مع ظهور نتائج انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، وما أشرت من تغييرات ملحوظة، غير جذرية، في موازين القوى، بخسارة البعض لمواقعهم، وحصول آخرين على بعض النجاحات، ظهرت للأسف الشديد مظاهر انفعال غير طبيعي عند من خسروا، وبدلا من البحث الجدي والمسؤول عن الأسباب الحقيقية لإخفاقهم في تحقيق ما يطمحون اليه، راحوا يكيلون الانتقاد والتشنيع لقانون الانتخابات المعدل، ولطريقة "سانت ليغو" التي اعتمدت في توزيع المقاعد.

ومعلوم ان القوائم الكبيرة، وفقا لـطريقة "سانت ليغو"، أخذت حقها وحصتها المشروعة بالكامل، وليس لها ان تتذمر وتنزعج لأنها لم تستطع "فرهدة" أصوات غيرها والاستحواذ عليها، كما فعلت في ظل القانون الانتخابي السابق سيئ الصيت، الذي جرى تعديله.

وإذا كانت تشيع وتؤكد أن النظام الانتخابي المعتمد "سانت ليغو" لا يتيح لها تشكيل حكومة أغلبية، فلأنها تتبنى مفهوماً خاطئا للأغلبية وحكومتها، فهذه في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية لا تعني بالضرورة تمركز أغلبية الأصوات/ المقاعد بيد حزب واحد أو كتلة واحدة أو لون واحد..الخ، بل هي أساسا تبنى بالتحالفات والائتلافات السياسية، وعلى أساس برامج سياسية- اجتماعية (وليس بالمحاصصة الطائفية الاثنية).

ان التنوع والتعدد الطبيعي هو من أساسيات الديمقراطية، وهو لا يعني بحال الفوضى والمشاكسة والعرقلة، ألا أذا افتعلت هذه الممارسات، وان التمركز والاتحاد في قوائم كبيرة هو عملية سياسية اختيارية، تحصل أما في حالة تقديم القوى الكبيرة مزيدا من الانجازات والمكاسب، مما يؤهلها للكسب الشرعي للمزيد من الأصوات/ المقاعد البرلمانية، أو بسبب عجز الأحزاب الصغيرة عن تمثيل الشعب وفشلها في الحصول على ثقة الناخبين، وهذا قطعا لا ينسجم مع القسر والإكراه، عبر الضغوط اللا شرعية أو بتزييف أرادة المواطنين ومصادرة حقوقهم، وتشريع قوانين انتخابية غير عادلة لسرقة أصواتهم.

إن من يثق بنفسه، وببرنامجه، وبأدائه، عليه ان يرضى بحقه، ويكتفي بثقة ناخبيه، لا ان يسعى للسطو على ما لغيره.

من جانب آخر فان من لا يرون في الديمقراطية إلا التجربة الأمريكية (وهي تلخص التنافس بين حزبين كبيرين) ويهملون كل تجارب الشعوب الأعرق من الأمريكية، كما في أوروبا وغيرها.. أنما يعبرون عن ضيق صدر ومحدودية نظر لا تنسجم مع حقائق الواقع العراقي، شديد التعقيد والتنوع والتعدد.

ان الأجدر بمن هبطت أسهمهم، وانخفض محصولهم من الأصوات والمقاعد، ان يبحثوا عن الأسباب الحقيقية لهذا الانخفاض، وهي تتلخص في عدم إيفائهم بالوعود، وعدم تنفيذهم البرامج التي وعدوا بها الناخبين، وعليهم ان يعيدوا النظر بسياساتهم وإدارتهم وسلوكهم، لا ان يندبوا الحظ ويلطموا على ما فقدوه من أصوات ومقاعد (السحت الحرام)، لأنها أصلا ليست لهم ولا من حقهم.

وقد كان قرار المحكمة الاتحادية صريحا وواضحا، وهي المتهمة أصلا بمحاباة المتنفذين، إذ أنها لم تستطع التغاضي عن التجاوز على الدستور، الذي بني عليه القانون السابق سيئ الصيت.

وعموما، أذا كان مصدر الإزعاج هو طريقة "سانت ليغو" لتوزيع الأصوات فلتتم العودة الى طريقة "الباقي الأقوى"، وليوضع حد للتعويل على تعديلات تتيح سرقة أصوات الناخبين، من أجل تشكيل أغلبية شكلية غير حقيقية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم: المحرر السياسي

جريده "طريق الشعب" ص 1

الاثنين 13/ 5/ 2013