تكسر توقع الخيال والفطنة لدى قارئها
في الاحتفاء الدوري (كاتب وكتاب) الذي يقيمه المركز الثقافي العراقي في السويد بالتعاون مع اتحاد الكتاب العراقيين في السويد، استقبل المركز الثقافي الشاعرة العراقية المقيمة في ستوكهولم وئام ملا سلمان للتوقيع على مجموعتها الشعرية الجديدة التي صدرت مؤخرًا تحت عنوان (هاكم كتابي في شمالي) وذلك مساء الجمعة 22/ تشرين ثاني/ نوفمبر وفي مبناه في منطقة سلوسن العريقة وسط العاصمة السويدية. وقد حضر حفل الإحتفاء الدكتور حكمت جبو الوزير المفوض في السفارة العراقية في ستوكهولم. وجمهور كبير من الحاضرين والحاضرات من أبناء وبنات الجالية العراقية في السويد.
بدأ الحفل بترحيب قدمه مدير المركز الثقافي الدكتور أسعد راشد للحضور العربي والعراقي وبالشاعرة وئام ملا سلمان واصفًا الشاعرة بأنها صوت متميز في الحالة الشعرية العراقية، ولا نود أن نقول في الحالة الشعرية النسوية، فشيطان الشعر لا يعرف التفريق بين الجنسين، ذكرًا كان المبدع أو أنثى. مضيفًا أن الشعر قد سكنها منذ الطفولة بقصائد عفوية تنُمّ عن موهبة متفتحة، مذكرًا بحادثة كانت معلمة الشاعرة وئام في طفولتها قد أنكرت عليها ما كتبت من قصائدها المبكرة، ولم تكن المعلمة لتصدق أن هذه الطالبة الجريئة يمكن أن تحظى بهذه الموهبة المبكرة في كتابة الشعر. هذه الحادثة رسخّت ثقة الشاعرة بنفسها ووسعت من دائرة إبداعها التي شملت شعر التفعيلة، وما يُطلق عليه اليوم قصائد النثر أو النثر الشعري المركز.
كذلك أشار د. أسعد الراشد في كلمته إلى موهبة الصحافة لدى الشاعرة والمقالات التي كتبتها في في السياسة والأدب ونشرت في الصحافة، وإلى دورها الناشط في حقوق المرأة والطفل. وهي كأيّ شاعر تأثرت بوسطها الذي نشأت فيه، لأن ثمة حضورًا مميزًا للسياسة والثقافة والشعر في أسرتها، فوئام هي ابنة المربي المعروف ملا سلمان الذي كان شاعرًا بدوره ورث هذه الملكة عن أبيه، ووالدتها المتعلمة كانت حافظة غنية للشعر والمدائح، وشقيقها الأكبر أستاذ البيولوجيا المثقف داوود ملا سلمان كان بمثابة الأب الناصح والموجه للشاعرة رغم غيابه عنها فترات طويلة أمضاها في غياهب السجون كمناضل وطني معروف.
انتقل د. أسعد الراشد في كلمته إلى مدينة النجف وهي مدينة الشاعرة متحدثًا عن مجتمع تلك المدينة العريقة الذي يتميز بحبه للشعر والأدب بشكل عام، وما يدور في مجالسه الأسرية والاجتماعية والدينية وفي منتدياته وتأثير كلّ ذلك على الشاعرة وئام ملا سلمان.
وزاد في ذلك قوله:
إن متابعة الشاعرة وئام ملا سلمان تمكن القارئ من أن يتلمس تأثير المدرسة النجفية في شعرها الذي يتسم بجزالة العبارة الشعرية واغتنائها بثروة وذخيرة ثرة من المفردات، وغنىً في تراكيبها البلاغية، وانثيالات في الصور البلاغية التي تخدم الفكرة والعاطفة وتوسع من دائرة الخيال. كما يرى المتتبع من تأثيرات الشعراء النجفيين لا سيما الجواهري في القصائد العمودية كما يلمس الحسّ المنبري في قصائدها الساخنة تحديدًا.
من جانبه رحب الشاعر جاسم سيف الدين ولائي بالجمهور النوعي الذي حضر حفل التوقيع وشكرهم على تلبيتهم دعوة المركز الثقافي العراقي لحضور هذا الاحتفاء ورحب بالشاعرة وئام ملا سلمان وقدم إليها تهانيه باسم الحاضرين على صدور مجموعتها الشعرية الجديدة (هاكم كتابي في شمالي).
وعن المجموعة نفسها أكد الشاعر الولائي على أن مفتاح المجموعة قد وجده في قصيدتها (أفكار عند نافذه الغَلس) التي يقول مقطعها.
قانطًا من رحمة الصمت وأدعو..
من سيُسري بي بعيدًا عن هزيع الثرثرة؟
إن للطير جناحين ليسمو بهما
كلما يُفزعه صوت الضجيج
برفيفٍ أهيفٍ يعرج صوب الشجرة.
مضيفأ، أن هذا المقطع ذكّره بقول الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط
غَلس الظلام، من الرباب خيالاً
إن كانت رباب أو خيال رباب هو هدف الأخطل، فما هو هدف شاعرتنا وئام ملا سلمان وأين سيكون مقصد أفكارها التي تزاحمت في غلس تلك الليلة حيث ولدت القصيدة. والغلس كما تعلمون هو ظلام آخر الليل، وهو يفتح الباب لتزاحم الأفكار.
السؤال هنا، ما أو من هو رباب وئام الذي زار خيالها غلسا، ففتح لها نافذة هذه المجموعة الشعرية؟
هل كُتبت وصِيغت بلبل؟ أهو أمر دبر بليل؟
هل هو مؤامرة على الشعر؟ علينا نحن؟ أم هو كسر لتوقع خيالنا وفطنتنا؟
لأن كل ما كنا نتوقعه في جديد وئام هو قصيدة عمودية كلاسيكية.
إذا كان هذا هو هدف وئام، فإنها قد نجحت بالتأكيد.
العديد، بل كُثر مثلي، كان يظن وبعض الضن (فخُّ) أن مجموعة وئام ملا سلمان ستجمع بين غلافيها ما كانت قد قرأته وأعادته علينا في أمسياتها الشعرية العديدة، كنا سنقرأ ما كنا سمعناه منها مرارًا من قصائد حنين للوطن، وقصائد اعتمدت فيها التقليدية في تراث الشعر العربي، وبعض الخمريات المباحة، وسوى ذلك ما نعرفه.
كنا نتوقع أن تنوب العين عن الأذن هذه المرة. لكن المفاجأة أن الفكر هو من ينوب الآن عن العين في قراءة مجموعة وئام الجديد، وهذا ما أسميه مؤامرة دُبرت بغلس.
وختم الشاعر جاسم سيف الدين ولائي حديثه مخاطبًا الحاضرين بالقول:
لا مزيد ولأترك الأمر لوئام ولكم أنتم وقبل أن أعود وأجلس بينكم، أوصيكم بأن لا تأخذكم بها شفقة أو رأفه.
بعد هذه الكلمة قرأت الشاعرة وئام ملا سلمان.
بعد ذلك قرأت الشاعرة وئام ملا سلمان العديد من قصائد مجموعتها الجديدة وقصائد أخرى متفرقة لاقت استحسانًا كبيرًا من الحاضرين.
وبعد فترة استراحة قصيرة ردت الشاعرة على أسئلة واستفسارات الحاضرين.
من قصائد المجموعة:
"أبدًا الحاضرة معي، والغائبة عنه"
تسمعها، وهي تحدث نفسها
متلمسةً تركته الثقيلة عليها
تفند حكمة التناسي
إذ الزمن لا يشفي جميع الجراح
وهو المستوطن فيها
بشراسة الغزاة وتلذذ القتلة
حاضرًا حضور الغرزات والندب
في الجراحات المفتوحة لذكرياتها المتقيحة به
ولدى منعطفات الذاكرة
توقفتْ
أرّخت ومحت شاطبةً ما فات من الزمن على أوراق جلدها
بطاقة الكتاب
اسم الكتاب: هاكم كتابي في شمالي .
اسم الكاتبة: وئام ملا سلمان.
مادة الكتاب: شعر عربي (17 قصيدة).
عدد الصفحات: 109 صفحة.
لوحة الغلاف: الفنان إبراهيم الجزائري.
الترقيم الدولي: لا يوجد!
دار النشر: دار الحصاد للطباعة والنشر والتوزيع.. دمشق.