي يبرر ويدعم تلك الشعارات والمطالب ذات الصلة التي رفعها المتظاهرون.

علما ان اللجنة الخماسية المكلفة  بالتعامل مع مطالب المتظاهرين قدمت مقترحات إلى مجلس الوزراء بشأن تعديل قانون المساءلة والعدالة وقانون المخبر السري وقانون مكافحة الارهاب، وتدعو تعديلات قانون المساءلة والعدالة إلى تخفيف اجراءات الاجتثاث، بحيث يتم رفعها عن اعضاء الفرق ويسمح بعودتهم إلى الوظائفـ، كذلك بصرف رواتب تقاعدية لفدائيي صدام، وقد قوبلت هذه المقترحات بالرفض الشديد من قبل بعض التيارات والقوى، الامر الذي يوجب تدقيق القانون وتعديله، بما يزيل اللبس ويجعله منسجما مع نهج المصالحة الوطنية، وفي مقابل ذلك جرى?تقديم مقترح بتشريع قانون تجريم البعث، وعدت كتلة القانون ادراجه على جدول عمل المجلس شرطا لاستئنافها حضور جلسات مجلس النواب.

وقد سبق لحزبنا ان بيّن ان قانون المساءلة والعدالة هو من اجراءات المرحلة الانتقالية، ولا يفترض ان يكون مفتوحاً من الناحية الزمنية، كما اكد ضرورة تطبيقه بطريقة  بعيدة عن الانتقائية، وتضع في الاعتيار الجوانب الانسانية. لكن الحزب - من جانب آخرـ يتفهم التحقظات والمخاوف والقلق المشروع  الذي يجري التعبير عنه بشأن اعادة اعضاء متقدمين في حزب البعث إلى المؤسسات العسكرية والامنية واجهزة الدولة الاخرى، في ظروف تتسم فيها العلاقات بين القوى السياسية التي ناضلت ضد حكم البعث بالتدهور، وبتفاقم الصراعات المتبادلة التي تلي بظلالها على مجمل العملية السياسية، وكم كان المخلصون يتمنون ان  يتم الاقدام على هذه الخطوة والحياة السياسية اكثر استقراراً، والمؤسسات الديمقراطية اكثر توطداً، والعملية السياسية اكثر رسوخاً والوحدة الوطنية اشد تماسكا.

ومن المهم التأكيد مجددا، ومثلما يشير مسار التظاهرات وتطوراتها، ان الوقت ليس مفتوحا وان من الضروري الاصغاء الجدي لما تعلنه الناس وتطالب به، والاسراع في تلبية المشروع منها، والمبادرة من جانب رئاسة الوزراء الى فتح قنوات حوار مع ممثلي المتظاهرين واشراك ممثلي الراي العام في ذلك.

الموازنة الاتحادية

بعد تأخر جلي وصراعات علنية وخلف الكواليس، اعلن مجلس النواب عن اقرار قانون الموازنة الاتحادية للعام 2013، في غياب ممثلي التحالف الكردستاني جراء الاختلاف حول امورعدة، منها رواتب اليبشمركه والمدفوعات المستحقة للشركات النفطية العاملة في الاقليم، والمتعاقدة معه.

وسجل اقرار الموازنة على هذا النحو خروجا عن "التوافق" المعتاد في حالات كهذه عند اقرار الموازنات.

وجاءت الموازنة، كما سابقاتها، لتعكس الطبيعة الاحادية الريعية – الخدماتية للاقتصاد العراقي، وبعده عن التخطيط والرؤية المتكاملة، اللذين يؤشران منهجا واضحا في رسم سياسة اقتصادية- اجتماعية تهدف الى  توظيف موارد الدولة المتعاظمة، والقطاعات الاقتصادية المختلفة، في بناء اقتصاد متطور ديناميكي  متوازن، يؤمن التنمية والرفاه لابناء الشعب.

ولم تعالج الموازنة الجديدة الثغرات التي رصدت في الموازنات السابقة، ولا سيما ضعف اهتمامها بالانشطة الانتاجية الوطنية كالزراعة والصناعة، وتنويع مصادر الدخل، واعتمادها على اساس  تخصيصات سنوية لمشاريع متفرقة، قد لا يوجد ما يوحدها، فضلا عن عدم مراعاتها للاولويات المطلوبة وطنيا، وعدم معالجتها اوضاع العديد من الفئات الاجتماعية، يضاف الى ذلك غياب الآلية الواضحة في التعامل مع الفائض المتحقق من ايرادات النفط الخام المصدر، رغم ان كل المؤشرات تبين بقاء سعر برميل النفط على الصعيد العالمي مرتفعا، ما يعني توفر فائض فوق?ما هو مخطط في موازنة 2013، وان هذا كله وغيره قد يفسح في المجال للتصرف بالاموال الفائضة بشكل عشوائي وغير مدروس، مما يزيد من احتمالات حصول حالات فساد.

وفي حين يشهد الانتاج النفطي ارتفاعا متواصلا، وان بوتائر ابطأ من المتوقع، بفضل نشاط شركات النفط  الاجنبية العاملة وفقا لعقود الخدمة، التي تم التوصل اليها في اطار جولات التراخيص، تثار تساؤلات جدية حول ما يرشح من معلومات بشأن ارتفاع تكاليف الانتاج، التي تسترجعها الشركات من ايرادات النفط المنتج، ما يؤشر احتمال وجود  اسراف في تقدير التكلفة، وهذا ما يدعو وزارة النفط إلى اعلان التكاليف الفعلية لاستخراج النفط، ومتوسط تكلفة البرميل المستخرج من قبل الشركات العاملة في اطار عقود جولات التراخيص، إلى جانب التشديد على ضرورة رسم وتنفيذ الخطط والبرامج، الكفيلة بضمان السيطرة الوطنية على القرار الخاص بمستويات ووتائر الانتاج النفطي، وضرورة حسم الخلافات مع اقليم كردستان بانسجام مع روح الدستور، وباقرار قانون النفط والغاز.

انتخابات مجالس المحافظات

في  يوم 20 نيسان الماضي جرت انتخابات مجالس المحافظات التي لها اهميتها الخاصة ضمن الظروف الحالية التي يمر بها بلدنا، ولما تقوم به المجالس من ادوار متزايدة لها صلة مباشرة بحياة الناس، وما يوضع تحت تصرفها من اموال، والانتخابات اكتسبت اهميتها ايضا، كونها مؤشرا هاما على توازنات القوى، وكانت  تحضيرا سياسيا بامتياز لانتخابات مجلس النواب.

احتدم التنافس مبكرا بين القوائم المختلفة، وخاصة بعد اتساع عديد القوائم المتنافسة ومشاركة مكونات الكتل الكبيرة بقوائم منفردة في محافظات العراق المختلفة.

اما في محافظتي الانبار والموصل فقد تم تاجيل الانتخابات فيها لدواع امنية، كما اعلن الى بداية تموز، بعد التراجع عن قرار سابق اجلها لمدة لا تزيد عن ستة اشهر، وهو ما جوبه برفض العديد من الكتل والمنظمات، داخلية وخارجية والعديد من الدول، اضافة الى الامم المتحدة.

ان التحضيرات والاستعدادات لانتخابات مجالس المحافظات جرت وسط تحديات كبرى يمر بها البلد، وهي مثل سابقاتها لم تجر في ظروف طبيعية، وانما في ظل ازمة سياسية عميقة، لاسابق لها، تلف البلد على مختلف الصعد، وفي ظل  غياب ممارسات ديمقراطية حقة ودولة مؤسسات، ووسط اجواء من التجييش الطائفي، وتاجيج النعرات والولاءات الثانوية التي هدفها صرف أنظار الناس عن انتخاب ممثليهم الذين يعبرون ويدافعون بصدق عن مصالحهم وتطلعاتهم، واختيار الاكفاء والنزيهين وذوي الايادي البيضاء.

وهذه الانتخابات جرت في ظل تعديلات ادخلت على قانون انتخابات مجالس المحافظات، وقد عملنا من اجلها مع غيرنا من قوى ديمقراطية ومنظمات مجتمع مدني، كي لا يسرق صوت الناخب، وها هو النظام المعتمد حاليا في حساب الاصوات، لا يسمح بضياع صوت الناخب وتجييره لصالح مرشحين لم ينتخبهم اصلا، كما حصل في الانتخابات السابقة، فهذا النظام اذا ما تم تطبيقه على نحو سليم وبنزاهة وحيادية من طرف اجهزة المفوضية، يضمن حق الناخب ولا يسمح بذهاب صوته هدرا.

وعشية الانتخابات اكدنا ان نجاحها يستوجب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوفير مستلزمات ذلك، وان الكثير منها يتوقف تحقيقه على الكتل والقوى السياسية المتنافسة والمفوضية العليا للانتخابات.

وقلنا ان القوائم المتنافسة عليها ابداء الحرص على الالتزام  بقواعد اللعبة الديمقراطية والمنافسة الشريفة، وبتجلى ذلك في احترام حق كل طرف أو ائتلاف أو كيان انتخابي في ممارسة حملته الدعائية وأشكال استعداداته الأخرى في إطار الضوابط المعلنة والناي بنفسها، ومناصريها عن عمليات التزوير وخداع الناخبين وشراء الذمم، كما يتجلى في ضرورة وقوف أجهزة الدولة، على اختلافها، على الحياد وعدم تدخلها لصالح أي طرف والحيلولة دون استخدام مراكز النفوذ الحكومية للدعاية الانتخابية وللتأثير على قناعات الناخبين، وقلنا ان على القوائم المتنافسة أن تقدم نموذجاً في التعامل السياسي السليم والمسؤول، وأن تبتعد عن استخدام الرموز الدينية لأغراض انتخابية.

واكدنا على اهمية دور المفوضية العليا للانتخابات ولتأمين ذلك يتطلب، من بين أمور أخرى، قيامها بمراقبة سير العملية الدعائية وحملة الاستعداد للانتخابات وفقا للضوابط والمعايير المعلنة من قبلها، وخصوصا في ما يتعلق بضمان توفر الفرص المتكافئة للجميع دون تمييز، واعتماد الكفاءة والنزاهة في اختيار العاملين في هيئات إدارة العملية الانتخابية والاشراف عليها، والاعلان عن أية مخالفات أو انتهاكات، أولاً بأول، واتخاذ مواقف واضحة وحازمة ضد من  يمارس الخروقات ويتجاوز على الضوابط.

واتخاذ كافة الاجراءات الكفيلة بتوفير مستلزمات انجاح الانتخابات في النواحي السياسية والقانونية والفنية والتطبيقية، وفي كافة مرحلها وصولا الى اعلان النتائج، والاستفادة من دروس تجارب الانتخابات السابقة لتفادي تكرار النواقص والثغرات وتجنب كل ما ألحق أضرارا بممارسة الناس حقوقهم في اختيار ممثليهم.

لم تسر الامور كما اشرنا لها اعلاه، وحرصنا على الدعوة لها والتقيد بها فحصلت ايضا، العديد من الخروقات التي شخصتها جهات عديدة قامت بعملية المراقبة، والمتميز والبارز هو ما ارتكبته الكتل المتنفذه وانصارها بمن فيهم العاملون في هيئات واجهزة المفوضية، ولعل الابرز من تلك الخروقات هواستغلال المواقع الوظيفية العامة و استخدام المال العام وامكانيات الدولة، وعدم حيادية بعض مؤسساتها التي وان بدت وانها تؤدي مهمامها، فانها انحازت لقوائم محددة تقود السلطة مستخدمة الاغراء والتهديد والترويع، وكذلك ما رافق التصويت الخاص الذي قد يبقى لفترة غير قليلة خارج نطاق تحقيق الشفافية فيه بحكم طبيعة القوات المسلحة وتركيبتها وولاءاتها.

ان الناس ستبقى لفترى قادمة مدهوشة من البذخ الذي رافق الحملة الانتخابية، وهي تتساءل عن مصادر  ذلك وهذا الاصرار على هدر المال العام من البعض امام مراى ومسمع المفوضية العليا للانتخابات، بالاضافة الى عمليات التزوير التي جرت في بعض المناطق والاحياء السكنية.

إن الحزب الشيوعي العراقي قد ساهم، مع حلفائه في القوائم المؤتلف معها، قوائم الديمقراطية والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية، في انتخابات مجالس المحافظات، مواصلة لنهجه وسياسته وادراكه لاهميتها في تقديم افضل الخدمات للناس وتبني مطالبها والدفاع عنها، وتجسيدا لانحيازه الى الناس وهمومها، وكممارسة ديمقراطية يريد لها الرسوخ والتواصل بشفافية ونزاهة.

ان قوائمنا رغم ظروفها غير المتكافئة مع الاخرين من حيث الامكانيات المادية والفنية، فانها ببرامجها وتوجهاتها ونوعية مرشحيها، عبرت عن تطلعات الناس وطموحاتها، وما نهضت به هذه القوائم ومنظمات الحزب ورفاقه واصدقائه وجماهيره يتوجب الاعتزاز به وتقديره والبناء عليه ويبقى رصيدا هاما على طريق تحقيق التغيير المنشود.

وكما في انتخابات سابقة لم تجر هذه الانتخابات، ايضا، بعد على اساس البرامج السياسية للقوائم والمرشحين، ولم يتبلور بعد راي عام واسع ضاغط من اجل التغيير واحداث نقلة نوعية في موازين القوى، ومما له اهمية بمكان الوقوف عند ضرورة واهمية استكمال مستلزمات العملية الانتخابية، وتشريع القوانين الداعمة لها، مثل قانون الاحزاب، وان يكون تشكيل المفوضية بعيدا عن الولاءات الحزبية والطائفية والاثنية وان تتمتع، قولا وفعلا، بالحيادية والوقوف على مسافة واحدة من جميع الكتل المتنافسة، صغيرها وكبيرها، وان يتم الانتهاء من اجراء الاحصاء السكاني.

واذ لم يعد يفصلنا الكثير عن انتخابات مجلس النواب، فلابد من تبني قانون انتخابي لها متطور، ينبع من ظروفنا وخصوصية بلدنا وواقع التعددية السياسية والفكرية والقومية والدينية والطائفية فيه، ومن التجارب الانتخابية التي مررنا بها، ولجميع هذه الاعتبارات، نرى ان جعل العراق دائرة انتخابية واحدة هو الافضل والاسلم، وهو ما يحفز ويشجع على تشكيل القوائم الوطنية العابرة للطوائف والمناطق، ويوفر فرص التمثيل للجميع، بمن فيهم النساء، وهو ما يساعد على تمتين الوحدة الوطنية وتلاحم النسيج الاجتماعي في وطننا، ان مجلس النواب مطالب، ايضا، في تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية بشأن الباقي الاقوى عند توفر المقاعد الشاغرة.

الاصلاح والتغيير

تستفحل الازمة فيما الكتل المتنفذة، المسؤولة جميعا عنها بهذه الدرجة او تلك، عاجزة عن حلها والخروج بالبلاد الى شاطيء الامان والاستقرار، وتجنيبها الاحتمالات السيئة وشرور من يتربصون بها.

وهذا ناجم عن مواقف الكتل المذكورة ومراعاتها لمصالحها الخاصة والانانية الضيقة على حساب مصالح الشعب والوطن العليا، وعدم ابدائها الاستعداد الكافي للحوار الجاد والبناء، ولتقديم التنازلات المتقابلة، وعدم تحليها بالمرونة المطلوبة في العمل السياسي، وسيادة نمط التفكير اللاديمقراطي لديها، وعدم قدرتها على التعامل مع الآخر المختلف.

وانطلاقا من مسؤوليتنا الوطنية وحرصنا على بلادنا وتطورها، واذ ندرك ان هذه القوى والكتل لا تستطيع بسبب من طبيعتها ونمط تفكيرها وآليات عملها، ان تغادر طواعية مواقع نهج المحاصصة الطائفية الاثنية، الذي يقوي نفوذها ويزيد امتيازاتها باضطراد، فاننا لا نقبل، في كل الاحوال، ان تدفع بلادنا نحو الاحتمالات السيئة، ما يفرض علينا، وعلى كل القوى الحريصة على مستقبل البلد، العمل بكل الوسائل الشرعية للحيلولة دونه.

ومن هنا جاءت دعوة حزبنا وتاكيده الحاجة الماسة لتلبية مطالب المتظاهرين العادلة، والجنوح الى التهدئة والابتعاد عن اجواء التصعيد والخطابات المتشنجة والتهييج الطائفي، والبدء بحوار جاد يتوج بعقد المؤتمر الوطني العام الجامع للكتل والقوى والاحزاب المشاركة في العملية السياسية والمساهمة في الحكم وغير المساهمة، وصولا  الى صياغة توافقات مقبولة من كل الاطراف، والتزامات متبادلة بسقوف زمنية للتنفيذ، تضع البلد على طريق الخروج من الازمة، التي لا حل جذريا لها الا بالتخلص من اس البلية المتمثل في نظام المحاصصة الطائفية - القومية، ويبقى خيار اجراء انتخابات مبكرة قائما في حالة عدم انعقاد المؤتمر.

فنظام المحاصصة هذا يلد الازمات تلقائيا، وهذه الحقيقة لا بد ان تكون واضحة لأبناء شعبنا الذين  عانوا كثيرا في الماضي ويتطلعون الى حياة جديدة.

فلا تقدم ورخاء حقيقيا، ولا مواجهة ناجحة مع الفساد، وضمانا لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتوفير الامان والحياة المدنية وتكافؤ الفرص للمواطنين، وبناء دولة المؤسسات والقانون، ما دام نهج المحاصصة الطائفية قائما باي شكل من الأشكال ومعتمدا.

ازاء ذلك فان المطلوب من الشيوعيين والديمقراطيين وانصار الدولة المدنية وسائر انصار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، هو تجميع القوى وتوحيد الصفوف وتحفيز الناس على اخذ المبادرة في اتجاه تغيير موازين القوى لصالحها، ولصالح مشروعها الوطني الديمقراطي، مشروع البناء والاعمار والاستقرار.

ولن يمكن تحقيق ذلك من دون ان يأخذ الناس قضيتهم بايديهم، ومن دون ان تتسع الحركة المدنية والمطلبية، ويستنهض العامل الشعبي والجماهيري ويتحول عاملا مقررا، قادرا على فرض الاصلاح والتغيير المنشودين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريده "طريق الشعب " ص 6 ـ 7

الاحد 12 / 5 / 2013