
لتكن الغلبة للوطنية ولتندحر ../ د.علي الخالدي
عند تزاحم اﻷحداث ، تغيب بعض اﻷمور عن شاشة الذاكرة ، وقد لاتعود لتطفو على مساحاتها المتناثرة ، فتضيع مع الزمن الضائع من العمر ، وتغادره بلا عودة تاركة لوعة عدم تسجيلها ، فالذاكرة في هذا الزمن اﻷغبر ، يصعب إستدراج دبيب إحداثيات خواطرها ، ورسم صورة واضحة ﻷولياتها ، تمكننا من أخذ العبر منها ، واﻹستفادة من كنز خزينها ، لتلافي وإيقاف مفعول ما يلم بنا من مآسي وويلات في الزمن الضائع من العمر ومقارنتها مع مستلزمات الحاضر
فقبل أكثر من خمسة عقود ، كنا نفهم الوطنية ، على أنها صرح لا تلوجها الذاتيات ، والمفاهيم الثانوية ، وعلى أسوارها تتحطم اﻷنانية . ومن مآثر بطولات شهداءها ، نستلهم العزم والتصميم في الدفاع عنها ، وإن من واجبنا اﻷلتزام بمبادئها لأنها السبيل الوحيد الذي يصون حقوق الشعب ويحقق آمال جميع مكونات نسيجه اﻹجتماعي . ولتعميق هذه المفاهيم ، كنا نبحر في فترة الشباب المبكرة بحيثيات مفاهيم روحها وخصوصيتها ، والتعرف على مسؤولية الناس في كيفية صيانتها والذود عنها ، وكيفية رفع رايتها وأسوارها عاليا ، حتى لا تنكس أو تشوه من قوى داخلية وخارجية .
كنا نحضر لمناقشة أساليب تعميق مفاهيمها في لقاءاتنا ، ونحن طلاب مدارس متوسطة ، وكم أفرحني ما كنا نتوصل اليه من مفردات عنها ، متواجدة في برنامج التيار المدني الديمقراطي ، وكأنها سلسلة متماسكة ، تفقد هيبتها إذا قطعت منها حلقة واحدة أو أدخلت عليها مفاهيم ، تحجزها في زاوية المصطلحات المستجدة من المذهبية والطائفية . فنحن الشباب المختلفي اﻹنتماءات الدينية والقومية ، لا يدخل ببالنا التطفل بمعرفة إنتماءاتنا . كنا نتعرف عليها من خلال إحتفالاتنا المشتركة ، بمناسباتها ، التي لا تخلو من حلاوتها الوطنية ، ومما يجدر ذكره هو إننا لم نسمع بما ذكر من مصطلحات ، ولا بمفاهيم ملتزمات نصرة مظلومية المذهب والطائفة ، ﻷن السائد في مفاهيم الناس آنذاك ، كان العمل على سيادة نصرة مظلومية الشعب والوطن . هذا هو وراء سر إفتخاري بروحية وطنية الناس ايام زمان ، وألتحدث عنها بإعتزاز في أجواء مواصلة تغيبها المتعمد من قبل نهج المحاصصة الطائفي
لقد تأكد لي و للآخرين من أمثالي أن مفهوم نصرة مظلومية الطائفة ، قد إستغل لتعبئة الناس طائفيا في مناهضة اﻷنظمة الشمولية ، وتحقيق مصالح حزبية وكتلية طائفية بعد سقوط الصنم في إطار نشر تعاليم غريبة عن الشريعة والمذهب ، لتغطية مفهوم نصرة الوطنية ، ولا يضير تقبل مساعدة الخارج لتحقيق ذلك ، بينما نصرة مهضومية الشعوب ، إرتبطت بتحرير اﻷوطان ، و تحقيق الديمقراطية والعدالة اﻷجتماعية ، بما فيها حرية ممارسة الشعائر الدينية لكافة مكونات المجتمع ، ولم يذكر لنا التاريخ أنه جرى تعاوننا بين العامل الخارجي وحاملي هموم مهضومية الشعوب واﻷوطان
لقد أعطى مسار هاذين اﻹتجاهين حقيقة أنه لا يمكن أن تتعايش الوطنية مع الطائفية ، كما أكده مسار نهج المحاصصة الطائفية في العراق ، وإستحواذ اﻷخوان في مصر وتونس على الحكم بعد إنتصار الحراك الشعبي ، والذي يجري حسمه حاليا في كلا البلدين لصالح المصلحة الوطنية العامة ، ويأمل أن يحسم الشعب العراقي الصراع الدائر بين الطائفيين وبين من يريد تقويم العملية السياسية ، وإبعاد شبح الطائفيه عنها في اﻹنتخابات القادمة ، لصالح تصحيح مسارها ، بعيدا عن أجندات دول الجوار القريبة والبعيدة . فتواصل الطائفية والمذهبية الموروثة من الدكتاتورية ، بإثارة نعراتها ومراسيمها اﻷحتفالية ، أدت الى تشضي المجتمع ، وبعثرت روابطه اﻷجتماعية ، التي كانت سائدة في المجتمع قبل عقود.
لقد خلق اﻷنحياز لنصرة مضلومية الطائفة على حساب مظلومية الشعب ، صمتاً ولا أبالية بمفهوم الوطنية ومصالح الشعب العليا ، وحل اﻷحباط في بعض نفوس اﻷوساط الشعبية البسيطة محل إستنهاض القيم الوطنية التي غيبت عمدا من قبل الطائفيين ، بنشر الغيبيات واﻷوهام ، وإعتماد تكفير الآخر بتعاليم مذهبية بالية مشوهين المفهوم الحقيقي للدين والمذهب ، شمل حملاتهم اﻹنتخابية السابقة والحالية ، كدعاية ممجوجة وُسخت باﻹغراءات المادية والعينية ، بما تراكم لديهم من السحت الحرام ونهب المال العام خلال العشر سنوات الماضية ، و بوعود هوائية عبر إقامة مراسيم غريبة اﻷطوار عن مجتمعنا ، في المساجد والحسينيات , لتخدير البسطاء من الناس ﻹعادة إنتخابهم ، لكنهم لم يدركوا أن مفعول تخديرهم لم يعد نافعا ، بعد أنكشاف عورة هيكلية الدولة التي هندسوها بخارطة شراكة وطنية ورقية ، سرعان ما عرت فشلهم في اﻹصلاح ، فخاب ضن منتخبيهم فيهم ، ومما زاد الطين بلة ،إعتمادهم عناصر مشحونة بروح اﻹنتقام للماضي ، لمجرد إعلان الولاء اللفظي وإعطاء تعهدات باﻹخلاص للقائمين على القرار ، فعشعشوا في مواقع القرار وخاصة اﻷمنية منها ، ومع تهميش وتغييب حاملي هم الشعب والوطن من تلك المواقع ، أنيطت لهم مهمة صيانة الديمقراطية ، التي لم يؤمنوا بها ، فخلطوا اﻷوراق ، وبكل وقاحة يريدوا مواصلة سرقة كرامتنا ، الذي ذدنا عنها بأيدي عارية في زمنهم اﻷغبر ، ولسان حالنا يقول , وُدع البزون لحمة ،
حاليا تُستنهض الطائفية والشوفينية ومفاهيم تكفير الآخر ، من جديد في حملات الطائفيين اﻷنتخابية ، لزرع الخوف في أوساط البسطاء من الناس من عملية التغيير القادمة . إن هذه اﻷساليب قد بالت ولم تعد تنطلي على أحد ، فشحذ الهمم قد تم لنصر الروح الوطنية ونبذ الطائفية ( للثلاثين من نيسان ) ، بما يحقق إعادة بناء العملية السياسية على أسس وطنية عامة تمهد لبناء الدولة المدنية الديمقراطية ، على قاعدة العدالة اﻷجتماعية بعيدا عن شبح سياسة فرق تسد ، التي أعتمدها الطامعون بخيرات بلادنا