
معركتنا مع اﻹرهاب تتطلب أدوات وفكر جديد / دكتور علي الخالدي
قوانين التطور اﻹجتماعي شأنها شأن قوانين الطبيعة حاضنة لتناقضات غالبا ما تكون كامنة لا تظهر عوارضها إلا بفعل عامل يفعلها إتجاهها سلبا أو إيجابا ، وهذا العامل قد يأتى من رحم التناقضات الداخلية الدائرة في المجتمع ، ويأخذ مهمة تغيير إتجاهات بوصلة هذه التناقضات نحو الصالح أو الطالح داخليا ، حسب قربه من المصالح الوطنية ، أو بفعل عامل خارجي يقوم بتغليب مسار معين لصالح أحد اﻷطراف المتناقضة ، بما يتماهى وأجنداته ، ويتراجع دوره (العامل الخارجي) عندما تُفلتر التناقضات الداخلية بإعتماد ما يصب في مصلحة الوطن ، وبإبعاد من يقف حائلا دون تصفيتها ، فتحدد المساعي الحثيثة لطريق واضح المعالم ، يستوعب كل اﻷهداف الوطنية التي ينشدها المجتمع . عندها تصبح كل التناقضات الداخلية ثانوية وغير تناحرية ، تعالج لاحقا بالعقلانية واﻷتزان في المواقف داخل اﻷطار الوطني واﻹرادة الشعبية . أما العامل الخارجي فيبقى دوره سلبيا تناحريا ، على طول الخط ، لكونه يتفاعل عند قبول عنصر من مثيري التناقضات الداخلية ﻷجنداته ، كلاهما ( التناقضات الداخلية التناحرية والعامل الخارجي ) ، إذا سادا في المجتمع يقفا وراء عرقلة تحقيق مصالح الشعوب
يعطينا الواقع السياسي في بلادنا بعد سقوط الصنم مثال حي على ذلك ، فإبقاء التناقضات بين إرادة الجماهير وتوقها للإصلاح ، وإبقاء الهيكلية اﻷدارية ، وعدم القضاء كليا على موروثات الدكتاتورية ، وعلى فكرها السياسي واﻹداري في إدارة شؤون المواطنين دون تطهير ، مع إتباع سلوك غريب اﻷطوار في التعامل مع القوى الوطنية التي قارعت الدكتاتورية ، والتي حرصت اكثر من غيرها على ضرورة تطوير الديمقراطية العراقية والعملية السياسية ، و رفضت ما فرضه العامل الخارجي من نهج محاصصاتي طائفي إثني لمعرفتها المسبقة لما سيمخضه من نتائج قاتلة لمردودات إسقاط الصنم ، كل ذلك أدى الى ولادة تناقضات جديدة لم يعرفها الشارع العراقي سابقا ، بقيت محصورة في دهاليز نهج الحكم وأدواته ، سعت الى تضييق ممرات طرق تبني مصالح الوطن العليا ، مبرزتاً بشكل واضح للعيان الشروط الموضوعية والذاتية لتفوق مصالح حاملي التناقضات الطائفية واﻷثنية في نهج الحكم ، ومغيبتاً مسؤوليتها عن صيانة مسار العملية السياسية وديمقراطيتها الهشة ، ذلك لكون النهج ( المحصصاتي ) الذي أعتمد لم يكن نهج راسخ القوام ، لكونه لم يتفاعل مع المحيط ويتماهى مع حاملي نية اﻹصلاح ، لذا بانت عورته وسقطت مقوماته عند أول أمتحان جدي واجهه القائمين عليه ، فنشط التجييش الطائفي ، مولدا إستقطابا عميقا لنصرة الطوائف المتصارعة مذهبيا ، وغابت نية تقويم التناقضات داخل اﻷطر الوطنية ، وإقامة نظام ديمقراطي فيدرالي قوي ، على أساس ماجاء به الدستور ، وأتخذ طريق عرقل تبني ما قدم من صيغ جديدة وضعتها قوى وطنية من خارج أطراف النهج الطائفي لمعالجة التناقضات الداخلية ، وشل مفعول تناقضات العامل الخارجي
كان على عاتق القائمين على مواقع المسؤولية ، ردم الثغرات التي تسعر التناقضات الداخلية ، والتي كانت تحقن بمقويات طرفي مثيريها ، ومن دول الجوار القريبة والبعيدة ، مولدة تربة خصبة لزراعة أكثر من تناقض سياسي وإجتماعي وإقتصادي . ومع تواصل توسع رقعة الفقر بين الناس وحرمان أخرين من حقوقهم المدنية ، وقطع أرزاقهم ، وعدم اﻷستجابة لمطاليبهم العادلة ، تولد تناقضا إقتصاديا مستعصيا تداخلت فيه التناقضات السياسية للقائمين على القرار .بإتجاه تغليب التناقضات الداخلية والخارجية على المصلحة الوطنية العليا ، و توجيهها بالضد من رغبة الجماهير صاحبة المصلحة في التغيير ، ومع إستمرار تصعيد التعند واﻹصرار على إتخاذ القرارات الفردية ، وفرض التسلط اﻷحادي ، مستغلا تفرج وحيادية من لم تُفعل مسؤوليته في التصدي للإنزلاق نحو الهاوية ، بقيت فكرة صيانة الوضع واﻹصلاح تدور في إطار ومحيط نفس أدوات النهج المحاصصاتي ، مما أكد حقيقة أن أي تدارك ﻷي مخاطر وعقبات ، لن يحصل إذا لم يطعم بعناصر وطنية من خارج أطر القائمين على النهج ، تفعل مشاركتها العملية بتحمل المسؤولية ، بدون ذلك تبقى الحلول كما شوهدت ، تدور في دائرة مفرغة من إجتماعات اﻷطراف المتناقضة ( وثيقة الشرف ،وغير ذلك ) لتبقى غير قادرة على عبور عتبة الصيغه اﻷنشائية التي تخرج عنها تلك اﻷجتماعات والتفاهمات
حاليا تعيش بلادنا ظروف خطيرة ، وأجوءا مأسوية تمس كيان العراق الجغرافي واﻷجتماعي ، تحتم اﻷعتراف باﻷخطاء ، و بالرجوع الى الدستور ، وتفرض الشروط الموضوعية للإسراع في تنفيذ اﻷستحقاق الدستوري بعد المصادقة على نتائج اﻹنتخابات وتشكيل حكومة إئتلاف سياسي وطني من كافة القوى التي قارعت الدكتاتورية ، تأخذ على عاتقها جمعيا تحقيق برنامج مرحلي يضمن تطهير المدن التي غزتها داعش وأخواتها ، و التخلص نهائيا من كل ما شأنه يثير ويفعل التناقضات الداخلية ويُغلبها على المصالح الوطنية ، بعيدا عن تدخلات العامل الخارجي ، على قاعدة ما حك جلدك إلا ظفرك ، ليتحمل الجميع مسؤولية المشروع السياسي الوطني والنهوض بالعراق من المأزق الحالي . هذا ما يستحقه شعب العراق وكيانه الجغرافي