لمن الغلبة للطبع أم للتطبع  / د. علي الخالدي

 من يحدد  ويضبط سلوكيات اﻷنسان في المجتمع هو ما يتطبع عليه ، من عادات وتقاليد عائلية وعشائرية ، وما يُغرس بفكره من ضروريات تواصلها وصيانتها ، عبر شخصنتها في سلوكياته اليومية ، ولا تأخذ شكلها المستديم إلا بعد عبور مرحلة الطفولة ، ليقع تحت تأثير ثقافة المدرسة والمحيط المجتمعي ، التي قد تتناقض مع سلوكياته وطباعه التي إكتسبها في مرحلة الطفولة ، وعند دخول الشخص معترك الحياة أو إﻹنتقال الى محيط آخر ، تبرز شواهد الصراع بين الطبع والتطبع ، بين القديم والجديد .( النتيجة تحسمها عدة عوامل سأتطرق لها لاحقا )، وبين سلوكياته المكتسبة ، والتي أعتاد على ممارستها في حياته اليومية . وفي خضم هذا الصراع تتنازع داخله ، رغبات المحافظة على التقاليد التي أرغم على اﻹمتثال لها في طفولته ، لتصبح معيار للتقييم السلبي أو اﻹيجابي حسب مفهوم المُقَيم في مراحل حياته المتقدمة .

 تحتل الثقافة المجتمعية والفردية الموقع القيادي في هذا الصراع الداخلي ، فأما أن يتعايش والوضع الجديد لدرجة التكيف معه ، أو يبقى متمسكا بالقديم تحت ضغوط بيئته ، وبالتمسك باﻷعراف والتقاليد العشائرية والطائفية ناهيك عن القومية . يتناسب هذا التمسك مع ليونة أفكاره بتقبل الجديد من الثقافة . و مع دوافع التطبع بالمحيط الذي قد يكون غريبا عن ما أعتاد عليه

فالذي تشبع بالمفاهيم الوطنية العامة ، وبثقافة البساطة والتفاعل مع الناس وبقيم الخدمة المتبادله بينه وبين الناس ، بعيدا عن الذاتيات والمنافع الخاصة ، وبمحاربة اﻹستغلال ، لا يلق أية صعوبات في عملية التكيف مع أي محيط يحل به . قد تكون نتيجة الصراع محسومة لصالح التطبع ، وما يفرضه الواقع الجديد . أما من غرست في عقليته المفاهيم الذاتية في إطار القيم العشائرية والطائفية والمذهبية ، فنتيجة الصراع تكون غالبا محسومة لصالح مفاهيمها ، بفعل ما تم من شحن شخصيته بمفاهيم لا تخرج عن أطرهما ، فنرى مثل هؤلاء اﻷشخاص سرعي اﻹنفعالات ، يتطيرون  من أي رأي مغاير لمفاهيمهم وتقاليدهم . لا يؤمن بتقبل الرأي الآخر و يتفاعل معه سلبا بدون روية ، وفي حدود المفاهيم التي تربى عليها ، مما يضعه في حالة التقوقع مع ذاته ، يستأنس مع من يشاركه بالفكر والتقاليد حصريا ، ويبقى بعيدأ عن   ثقافة محيطه الجديد .

 هناك قسم ثالث يتظاهر بالتطبع  مع ما إستجد حوله من قيم حضارية جديدة ، ولم يعد يهمه التمسك بالقديم كي ينال حسن ضن المحيطين به ، فيقع فريسة اﻷزدواجية بالمفاهيم 

أسرد هذا ، وأنا أشاهد و وأسمع أقوال من وصل بغفلة منا الى موقع سياسيي أو إقتصادي أو الى قبة البرلمان . ومن ما إكتشفته من تسلكات المهاجرين في بلد الغربة ، فالقسم اﻷول ينظر للوطنية وخدمة الآخرين عبر ما زرع بدواخله من أفكار تنم عن ذاتية المفاهيم ( العشائرية و العائلية والطائفية والقومية وحتى المذهبية ) ، التي تحدد ما يقدمه من خدمة للآخرين ،وهي لا تخرج عن أطار المفاهيم التي يسعى لتحقيق مصالحه الذاتية ، مبتعدا عن تلبية مصالح عموم الشعب والوطن ، واقعا تحت وطأة إمتداد إرتباطاته العشائرية والعائلية ، التي حددت إمكانية أمتلاك بعد حقيقي لمفهوم الوطنية ، فيفقد القدرة على اﻹيفاء بإلتزاماته الوطنية العامة ، خارج إطار معايير تلك المفاهيم ، وهذا ما شوهد بشكل واضح في زمن الدكتاتورية ، وتواصل بشكل واسع عند تبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية بعد سقوط الصنم مما خلق أصطفاف طائفي وقومى ومذهبي مجتمعي ، يهدد النسيج اﻹجتماعي والكيان الجغرافي للبلد . فالقائمون على النظام من ظفتي الصراع الطائفي والقومي ، بذلوا كا ما من شأنه تعزيز مواقعهم في أجهزة الحكم ، كي يتواصل تحكمهم بمصائر ومذاهب الطوائف ، و لم يكتفوا بتهميش من تمسك بالدفاع عن الوطن و كرامة الشعب ، أصحاب اﻷيادي البيضاء فحسب ، وإنما إستغلوا مناصبهم التي وضعوا بها بدون إستحقاق وكفاءة ، زارعين الشخص الغير مناسب وعديمي الدراية بموقع القرار ،  مُحيطين  أنفسهم بذو القربى واﻹنتماء الطائفي والحزبي ، وبمن يطيع اﻷوامر دون تفكير  ، ليلتزموا وإياهم الصمت تجاه الفساد والمزورين في شهاداتهم  ، ومع هذا كما يقول العراقي  بقيت عيونهم فارغة ، وشاخصة لمواصلة إحتلال مواقعهم في دورة ثالثة ، لتغطية فشلهم وسوء إدارة مناصبهم ، ولكي يفلتوا من الحساب يواصلوا صناعة المآسي والأزمات لإلهاء الناس بعواقبهما ، عبر نهجهم المحاصصاتي ، ويستمروا اﻹستقواء بمن أعلن لفظيا ولاءه لصاحب المقام السياسي ، من أزلام البعث الفاشي ، الذين وجدوا الفرصة أمامهم سانحة للتنفيس عن ما يحملوه  من حقد وروح إنتقامية للعهد الدكتاتوري وقادته عبر التخريب المتعمد الذي يضطلعون به على مستوى اﻷمني والخدمات ،ليستمر التصدي للثقافة بمختلف أنواعها بحجة عدم تماهيها والتقاليد . هذا هو سر عدم إستغلال كفاءاتنا الوطنية في الخارج ،ناهيك عن كفاءات الداخل . ونفس السر يقف وراء أصطناع معوقات أمام العديد من المرشحين للإنتخابات القادمة بإتهامات كيدية ، بينما يسمح لمن طرق فساده وسمعته العفنة أسماع الناس في الداخل والخارج . هنا يلعب دور  ما زرع في المجتمع العراقي من روح وطنية ساعدت في خلق بيئة ومفاهيم نضالية معادية لهذا النهج ، والتي نجحت في تعبأة الجماهير في التيار المدني الديمقراطي متصدية لذلك ، خالقة فرص إنتصار التطبع على طباع التقاليد العشائرية والطائفية ، في إدارة شؤون البلد . فاﻹنتخابات القادمة واعدة باﻹتيان بشواهد  تحارب الفساد والمحسوبية والرشوة وتحمي حقوق اﻷنسان ، تعتمد النزاهة والكفاءة والدراية ، ومهما كان عددها  فعي تمتلك القدرة على إثارة رياح الهوان واﻷمل في نفوس الجماهير ، بمواصلتها طريق التطور بالتنمية اﻹقتصادية والبشرية ، فليس أمام العراقيين إلا التغيير ، بإنتخاب عابري الطوائف المنضوين تحت خيمة التيار المدني الديمقراطي ، لما تعهدوا به من تحقيق السلم  والعدالة اﻷجتماعية