
نحو يوم اﻹنتخابات اﻷغر / دكتور علي الخالدي
بدأت حمى الحملات اﻹنتخابية قبل موعدها الرسمي ، وتصاعد سعيرها ، كلما اقترب موعد اﻹدلاء بأصواتنا . تسابق بعض القائمون عليها مع الزمن في إظهار نشاز حذاقتهم . فوضعوا ملصقات دعاياتهم اﻹنتخابية كما يحلو لهم ، متعدين على الضوابط والذوق ، حاجبين رؤية المارة وقائدي العجلات ، فتاه الناس بين زحام الملصقات الجدارية واﻷرضية ، في معرفة أماكن تواجدهم، وهم يتخبطون في حل طلاسم ما عُرض من بدع وأفكار غربية اﻷطوار، إعتمدت مفاهيم جديدة تجمع ما بين القومية ، والمقولات الدينية و الطائفية ، نهت المرجعية الدينية من أستغلالها سياسيا ، كإسلوب تملقيﻹستمالة الناخب ، مع رشا مادية وعينية خلت هذه المرة من البطانيات والصوبات ، وأعتمدت المواد الغذائية ، ( ربما سرقت من الحصة التمونية ) . بعض الملصقات الدعائية ، نُثرعليها بهارات ومقبلات لتخفي رائحتها الطائفية واﻹثنية ، لكن مذاقها بقي عصي على اﻹستساغة، كالتكليف من … أو القسم بعبارات دينية
لقد تناسى المرشحون ، أن جماهير شعبنا قد صحت ، وإن مفعول الحقن بالمخدر القومي والطائفي والمذهبي ، لم يعد له قيمة تخديرية كما كان في اﻹنتخابات السابقة ، حيث تعلمت الجماهير التفتش عن البرامج التي تنصف مظلوميتها والوطن ، على قاعدة تعزيز الروح الوطنية ، التي تتبنى تحقيق طموحات وتمنيات جميع مكونات المجتمع العراقي المتعدد اﻷعراق واﻷديان ، وخبرت خلال عقود من الزمن اﻷنظمة التي تبنت الآيديولوجية القومية أسلوبا وممارسة في إدارة شؤون البلاد ، والتي فرضت عليه معانات الوقوع في مستنقع الشوفينية والعنصرية ، بعد أن جيرت ثروات الوطن وخبراته ، و حتى ثقافته لصالح أجندات دول قريبة وبعيدة ، وأغرقته بويلات حروبها العبثية ، دفاعا عن البوابة الشرقية للوطن العربي الكبير ، الذي كانت تحلم بتحقيقه ، مما أدى الى أن يراوح العراق في آخر الصف من التأخر اﻹقتصادي والثقافي واﻹجتماعي ، وكأن هناك مخططا قد رسم لوضعه في مفترق طرق ، ليعم التشاؤم واللامبالات في بعض النفوس ، وأن لا خلاص من ذلك كما إعتقد البعض ، سوى أﻹستعانة بالعامل الخارجي ،الذي إعتمد سلفا طريق الحرب ﻹسقاط الدكتاتورية ، على الرغم من أن قوى وطنية كانت تود أن يكون التغيير بطريق آخر غير الحرب ، وبأيدي عراقية ، لمعرفتها المسبقة بما سيؤول اليه طريق الحرب من خراب ودمار ، وﻷيمانها المطلق بقانون الطبيعة القاضي ، بأن كل شيء مصيره التغيير ، وإن طال الزمن . ومما تجدر اﻹشارة اليه هو خشية العامل الخارجي من أن التغيير لو تم بأيدي عراقية ، سيفقدهم ما كانوا يصبو اليه من مكاسب وأطماع بثروات بلادنا ، فاستعجلت التغيير ، في التاسع من نيسان 2003 ، وأسقطت الصنم ومعه آيديولوجية القومية الشوفينية .
لم تكتمل الفرحة على الوجوه ، وتتكحل عيون الجماهير بمظاهر الأمل والرخاء الذي وُعدوا بها ، حتى سارع أيديولوجي اﻹسلام السياسي من الطائفيين ، بتبني نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية المقيت ، كما أشار عليهم أصحاب إمتياز إسقاط الصنم ، فسرقوا والعامل الخارجي الفرحة من الوجوه ، خاصة بعد أن أقحموا الدين في دهاليز السياسة ،ليصل الى دفة الحكم و قبة البرلمان كتل وأحزاب ، جيرت مردودات التغيير لصالحها ، فوضعت العراق على مفترق طريق أيضا ، لا ينقذه ، إلا تغيير ثاني و بأيدي عراقية ، عبر خوضها اﻹنتخابات في الثلاثين من الشهر الجاري ، حيث مؤشراتها واعدة ، بالتوصل الى حلول مبكرة لكل للأزمات التي وضعنا بها نهج المحاصصة الطائفية ، وفي حالة إختيار من هو مؤهل ، وطنيا وكفاءة ، هذه لمهمة شاقة ، وجد حلولا لها محبي الوطن ، العابرين للطوائف واﻷثنيات المنضوين تحت خيمة التيار المدني الديمقراطي ، وتعهدوا النهوض بها ضمن برنامجهم اﻹنتخابي الجامع لكل ما من شأنه من أفكار ومفاهيم مسؤولة ﻹنقاذ الوطن ، على قاعدة الروح الوطنية ، و أيديولوجية حب الوطن
لقد تعايشت جماهير شعبنا على مضض طيلة عقود مع آيديولوجية قومية شوفينية ، وطيلة أكثر من عشر سنوات مع أيديولوجية نهج المحاصصة الطائفية واﻹتنية المقيت ، اللتان أظهرتا عجز وفشل في إدارة الحكم . ومع هذا يحاول البعض من المرشحين ، إستنهاضهما من جديد في حملاتهم اﻹنتخابية الحالية ، و بصور متفاوته لمواصلة نهجهم السابق القومي والطائقي المحاصصاتي ، غير مدركين أن شعبنا خلص بتجربة ، مفادها أن الديمقراطية و الوطنية لا يمكن أن يتعايشا مع آيديولوجيتهم ( القومية والمحاصصاتية الطائفية ) ﻷنهما أقطاب متنافرة ، مهما حاولوا تبييض صفحتهما بممارسات شبه ديمقراطية ، فهي تبقى مرتبطة بمعايير مفاهيمهم المعادية للديمقراطية السياسية واﻹجتماعية ولحقوق اﻹنسان ، ولبناء الدولة المدنية الفدرالية وإقامة العدالة اﻹجتماعية ،التي يسعى اليها التيار المدني الديمقراطي ، إن قضية تحرير عراقنا وجماهير شعبنا من تلك المفاهيم المقيتة لا يتم ، إلا بهبة جماهيرية تشحذ الهمم في المشاركة الجماعية في ﻹنتخابات القادمة ، ﻷجل إحداث التغيير الثاني في اليوم اﻷغر للإنتخابات القادمة