القدرات الإقناعية لوسائل الإعلام / داود أمين
تختلف القدرات الإقناعية لوسائل الإعلام من وسيلة إلى أخرى، وفقاً للموضوع الذي تعالجه، والجمهور الذي تتوجه اليه، والبيئة الإجتماعية والثقافية والإقتصادية، التي تستهدفها، فثقافة الأفراد وتكويناتهم النفسية ومصالحهم وأوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية والفكرية، تشكل جزءاً هاماً من العوامل التي تواجه نجاح الإعلامي في مخاطبة الناس، والقدرة على إقناعهم، لأن الإقناع يستهدف العقل والعاطفة أو أحدهما، بطريقة غير مباشرة، وهذا يتطلب تخطيطاً مسبقاً ووقتاً وجهداً، لذلك يمكن القول أن الإقناع هو محاولة مقصودة من جانب المرسل، لتغيير معتقدات أو إتجاهات أو سلوكيات المستقبِل من خلال نقل بعض الرسائل.
لقد كان الرأي السائد أنه بمجرد تعرض المستهدَف للرسالة، فإن هدف المستهدِف، أو القائم بالإتصال سينجح، ولكن هذا الرأي يغفل العوامل الأخرى المتعلقة بإتجاهات المستقبِل السابقة، والجماعة التي ينتمي إليها، والتي تؤثر دون شك على خياراته وعلى تفسيره لما يقرأه وما يسمعه ويراه. إن العملية الإقناعية تكون أحياناً إجباراً غير مباشر لإستمالة العقل والعاطفة لدى الفرد المستهدف، وعندما يتخلى الأفراد عن نوعية معينة من السلوك، فهذا يعني أنه تم إقناعهم، والناس عادة أكثر إستعداداً للتغير قليلاً عن أن يتغيروا كثيراً .
إن المكونات الرئيسية للعملية الإتصالية هي المصدر _ الرسالة _ الوسيلة _ الجمهور .
والمصدر هو منشيء الرسالة الإعلامية وصانعها، وهو الذي يؤثر على عملية الإقناع، معتمداً على خمس مهارات أساسية للإتصال، إثنتان متعلقتان بوضع الفكر في كود، وهما الكتابة والتحدث، وإثنتان متصلتان بفك الكود، وهما القراءة والإستماع، والمهارة الخامسة، هي القدرة على التفكير ووزن الأمور.
ومن المهم أيضا معرفة إتجاهات المصدر، وهي ثلاث :
أ _ إتجاه المصدر نحو نفسه : فإذا كان إتجاه المصدر نحو نفسه سلبياً، فيحتمل أن يؤثر هذا التقييم للذات على نوع الرسالة التي يصنعها وعلى تأثيرها ومردودها على المتلقي، في حين إذا كان إتجاه المصدر نحو ذاته إيجابياً، فقد يجعله هذا الأعتقاد واثقاً من نفسه ومقبلاً على عمله .
ب _ إتجاه المصدر نحو الموضوع : عندما نقرأ كتاباً أو نستمع لمدرس أو ممثل، يبقى لدينا إنطباع، هل هو مقتنع أو غير مقتنع بالموضوع؟ هل يتحدث عن الموضوع بإيمان وعقيدة حقيقية أم يتظاهر بالتحمس له ؟
ج _ إتجاه المصدر نحو الجمهور : حينما يدرك القراء أو المستمعون أن الكاتب أو المتحدث يحبهم فعلاً ويحترمهم، يصبحون أقل إنتقاداً لرسائله، ويزداد قبولهم لما سيقوله.
كما إن مستوى معرفة المصدر بالموضوع يؤثر على مستوى رسالته، فنحن لا نستطيع أن ننقل ما لا نعرفه، ولا نستطيع أن ننقل بفاعلية مضموناً لا نفهمه، وليس المعرفة مهمة، بل مستوى المعرفة، فإذا كان المصدر يعرف الكثير جداً أو متخصصاً، فقد لا ينجح في نقل المعاني المطلوبة ببساطة، لعدم قدرته على التبسيط، إذ لا يكفي أن يعرف المصدر موضوعه، بل المهم أن يكون قادراً على نقله بشكل مفهوم ومبسط للقطاعات المستهدفة .
كما إن مركز القائم بالإتصال يتأثر بالنظام الإجتماعي والثقافي، الذي يحدد أحياناً أنواع الكلمات التي يستخدمها الناس وأهدافهم من الإتصال ، وأخيراً لمصداقية المصدر أثر كبير في إستقبال الرسالة وثقة الجمهور بها، وكلما كانت المعلومات الواردة في الرسالة منسوبة لمصدر منخفض المصداقية، كلما إنخفضت ثقة الجمهور فيها، في حين يتم الإستقبال بدرجة عالية للمعلومات المرسلة من مصدر عالي التصديق، وهذا يؤكد إن أمانة المصدر وجدارته بالثقة يمثلان جانباً مهماً من جوانب قابلية المصدر للتصديق، وتشكل الخبرة والكفاءة لدى مصدر الإتصال عناصر هامة في تصديقه، والمصدر يجب أن يكون متمرساً وماهراً ومؤهلاً، وأن يظهر طاقة ونشاطاً لكي يتم تصديقه، ولكن إذا بدا المصدر خجولاً سلبياً ومرهقاً، فإن درجة تصديقه تنخفض لدى الجمهور .
إن دراسة المميزات التي تمتاز بها كل وسيلة من وسائل الإتصال والإعلام، وإختلافها عن الوسيلة الأخرى، يجعل من السهل تلافي السلبيات الناتجة عن العملية الإعلامية، ويرى الكثير من الخبراء والمتخصصين في مجال الإعلام والإتصال أن إستخدام أكثر من وسيلة إعلامية، يحقق تأثيراً فاعلاً، ويعدد من المزايا الإيجابية، ويمّكن عملية الإتصال من تحقيق أهدافها، وفقاً للموضوع الذي تعالجه، والجمهور المستهدف بالرسالة، والبيئة الإجتماعية والثقافية، وقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن ظهور وسائل جديدة كالتلفزيون والكومبيوتر والأنترنيت، لا يقلل من إستعمال الوسائل الأسبق كالراديو والصحافة المطبوعة، حيث إن الأشخاص الذين يستخدمون وسيلة ما، يكون عندهم إستعداد لإستخدام الوسائل الأخرى، إذا أتيحت لهم، كما إن الذين لديهم إهتمامات معينة بموضوع ما، يواصلون تتبع هذا الموضوع في الوسيلة التي تقدم لهم المعالجة الكاملة، أو الوسيلة التي إعتادوا عليها، وكذلك تتبع المعالجة والطرح في الوسائل الأخرى، كما إن الإستجابة للوسيلة تختلف طبقاً لمستوى التعليم، فالذين هم أكثر تعليماً يميلون عادة للمطبوع، في حين يميل الأقل تعليماً للراديو والتلفزيون، لأنها وسائل لا تحتاج لقدرات خاصة في التلقي وفك الرموز، وفي مواقف الحياة الواقعية، يبدو أن التأثير الشخصي، بشكل عام، أكثر قدرة على الإقناع من أي وسيلة من وسائل الإعلام .
إن المقدرة الإقناعية لوسائل الإعلام تختلف طبقاً لعدد من المتغيرات أو العناصر ومن بينها :
_ طبيعة الموضوعات : إذ أن بعض الموضوعات يحسن تقديمها بالوسائل البصرية عن الوسائل الشفهية، أو بالوسائل المطبوعة أكثر من الفلم، في حين أن هناك موضوعات لا تحتاج لهذا الإختلاف .
_ الجمهور الذي توجه اليه الرسالة : خصائص وميزات هذا الجمهور، وقدراته الإتصالية، وأنماط وعادات تعرضه لوسائل الإتصال .
_ المهارات والقدرات الشخصية المطلوبة لإستخدام الوسيلة: إذ هناك نوعان من التأثيرات يمكن أن تنتج عن أمثال تلك الإختلافات، فكلما قلت المهارات أو التدريب، الذي يحتاج إليه المتلقي للتعرض للوسيلة وفهم مضمونها، زاد الجمهور الذي تجذبه هذه الوسيلة، وزاد الوقت المخصص لها، وقد تدفع الوسيلة الجمهور إلى إكتساب المهارات، التي يحتاج اليها، لإستخدام الوسيلة بشكل فعال .
_ مقدرة أي وسيلة من وسائل الإعلام على جعل المضمون يتسم بحيوية أكبر وجاذبية وواقعية قد يزيد من تأثير تلك الوسيلة .
الجمهور والقابلية للإقتناع
هدف عملية الإتصال الرئيسي والنهائي هو الوصول للجمهور والتأثير فيه، وإيصال الرسالة الإعلامية إليه، لذلك يجب أن يكون لدى القائم بالإعلام فكرة كاملة عن قدرات الجمهور العقلية وخصائصه النفسية والعاطفية، لكي يستطيع إيصال رسالته له وإقناعه، إذ مهما كانت الرسالة مصممة تصميماً جيداً، وقدرات القائم بالإتصال الفنية والمهنية ممتازة، والوسيلة جيدة أيضاً، إلا إن عواطف المتلقي وتعليمه وسنه ومزاجه وشخصيته وميوله، تلعب الدور الرئيسي والحاسم في تقبله أو رفضه للرسالة .
الخصائص الأولية لأنواع الجماهير
من بين أهم هذه الخصائص :
أ _ التعليم : إن جمهور الوسائل المطبوعة يحتاج لنوع وقدر من المهارات، في حين إن جمهور الراديو والتلفزيون والسينما، قد لا يحتاج لنفس المهارات، لذلك هناك إرتباط كبير بين التعامل مع الجريدة والمجلة والكتاب ودرجة التعليم، وعندما ظهر الراديو شعر المهتمون بالتعليم أن هذا الجهاز سيساعد في توسيع نطاق المعرفة والتعلم، فالذين لم تتوفر لهم فرصة التعلم، والقدرة على القراءة، أصبح الراديو يقدم لهم برامج إخبارية وعلمية، ولكن هنا أيضاً، ظهر أن المتعلمين هم الأكثر قدرة على الإستماع للبرامج الجادة، في حين مال غير المتعلمين للبرامج الترفيهية والخفيفة، وقد أوضح الباحث الأمريكي هوفلاند، أن هناك إرتباطاً إيجابياً بين مقدرة الفرد الذهنية ودرجة إستيعابه للرسالة الإعلامية، بمعنى أن إستيعاب الأفراد المتعلمين للمعلومات أكبر من غيرهم، ولكن ذلك لا يمنع، من التأكيد أيضاً أن هناك أفراداً، من ذوي المستوى البسيط من التعليم، لكنهم إهتموا ببرامج جادة .
ب _ العمر : يلعب عمر الإنسان دوراً هاماً في مدى التفاعل والإستجابة لوسائل الإعلام، فصغار السن يفضلون في العادة المواد الخفيفة والترفيهية، والشباب في الغالب لا يهتمون بالشأن العام، وفي مرحلة الطفولة تصبح وسائل الإعلام جزءاً من بيئة الطفل، الذي يبدأ في مشاهدة التلفزيون منذ سن الثانية، ويستمر معه ومع المجلات الملونة والكتب الكوميدية والقصص والمسلسلات، وفي فترة المراهقة تتبدل إهتمامات المراهق، وتأخذ المدرسة وواجباتها الكثير من وقته وإهتمامه، وربما أيضاً الذهاب للسينما والمكتبة، وقد تصبح الصحيفة مهمة للمراهق، ومع مرور السنين يصبح التلفزيون أشد جاذبية، وكذلك يتغير نمط المواد التي يتابعها الإنسان، إذ تصبح أكثر جدية.
ج _ النوع ( الجنس ) : لقد أظهرت الدراسات أن النساء أقل إهتماماً بالشئون العامة من الرجال، إذ هن يملن لقراءة القصص الخيالية في المجلات، في حين لا يميل الذكور لذلك .
الخصائص الشخصية
تلعب الخصائص الشخصية للمتلقي للرسالة الإعلامية، دوراً هاماً في تقبله أو رفضه لها، فالتكوين الشخصي، يؤثر على الإستعداد للإقتناع، أو مقاومة الرسائل، التي تحاول تعديل معتقداته وإتجاهاته، وهناك أفراد في المجتمع تجعلهم إحتياجاتهم الشخصية، أكثر إستعداداً للإقتناع، ومن هذه العوامل التي تجعل الفرد أكثر إستعداداً للإقتناع :
1 _ إنخفاض تقدير الذات .
2 _ الإحساس بالقلق .
3 _ خصوبة الخيال والتفتح الذهني .
4 _ الشخصية المتسلطة .
أهم القدرات الإقناعية لبعض وسائل الإعلام
أولاً : الراديو
تعتبر الإذاعة المسموعة ( الراديو ) مصدراً هاماً لمعلومات الإنسان في أي مكان، فهي وسيلة إتصال عالمية تستطيع تقديم الخدمة الإخبارية السريعة، ومخاطبة كل الفئات والطوائف، مهما إختلفت درجات تعليمها أو مستوياتها الثقافية، لذلك إحتلت مكانة متميزة لسعة إنتشارها وقوة تأثيرها، وقدرتها على نشر الثقافة والمعرفة، وألإذاعة تخاطب جماهير واسعة من الناس، في أي وقت وأي مكان، وجمهورها متباين من حيث السن والمستوى الإجتماعي والثقافي والإقتصادي والتعليمي، إضافة لتفوقها في خدمة جمهور نشط يؤدي عملاً يدوياً في نفس الوقت، ولذلك فإنها تتطلب أسلوباً بسيطاً، عند تقديم برامجها، وكذلك لغة سهلة وسلسة، ومعاني مترابطة، بعيداً عن الحشو والرتابة، بحيث تعبر كل كلمة عن المعنى الذي ترمي إليه، ولذلك يمكن القول أن بساطة الجملة وقصرها، ووضوح معناها وإستخدام المألوف والشائع من الألفاظ، وإستخدام الجمل الفعلية والمبني للمعلوم، كلها وسائل مهمة للوصول لعقل وقلب المتلقي وإقناعه بالفكرة المطلوبة، وفي البرامج الإذاعية يجب أن يقدم صاحب الرسالة الإعلامية المعلومات والحقائق في الزمن المخصص للبرنامج، لكي لا يعيد ويكرر ويصبح مملاً، وأن يستخدم صاحب البرنامج الإذاعي، الإمكانيات الصوتية المناسبة، كالموسيقى والأشكال التمثيلية والدرامية والمؤثرات الأخرى للوصول إلى أكبر قدر من الإقناع، ومن العوامل الهامة في زيادة الإقتناع لدى المتلقين، هو وجود الكتاب والمخرجين والمذيعين والفنيين القادرين على الأداء الجيد لرسم صورة مناسبة في مخيلة المتلقي، وتحقيق الهدف المنشود من الرسالة الإعلامية، فإعداد نص إذاعي ناجح ومؤثر، ربما يحتاج لدراسة مراجع ووثائق خاصة، والراديو يتميز عموماً بقدرته على جذب المستمع والإستحواذ على إهتمامه، من خلال المؤثرات الصوتية والموسيقى والحوار، إضافة إلى قدرته على تحقيق المشاركة الجماعية في الإستماع لبرامجه .
مادة تطبيقية
لو أخذنا موضوعة ( إنتخابات مجلس النواب ) في العراق، وحاولنا إستخدام الراديو للتثقيف بهذه العملية والمساهمة في إنجاحها، فإن أول المهام التي تقع على عاتق العاملين في الراديو هو تحديد الأهداف التي يسعون اليها، ثم تحديد الجمهور المستهدف من أجل تحقيق الأهداف المرسومة، والوسائل والطرق والأساليب، للوصول للجمهور المستهدف، ولتحقيق الأهداف.
أفترض أن الراديو الذي يتبنى موضوعة ( إنتخابات مجلس النواب ) في العراق مؤمن ومؤيد للعملية السياسية الجارية في العراق، إذ هناك أطراف إعلامية كثيرة، معادية للعملية السياسية ومعارضة لتوجهاتها، ولذلك فإن خطابها وأهدافها، إزاء الموضوعة نفسها مختلف تماماً ومناقض لأهداف الراديو الذي يتبنى ويناصر العملية السياسية، في حين ربما يكون الجمهور المستهدف للطرفين هو نفسه، كما أفترض في الراديو المتبني للعملية السياسية، أن يكون وطنياً، وغير خاضع لحزب معين ولا لطائفة ولا لدين ولا لقومية، بل يهمه العراق أولاً وأخيراً.لذلك أعتقد إن الأهداف التي سيضعها المشرفون على هذا الراديو، تخص كل العراقيين بكافة قومياتهم وأديانهم وطوائفهم وإنتماءاتهم الفكرية والسياسية، وستتركز أبرز هذه الأهداف في الدعوة إلى :
1 _ ضرورة المشاركة في الأنتخابات، بإعتبار المشاركة حقاً وواجباً وطنياً لكل العراقيين .
2 _ أهمية الصوت الإنتخابي في تحديد قادة الوطن ومسؤوليه، وفي رسم صورة المستقبل .
3 _ الإنتخاب الحر والنزيه للمرشحين، بعد الإطلاع على برامجهم وأهدافهم، ومعرفة تأريخهم .
4 _ التعريف بطريقة الإنتخاب، وببرامج القوائم المرشحة، وأسماء المرشحين .
أما الجمهور المستهدف فهو جميع شرائح الشعب العراقي ممن يحق لهم التصويت، وربما الجمهور العربي أيضاً، من باب الدعم المعنوي للعملية، وتوضيح ملامحها الديمقراطية، أما الوسائل التي يستخدمها الراديو فهي متنوعة، فهو يخاطب أذن المستمع، لكي يصل لعقله وإدراكه، ويحاول تغيير سلوكه بإتجاه المساهمة في الإنتخابات، لذلك فاللغة السهلة والعبارات الواضحة، وإستخدام اللهجة الدارجة ضروري للتحشيد وكسب المستمعين، وكذلك إستخدام مختلف البرامج المنوعة، من أغاني وموسيقى ومسابقات وتمثيليات، وكذلك إجراء المقابلات والحوارات القصيرة وغير المملة، مع سيل من الإعلانات المعدة بفنية عالية وبإحتراف كبير، أعتقد إن كل ذلك، وفي مختلف الأوقات، وقبل وقت مناسب سيساعد كثيراً في تحقيق الأهداف المرسومة .
التلفزيون
التلفزيون يجمع بين الصوت والصورة والحركة واللون، لذلك يستطيع السيطرة على حاستين من أهم حواس الإنسان وأشدها إتصالاً بما يجري في نفسه من أفكار ومشاعر، وهما حاستي السمع والبصر، والتلفزيون إذ ينقل للمشاهد الأحداث الجارية، بكل ما فيها من معان وإنفعالات، فإنه يربط بينها وبينه، كما إنه عندما ينقل للمشاهدين معلومات جديدة سواء في محيطهم أو خارج هذا المحيط، فإنه يوسع نظرتهم للحياة، بإسلوب سهل وبطريقة مشوقة، وهو إذ يعرض القضايا الإجتماعية القائمة في المجتمع، فإنه يثير الوعي والإحساس بهذه القضايا، ويوجد دافعاً وحماساً ورغبة في حلها، وتدل الأبحاث العلمية على إن تأثير التلفزيون يفوق تأثير وسائل الإتصال الجماهيري الأخرى، فهو يشكل القيم والعادات السلوكية، أكثر من أية وسيلة أخرى، وإنه كلما زادت معدلات مشاهدته، كلما أصبح المتلقي يميل إلى الإعتقاد بالعالم ورؤيته، وفقاً لما يقدمه التلفزيون، بالرغم من إن بعض ما يقدمه مضلل، إن التلفزيون يستطيع أن ينقل أجزاء من الحياة، من بعد زمني إلى آخر، وتشكل الإعادة التلفزيونية والتكرار المستمر أحياناً للأحداث المثيرة، شيئاً مختلفاً تماماً، يستطيع أن يراكم الإحساس والإنفعال فوق العاطفة، إلى أن تصبح الإستجابة التراكمية، أعظم وأقوى من رد الفعل الأول .
مادة تطبيقية
لو أخذنا موضوعة ( شحة المياه ) في العراق، من وجهة نظر قناة تلفزيونية وطنية عراقية، فإن أبرز وأهم الأهداف التي تضعها القناة نصب عينها تتلخص في :
1 _ هناك ظاهرة جديدة في العراق، هي شحة المياه، ويجب تسليط الضوء على هذه الظاهرة .
2 _ كشف أسباب الظاهرة، ومن يقف ورائها .
3 _ طرح الحلول للمعالجة الأنية والمستقبلية .
بعد أن تحدد القناة التلفزيونية أبرز الأهداف، تحدد جمهورها المستهدف، وهو في موضوع (شحة المياه) متنوع وواسع، فالحكومة العراقية ووزارة الزراعة والمياه، هما أول المعنيين بهذا الموضوع، ثم الرأي العام العراقي الضاغط، من أجل إنتزاع حقوقنا العادلة في الثروة المائية، ثم بلدان الجوار المعنية بالأمر، وهي تركيا وسوريا وإيران، ثم المنظمات القومية والعالمية، كالجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس الأمن الدولي وغيرها، وبعد تحديد الجمهور المستهدف، تضع القناة التلفزيونية خططها وبرامجها للتأثير في كل شريحة من الشرائح المستهدفة، وبالشكل والطريقة التي تعتقد إنها أكثر تأثيراً عليها، للإستجابة لرسالتها المطلوبة، فالخطاب الموجه للحكومة العراقية، ربما يتركز في إجراء لقاءات مع خبراء ومتخصصين، يتحدثون عن أبعاد المشكلة ونتائجها على مستقبل الزراعة في الوطن، وقد تلتقي بالفلاحين المتضررين من المشكلة وتصور مزارعهم وحقولهم المخربة، وقد تقدم القناة برامج مصورة ، عن تجارب لبلدان متشاطئة مع بعضها، وحقوق الجميع مضمونة ومحفوظة، بحكم القانون والعدالة، وقد تطالب الحكومة بضرورة التعامل بالمثل، والتهديد بقطع العلاقات الإقتصادية مع البلدان المعنية، وفي خطابها للرأي العام العراقي، ربما تركز القناة على الكرامة الوطنية، وحق العراق بنهريه، اللذين لا معنى لوجوده بدونهما! وقد تطالب الجماهير بالتظاهر والإستنكار للضغط على الحكومة العراقية وعلى الدول المجاورة، وفي خطابها للجامعة العربية ومجلس الأمن والمنظمات التي هي بمستواهم، بحق العراق بحصته من أنهاره التأريخية، وعن ضرورة التوزيع العادل للثروة المائية.
ومن المهم أن تكرر القناة وتستمر في طرح الموضوع، وتُنوع في أساليب المعالجة من خلال التمثيليات والأغاني والبرامج الشعبية، ومن خلال مقابلة مزيد من المتخصصين والخبراء، وإظهار المزيد من أثار الخراب والجفاف، حتى تتحقق أهداف الحملة وتقتنع كل الأطراف المستهدفة بمحتوى الرسالة ، وتقوم بتعديل سلوكها بإتجاه تبنيها، فالحكومة العراقية تبادر للتحرك الدبلوماسي بإتجاه دول الجوار المعنية، لمناقشة الموضوع بالذات، والتوصل لحلول مرضية للعراق، والجمهور العراقي والرأي العام الداخلي، يواصل تحركه وإحتجاجه على مسببي المشكلة، وكذلك ضغطه على الحكومة العراقية لتفعيل دورها ، والمنظمات العربية والدولية ، تمارس دورها هي أيضاً في حل المشكلة وإنصاف المتضررين، وهكذا تكون القناة التلفزيونية قد أقنعت كل الشرائح المستهدفة برسالتها الإعلامية، وحققت ما كانت تصبو إليه .
الوسائل المطبوعة
يستطيع الإعلامي أن يستخدم الوسائل المطبوعة من( الصحف والمجلات والكتب والنشرات والصور الفوتغرافية وغيرها ) لإقناع جمهوره المستهدف، والصحف كما هو معروف، تعتبر من أقدم وسائل الإعلام الجماهيري في العالم، فقد نشأت قبل آلاف السنين، وتطورت كثيراً مع ظهور الطباعة، قبل بضعة قرون، وهي أيضاً تأثرت بالثورة التكنلوجية الحديثة، وإستفادت منها كثيراً في تطوير أساليبها، لجذب أوسع القراء، والوصول إلى أكبر جمهور، وميزة الصحف أن قارئها يستطيع قرائتها متى يشاء، وفي أي وضع يريد، فهي تحمل باليد ويمكنك أن تقرأها وانت جالس أو ممدد على فراش، أو حتى وأنت واقف، ويمكنك أن تتركها لتعود اليها فيما بعد، والصحف تسمح للقاريء لأن يتخيل ويحلل ويفسر، كما إنها أقدر على مخاطبة الجماهير النوعية، من خلال الإصدارات المتخصصة، التي تتوجه إلى مختلف الأعمار والفئات والإختصاصات، فهناك صحافة للطفل وأخرى للمرأة وغيرها للرياضة والمسرح والسينما، وصحف خاصة بالسياسة أو الإقتصاد أو الأدب ... الخ.
مادة تطبيقية
إذا أردنا مناقشة موضوع ( التسول ) المنتشر الأن في مدننا العراقية، فعلينا في البداية تحديد ابرز الأهداف التي نبتغيها من إطلاق حملة كهذه، والتي تتلخص في :
1 _ الحد من الظاهرة وتقليلها، إذ أن هدف القضاء عليها أمر مستحيل وغير وارد.
2 _ لفت نظر الحكومة والجهات المعنية بضرر هذه الظاهرة على سمعة بلدنا .
3 _ لفت نظر منظمات المجتمع المدني، والمنظمات الأنسانية وتلك المتخصصة بالطفولة، بحجم الظاهرة ومدى إتساعها .
بعد أن حددت الصحيفة أبرز أهداف الحملة، يجب عليها تحديد الجمهور المستهدف، لكي تستطيع إقناعه برسالتها وتحاول تغيير سلوكه بإتجاه تبني جوهر الرسالة، والجمهور المستهدف بشكل رئيسي هو الحكومة العراقية، والوزارات والدوائر المعنية بالمرأة والعمل والشؤون الإجتماعية وحقوق الإنسان، ثم المنظمات الإنسانية الوطنية والدولية، ومنظمات المجتمع المدني، والرأي العام العراقي، وحين تحدد الصحيفة جمهورها المستهدف، تحاول أن تجد الوسائل الأكثر فاعلية لإيصال الرسالة، وهنا تلعب الصورة الفوتغرافية للمتسولين، من النساء والأطفال وكبار السن وذوي العاهات الدائمة كالعمى والشلل وبتر الأعضاء وغيرها، والتي يقوم الصحفي بتصويرها وإرفاقها بالريبورتاج الذي يكتبه، والذي ينبغي أن يصاغ بلغة عاطفية مؤثرة وبجمل قصيرة دالة، وبإنفعال وتعاطف حقيقي، وأن توضع له عناوين فرعية موحية وعنوان رئيسي صادم ومستفز، ومقابلات حقيقية مع مجموعة مختارة من متسولين، مختلفي الأعمار والعاهات والمواقع، ومقابلات مع وزراء ومسؤولين معنيين وأخذ رأيهم في الموضوع، وأن يتضمن التحقيق الصحفي مقترحات ملموسة لحلول معقولة للمشكلة، وإشراك الناس العاديين في إقتراح الحلول، أعتقد إن تكرار الصحيفة لتناول هذا الموضوع عدة مرات ومن زوايا مختلفة، وتغطية كل جوانب المشكلة، وربطها بتفشي البطالة، والتوزيع غير العادل للثروة الوطنية والفساد المالي والإداري، وعدم وجود شبكة حقيقية ومؤثرة للرعاية الإجتماعية، وعدم وجود دور للعجزة وكبار السن، كل ذلك فاقم من المشكلة، ولا تنسى الصحيفة الإشارة لإحتراف البعض للتسول لسهولته لديهم، وللمردود الكبير الذي يجنوه يومياً من خلاله !