حين يقيم بلد ما مهرجاناً شعرياً تكريمياً لأحد شعرائه الكبار، فهذا يعني أن البلد يعي أهمية التكريم، ويفهم مكانة الشعر، وبنفس الوقت فهو يؤدي واجباً وطنياً طبيعياً ليس فيه فضل، أو منة على أحد. وإذا كان هذا الأمر يحدث بشكل عادي في أي بلد من بلدان العالم، سواء في السويد (بلاد جوائز النوبل) أو في الصومال (بلاد  جوائز الخطف والقتل)، فإن حدوثه في العراق يأخذ شكلاً أكثر جدية، واهتماماً، وأكثر طبيعية أيضاً، بإعتبار أن العراق مَهدُ القصيدة، وموطن المتنبي، وبقية القمم الشعرية العربية.. وعندما  يكون التكريم لهذا الشاعر فخماً وباهراً فهذا يعني أن الشاعر المحتفى به شاعر فخم وباهر واستثنائي. وبنفس القياس تكون الدولة كبيرة وراقية وحضارية أيضاً، لأنها أعطت لهذا الشاعر استحقاقه الاستثنائي. أما الحفل المتواضع، والتكريم البسيط فسيكون عادة من نصيب الشاعر البسيط والإعتيادي، ومن نصيب الدولة الفقيرة صاحبة الإمكانات المادية المتواضعة. فالبلدان الفقيرة لاتستطيع حتماً إقامة مهرجانات تكريمية فخمة وكبيرة تتطلب أموالاً طائلة، ودعوات واسعة لشعراء كبار يقدمون من مختلف بلدان العالم، كما يتطلب ذلك توفير جميع أسباب ومستلزمات النجاح لإقامة مهرجان تكريمي يكون بمستوى الشاعر الوطني المُكرَّم. فالتكريم عادة يكون بحجم المُكرَّم إن لم يكن أكبر.. لكن ماذا سيقول العالم عن دولة نفطية تملك ثروات مالية كبيرة، وتحتفي بشاعر عظيم كالجواهري، بشكل هزيل وبائس ومخجل؟!

الجواب يقيناً لن يكون في صالح هذه الدولة، وإلاَّ هل تظن وزارة الثقافة مثلاً أن العالم سيضرب لها (تعظيم سلام) ويأخذ لها تحية إجلال لأنها بخست حق شاعر عظيم مثل الجواهري، فرفضت المساهمة في تكريم شاعر، تتسابق الدول والشعوب على تكريمه والإحتفاء به، سواء كان حياً أو ميتاً؟. وهل تظن هذه الوزارة الثقافية جداً، أن العالم سيصفق لها بيديه ورجليه، لأنها منحت إتحاد الأدباء العراقي مبلغ قدره ثمانية ملايين دينار- وليس دولاراً طبعاً - (دعماً) لتمويل مهرجان الإحتفال بالجواهري العظيم، ذلك المهرجان الذي يمتد لأربعة أيام، ويسهم فيه مئات الشعراء والكتاب الوافدين من مختلف محافظات العراق، وبعض الدول المجاورة. علماً بأن وزارة الثقافة تعلم جيداً أن إتحاد الأدباء العراقي فقير مادياً جداً بل هو (أفقر) من رباح نوري، بحيث لا يستطيع أن (يعزم) المدعوين على (نفر كباب) لكل واحد!

    بربكم ماذا تتوقع الوزارة أن يقول العالم عنها، حين تبخل بتكريم مفخرة من مفاخر العراق، وقامة من قامات التأريخ الشعري العربي والعالمي، بينما تعطي لشاعرها الفذ نوفل أبو رغيف، (وذراعه الأمين)  طالب كريم مئات الملايين من الدولارات من أجل إعداد نكتة إسمها عاصمة الثقافة العربية..؟!

     لاشك أن الجواب سيكون مضحكاً، وساخراً من قبل العالم لما قامت به وزارة الثقافة العراقية في تكريم شاعر العرب الأكبر أبي فرات. لكن بقي أمر واحد أود عرضه بشكل تحية وتقدير كبيرين أوجههما الى الشاعر والمناضل الوطني الفريد سمعان، وهو يطلق صرخته المدوية في الأسبوع الماضي عبر جريدة الحقيقة، والتي فضح من خلالها (مكرمة) الوزارة لإحتفالية الجواهري الكبير، مطالباً (وزارة الثقافة) بتصحيح نظرتها للقامات الإبداعية العراقية الكبيرة. لقد قرأت مقالة الفريد وسمعت صرخته، واستجبت للنداء الذي أطلقه من قلبه المحروق، فقلت في سري: ماذا لو اختاروا الفريد سمعان وزيراً للثقافة؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة "الحقيقة" ص 1

الخميس 5/ 12/ 2013