
الإعلام والمجتمع / داود أمين
مفهوم الفكرة المستحدثة .
مفهوم النسق الإجتماعي .
مفهوم التسويق الإجتماعي .
نموذج ماكجير .
مفهوم الفكرة المستحدثة
من الضروري إبتداءاً تعريف هذا المفهوم، والذي يتلخص في أن الفكرة المستحدثة هي أية أفكار أو سلوك أو شيء جديد يختلف، كيفياً ونوعياً، عن الأفكار أو السلوك أو الأشياء الموجودة بالفعل، بمعنى أن الفكرة المستحدثة هي شيء جديد على الفرد، وتبنيها هو أحد مظاهر أسلوب الحياة المتغير، وهذا التبني، هو غالباً ما يكون تغييراً سلوكياً أكثر منه تغييراً إتجاهياً أو إدراكياً، وهو أيضاً إختباراً حقيقياً، لمعرفة مدى قابلية الفرد لتقبل، أو عدم تقبل، أسلوب جديد للحياة، أكثر تعقيداً ومتقدماً تكنلوجياً وسريع التغيير .
عناصر إنتشار وتبني الأفكار المستحدثة
هناك أربعة عناصر أساسية ترتبط بموضوع إنتشار وتبني الأفكار الجديدة، وهذه العناصر هي :
1 _ التجديد أو الإبتكار أو التكنلوجيا الجديدة، أي الفكرة المستحدثة ذاتها .
2 _ قنوات الإتصال .
3 _ التركيب الإجتماعي للبيئة أو النسق الإجتماعي .
4 _ الفترة الزمنية الضرورية للإنتقال، أو ما يطلق عليه عنصر الزمن .
وسأحاول هنا تناول فكرة كانت مستحدثة، قبل بضعة عقود، وهي ( الولادة في المستشفيات ) في عالم ثالثي، أو في بلد إسلامي كالعراق، متناولاً خصائصها وكيفية تقبلها أو رفضها من قبل المجتمع .
أولاً : خصائص الفكرة المستحدثة( الولادة في المستشفيات )
1 _ الميزة أو الفائدة النسبية : الميزة النسبية هي درجة تفوق الفكرة المستحدثة ( الولادة في المستشفيات ) على غيرها من الأفكار السابقة، التي كانت تحبذ الولادة في البيت، وعلى يد قابلة، هي غير مأذونة في أغلب الأحيان، وإقتناع الأم الحامل وزوجها وعائلتها بأفضلية الفكرة الجديدة (المستحدثة)، وإدراكهم لفائدتها وتبنيهم لها .
2 _ إنسجام الفكرة المستحدثة مع القيم السائدة أو الملائمة : الإنسجام هو درجة إتفاق الفكرة المستحدثة مع القيم السائدة لدى المتبنين لها وتجاربهم السابقة، فهي إذاً الدرجة التي يتبين الفرد عندها، أن الفكرة المستحدثة ملائمة أو تتفق مع القيم الموجودة في المجتمع، والفكرة التي لا تتلائم مع القيم والعادات السائدة في النظام الإجتماعي ومع الخبرات السابقة والإحتياجات الحالية للمستقبلين، لن يتم تبنيها بمعدل سرعة تبني الفكرة المستحدثة الملائمة نفسها، وبالنسبة لفكرتنا المستحدثة حول ( الولادة في المستشفيات ) فإنه رغم إنسجامها مع العلم والواقع، إلا أنها قد لا تنسجم مع قيم بعض المتزمتين دينياً، ومع أصحاب الأفكار العشائرية المتخلفة، ومع ذوي الآراء التي لا تسمح بكشف ( الحرمة أمام الغرباء ) !
3 _ التعقيد والتشابك : هو الدرجة التي تكون عليها الفكرة المستحدثة، من ناحية الصعوبة النسبية في مجال الفهم والإستعمال، بمعنى إنها غير مفهومة وصعبة الإستعمال من قبل الفرد، وهي بالنسبة لفكرتنا عن ( الولادة في المستشفيات ) تجد رفضاً وصعوبة لدى جمهور إعتاد لقرون سابقة، على نمط ولادة معين، وترسخت داخله قناعات محددة، وعادات أصبحت جزءاً من سلوكه، ويصعب عليه تغييرها .
4 _ القابلية التجريبية : المقصود هو مدى قابلية الفكرة المستحدثة للتجربة في مجال محدود وعلى نطاق ضيق، والأفكار الجديدة التي يمكن أن تجرب جزءاً جزءاً يقال أنها تنتشر بسرعة أكبر من الأفكار التي لا تقبل التجريب، حيث أن الأفكار المستحدثة التي يمكن تجربتها على مراحل يكون تبنيها أسرع بصفة عامة، من الأفكار المستحدثة التي لا يمكن تجربتها، حيث تقل مخاطرها من وجهة نظر الفرد الذي يقيمها ، وبالنسبة لفكرتنا فإن تجربتها في حالة ( ولادة عسيرة ) أو( فتح بطن ) ونجاحها في الحالتين، يجعل القبول بها منطقياً، وجاء عبر تجربة ونجاح.
5 _ إمكانية الملاحظة : وهي الدرجة التي تكون فيها نتائج الأفكار المستحدثة مرئية للأخرين، فكلما سهل على الفرد أن يرى نتائج تلك الأفكار المستحدثة، زاد إحتمال تبنيه لها ، ومثالنا السابق ينطبق على هذه الحالة، فالولادة العسيرة، ووصول الأم لحافة الموت وإنقاذها في المستشفى، وخروج الجنين وأمه أحياء، وتعويض الأم عن الدم الذي نزفته، كل ذلك سيكون تحت نظر وعقل المحيطين والأقارب والجيران، مما يسهل تبني هذه الفكرة المستحدثة .
قنوات الإتصال
تنتقل الأفكار الجديدة عادة بين الناس بوسائل مختلفة، بعضها يتعلق بوسائل جماهيرية كالإعلام والإعلان والدعاية، التي تستهدف أكبر عدد ممكن من الجمهور المستهدف، وبعضها يعتمد على تأثير الجماعات المرجعية والأسرة والأصدقاء وقادة الرأي، كما إن ميكانيكية الإتصال المباشر والقرار الجماعي هما الأساس في عملية إتخاذ القرار، وقد أسفرت البحوث التي أجريت عن الإتصال، عن عدة وظائف أساسية لوسائل الإعلام، في عملية نشر الأفكار المستحدثة ومن هذه الوظائف :
1 _ وظيفة الحث : وتتمثل هذه الوظيفة في البرامج المصممة لإثارة الإهتمام والتنبيه، والحث بصورة عامة على تبني الأفكار المستحدثة، ويكون الحث للفكرة التي إقترحناها، على شكل تمثيليات إذاعية أو تلفزيونية، تشير لخطورة الولادة في البيت، وعلى يد قابلات غير مؤهلات، في حين تبين فوائد وإيجابيات الولادة في المستشفى، وقد تجري لقاءات مع أطباء ومختصين، ووجوه إجتماعية أو دينية أو رسمية مؤثرة، لتحبيذ الفكرة الجديدة والحث على تبنيها .
2 _ وظيفة التقييم : تتمثل هذه الوظيفة في البرامج المصممة لتقديم معلومات لهؤلاء المهتمين بموضوع معين ويبحثون عن مواد إضافية، لكي تساعدهم على تقييم ما يبحثون فيه، وحول فكرتنا، يمكن أن تورد وسائل الإعلام، إحصائيات عن عدد النساء والأطفال الذين ماتوا خلال سنة أو عقد من السنين، بسبب الولادة خارج المستشفى، أو تتحدث عن حالات كان يمكن إنقاذها لو وصلت المستشفى، وقد تقدم معلومات عما يعطى للأم من إرشادات وإسعافات وأدوية، وربما دم، في حالات العسر والصعوبة والطواريء .
3 _ وظيفة الإخبار : وهي الرسالة القصيرة التي يقصد بها تقديم الفقرات الإخبارية البسيطة، مثل إعطاء المعلومات عن أماكن مستشفيات الولادة وتلفونات الطواريء والإسعاف، وكيفية الإتصال بها ومتى ؟
4 _ وظيفة التعزيز : للإهتمام بموضوع ما أو للحفاظ على عادة معينة، فإنه يجب أن نقوم بعملية تعزيز، حيث أن التعزيز والتأكد المستمر أمر مطلوب، وفي مثالنا حول الولادة في المستشفيات، يجب أن نستمر في الإعلانات والدعاية، وتكرار أرقام الهواتف للطواريء والإسعاف، وإجراء المقابلات وتقديم التمثيليات وهكذا .
5 _ الوظيفة المهنية : هي البرامج المصممة للمجموعات وللأفراد المرتبطين مباشرة بأعمال التنمية مثل: البرامج التي تعد للعاملين في ميادين التنمية، وللمدرسين والأطباء، وكذلك المقابلات، وفي مثالنا ينطبق الأمر على أطباء وطبيبات التوليد ومساعديهم من الممرضات، وعلى مدراء المستشفيات المتخصصة في هذا المجال .
الإتصال الشخصي ونشر الأفكار المستحدثة
يعتبر الإتصال الشخصي عنصراً هاماً وأساسياً في إتخاذ القرارات، إلى جانب الأفكار المستحدثة، والإتصال الشخصي هو الوصول للجماعات المستهدفة بشكل مباشر، بحيث يلتقي القائم بالإتصال بمجموعة المستَهدفين وجهاً لوجه في عملية تفاعلية مباشرة، وهو أيضاً تفاعل مستمر ومباشر بين القائم بالإتصال والمستقبِل، ويتم خلاله إيصال المعلومات والآراء والإتجاهات بين طرفي الإتصال لتحقيق الهدف .
خصائص الإتصال الشخصي
1 _ المرونة : وهي صفة مميزة وهامة في الإتصال الشخصي، إذ بمقتضاها يتم للمرسل تغيير الأسلوب أو إتجاه المناقشة، خاصة عندما يواجه مقاومة من جانب الجمهور المستهدف، وفي مثالنا حول فكرة ( الولادة في المستشفيات ) قد تزور مشرفة إجتماعية أو صحية العائلة المستهدفة، وتتحدث لأفرادها، وقد تقنع الزوجة( الحامل)، في حين يرفض الزوج، وقد تكتشف من يؤثر على الزوج، ومن يستطيع إقناعه بالفكرة الجديدة، وقد تجد مختلف الأساليب، وتغير بإسلوبها مرات، من أجل إقناع الجميع بأهمية الفكرة التي جاءت من أجلها، إذ تزيد المرونة من كفاءة هذا النمط الإتصالي في تحقيق درجة عالية من الإقناع، الذي يكون هو الأساس في تغيير مواقف الأفراد تجاه الأفكار المستحدثة .
2 _ رجع الصدى : يتميز الإتصال الشخصي بأن رجع الصدى فيه عاجل وفوري ومباشر ومحسوس، بحيث يساعد هذا التأثير المرتد على تحقيق التناغم والتوافق بين المرسل والمستقبل خلال الموقف الإتصالي، ومن هنا يتوفر في الإتصال الشخصي ميزة حدوث الإتصال في إتجاهين، من المرسل إلى المستقبل وبالعكس، وفي مثالنا قد تكتشف المرشدة الصحية التي تزور عائلة المرأة الحامل، الرفض الأولي للمرأة لفكرة الولادة في المستشفى وتطرح أسباب الرفض، وتقدم المرشدة معلوماتها ونصائحها وأفضليات الفكرة الجديدة على صحة الأم ووليدها، وقد تصل معها وبمختلف الأساليب للموافقة على الفكرة، وهكذا الأمر مع الزوج وأهله.
ولرجع الصدى عدة متطلبات تتلخص في
ا_ أن يخبر المتحدث الجمهور أنه حريص على معرفة رد فعلهم ، وفي مثالنا العائلة التي تزورها المرشدة الصحية، حيث تستمع المرشدة بإهتمام وإحترام لما تطرحه الأم الحامل وزوجها، وربما اهله وأقاربه، سواء كانت الردود سلبية أو إيجابية .
ب _ أن يقتطع المتحدث وقتاً محدداً يخصص لمعرفة رجع الصدى، وفي مثالنا لا يكون دور المرشدة الصحية هو دور العالم والموجه والآمر فقط، بل يجب أن تعطي فرصة محددة لتستمع للصدى الذي تركه حديثها على العائلة سوية، وراي كل فرد، إذ قد لا تكون كل الآراء متطابقة في الرفض والقبول، وقد لا تكون الآراء نهائية وقاطعة بل مرنة وبحاجة لدعم وتوضيح .
ج _ أن يحدد المتحدث النقاط التي يريد أن يعرف رد فعل الجمهور تجاهها، وفي مثالنا يجب أن تحدد المرشدة الصحية، هل إن العائلة تتقبل فكرة الولادة في المستشفى؟ وإذا لم تتقبلها فهل بالمطلق، أم يمكن النظر فيها في حالة إستعصت الولادة وهناك خطر على الأم والجنين؟ وهل تفكر العائلة بالتكاليف المالية للمستشفى؟ .. الخ .
د _ أن يراقب المتحدث الإستجابات غير اللفظية للجمهور، وفي مثالنا قد يبتسم الزوج بسخرية لمقترح المرشدة الصحية، وقد يهز يديه إستخفافاً، وقد تغمز الزوجة للمرشدة موافقة على رأيها أو قد تقوم بحركة تدلل على تقبل الفكرة وأهمية الإستمرار في إقناع الزوج .. الخ .
ه _ أن يوجه المتحدث الأسئلة للمستمعين، وفي مثالنا قد تسأل المرشدة الزوجة، هل تريدين أن تعيشي أو تموتي؟ هل تريدين طفلك وأن تكوني إلى جانبه؟ وللزوج : ألا تحب أن تكون زوجتك وطفلك بأمان وبأيد أمينة؟ هل سمعت بفلانة التي نزفت حتى الموت لآنها ولدت بعيداً عن المستشفى؟ كم طفلاً مات في العائلة بسبب الولادات الخاطئة للقابلات غير المتخصصات؟
و _ أن يستخدم المتحدث العبارات التي تشجع على إبداء الرأي، وفي مثالنا قد تذكر المرشدة أن ديننا لا يمنع العلم، وليس هناك فتوى أو توصية برفض الولادة في المستشفيات، وإن إيذاء النفس والتسبب بالموت أمر لا يرضاه العقل والدين .. الخ .
3 _ الإستعانة بقادة الرأي
يمثل قادة الرأي إحدى المتغيرات الأساسية في عملية التأثير الشخصي، حيث إنهم يعتبرون ركيزة مهمة في نقل المعلومات للجمهور عن طريق الإتصال الشخصي، وقادة الرأي هم الأشخاص الذين يمارسون تأثيراً كبيراً على غيرهم من الأفراد في مواقف معينة، ويذكر أن القادة غير الرسميين يمارسون تأثيراً كبيراً على التابعين، خاصة في أوقات الأزمات، أكثر من القادة الرسميين، ويقول ( روجرز){ قيادة الرأي هي الدرجة التي يكون عندها الفرد قادراً على التأثير بصور غير رسمية في إتجاهات الأفراد أو في سلوكهم الظاهر بطريقة مطلوبة ومتكررة، حيث إن قادة الرأي يؤدون دوراً مهماً في نشر الأفكار المستحدثة } وإذا طبقنا هذا الأمر على النموذج الذي إخترناه وهو ( الولادة في المستشفيات ) فإن رجال الدين والمراجع لهم تأثير كبير في هذا الموضوع، فرأيهم إلى جانب هذه الفكرة سيختصر الكثير من الوقت والجهد، إذ أن معظم الإعتراضات على الذهاب إلى المستشفى تتعلق بالحلال والحرام، والخشية من إطلاع الأطباء على عورات النساء .. الخ، وكذلك يلعب رؤساء العشائر والوجوه الإجتماعية والمتنفذين الشعبيين دوراً مشابهاً، أو أقل قليلاً من دور رجال الدين، بحكم الأعراف الإجتماعية السائدة، إذ تلعب الأعراف والقيم السائدة أحياناً دوراً أكبر حتى من الموانع والمحرمات الدينية.
وللقيادة نوعان هما :
ا _ القيادة المهنية أو الرسمية : وهؤلاء يستقون تأثيرهم من مواقعهم الحكومية الرسمية، ويقضون كل وقتهم في العمل الحكومي كوسيط بين الحكومة والجماهير، ويتقاضون أجوراً على هذا العمل .
ب _ القيادة التطوعية أو غير الرسمية : يحصل قادة الرأي غير الرسميين على تأثيرهم من خلال شخصياتهم وخبراتهم ، وهؤلاء لهم إحترامهم، ويثق الناس بهم، لذلك يختارونهم لطلب النصيحة، وكمصدر موثوق للمعلومات، ولهؤلاء عادة شبكة واسعة من العلاقات بالناس، والقدرة على التأثير فيهم، وهم لا يتقاضون أجراً مادياً على خدماتهم .
خصائص قادة الرأي
أجمعت الدراسات إن لقادة الرأي خصائص عامة يمكن تحديدها فيما يلي :
_ إزدياد تعرضهم لوسائل الإعلام ومصادر المعلومات، بمعنى أن الصحف ووسائل التلفزة والإذاعة، تستشيرهم في أغلب الأحيان، وتستضيفهم مع كل حدث يستوجب رأيهم .
_ إزدياد درجة حساسيتهم لمصادر المعلومات المتصلة بالموضوع.
_ إزدياد ميلهم للإطلاع، خاصة في المجالات المحددة لقيادتهم، وهو أمر طبيعي بحكم إستشارتهم من قبل الأخرين، والذي يحتم أن يكون لديهم أكثر مما لدى سائليهم، فالإطلاع الواسع يوفر لهم فسحة مناسبة للتفوق والتميز.
_ معظم قادة الرأي أكثر تجديداً، وهذا أمر منطقي أيضاً، فالحياة في تطور مستمر، واللحاق بهذا التطور يتطلب وعياً وإلماماً وتجاوباً مع الحياة وتطوراتها في مختلف المجالات، إذ لكي تكون فاعلاً ومؤثراً في جيل ما، عليك أن تكون مستوعباً لخصائصه وميزاته.
_ من ذوي المكانة الإجتماعية العالية، وهذه الصفة قد يكتسبها المرء بالوراثة، إذ قد يكون إبن رجل أو عائلة معروفة، كان لها موقع رسمي كبير، أو موقع مالي معروف، بل قد يكون الشخص نفسه مسؤول سابق، أو رجل علم أو أدب أو سياسة أو دين، وله مكانة إجتماعية معروفة.
_ تزايد درجة المشاركة الإجتماعية لديهم بالقياس إلى أتباعهم، وهذا إفتراض منطقي، فهم بحكم مواقعهم الإجتماعية وحاجة الناس لهم، تزداد نشاطاتهم الإجتماعية، ولا يمكن مقارنتها بالناس العاديين، إن واجباتهم تحتم عليهم حضور المآتم وربما الأعراس والمناسبات العامة ، كالآعياد وأيام الحج وليالي رمضان وغيرها .
_ مدة إقامة أطول في المجتمع، لإن هذه الشخصيات إجتماعية بالأساس، وحاجة الناس لها دائمة ومستمرة، لذلك فإن الخصوصية لديها هي أقل كثيراً من عموميتها، فهي موجودة دائماً مع مشاكل الناس وهمومهم، وأيضاً مع أفراحهم ومناسباتهم السارة .
_ من ذوي الدخول العالية نسبياً، وهي حقيقة إجتماعية فالمال واحد من أوجه الوجاهة في كل المجتمعات، وهو وحده أحياناً يخلق إمتيازاً ومكانة لصاحبه، حتى لو لم يمتلك شيئاً آخر، كما إن شعبية قادة الرأي تفرض عليهم إلتزامات مادية، كالضيافة وتقديم الطعام والشراب للضيوف وطالبي الخدمة، وقد يضطرون لتقديم مساعدات مادية أيضاً للمحتاجين، إذ يدخل هذا الأمر ضمن الوجاهة وتعزيز صلة الناس بهم .
_ متاحون لإعطاء المعلومات، وهذه الصفة أكتسبت مع الوقت، وتعززت مع مرور الأيام، فالخبرة المكتسبة من الإحتكاك بالإعلام والناس والمسؤولين، وفرت لهؤلاء قدرة على إعطاء أجوبة لمعظم القضايا المطروحة، وساعة طلبها من محتاجيها .
_ يشكلون مصادر معلومات موثوق بها، وهذا هو سر بقائهم في مواقعهم كقادة رأي، وموقع إستقطاب لجمهرة واسعة من الناس، إذ أن أي معلومة منقوصة أو غامضة أو غير دقيقة، تهز ثقة الأتباع والمريدين بهم، وهم يدركون أن ذلك، لو حدث، سيشيع وينتشر، ويفقدهم القدرة على إستعادة الثقة مجدداً .
_ يكونون في الغالب من كبار السن، وهو أيضاً أمر واقعي، إذ لا يمكن لشاب تشغله الكثير من متطلبات الشباب، كالحب والجنس والرياضة والفن والدراسة والعمل، أن يتحول لقائد رأي، يستطيع التأثير على جمهور متنوع الأعمار والثقافات والمشارب، إن كبر السن يمنح الإنسان خبرة أكثر بالحياة، وإطلاعاً أوسع بالمجتمع وخصائصه، ويوفر هدوءاً ورزانة وحكمة ووقتاً ربما يفتقر لها الشاب .
لذلك يمكن التأكيد إن قادة الرأي هم أكبر سناً، وأكثر إلتزاماً بالمباديء، ومعلوماتهم مفيدة، وهم يتابعون وسائل الإعلام أفضل من غيرهم، ويشاركون في الأمور العامة، وعلاقاتهم بالمسؤولين أكثر إتساعاً من غيرهم، ويتمتعون بوضع إقتصادي جيد .
ضرورات نجاح قادة الرأي
حتى يؤدي قادة الرأي دورهم بفعالية لابد من مراعاة ما يلي :
ا_ أن يكونوا على علم تام ودراية كاملة بمجالات تخصصهم، وهذا يتطلب تدريبهم المستمر، وفي موضوعنا فإن المرشدات الصحيات والإجتماعيات، اللواتي يزرن بيوت الحوامل، ويحبذن فكرة ( الولادة في المستشفى) يفترض ان يعرفن جيداً كل ما يتعلق بالولادة والحمل والجنين، والشروط الصحية الواجب توفرها لولادة ناجحة ومأمونة.. الخ .
ب _ لابد من تدريبهم إعلامياً بشكل مستمر حتى يتعلموا الفنون والمهارات الإتصالية اللازمة لإحداث التأثير الفعال على الجمهور المستهدف، وتقدير إحتياجاته، وكيفية تلبية تلك الإحتياجات .
ج _ التمتع بالمصداقية لزيادة فعالية التأثير في مجال نشر المعلومات والإقناع .
د _ أن تكون لهم رغبة حقيقية وصادقة لخدمة مجتمعهم .
دور قادة الرأي في نشر الأفكار المستحدثة
ويكون ذلك من خلال :
ا_ الإستعانة بهم لتمهيد الطريق لتقبل الأفكار الجديدة قبل إنتشارها أو الترويج لها عبر وسائل الإعلام، وفي مثالنا يمكن للوجوه الإجتماعية والدينية والمتنفذين في الحي أو القرية أو المدينة ، أن يحبذوا للفكرة أولاً ويشيروا لفوائدها وأهميتها وعدم معارضتها للقيم والدين، ثم يلي ذلك دور وسائل الإعلام، في التبشير بالفكرة، عبر مقابلات ومسرحيات وبرامج صحية وثقافية، حتى يجري تبنيها وقبولها .
ب _ بحكم المكانة التي يحتلها القادة المحليون في مجتمعهم، فإن ذلك يعطيهم دور المشجعين والمنشطين لقبول الأفكار الجديدة، إذ أن القائد عادة ما يكون عنصراً هاماً وأساسياً في صياغة آراء الجماعة .
ج _ يمكن الإستعانة بقادة الرأي المحليين في تقديم مختلف الإستشارات، ففي المسائل الزراعية يأتي المرشد الزراعي في المركز الأول، يليه القادة المحليون، ولكن في مثالنا حول ( الولادة في المستشفيات ) يمكن أن يلعب القادة المحليون من رجال دين ورؤساء عشائر ووجوه إجتماعية الدور الأول، في تهيئة المناخ لأهمية الموضوع وفائدته، يليهم دور المرشدة الصحية أو الإجتماعية .
مفهوم النسق الإجتماعي
هو مفهوم يشير إلى مجموعة من الأفراد يتباينون ويتفاضلون وظيفياً، ولكنهم معنيون بحل مشاكل جمعية، أو بتحقيق هدف جمعي، وقد يتكون النسق الإجتماعي من جميع القرويين في قرية، أو المزارعين في منطقة، أو العاملين في موقع، أو الأطباء في المجتمع المحلي، أو أبناء قبيلة من القبائل. ويمكن أن يتمايز كل فرد عن الآخر في الدور والمركز الإجتماعي والمكانة، ولكن جميع الأعضاء متعاونون، على الأقل في المسائل العامة، أو في المشكلات المشتركة، وتكمن أهمية المعلومات عن التركيب الإجتماعي، للمجموعة التي يتوقع إعتناقها للفكرة الجديدة، في أن الأفكار المستحدثة، تتأثر بالمعيار الإجتماعي السائد، ولهذا يجب التركيز، إلى جانب الفرد، على البيئة الإجتماعية، لأن معظم الأفكار المستحدثة تتطلب قبولاً مسبقاً من قبل الغالبية العظمى من أفراد التنظيم الإجتماعي السائد، قبل أن يتخذ الفرد قراره بإعتناق الفكرة الجديدة، بل ومن المحتمل أن يرغب الفرد في إعتناق فكرة معينة، ولكنه لا يستطيع ذلك، ما لم ينضم إليه آخرون في هذا الإعتناق . وهناك نقطة متوسطة، بين الإختيار أو القرار الفردي وقرار الجماعة، وتتمثل هذه النقطة المتوسطة في نموذج التجديد الذي يتطلب قبولاً_ قبلياً _ من قبل أغلب أعضاء النسق الإجتماعي، قبل إتخاذ الفرد لقراره بتبني هذا التجديد وقبوله وإستخدامه، وسنأخذ ( مؤسسة الشالجية ) أو منطقة الشالجية في العاصمة العراقية بغداد، كمكان لتطبيق ( مفهوم النسق الإجتماعي ) ففي هذه المؤسسة أو المنطقة، يعمل ويعيش عشرات آلاف من العاملين في السكك الحديدية العراقية، من عمال نقل وتحميل وفنيين وسائقي قطارات ومحصلين ومفتشين ومهندسين وغيرهم، وهم يختلفون ويتفاضلون في نوع أعمالهم، وفي مقدار رواتبهم، وفي سنوات خدمتهم، وفي أعمارهم وإنحداراتهم القومية والدينية والطائفية، ولكنهم جميعا يتوحدون في العمل في مكان واحد، وفي إنعدام الضمان الصحي، وغياب مخصصات الخطورة، وتدني الأجور، وقلة الإجازات، والفصل التعسفي من قبل الإدارة.. الخ من المشاكل، والفكرة الجديدة أو المستحدثة هي ( تأسيس نقابة للعاملين في هذا الموقع )، وسنحاول في هذا البحث تتبع الفكرة وكيفية تنفيذها .
عنصر الزمن
لما كان( تأسيس نقابة ) هو الهدف، والفكرة الجديدة، التي توصل اليها بعض العاملين المتميزين بالوعي والخبرة، من داخل مؤسسة الشالجية نفسها أو من خارجها، لحل المشاكل الكثيرة التي يواجهها العاملون في الموقع، فإن التبشير بالفكرة، والدعوة لها ، على المستوى الفردي أو الجماعي بين العاملين، هو الخطوة الأولى والهامة، وقد تأخذ عملية قبول أو رفض الفكرة الجديدة وقتاً، قد يطول أو يقصر، حسب الذين يتلقوها، إذ أن الناس لا يتبنون الفكرة المستحدثة في الوقت نفسه، وألأمر يختلف بين فرد وآخر .
ولتوضيح ذلك نشير لما يلي :
1 _ فترة التبني : هي الفترة التي يحتاجها الإنسان، لكي يمر في عملية التبني من مرحلة الإدراك إلى التبني الكامل، ويقاس الزمن المنقضي من الإدراك للفكرة الجديدة إلى التبني بالأيام أو الشهور أو السنوات، والأفكار المستحدثة ذات السمات المميزة، تكون عادة هي الأسرع في التبني من غيرها، وفي مثالنا وهو ( تأسيس نقابة ) قد يستغرق الأمر سنوات، لكي يقتنع جميع العاملين في موقع الشالجية، بأهمية تأسيس نقابة لهم، تطالب وتدافع عن حقوقهم، وقد نجح الباحثون في عزل فترتين زمنيتين متمايزتين وهما :
_ فترة الإنتقال من مرحلة الإدراك إلى مرحلة التجريب، وهي الفترة المطلوبة للفرد، لكي يمر من مرحلة إدراك الفكرة المستحدثة، وهي في مثالنا ( تأسيس نقابة ) إلى مرحلة تجريبها، والتجريب في مثالنا قد لا يكون مباشراً وشخصياً، فقد يكون نجاح فكرة نقابة في مكان آخر، كقطاع النفط مثلاً، هو الذي حفز العامل في الشالجية للقبول بفكرة النقابة وتجريبها، وهذه الفترة الواقعة بين الإدراك والتجريب، هي عادة تكون أطول من الفترة التي تليها.
_ فترة الإنتقال من مرحلة التجريب إلى مرحلة التبني، وفي مثالنا هي الفترة التي تنضج فيها قناعات العمال في الشالجية، بأهمية وضرورة تأسيس نقابة خاصة بهم.
2 _ عملية تبني الأفكار المستحدثة وإتخاذ القرارات : إن تبني كل فكرة جديدة يتطلب إتخاذ قرار، وعملية التبني ليست سهلة وتحتاج لإتخاذ مجموعة قرارات متشابكة، ولهذه العملية مراحل يمكن إجمالها في خمس نقاط هي :
ا _ مرحلة الشعور بالفكرة أو الإدراك : وهي المرحلة التي يتعرف فيها الفرد لأول مرة على الفكرة المستحدثة، وهنا يتعرض الفرد للفكرة، ولكنه يشعر بحاجة شديدة لمعلومات كافية عنها، فالوظيفة الأولية لمرحلة السماع بالفكرة هي فتح الطريق لسلسلة المراحل اللاحقة، وفي مثالنا حول ( تأسيس نقابة للعاملين في الشالجية ) يستمع الفرد للفكرة من ناشطين سياسيين او إجتماعيين، وهؤلاء يفترض ان يقدموا معلومات كافية ومقنعة لإهمية وضرورة تحقيق فكرتهم في تأسيس النقابة .
ب _ مرحلة الإهتمام : وهي الفترة التي يسعى فيها الفرد للحصول على مزيد من المعلومات والبيانات، إذ تنمو لديه رغبة لتنمية معلوماته عن الفكرة الجديدة التي سمعها، وفي مثالنا، قد يسأل الفرد أشخاصاً آخرين غير الذين إتصلوا به وأعلموه بالفكرة، وربما من أماكن أخرى، أو أصحاب تجارب ناجحة أو فاشلة في عمل مماثل .
ج _ مرحلة التقييم : عندما تتوفر المعلومات الكافية لدى الشخص المعني، تبدأ لديه مرحلة التقييم بالرفض أو القبول، وهي مرحلة تجريب عقلي يستند على معطيات معلوماتية، حصل عليها الفرد، وهي التي ترجح أي الكفتين ستكون الفائزة.
د _ مرحلة التجريب : وهي المرحلة التي يقوم فيها الفرد بتجربة الفكرة الجديدة، وفي مثالنا عن تأسيس نقابة، قد يساهم في الوفد الذي يفاوض الإدارة، أو يضع إسمه وتوقيعه على عريضة مطالبة بالتشكيل، أو يساهم في تظاهرة أو إعتصام يساند الفكرة الجديدة .
ه _ مرحلة تبني الفكرة : وهي الفترة التي يبدأ فيها الفرد بالإقتناع التام وتبني الفكرة، وفي مثالنا قد يتصدر قائمة المطالبين والداعين لتأسيس النقابة، وقد يتقبل الإجراءات ربما القاسية التي يسببها له تمسكه بالفكرة ودفاعه عنها، ويمكن تشبيه المراحل الخمس السابقة لعملية التبني بالسلسلة التالية :
مرحلة الشعور _ مرحلة الإهتمام _ مرحلة التقييم _ مرحلة التجريب _ مرحلة التبني .
ولكن هذا التسلسل تعرض لإنتقادات من بينها أنه ليس من الضروري، أن تنتهي عملية التبني بقبول الفكرة أو إعتناقها، إذ قد يكون الرفض هو واحد من النتائج ، وبالفعل هناك الكثير من العاملين ربما لن يقتنعوا بفكرة تأسيس النقابة، بل قد يتراجعوا مع أول ضغط من الإدارة، أو تلميح بمكاسب أو تهديد .. الخ، كما أن الترتيب السابق ليس حتمياً إذ قد يختلف التسلسل، وقد تكون مرحلة التقييم غير مستقلة، بل مندمجة مع المراحل الأخرى، والأمر في النهاية مرتبط بالأشخاص ، وإختلاف كل واحد منهم عن الآخر . والإنتقادات التي تعرض لها هذا النموذج، دفعت لروجرز وشوميكر لطرح نموذج آخر جديد تضمن مجموعة من المدخلات المؤثرة في مجموعة العمليات الخاصة بإتخاذ القرار التجديدي، والتي تنتهي إلى نتائج محددة إما في قبول الفكرة المستحدثة أو رفضها . ونموذج روجرز وشوميكر في إتخاذ القرارات التجديدية يعتمد على مجموعة متغيرات هي :
أ _ المتلقي : والمقصود بها سمات الفرد الشخصية، ومدى تقبله أو رفضه للأفكار الجديدة .
ب _ النظام الإجتماعي : أي المتغيرات الإجتماعية التي تعمل كمحفزات أو معوقات في سبيل إتخاذ القرارات، وهو أمر غير ثابت ويتغير من عصر لآخر ومن فترة لثانية، ومن مجتمع لآخر، فالدعوة للسفور في العراق مثلاً، وهي فكرة جديدة أوائل القرن العشرين، لم تقبل إجتماعياً بالإتساع الذي تستحقه، ولكنها قبلت بعد بضعة عقود، وتحولت لأمر مألوف إجتماعياً، بعد نصف قرن، وهكذا .
ج _ خصائص الأفكار المستخدمة : وتتمثل هذه الخصائص والصفات في الفائدة النسبية للفكرة المستحدثة، ودرجة ملائمتها وبساطتها وقابليتها للتجريب والملاحظة، وفي مثالنا عن تأسيس النقابة، قد تكون الإستجابة لإنشائها سهلة من قبل الإدارة، ويلمس العاملون فائدتها وجدواها، والحقوق والمكاسب التي إنتزعتها للعاملين، وقد يكون العكس، فقد تتعنت الإدارة ويحدث الصدام بين المطالبين والإدارة.
ولنموذج روجرز وشوميكر أربع خطوات لإتخاذ القرارات التجديدية، وهذه الخطوات هي :
أ _ المعرفة : وهي مرحلة تعرف الفرد على الفكرة المستحدثة وتفهمها .
الإقتناع : وهي الفترة التي يحدد فيها الفرد أن يكون مع أو ضد الفكرة المستحدثة .
ج _ إتخاذ القرار : وهي المرحلة التي يندمج فيها الفرد عملياً في قبول أو رفض الفكرة .
د _ التأكيد أو التثبيت أو التدعيم : وهي الفترة التي يسعى فيها الفرد إلى تدعيم قراره بقبول الفكرة المستحدثة والإستمرار في تنفيذها، أو العدول ورفض الفكرة .
النتائج الخاصة بعملية التبني
أ _ قبول الفكرة أو إعتناقها أو تبنيها : يحتمل أن لا يستمر الفرد في إعتناق الفكرة المستحدثة لفترة طويلة، بمعنى إن عملية التبني ليست ثابتة فقد تستمر أو تتوقف بعد فترة، فيتحرر الفرد من الفكرة المستحدثة، وقد يبدلها بفكرة أخرى .
ب _ رفض الفكرة : والذي قد يستمر، أو قد يتحول بعد فترة إلى قبول للفكرة، وهو ما يطلق عليه { التبني المتأخر للفكرة } .
3 _ تقسيم الجمهور حسب درجة تقبله للأفكار المستحدثة
يعتبر أمراً صعباً أن نقسم الجمهور حسب درجة تقبله للأفكار المستحدثة، ولكن يمكن اللجوء لتقسيم تقريبي، تم فيه التوزيع لفئات، على أساس الزمن الذي تم فيه تبني تلك الأفكار، وهم كما يلي :
أ _ المبتكرون : ربما تعتبر المغامرة واحدة من مستلزمات المبتكرين للأفكار المستحدثة، حيث أنهم يكونون أشد رغبة من غيرهم في تجربة الأفكار الجديدة، ولكي يكون الفرد من هذه الفئة، يجب أن تكون له مواصفات معينة، كالقدرة على فهم الصعوبات وتخطيها، والقدرة على التحمل في حالة الهزيمة، وفي مثالنا عن ( تأسيس نقابة ) فإن هذه الفئة، هي من تبادر لطرح الفكرة، والتبشير بها وتبنيها قبل الجميع، وهي من تتحمس لها وتسعى لنقلها للواقع، وقد تصطدم بالإدارة، وقد تفصل وتعاقب وتسجن، ولكنها تواصل مسعاها .
ب _ المتبنون الأوائل أو الطليعة المبكرة : وهؤلاء جزء أساسي من التنظيم الإجتماعي المحلي، لذلك يتطلع اليهم الأفراد الذين لديهم القابلية لتبني الأفكار المستحدثة، طالبين منهم النصيحة والمشورة، لأنهم النموذج الذي يقتدي به أفراد المجتمع الذي يراد نشر الأفكار الجديدة فيه، وفي مثالنا حول تأسيس النقابة، يشكل العاملون القدماء، من ذوي الخبرة والمكانة الإجتماعية، سواء كانوا مهندسين أو سائقي قطارات أو حتى عمال فنيين، هذه الفئة، وإليهم يلجأ المبتكرون في البداية لكسبهم وترويج الفكرة بينهم، إذ على ضوء النجاح معهم، يتحدد النجاح الأكبر للفكرة الجديدة بين الآخرين .
ج _ الغالبية المتقدمة أو الغالبية المبكرة : وهذه الفئة تمتاز بالتبصر والتروي، وهم يفكرون كثيراً قبل أن يقدموا على إتخاذ قرار ما، والفترة التي يقضوها قبل أن يتبنوا الأفكار الجديدة، تعتبر طويلة نسبياً، إذا ما قورنت بفئتي المبتكرين والمتبنين الأوائل .
د _ الغالبية المتأخرة : وهؤلاء يتبنون الفكرة، ولكن بعد الجميع، لأنهم حذرون ويريدون أن يقف كل الرأي العام مع الفكرة الجديدة، وتصبح مقبولة للجميع، حتى يقبلوها .
ه _ المتلكئون : وهؤلاء آخر من يتبنى الفكرة الجديدة، بل قد يكون تبنيهم لها، قد جاء بعد أن يغادر المبتكرون الفكرة المطروحة، لفكرة أخرى أكثر جدة وحداثة، وهم عادة منعزلون وشكاكون بالمبتكرين، وبكل صاحب فكرة جديدة .
العناصر الأساسية لعملية الدعوة لكسب التأييد
من الضروري لكسب التأييد لفكرة معينة، أن نضع أسساً وأساليب، وهي كثيرة ومختلفة، وليس بالضرورة يجري تطبيقها بحذافيرها أو بنفس تسلسلها، إذ لكل فكرة ظروفها وأساليبها، ولكن المشترك هو التالي :
_ تحديد هدف عملية الدعوة لكسب التأييد : من الهام جداً لأي دعوة جديدة، أن يجري تحديد هدف عام وواضح لها، وكذلك تحديد أهداف كمية محددة، تستطيع الإجابة عن الأسئلة التالية، هل تعبر هذه الأهداف عن حقيقة القضية؟ وهل يمكن تحقيق هذه الأهداف؟ هل يمكن لهذه الأهداف أن تجمع أنصاراً ؟ وفي مثالنا عن تأسيس ( نقابة للعاملين في الشالجية ) يكون الهدف الرئيسي هو: { الدفاع عن حقوق العاملين } والأهداف الأخرى هي { زيادة الأجور_ تحسين ظروف العمل _ فتح مستوصف في المكان _ صرف مخصصات الخطورة _ توزيع بدلات العمل مرتين في السنة _ صرف الأجور أثناء الإجازات المرضية والعادية.. الخ } ويمكن لهذه الأهداف الهامة والعادلة أن تجمع الكثير من الأنصار من داخل موقع الشالجية ومن خارجه، إذ قد يتعاطف معها عاملون في أمكنة ومؤسسات أخرى، بالإضافة للأحزاب، خصوصاً المعارضة، وكذلك قد يتحمس لها الإعلام .
تحليل الوضع الراهن : من المهم عند طرح فكرة جديدة، أن يجري تحليل الوضع الراهن، والظروف المحيطة لكي تكون الأهداف واقعية، فمعرفة المؤيدين والمعارضين وحجمهم هام، لنجاح أية فكرة جديدة، وفي مثالنا لا يمكن طرح فكرة تأسيس نقابة والمطالبة بحقوق للعاملين، في وضع سياسي إستثنائي، وفي ظل قوانين طارئة وحكومات دكتاتورية وإرهابية، فلكي تنجح فكرة تأسيس نقابة وتحقيق مطالب عادلة للعاملين، يفترض أن يكون الوضع السياسي في البلد مستقراً إلى حد معين، وأن يكون هناك مناخ عام، يتقبل مثل هذه الفكرة، ويجد لها مناصرين ومؤيدين .
تحديد الجمهور المستهدف : وهي مرحلة هامة جداً لكسب التأييد، فهناك أطراف كثيرة تصنع القرار، وتؤثر في صانعي القرار، وتستفيد من القرار، وفي مثالنا تكون الحكومة ووزير النقل تحديداً هو الذي يصنع القرار، فالصلة بالوزير وإقناعه والتوجه اليه هامة جداً في الوصول للنتيجة الإيجابية، ويمكن الإستعانة بمن يؤثر على الوزير، من نوابه ومساعديه ومستشاريه وأعضاء حزبه وكتلته، بل وحتى أقاربه وعائلته، ويمكن الإستعانة بوسائل الإعلام التي تقابل الناشطين من المطالبين بتأسيس النقابة، وتعكس آرائهم بالموضوع، وتحشد الرأي العام إلى جانبهم .
إعداد الرسالة الإعلامية : لكل فئة من الجمهور المستهدف رسالة إعلامية تؤثر فيه ويستجيب لها، لذلك من الضروري تصميم الرسالة المناسبة لكل فئة من الجمهور المستهدف، فجمهور العاملين، الذي يراد تأسيس النقابة من أجله، يمكن أن يتأثر كثيراً، عندما يشاهد نماذج نقابات ناجحة، في أمكنة ومواقع أخرى، وحققت لإعضائها مكاسب كثيرة، وجمهور المسؤولين وأصحاب القرار في تكوين النقابة، قد يتأثرون برسالة التهديد بإضراب عن العمل، وإيقاف حركة سير القطارات .. الخ .
تكوين الإئتلافات : كلما إتسع عدد المساندين للفكرة الجديدة، وإزداد حجم المتحمسين لها، كلما إزدادت قوة وصلابة وقدرة على التحقيق، وفي مثالنا يمكن الدعوة لمساندة عاملين في مناطق ومرافق أخرى، كالنفط والسكائر والغزل والنسيج، والإعلام والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني .. الخ .
النشاطات الرئيسية وقنوات الإتصال : من الضروري إستخدام مجموعة متنوعة من قنوات الإتصال، لكي تجري الإستفادة من ميزات كل وسيلة، ويجب إختيار قناة إتصال رئيسية وأخرى مساندة، لكي تجري تعبئة الجميع، من أجل تحقيق الهدف المنشود .
تحديد الموارد المطلوبة : كل الأنشطة الموجهة لتحقيق الهدف تتطلب موارد بشرية أو تقنية أو مالية، ومن الضروري تحديد هذه الموارد بدقة وتنظيمها وإستمرارها، وفي مثالنا هناك من يفاوضون الإدارة؟ ومن يخط اللافتات المتضمنة للمطالب؟ ومن يرفع اللافتات؟ ومن يتصل بالإعلام وبالأحزاب السياسية؟ .. الخ .
المتابعة والتقييم : وهذه تتضمن الكثير من النقاط المتعلقة بتحديد المؤشرات الوسيطة والنهائية لعملية الإتصال، وتوثيق التغيرات على أساس الأهداف العامة والفرعية، ومقارنة النتائج النهائية بمؤشرات قياس التغيير، وكيفية توثيق التغيرات الغير مخطط لها، وأخيراً تحديد العوامل الرئيسية التي تساهم في إحداث التغييرات في السياسات .
مفهوم التسويق الإجتماعي
هو مصطلح كثر إستخدامه في الوقت الحاضر، في مختلف الأنظمة والمجتمعات المتقدمة والنامية، في أوقات السلم وفي الحروب والأزمات أيضاً، وظهر هذا المصطلح بداية سبعينات القرن العشرين ( 1971 ) ليصف إستخدام مباديء التسويق، من أجل قضية إجتماعية أو فكرة أو سلوك، وفي عام 1975 عقد في بروكسل أول مؤتمر دولي عن التسويق الإجتماعي، حيث نوقشت أسسه وقواعده ونظرياته وتطبيقاته وأساليبه.
والتسويق الإجتماعي في رأي البعض، يهتم بتغيير ردود فعل الأفراد تجاه فكرة معينة أو هدف ما أو سلوك محدد، لصالح المجموع والمجتمع، وفي رأي آخرين، أنه يحتوي على عناصر أساسية لترويج وتبني الأفكار والسلوكيات المنشودة إجتماعياً، ويرى غيرهم، أن أهدافه تتحدد بترويج الأفكار ذات الطابع الإجتماعي، عكس الإعلان التجاري، لذلك فإن الحاجة للتسويق الإجتماعي ماسة لقطاعات التعليم والصحة والبيئة والثقافة والمواصلات وغيرها، وهناك من يرى في التسويق الإجتماعي وصف لإستخدام تكنيكات ومباديء التسويق، من أجل تقديم قضية إجتماعية جديدة أو فكرة أو سلوك، أو أنه يعني، كذلك، تكنلوجيا أساليب التغيير الإجتماعي، والتي تشتمل على ثلاثة عناصر هي :
1 _ الفكرة الإجتماعية أو الممارسة{ المنتج الإجتماعي }
2 _ مجموعة أو أكثر من المتبنين المستهدفين .
3 _ إستخدام تكنلوجيا أساليب التغيير الإجتماعي .
أولاً : المنتج الإجتماعي
ويعني تغيير الأفكار والسلوكيات الخاطئة، أو تبني الأفكار المستحدثة أو السلوكيات الجديدة، وهكذا تكون الأفكار والسلوكيات هي المنتجات التي سوف يتم تسويقها بين الجماهير المستهدفة، وإذا أخذنا موضوعة ( الإرهاب والعنف ) الشائعة في العراق، وفي الكثير من البلدان العربية والإسلامية، وإعتبرناه فكرة خاطئة، قادت وتقود لسلوك خاطيء وخطير، وعلينا أن نغير قناعات وأفكار متبنيها، من خلال طرح أفكار جديدة مغايرة، لكي يسلكوا طريقاً آخر، من خلال التوعية والتبصير بخطأ وضرر تبني موضوعة الإرهاب والعنف.
لقد حدد كوتلر وروبرتو ثلاثة أنواع من المنتجات الإجتماعية هي
أ _ ألأفكار، وتشمل _ المعتقدات_ الإتجاهات _ القيم، فالمعتقد هو بمثابة إدراك موضوع حقيقي كأن يقال { التدخين مضر بالصحة } ويمكن أن تكون الأفكار الإجتماعية، عبارة عن إتجاه يشير لتقييم إيجابي أو سلبي للناس والأشياء والأحداث، والفكرة الإجتماعية قد تكون قيمة تعبر عما هو خطأ وما هو صواب.
ب _ الممارسات، وتشمل العمل _ السلوك، وهي النوع الثاني من المنتجات الإجتماعية، كخروج فرد من أجل التطعيم أو التصويت، أو سلوكاً بديلاً لسلوك سابق، كترك التدخين .
ج _ الأشياء الملموسة، وهو ثالث أنواع المنتجات الإجتماعية، مثل حزام الأمان الذي يتم التسويق له في سياقة السيارة .
2 _ المتبنون المستهدفون
يستهدف المسوقون الإجتماعيون مجموعة أو أكثر من المتبنين المستهدفين، ولنأخذ موضوع ( الإرهاب والعنف ) فالمجموعات التي يتوجه لها المسوقون الإجتماعيون يجب تحديدها بطرق وأساليب مختلفة، حسب عمرها ومكانتها الإجتماعية وموقعها الجغرافي، لأن كل مجموعة من هذا الجمهور المستهدف لها مجموعة من المعتقدات والإتجاهات والقيم، وبالتالي فإن التسويق الإجتماعي يحتاج لمعلومات عن كل مجموعة مستهدفة تتضمن :
أ _ الخصائص الإجتماعية ( الطبقة الإجتماعية_ التعليم _ المستوى المعاشي أو الدخل ) .
ب _ الخصائص النفسية أو السيكولوجية ( الإتجاهات _ القيم _ سمات الشخصية ) .
ج _ الخصائص السلوكية( نماذج السلوك_ العادات )
أن معرفة الخصائص الإجتماعية والنفسية والسلوكية، من قبل المُستهدِف للمسُستهدَف، تعتبر أساساً من أجل التأثير على النتائج، فموضوع العنف والإرهاب، ينتشر في الغالب في الأحياء الفقيرة، وفي أطراف المدن، وما يسمى بالعشوائيات، حيث يسكن المهمشون إجتماعياً، من نازحي الريف والحمالين وباعة الخضار وغيرهم، ومستواهم المعاشي متدني، فهم بالكاد يدبرون رزق يومهم، وهؤلاء في الغالب من ذوي التحصيل العلمي والدراسي المتواضع، فهم إما أميون أو تجاوزوا الأمية بقليل، وهؤلاء عادة يتمسكون بقيم قديمة كالعشائرية، والموقف المتخلف من المرأة، والثأر ، والشعور بالنقص والحقد إزاء المحيط، الذي يعتقدون أنه ينظر اليهم بإستصغار ودونية، لذلك يتميزون بالعنف، ومن السهل تجنيدهم من قبل العناصر الإرهابية، التي تجد بينهم ضالتها .
تكنلوجيا أساليب التغيير الإجتماعي
حين نحدد موضوع( الإرهاب والعنف ) وإنتشاره الواسع في صفوف الناس، والشباب بشكل خاص، يفترض في تكنلوجيا أساليب التغيير الإجتماعي، التي نريد تطبيقها لتعديل وتغيير سلوك هؤلاء، أن تجيب عن الأسئلة الأربعة التالية :
1 _ ما الملائم بين الأفكار أو الممارسات الإجتماعية، وما الذي يبحث عنه الجمهور المستهدَف ؟
2 _ ما الذي يجعل الشيء الملائم جيداً من حيث الشكل ؟
3 _ كيف يتم توصيل الشيء الملائم إلى الجمهور المستهدَف ؟
4 _ كيف ندافع عن الشيء الملائم في حالة تعرضه للخطر ؟
وللإجابة عن الأسئلة الأربعة السابقة نضع أربع وظائف أساسية، تساهم كل وظيفة في إجابة السؤال المتعلق بها.
فللسؤال الأول نضع وظيفة أولى تتعلق بتحديد المنتج الملائم، والمقصود بها ملاءمة المنتج للسوق، أو تحديد المنتج التسويقي الملائم، حيث إن أولى متطلبات النجاح في التسويق الإجتماعي، إما أن نخلق منتجاً إجتماعياً جديداً لسد إحتياجات لم تشبع بعد، أو أن نصمم منتجاً أفضل من المنتجات المتوفرة في السوق، ويعتبر هذا جوهر الفكرة التسويقية، وطبقاً لمفهوم ( كوتلر ) فإن الفكرة التسويقية تهدف إلى تحقيق أهداف منظمة، تكمن في تحديد إحتياجات ورغبات الجمهور المستهدف. ولكن كيف يختار المسوق الإجتماعي الموضوع الملائم؟ لابد للمسوق الإجتماعي أن يعرف ما بداخل الجمهور، فالجمهور لديه مشكلة يريد حلها، ولديه حاجة يريد أن يلبيها، وإذا أخذنا موضوعنا حول ( الإرهاب والعنف ) فيجب أن يفهم المسوق ويستوعب أسباب إنتشار هذه الظاهرة في الجمهور المستهدف، وإذا توصل إلى أن البطالة والواقع الإقتصادي المتدني للجمهور، والشعور بفقدان العدالة، والإفتقار للتعليم، بالإضافة لأجندات أطراف خارجية، ولأهداف قوى سياسية معينة، كبقايا النظام السابق، هي من بين أهم الأسباب لإنتشار ظاهرة الإرهاب والعنف في الجمهور المستهدف، لذلك فإن طرح فكرة توفير فرص عمل للشباب، وفتح نوادي رياضية، تمتص وتوظف طاقاتهم الجسدية في نشاط إجتماعي مقبول، وإشراك الشباب في حل المشكلة، من خلال التوعية بمختلف الطرق، بمرامي وأهداف أعداء الوطن، هي الطريق للمساعدة في التوصل لنتائج مناسبة .
أما السؤال الثاني فنضع له وظيفة ثانية تتعلق بتصميم المنتج الملائم، وهذه الوظيفة التي يقوم بها المسوقون الإجتماعيون، تعتمد على ثلاثة شروط هي :
1 _ أن يكون التقديم للموضوع بشكل يتلاءم مع الفكرة أو الممارسة .
2 _ إظهار المنتج بشكل يدعم طريقة تقديم الموضوع .
3 _ الحرص على أن تدعم رسائل المسوقين الإجتماعيين ما يدعون اليه، بحيث تنسجم مع طبيعة الفكرة أو الممارسة.
أما السؤال الثالث فنضع له وظيفة ثالثة تتعلق بتوصيل المنتج الملائم، ففي موضوع الإرهاب والعنف قلنا أن للشباب طاقات، ولذلك من الضروري لمسوقي الأفكار الجديدة، تفريغ طاقة الشباب وتوظيفها إيجابياً، وأن ترافق حملات التوعية النظرية، خطوات عملية لفتح مراكز رياضية ونوادي ومكتبات، وورش عمل، وأن يحث الشباب للإنتساب لها، وأن تجري المسابقات للمنتسبين، إذ على ضوء نتائجها الإيجابية، والنجاحات التي يحققها الشباب أثناءها، تحل الكثير من العقد النفسية، ويشعر الشاب بقيمته ومكانته وأهميته .
وللسؤال الرابع نضع الوظيفة الرابعة وهي الدفاع عن المنتج، وهذه الوظيفة تتطلب معرفة حالة الجمهور المستهدف ومراقبتها وملاحظتها، إذ في مثالنا قد لا تعجب النوادي ودور الشباب المستهدفين، وقد لا ينتسبون لورش العمل، وعلى المسوق أن يدرس الأسباب ويصل للحلول المناسبة لها، كما تتطلب هذه الوظيفة أيضاً الإستفادة من البحوث، وهذا يعني تكثيف الإتصال الإقناعي للشباب، وتوفير مزيد من وسائل الترفيه والجذب في النوادي والورش لشدهم، والإستجابة لإقتراحاتهم، وسد ما يرونه من نواقص وثغرات، وتتطلب هذه الوظيفة أيضاً الضبط والتغيير في خطة التسويق، إذ لما كانت عملية التسويق الإجتماعي هي عملية إدارية، تتطلب إدارة نشطة ويقظة وتخطيطاً مرناً يتغير بتغير الظروف، لذلك فمن الضروري الضبط المستمر للمنتج، طالما تتغير الظروف بإستمرار.
الفرق بين التسويق الإجتماعي والتسويق التجاري
هناك مجموعة فوارق بين التسويقين الإجتماعي والتجاري، وتتحدد هذه الفوارق في :
المنتج : ففي التسويق الإجتماعي قد يكون المنتج مادياً أو غير مادي، فأن تبني ورش عمل ونوادي للشباب شيء، والتوعية والتثقيف والندوات شيء آخر، أما في التسويق التجاري فالمنتج مادي في أغلب الأحيان، والبيع والربح هو الهدف الرئيسي للمنتجين والمروجين .
الثمن : قد يكون الثمن، في التسويق الإجتماعي نقدياً، ولكنه ربما رمزي أو قليل، كبدل إشتراك النادي أو الورشة، وقد لا يكون هناك ثمن، في حين في التسويق التجاري، يكون الثمن هو الأساس، وشراء المنتج المعين هو الهدف .
الربح : لا يمثل الربح في التسويق الإجتماعي أهمية رئيسية، فالهدف من نشاطها خدمة المجتمع، في حين يعتبر الربح المادي عنصراً أساسياً في التسويق التجاري، وعدم تحقيق الربح يعني الفشل.
المنافسة : المنتجات المتشابهة في التسويق الإجتماعي غير متنافسة، بل يكمل بعضها الآخر فورشة العمل تكمل النادي الرياضي، والدورات التعليمية والتأهيلية، تهيء لسوق العمل، في حين في التسويق التجاري تتنافس البضائع المتشابهة، وكل منتج يحاول أن يزيد من زبائنه، بما يقدمه من إغراءات ودعاية .
خلق الطلب : التسويق الإجتماعي مهمته تغيير أفكار وأساليب خاطئة لدى الناس ولمصلحتهم، وتزداد حماسة الفرد عندما يقتنع أن الرسالة الإعلامية لهذا التسويق، هي لفائدته كفرد، قبل أن تكون للمجتمع، فالعمل والدراسة وتطوير الإمكانيات من خلال الورش والدورات، هي لفائدة الفرد، وهي في النهاية لصالح المجموع الذي سيكسب فرداً نشيطاً وفاعلاً وبعيداً عن أفكار الإرهاب والعنف .
نوعية الجمهور المستهدف : يهتم التسويق الإجتماعي في رسالته العامة، وبشكل خاص بذوي الدخل المنخفض والأميين والمهمشين والريفيين، لأن هذه الفئات تعاني أكثر من غيرها من المشكلات، إذ نادراً ما تجد بين صفوف الإرهابيين غنياً أو صاحب شهادة عليا أو وظيفة محترمة، أما في التسويق التجاري فالجمهور المستهدف يتكون من ذوي المستويات الإجتماعية والإقتصادية المرتفعة نسبياً، ممن تتوفر لهم القدرة الشرائية.
فجوة المعرفة والسلوك : لأن جمهور التسويق الإجتماعي عادة من ذوي الدخل المنخفض والمهمشين، فقد لا تصل لهم المعلومات والخدمات بسهولة، ولذلك من الضروري التوزيع المتكافيء للخدمات والمعلومات، وأن يحرص المسوقون على وصولها بعدالة وكفاءة، في حين لا يهتم التسويق التجاري بفجوة المعرفة أو فجوة السلوك، أي الإختلاف في مستوى المعرفة ونوعيات السلوك الناتجة عن التوزيع غير المتكافيء للمعلومات بين الفئات الإجتماعية والإقتصادية المختلفة.
أهمية صدق المعلومات : المعلومات الصحيحة هامة في التسويق الإجتماعي، لإفتقار الجمهور للكثير منها، فالإستناد لحقائق عن أهداف الإرهابيين وأجندات من يدعمهم، وتقديم نماذج حقيقية لإعترافاتهم وجرائمهم، يهيء المناخ لرفضهم وعدم الثقة بطروحاتهم، أما التسويق التجاري فيؤكد إدعاءات لا يمكن التأكد من صحتها، عن البضاعة المعروضة ومميزاتها وفوائدها، فكل السيارات تدعي هي الأحسن والأسرع والأكثر أماناً .
أهمية المعلومات التفصيلية : في التسويق الإجتماعي، توضح المعلومات التفصيلية للجمهور المستهدف، مدى الإختلاف بين الأفكار والممارسات المطروحة، وبين تلك التي يراد تغييرها، والفائدة التي ستلمس من هذا التغيير، فبين أن يقتل الإنسان نفسه في عملية إنتحارية، ويقتل معه آخرين ويذهب للجحيم، وبين أن يتعلم ويتدرب ليعمل ويكسب، فرق واسع وكبير، اما في التسويق التجاري فالمعلومات التفصيلية، لا تكشف للمستهلك سوى التشابه بين الحاجات، وقلة الإختلاف بين واحدة وأخرى .
مدى التغيير المطلوب : التسويق الإجتماعي يسعى لتغيير شامل في السلوك، فهو عندما يستهدف شريحة مهيئة للإرهاب والعنف، فإنما يقصد تخليصها تماماً من هذا المرض الإجتماعي الدخيل، أما التسويق التجاري فيسعى لتغييرات طفيفة، وهو يريد إبدال سلعة بسلعة أخرى تؤدي الغرض نفسه، يرشح نوعاً من السكائر لتكون بديلاً عن سكائر أخرى وهكذا .
التسويق لمصلحة من ؟ : خدمة الجمهور هي غاية التسويق الإجتماعي، وليس خدمة منتجي مادة معينة، أما التسويق التجاري فيقوم على خدمة منتج وموزع السلعة فقط .
الموارد : عادة ما تكون موارد التسويق الإجتماعي محدودة ولفترات زمنية قصيرة، لأنها غير ربحية، وإعلامها في الغالب مجاني، في حين يتميز التسويق التجاري بضخامة ميزانياته، وفي توظيف جزءاً من الأرباح في برامج التسويق، لتدر أرباحاً جديدة .
حملات التغيير الإجتماعي
وهي حملات تهدف لنشر أفكار وعادات وسلوكيات جديدة لصالح المجتمع، كالمحافظة على الصحة العامة ومحاربة التدخين والمخدرات، وحملات التغذية الصحية والحفاظ على البيئة، وهدفها نشر الثقافة والوعي الثقافي والإصلاح الإجتماعي والإقتصادي، والحملة الإجتماعية عبارة عن جهد منظم، تقوم به مجموعة من المجتمع، يهدف لإقناع مجموعة مستهدفة، بقبول أو تعديل أو الإبتعاد عن بعض الأفكار والسلوكيات والإتجاهات، وهذا التعديل أو التغيير لا يتم بشكل مفاجيء، وإنما يحدث عبر عدة مراحل وخطوات، وبشكل تراكمي، ووفق نسق يشتمل على تغيير معلومات الأفراد، ثم تغيير إدراكهم، ثم تغيير إتجاهاتهم، فعندما تدعو للإقلاع عن التدخين مثلاً، يجب في البداية أن تقدم معلومات، عن أضرار التدخين، وإحصائيات حقيقية عن عدد المصابين بالسرطان بسببه، وعن تأثيره على الأطفال وعلى الأم الحامل.. الخ، عندها سيتغير إدراك الشريحة المستهدفة، وستتكون لديها قناعات جديدة أخرى، وستتغير إتجاهاتها نحو ترك التدخين.
أنواع حملات التغيير الإجتماعي
هناك أربعة أنواع من حملات التغيير الإجتماعي وهي :
1 _ حملات التغيير المعرفي : وهدفها تزويد الأفراد بمعلومات لزيادة وعيهم بقضية معينة، أي أنها تعمل من أجل إحداث تغيير معرفي، كإعطاء معلومات لتجنب مرض ما، أو أهمية التغذية الصحية، وهي أسهل أنواع الحملات لأنها لا تهدف لتغيير عميق في السلوك .
2 _ حملات تغيير الفعل : وهي الحملات الهادفة لإقناع مجموعة من الناس للقيام بعمل معين، وفي وقت محدد، كضرورة التطعيم للوقاية من بعض الأمراض، أو للتبرع بالدم وغيرها، وهذه الحملات لا تتطلب إعطاء المعلومات فقط، ولكن حثهم أيضاً على عمل أو فعل ما، وعلى الجهة التي تقوم بهذه الحملات أن توفر بعض الحوافز للمستهدفين، كتغطية المصروفات أو النقل، أو غيرها لتشجيع الأفراد على تبني الفكرة أو السلوك المطلوب .
3 _ حملات التغيير السلوكي : وهي الحملات الهادفة لتغيير بعض أنماط السلوك، كالحث على تغيير بعض عادات الأكل لتخفيف الوزن وتجنب السمنة، وهي من الحملات الصعبة، فالتخلص من عادات مترسخة وقديمة أمر صعب على الناس، لذلك ربما لا تكفي الرسائل الإعلامية في هذا النوع من الحملات، بل يصحبها إتصال شخصي ومقابلات ووسائل إقناع مباشرة .
4 _ حملات تغيير القيم : وهي من الحملات الصعبة، التي تستهدف تغيير قيم ومعتقدات الناس، كحملات تنظيم الأسرة، وقد يلجأ القائمون بها أحياناً لأستخدام القانون والتشريعات لإلزام المستهدفين بتنفيذها .
عوامل فشل ونجاح حملات التسويق الإجتماعي
لقد حصر (لازرزفيلد ومرتون) أهم العوامل في فشل ونجاح حملات التسويق الإجتماعي فيما يلي :
1 _ الإحتكار : أي أن الحملة الإعلامية تقوم بإحتكار جميع وسائل الإعلام الجماهيرية، لكي لا تُقدم رسائل أخرى تناقض أهداف الحملة المقصودة.
2 _ السير في القناة نفسها : أي أن تتلائم الحملات الإعلامية مع ميول الجمهور المستهدف وإتجاهاته .
3 _ التكامل : أي أن تتكامل رسائل وسائل الإعلام مع الإتصال الشخصي .
نموذج ماكجير
لقد طور ماكجير نموذجاً ذا عاملين للإقناع، إذ يربط نموذجه عمليتا الجذب والفهم في عامل واحد، أطلق عليه ( الإستقبال )، وطبقاً لماكجير، فإن عملية الإقناع تشتمل على خطوتين أساسيتين هما :
_ إستقبال مضمون الرسالة ( الجذب، الفهم )
_ قبول أو تبني لما تم فهمه .
أي أن إحتمال التغير في الرأي يساوي إحتمال الإستقبال الفعال للرسالة × إحتمال قبول الرسالة.
بمعنى أوضح إذا كانت لدينا رسالة، وتم إستقبالها إستقبالاً جيداً، ولكن نتج عنها تغيير بسيط في الرأي، فطبقاً لنموذج ماكجير فإن درجة الإنخفاض في الإقتناع ترجع إلى درجة الإنخفاض في القبول أو التبني، وعلى الرغم من التركيز على الإستقبال ( الجذب، الفهم ) وعلى القبول أو التبني، فإن ماكجير إقترح خطوتين إضافيتين للعملية الإقناعية وهما :
_ التذكر .
_ العمل أو التنفيذ .
وهنا أصبحت عملية الإقناع تشتمل على خمس خطوات متسلسلة هي : الجذب، الفهم ، القبول ، التذكر ، العمل . كما إهتم ماكجير بعناصر العملية الإتصالية، وبهذه الأسئلة :
_ من ؟ أي من هو مصدر الرسالة ؟
_ يقول ماذا ؟ بمعنى ماهو مضمون الرسالة ؟
_ كيف ؟ أي كيف نوصل الرسالة وعبر أي وسيلة ؟
_ لمن ؟ أي إلى أي جمهور نتوجه ؟
_ بأي تأثير ؟ بمعنى كيف نجذب إنتباه الجمهور المستهدف، لنصل به لفهم رسالتنا وقبولها وتبنيها، وتغيير إتجاهه، وتذكره لها وعمله وسلوكه بمقتضاها.
وإذا طبقنا نموذج ماكجير على موضوع ( الإرهاب والعنف ) فإن من يقول الرسالة هو الدولة والحكومة، ومنظمات المجتمع المدني، والمتضررون من الإرهاب، أما ماذا يقولون، أي ما هو مضمون رسالتهم، فهو أن الإرهاب والعنف مرفوض دينياً وإجتماعياً وإنسانياً، وإن لا أحد يبرره سوى ذوي الأجندات التي تستهدف الوطن والشعب ، أما كيف نوصل الرسالة، فعبر وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية، وعبر المنابر الثقافية والإجتماعية والدينية المختلفة، وعبر أي وسيلة نعتقد أنها تساعد في إيصال الرسالة، أما لمن ؟ فالجمهور المستهدف هو الشباب والأفراد المغرر بهم، وهم ربما لا يكونون في مكان واحد ولا ينتمون لفئة إجتماعية معينة، أما بأي تأثير، فربما تلعب التوعية الدينية، في موضوعنا، والفتاوى لكبار المرجعيات دوراً أكثر تأثيراً من غيرها، كما إن سقوط مجاميع من هؤلاء بيد الدولة، وتقديم إعترافاتهم وكشف مصادر تمويلهم ومن جندهم، والعقوبات الرادعة التي صدرت بحقهم، هي وسائل تأثير تساعد في الفهم والتذكر وتغيير السلوك .