
أعياد اللومانتيه لهذا العام .../ داود أمين
في منتصف أيلول، ومثل كل عام، تفتح صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي( اللومانتيه ) هذه الأيام، قريتها الأممية، في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، حيث يحتشد ممثلو ألأحزاب الشيوعية والديمقراطية وحركات التحرر، من جميع أنحاء العالم، معلنين عن آمالهم وأمانيهم، في غد يرفل بالمساواة والحرية والعدالة. مئات الخيم مختلفة الأشكال والأحجام، تمتد على مساحة واسعة من الأرض، وفوقها وفي واجهاتها، ترتفع أعلام الدول التي تنتمي إليها، مع الشعارات الآنية التي تناضل من أجلها.
الموسيقى تصخب في سماء المكان، موسيقى تنتسب لكل الشعوب والثقافات، تنساب من مختلف الآلات الحية والأجهزة الحديثة، والشابات والشباب، المنتمون لقارات العالم أجمع، والذين يغص بهم المكان، يتجاوبون معها بالرقص. روائح لأطعمة مختلفة تعبق في جو القرية، وأكف تحمل مختلف البيانات والنداءات تطالبك بالتضامن والتوقيع،الإزدحام على أشده، بالرغم من رذاذ المطر المتواصل، والذي دفع الكثيرين لفتح مظلاتهم.
خيمة ( طريق الشعب ) في نفس مكانها المعتاد في شارع( تشي جيفارا ) تحتل ركنها الثابت، وفي وسطها حركة دائبة لعراقيين من مختلف القوميات والأديان والطوائف، عراقيون ينتسبون لجميع مدن العراق، يوحدهم هم وطني واحد، وهو إنجاح عمل هذه الخيمة العراقية الوحيدة، وسط هذا الحشد المتنوع لمختلف الشعوب والبلدان.
الخيمة العراقية الواسعة، تندفع هذه المرة نحو الخلف، فاسحة المجال لمسرح واسع، تتصدره لوحة كبيرة للشهيد( حسن سريع ) فالخيمة العراقية هذا العام تحمل إسمه، مذكرة بمرور خمسين عاماً على مأثرته البطولية، في معسكر الرشيد، كما تتصدر المسرح، لوحة أخرى للفقيد الفنان( فلاح صبار ) الذي رحل عنا قريباً، وكان من المساهمين في هذه الخيمة، واللوحتان من إبداع الفنان التشكيلي المعروف( صلاح جياد )، جدران الخيمة تحمل صوراً كبيرة عن نشاطات الحزب والتيار الديمقراطي، في التظاهرات الأخيرة في بغداد، مع معرض لصور الأنصار الشيوعيين، وصورة كبيرة لطلبة كلية العلوم في السبعينات، والذين إتفقوا أن يلتقوا هذا العام في الخيمة.
الخميس 12 أيلول، كان يوم إفتتاح خيمة( طريق الشعب) حيث دعا الرفيق( محمد الكيم ) الحاضرين للوقوف دقيقة حداد، إحتراماً لشهداء الإنسانية، كما أنشد الحاضرون وقوفاً ( موطني )بعدها ألقى الرفيق (خالد الصالحي ) كلمة منظمة الحزب في فرنسا، والتي أشار فيها لإنتفاضة معسكر الرشيد، في 3 تموز عام 1963، ولدور الشهيد حسن سريع ورفاقه الأبطال خلالها، وبعد أغنية خاصة عن حسن سريع قدمها الفنان( محمد البيك )، كانت الندوة السياسية المشتركة لعضو المكتب السياسي، الرفيق جاسم الحلفي، ممثلاً عن قيادة الحزب، والكاتب الصحفي عبد المنعم الأعسم، حيث تناولا آخر تطورات الوضع السياسي في الوطن. وبعد وجبة عشاء مشترك ومميز، قدمت الفرقة الفنية القادمة من الوطن، والتي تضم المطرب وعازف العود الفنان( سعد العواد ) وعازف الأورك الفنان( مهدي الشريفي ) وضابط الإيقاع المطرب( أحمد البابلي ) وصلة من أغانيها العراقية الجميلة، لينتهي بعدها يوم الإفتتاح في ساعة متأخرة من الليل.
اليوم الأول من المهرجان
يوم الجمعة 13 أيلول، كانت حشود الفرنسيين وغير الفرنسيين بعشرات الآلاف، تتوجه نحو موقع المهرجان، فاليوم هو يومه الأول. أجيال مختلفة ولكن الشباب هو الغالب، في هذا الحشد الأممي، خيمة( طريق الشعب ) تستكمل إستعداداتها، منضدة لبيع مختلف الكتب والمجلات، وأخرى لبيع النحاسيات، المتطوعون يتبارون نحو إعداد (خبطة الفلافل) و(تشييش) الكباب وإعداد الزلاطة، وتهيئة (منقلة) الشاي العراقي المهيّل، والرفيقة ( أم فرح ) تبتدع أكلة جديدة، لم أستطع حفظ إسمها( يمكن صينية! ) وطابور المشترين يتضاعف.
إنتهزت الفرصة للقاء سريع بالرفيق ( جاسم الحلفي ) سالته عن إنطباعه الأول عن المهرجان والخيمة، خصوصاً وهي مشاركته الأولى فيهما فقال: رغم إنني متابع جيد، لكل ما يكتب عن المهرجان، لكن ما تخيلته، لم يصل للصورة الواقعية التي عشتها امس واليوم، فالذين تحدثوا عن نهاية التأريخ، تصدمهم الآن حقيقة أن جذر اليسار ثابت وعميق، فهذه المشاركة الواسعة، وهذه الدقة في التنظيم، تدلل على أن اليسار العالمي، ليس أفكاراً فحسب، رغم أهمية الأفكار، بل هو سلوك وعمل وواقع يتنامى، اشعر أن كل الوجوه التي ألتقيها هنا مألوفة وقريبة لي، وكأني أعرف الجميع، أما ما يخص خيمة ( طريق الشعب ) فهنا نكران ذات لا مثيل له، فالعاملون في الخيمة، قدموا من مختلف البلدان الأوربية، وتحملوا أجور تذاكرهم وفنادقهم، وبطاقة دخولهم للمهرجان، ومع ذلك فهم يعملون لساعات متواصلة بطواعية ودون أجر! الحقيقة إنني لم أكن أتصور أن العراقيين قادرون على صناعة الفرح، رغم كل هذه الأحزان التي يعيشونها، لكني واثق الآن أنه عندما تسنح لهم الفرصة، فسيصنعون عراق الفرح والحرية والعدالة. لقد تجولت في شوارع المهرجان فوجدت خيمتنا العراقية( وأصر على أنها خيمة عراقية وليست لحزبنا فقط ) فنحن نبدأ وننهي يومنا بنشيد ( موطني )، أقول وجدت خيمتنا هي الأكبر والأنشط، بين الخيم التي تمثل بلداننا العربية، وهذا شرف نستحقه ونعتز به. كما أعتقد أن حضوري هنا منحني خبرة أعمق، للمساهمة في إنجاح مهرجان( طريق الشعب ) الثاني في بغداد، والذي نُعد له منذ الآن، رغم إن تجربتنا جديدة ومتواضعة، ولا تُقارن بتجربة اللومانتيه الممتدة لعشرات السنين.
الباحث الدكتور ذياب الطائي، قدم محاضرة هامة وغنية بمحتواها،عن آخر كتبه الخاص بالصحافة النسوية في العراق. بعده بدات الفترة الفنية مع الفنان( محمد البيك ) في وصلة غنائية أرقص خلالها ليس العراقيون فقط، بل ساهم فيها الكثير من الفرنسيات والفرنسيين وآخرين من مختلف الجنسيات. بعده غنت الفنانة( رؤيا غالي) ثم الفنان ( أحمد البابلي ) وأعقبه الفنان ( سعد العواد ) ثم تلاه الفنان ( لطيف علي الدبو )، وكانت جميعاً أغان عراقية شائعة، شارك الجمهور في ترديدها والتفاعل معها، ثم قرأت الرفيقة( فوزية العلوجي ) قصيدة مبدعة للشاعر( خلدون جاويد ) حيا فيها تظاهرات 31 آب المنصرم، وإنتهى هذا اليوم في ساعة متأخرة من الليل.

الحلقة الثانية
أعياد اللومانتيه لهذا العام
خيمة ( طريق الشعب ) عراقية بإمتياز
اليوم الثاني من المهرجان
يوم السبت، هو اليوم الأكثر إزدحاماً وفاعلية خلال أيام المهرجان، الوف من الزائرين الجدد، تنقلهم باصات المهرجان المجانية، من محطات المترو والقطارات نحو القرية الأممية، فيزدحمون على أبوابها المتعددة، رغم الطقس الذي يُنبيء بمطر قادم! العشرات من الشيوعيات والشيوعيين الفرنسيين، يواصلون بيع البطاقات، قرب محطات المترو والقطارات، وفي الشوارع المؤدية للمهرجان، وعلى أبوابه أيضاً، هذا عدا الأكشاك الخاصة بالبيع. الشرطة الفرنسية تحرس المهرجان، وتؤمن جميع الطرق المؤدية إليه. الفعاليات على أشدها، فكل خيمة تحاول إيصال رسالتها، والحصول على دعم وتضامن، من أكبر عدد ممكن من الحاضرين، لذلك فالندوات والمحاضرات، تتواصل في خيم كثيرة، وما يلفت الإنتباه النشاط الإستثنائي لأعضاء وشبيبة حزب( ب ك ك ) فقد توزعوا بالعشرات، وبينهم أطفال من الجنسين، في مداخل الأبواب، وفي شوارع القرية الأممية، بل كانوا يدخلون خيم الآخرين، وهم يطالبون بالتوقيع، من أجل إطلاق سراح عبد الله أوجلان، والتضامن مع شعبهم الكردي. معارض للكتب، وتواقيع لكتاب فرنسيين وغير فرنسيين، على كتبهم الجديدة، معارض للفن التشكيلي، ومسارح كبيرة، يشدو فوقها أشهر الفنانات والفنانين الفرنسيين. المطر ينزل بغزارة، ولكنه لا يعطل فعالية ونشاط المهرجان، ولا زواره، الذين فتحوا مظلاتهم، وتدثروا بمعاطف النايلون.
الرفيق بيير لورو، سكرتير الحزب الشيوعي الفرنسي، يعقد ندوة في خيمة، لا تبعد كثيراً عن خيمة طريق الشعب، والقضايا الجوهرية، التي يلح عليها الحزب الشيوعي الفرنسي الآن، تتركز على أهمية حل قضية البطالة، وإبقاء سن التقاعد، الذي تحاول الحكومة الإشتراكية رفعه، وحل قضية الأجور المنخفضة للعاملين ، والوقوف ضد مشاركة فرنسا في الحرب ضد سوريا، كما تستأثر قضية توحيد قوى اليسار الفرنسي أهميتها الملحة، في عموم نشاط الحزب الشيوعي الفرنسي.
أما خيمة طريق الشعب فالنشاط الدؤوب هو ما يميزها، خصوصاً وإن باصاً قادماً من مدينة( يوتوبوري ) السويدية، يحمل حوالي 40 رفيقاً وصديقاً، من الجنسين إلتحق بالخيمة، وقد بادر الكثير من هؤلاء لأخذ مواقعهم أمام (منقلة ) الكباب، وفي إعداد مواد الزلاطة، وتهيئة الشاي، وبيع الفلافل، والمساعدة فيما يتوفر من فعاليات.

الفنانان التشكيليان هادي الصكر وصلاح جياد، بدءا يضعان اللمسات الأولى على لوحتهما المشتركة، وهي تجربة جديدة وربما غير مسبوقة، بل لقد أشركا معهما الفنانة رملة الجاسم وصفاء العتابي، فكانت ملامح اللوحة المشتركة تنمو مع الساعات، وأمام نظر الجمهور، لتتضح في اليوم التالي، لوحة تشكيلية نادرة، أرسلت هدية لمقر الحزب في الأندلس.
الفنان محمد البيك عاد مجدداً، ليصدح بصوته الجميل والقوي، سائحاً بين مختلف الأغاني العراقية، دافعاً جمهوره العراقي، وجمهور فرنسي وأجنبي آخر، إلى ساحة المشاركة والرقص، الفرقة الفنية القادمة من العراق، أخذت حصتها أيضاً، فسعد العواد إحتضن عوده وعزف ألحاناً عراقية أصيلة، كما غنى بمرافقة زميليه أحمد البابلي ومهدي الشريفي، أما الفنان بيشرو القادم مع وفد يوتوبوري، فساهم هو أيضاً، بمرافقة زميله الفنان عمر على الأورك، فقدما أجمل الأغاني العراقية.
اليوم الثالث والأخير
الجو تحسن هذا اليوم، ويبدو أن أمطار الأمس، قد تعبت من مزاحها الثقيل معنا، غيوم متفرقة لا زالت تظلل سماء المهرجان، والشمس تبدو خجلة، وهي تُطل برأسها بين لحظة وأخرى، الفعاليات لا زالت على أشدها في عموم القرية الأممية، وفي خيمة طريق الشعب، والجمهور يواصل تجواله في شوارع القرية وداخل خيمها، اللمسات الأخيرة لللوحة التشكياية المشتركة للفنانين ألأربعة تكتمل، والعاملون المتطوعون يواصلون عملهم المتنوع، الفقرات الفنية تعود مجدداً، الفنان بيشرو وزميله الفنان عمر، يحتلان المساحة الأوسع فيقدمان مختلف الأغاني العراقية، مرة جوبي ومرة عتابة ومواويل، والساحة الواسعة تزدحم بالراقصين، من عراقيين وأجانب، فرقة شعبية فلسطينية تقدم عروضها الفلكلورية الراقصة فوق مسرحنا، كما فعلت في العام الماضي، فيستقبلها الجمهور بالإعجاب والترحيب، أما أنا فأواصل التصوير بكاميرَتَي الفديو والفوتو، مثبتاً للحظات الفارطة، من زمن الفرح النادر الذي نعيشه الآن، ولكوني من مدمني اللومانتيه، ومن عارفي رواده وجمهوره، فقد تحفزت لمعرفة آراء بعض رواده الجدد، أولئك الذين يحضرون لأول مرة، لأعرف إنطباعاتهم عن المهرجان، وخيمة طريق الشعب فيه.
الفنانة التشكيلية والشاعرة رملة الجاسم قالت: لقد رأيت في الخيمة عراقاً مُصغراً، عراق يلتم على بعضه، دون فواصل وتقسيمات، وقد أسعدتني مشاركتي في إضافة لمسات بسيطة لللوحة التشكيلية المشتركة، التي فاجئني الفنان صلاح جياد، عندما وضع الفرشاة في يدي، ودعاني للمساهمة فيها، كنت أتمنى أن يكون في الخيمة معرض تشكيلي، لفنانين عراقيين من مختلف البلدان، كما تمنيت أن أساهم في عرض أزياء من تصميمي، وآمل أن يتحقق ذلك في المستقبل.

الفنان التشكيلي هادي الصكر قال : النشاط بكامله مفرح،مبهج، يمس الروح، روح الإنسان الذي لديه إحساس، هناك ألفة وحميمية بين الجميع، والجهد يستحق الثناء، في المهرجان فرح، وشيء مهم أن نستطيع إشاعة الفرح بين الناس، في هذا الزمن البانس، فالناس ملّت من التعاسة، ليس في العراق فقط، بل في العالم بأجمعه! للحزب الشيوعي الفرنسي تجربة غنية، فهو حزب جبار، إذ كيف يستطيع، أن يستمر كل هذه السنين، في إقامة مثل هذا المهرجان وفي تطويره، لذلك فوراء هذا الجهد الكبير رجال مجهولون، رجال يعملون خلف الكواليس، وأتمنى لو تعمم التجربة الفرنسية في بلدان أخرى. أما عن الجانب الثقافي في خيمتنا، خيمة طريق الشعب، ففيه رخاوة كنت آمل أن يكون أفضل، فهنا بين الحاضرين، عدد كبير من المبدعين، من مختلف الإختصاصات، ولكن لم يجري الإستفادة منهم، وما قُدم تقليدي، ولا يلائم زمننا الحالي، مثلاً لماذا لا نناقش ماهي أزمة الفنان التشكيلي الحالية، ونفس الشيء في الشعر والأدب عموماً والسياسة، نحتاج لنقاش يشبه( نتلة الكهرباء ) فهنا لا رقابة على الكلام، فلماذا لا نقول همومنا بصدق وصراحة؟ أما عن لوحتنا المشتركة، فلم نخطط لها بل جاءت بعفوية، إذ طرحت الفكرة على صديقي الفنان صلاح جياد، فقبلها على الفور، ولم تكن لدينا فكرة واضحة عن ماذا سنرسم، وهكذا بدأنا وأشركنا معنا الفنانة رملة الجاسم والفنان الخطاط صفاء العتابي، وكنا نتمتع بالرسم امام الجمهور، الذي كان هو أيضاً يتمتع معنا، وهو يرى لوحة تتنامى أمام ناظريه، وعملنا في النهاية يشبه لمسة من لمسات الذكريات.

الصديقة بهرا القادمة من شيكاغو، والمُشاركة لأول مرة في المهرجان، كانت كتلة من النشاط والحيوية، وقد ساهمت في مختلف الأعمال قالت: الجو داخل خيمة طريق الشعب رائع، وأنا منبهرة بهذه الأجواء التي أفتقدها في أمريكا، ولم أعشها منذ زمن طويل، فهنا وجدت كل أطياف شعبنا العراقي، والكل يعمل بطواعية ونكران ذات، أنا لا أحسدكم ولكني أتمنى أن أكون معكم، وبالنسبة للعمل داخل الخيمة، أرى ضرورة أن يكون هناك تخصص بين العاملين، وأن يتم تقسيم العمل، بحيث يتناوب العاملون كل بضعة ساعات.
السيدة راهبة الخميسي، زميلتي في الإدمان على اللومانتيه قالت( وهي تواصل تشييش الكباب بإجادة تُحسد عليها): اللومانتيه خلق بين رواده من العراقيين علاقات حميمة، فنحن ننتظره سنوياً بلهفة وإشتياق، فهو عرس كبير، لا نشعر خلاله بالتعب، رغم ساعات العمل الطويلة، والجميل فيه إنك تلتقي بإصدقائك، من هولندا والدانمارك والسويد وبريطانيا وألمانيا والنرويج وفرنسا وأمريكا وفلندا والعراق، وغيرها من البلدان، وتستعيد معهم ذكرياتك وتجدد علاقاتك، وكنت أتمنى لو يزداد عدد الشباب في المهرجان والخيمة، وأن تنظم عملية زج الشباب العراقي ودعوتهم له، فهم من سيواصل بعدنا هذا النشاط، أما مشاركتي هذا العام، فكان في نيتي أن أقدم في خيمتنا مداخلة عن( الهيئة العامة للدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب المختلفة في العراق ) بإعتباري عضو في هيئتها القيادية، ولكن إزدحام البرنامج وضيق الوقت حال دون تحقيق هذا الأمر الهام، فهيئتنا البعيدة عن السياسة والدين، هي منظمة مجتمع مدني، لا تدافع عن دين أو مذهب معين، بل تدافع عن أتباع الديانات والمذاهب، أي إنها تعمل من أجل الإنسان، وهي تضم في صفوفها نخبة من الكفاءات الفكرية والسياسية، وقد عقدت مؤتمرها الأول، في تشرين الثاني 2012، في كردستان العراق، وبحضور 200 مشارك.
آخر لقاءاتي السريعة، كان مع الرفيق خالد الصالحي، مسؤول منظمة الحزب في فرنسا، والحامل الرئيسي للهم( اللذيذ ) للمهرجان، والذي قال: من المهم البدء من وضع الصحيفة الشقيقة، التي نجتمع تحت ظلها، أعني( اللومانتيه ) فهي تعيش أزمة إقتصادية حقيقية، وقد إضطرت لتقليص عدد العاملين فيها، وهو أمر مؤلم لحزب الطبقة العاملة الفرنسية، أن يتخلى عن عدد من عماله ومحرريه! لذلك هناك حملة تضامن واسعة، بدأها الرفاق الفرنسيون منذ سنتين، من أجل دعم الجريدة، إذ أن المهرجان مرتبط بالجريدة، وإذا تهددت الجريدة تهدد المهرجان. أما عن الجانب الثقافي في المهرجان، فهناك خيمة كبيرة للكتاب، وهناك دعوات للمؤلفين للتوقيع، داخل الخيمة، على كتبهم الجديدة، كما أن هناك قاعات خاصة للفنون التشكيلية، ومسارح كبرى لتقديم أشهر الفنانات والفنانين، الذين يعشقهم الشباب. أما عن خيمتنا فقد توسعت هذا العام، ونحن نحاول من خلالها تقديم صورة أخرى عن وطننا، فالصورة العامة لدى الآخرين ظلامية، تقتصر على القتل والتفجيرات، التي وصلت حتى للمناطق التي كانت آمنة، وهنا نحن نقدم ثقافة بلدنا وحضارته، ومع ذلك هناك ضعف هذا العام، في عكس قضية المرأة العراقية، فالمسيرة النسوية التي نجحت في السنوات السابقة، وشدت آلاف المتضامنين أثناء سيرها في شوارع المهرجان، إختفت هذا العام، لقد بادرنا قبل أشهر لوضع موقع خاص باللومانتيه على الفيسبوك، وضعنا عليه صور وأفلام وخرائط ومعلومات، وأسماء فنادق وأرقام تلفوناتنا، وكان التجاوب مع الموقع جيداً ونأمل أن يتطور في المستقبل. هناك إمكانية كبيرة، لتوسيع فعالية اللومانتيه، بزج الشباب والمرأة العراقية فيها، بشكل أكبر وأكثر تنظيماً، إذ تستطيع نساؤنا الحديث المباشر، مع المرأة الفرنسية، ومع مختلف المنظمات النسوية، من كافة أنحاء العالم، والموجودة داخل المهرجان، ونفس الشيء بالنسبة للشباب العراقي، الذي يستطيع اللقاء بشبيبة العالم، ومن مختلف البلدان، هناك تقصير واضح في هذا الجانب، ومن المهم في المستقبل، أن يكون نصف الحاضرين، على الأقل، من الشباب.
وأخيراً بودي الإشادة بالعاملين العابرين( يعني الحطو شوية إيديهم بالشغل ) وبالفدائيين( الذين لم تهدأ أيديهم من الشغل ) ومنهم رفاق منظمة فرنسا خالد وعدنان وعائلته، وعلاء وحسين( أبو نيل ) ورفاه ووداد ومازن وريما، والعاملين من رفاق يوتوبوري، وطلبة بولونيا، وأم فرح وأبو فرح، وبشرى وراهبة وأبو إيهاب، ومحمد الكيم وسلام، وبهرا وشادمان، وماجد فيادي وأبو زينة، وفوزية العلوجي، وأم أحلام، وأبو صابرين، وعدد لا يحصى من الجيل الثاني( والذين نسيتهم ولم أتذكرهم فذمتهم برقبتي، وسنلتقي في العام القادم! ).

