العرف الطائفي واﻷثني ، مدخل.../ د.علي الخالد

منذ نعومة أظافري ، وأنا ألاحظ ، أن العادات واﻷعراف والتقاليد اﻹجتماعية من ضمن من يهندس أسلوب حياة الشخص ، و قد تصبح سمة أساسية ملازمة لتحديد سلوكياته الخاصة والعامة ، ومن يقف وراء سعة فعالياته الوطنية والمجتمعية في المحيط الذي يعيشه ، وقد تعبر حدوده . من هنا يقال أن الطبيعة تغلب التطبع في كثير من اﻷحوال ، ( الطبيعة في البدن لا يغطيها إلا الكفن ) كما يقال ، وضمن هذا السياق يجنح البعض الى إبتكار لغة التقول ، وصنع الكلمات لتبرير التمسك بها ، بما يتماهى مع ما إكتسبه من ثقافة قائمة على نصرتها  فحسب . و هذا ما برعت التثقيف به اﻷحزاب اﻷسلامية والقومية ، فكلاهما يجنح الى فرضه وغرسه في عقول الناس . وخاصة بين الذين يبحثون عن ملاذا لقصورهم الذاتي في الكفاءة والدراية ، فتتيح لهم فرصة تحقيق رغباتهم الحياتية ، التي لا يستطيعوا بطريقة التنافس الشريف نيلها. وهؤلاء من الناس يعتمد عليهم في تشكيل جسورأ منبطحة ، و أدوات تسهر على تأمين دعائم اﻷحتفاظ بكرسي القائد وبناء بيت الرمز ، لتدوام نعمته عليهم ، و بوسائل غالبا ما تكون غير شرعية ، على قاعدة وبيتنا ونلعب بيه شله غرض بينا الناس

ومن تلك المنطلقات تسهر اﻷحزاب اﻹسلامية المتشددة والقومية الشوفينية ، على عملية غسل اﻷدمغة في إطار زرع المفاهيم القائمة على التفوق الديني والعنصري ، بين صفوف أعضاءها  ، هذا ما عكسته سياسة اﻷحزاب اﻷسلامية عند سيطرتها على دفة الحكم ، فستعملت إمكانياتها المادية في اﻷوساط الشعبية الفقيرة ، وأغوت بعض الشباب بمكاسب أخروية للإنخراط ، في مقاتلة إخوتهم بالدين تحت راية الله أكبر بهوس مفرط ،  لنصرة ما يعتقدونه من مذهب وشريعة ، معتبرين الحود عنها كفرا وإلحاد ، ناهيك عن تجييش روح العداء للمذاهب واﻷديان اﻷخرى ، مختزلين الفرد بتدينهم الجديد ،  ليبعدوه عن أعرافه الوطنية والمجتمعية ، فاصلين بشكل حاد الذي يشترك معهم في العمل كما يريد صاحب المقام ، عن من يدرك مخاطر تلك المفاهيم على المجتمع . بينما تنفرد اﻷحزاب اﻹسلامية المعتدلة ، رغم تجربتها الحديثة بإدراك عواقب ما وراء التمسك باﻷعراف والتقاليد المذهبية ونصرة الطائفة ، و خطورة إتساع إنتشارها بين الناس على النسيج المجتمعي ، لما تبثه من تفرقة ، و تفرزه من مطبات ، تتيح إمكانية التفرد السلطوي ، وعلى أكثر من كرسي ، عبر خلق أجواء إنتخابية تصب في هذا اﻹتجاه ، بإستغلال ثروة البلاد بما يخدم ( كما يعتقدون ) نصرة الطائفة والمذهب على حد سواء ،  فيتيه المواطن في دوامة التردد بين التأييد واﻹعتراض . ويفقد القدرة على قراءة هذا الرأي أو ذاك بشكل صحيح ، أو يقع تحت تأثير الذاتية ، من باب أنا شعليه ، أو ينقاد الى تطبيق المفاهيم التي شحن بها منذ نعومة أظافره ، كاﻷقربون أولى بالمعروف و بقاعدة أطيعوا أولي اﻷمر ، والشين الذي تعرفه أحسن من الزين الذي لا تعرفه ،  فَتُضَيع معرفتة بإستحقاقاته الدستورية ، كالتصدي لملفات تراكمت على ما ورث من اﻷنظمة السابقة أثقلت كاهله وزادت من معاناته . فينزوي في زاوية المراقبة ، عن من  زُرعت فيه ثقافة التضحية والفداء للوطن والشعب ، وهو ينفرد في ساحة التصدي لتلك الملفات دفاعا عن إستحقاقاته الوطنية وواجباته المجتمعية التي نص عليها الدستور  .

 إذن البداية تنطلق في حل طلاسم ما يشاع من دعوة القائمين على الحكم بالتسمك بأعراف المستحقات المستحدثة وعدم التفريط بها ، والحود عنها ، بإعتبارها نتاج الطائفة والقومية ، مدعومة باﻹستحقاق اﻹنتخابي ، ويراد تطبيقها في تشكيلة حكومة أغلبية سياسية لن تخرج عن الصيغ القديمة إلا ببعض التغيرات الشكلية ، ليتواصل تهمش ذوي اﻹستحقاق السياسي ، وثقلهم اﻹجتماعي بما يحملوه من أدوات وإمكانيات للتغيير

 لقد جاء موقف التيار المدني الديمقراطي بالمشاركة في مثل هكذا حكومة ، مثلجا لصدور من صوتوا له ، لكونه بُني على اسس قرب ذوي إستحقاق العرف الطائفي واﻷثني  واﻹنتخابي ، من المسالة الوطنية ، وبعدهم عن تأثير النفوذ المعنوي لدول الجوار القريبة والبعيدة ، من الذين أشادوا باللعبة السياسية ، في توزيع مناصب الرئاسات الثلاث على تلك اﻷسس ، ليختزل المشروع الوطني بالعودة للتقاسم الطائفي واﻷثني للأجهزة الحكومية ، وتحقق أمنية عدم بناء مقومات ما تقلقهم عناوينها ، الدولة المدنية الديمقراطية على أسس دستورية وعدالة إجتماعية ، سيما وإن دستورنا خلا من الحس الطائفي والقومي في توزيع السلطات الثلات ، ولتحقيق ذلك لجاء صناع الكلمة بالتمسك بإستحقاق العرف الطائفي واﻷثني كأساس للتشكيل الحكومة . وعليه ستبقى المرحلة الحالية في تعسر شاق لتتم العملية القيصرية لولادتها ، إرتباطا بتحقيق تلك اﻹستحقاقات ،فتُمكن أصحاب خيار التمسك بكرسي القيادة  من مواصلة الجلوس عليه ، حتى لو إحترق الوطن . بالضد من معرفة ما أظهرته التجربة اﻹنتخابية في أكثر من بلد ، بأن منح اﻷصوات لجهة معينة لا يعني تأييد وتعزيز الثقة بهذا الشخص أو ذاك ، وإنما لتبقي سيطرة الطائفة والمذهب على دفة الحكم قائمة التواصل . فما  التنابز الحالي بين االمتحاصصين إلا زوبعة في فنجان ، يرتشف بعد اﻷنصياع والرضوخ لصيغ التحالفات القديمة ، ذلك ﻷن مبررات اقامتها ودوافع تنظيمها ، وتفاعلاتها الداخلية والخارجية  لا زالت قائمة وتسير بإتجاه تفعيل صيرورتها  لتفي أداء مفاهيم اﻷعراف الجديدة