تعرجات التوجه الديمقراطي بعد كل إنتخابات  / د.علي الخالدي         

 كوابيس العشر سنوات من عمر نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، كادت أن توقع شعبنا المغلوب على أمره في أحضان اﻹحباط المعنوي ، وتلبسه اليأس واللامبالاة الى حد كبير، غير أنه ما لبث أن إنتشل نفسه من هذا اليأس  وأبدى الناس الرغبة في التغيير ، لدرجة التحفز الجمعي لخوض اﻷنتخابات ، من أجل التغيير ، مانحتاً صوتها لوجوه جديدة عابرة للطوائف ، بعيدة عن أحضان العامل الخارجي ودول الجوار ، ومع ما حمله نظام سانتييغو في توزيع مجحف ﻷصوات الناخبين ، وما صاحب اﻹنتخابات من شكوك في مصداقية مسيرتها ، إلا أن الناس إستبشرت خيرا بنتائجها ، في أجواء صمت ، وقفت خلفه الرغبة في أن لا يرى الشعب مرة أخرى تلك المؤسسات ، التي جلبت الخراب للبلاد ، تعاد إليها الحياة مرة ثانية وبشكل جديد تحت مسميات قريبة من نهج المحاصصة ، الذي أرادت دفنه الى اﻷبد ، كي تبقي العملية السياسية قريبة من قاموسه السياسي واﻹجتماعي . ومع هذا تقبل الناس على مضض صعود الوجوه التي ترغب بمواصلة نفس النهج , و التي عرقلت مسيرته البلاد نحو اﻷفضل منذ سقوط الصنم ، ووقفت بالضد من رغبتها في تحقيق توجه ديمقراطي سياسي - إجتماعي عراقي الجذور والمعطيات

لكن ما حدث في الواقع هو أن هذه الوجوه القديمة الجديدة ، واصلت التخطيط والمكر ، في أول جلسة للبرلمان ،ليتواصل نفس النهج المقيت (المحاصصة ) ، فما هو السبب؟

 

كانت الحقبة الصدامية وجيلها الذي ترعرع في أحضان اﻷفكار البعثية والقومية البرجوازية ، قد خلق مقومات التلون لدى البعض ، و على الرغم من هزيمتها سياسيا وأمنيا ، إلا أن هذه الهزيمة لم تقترن بنقض قوانينها ، و لا بكنس  هيكليتها الفكرية واﻹدارية قانونيا بالكامل ، كما حصل في ألمانيا الهتلرية ، فلم تُطهر اﻷجهزة اﻹدارية من مواليها ، وتُطعم بذو الكفاءة من العناصر الوطنية التي قارعت الدكتاتوية  في الداخل والخارج . بل جرى السعي بإعتماد المتلوينين ، وإبقاء قوانينهاوفكرها في عملية التطعيم تلك ،( الطائفية والمحسوبية )،  لكونها كانت تشكل (  التطعيم بالكفاءات ) ، مخاوف كبيرة للقائمين على مواقع القرار ، بإعتبارها خطر اساسي ، سيقود الى التقيد بتطبيق بنود الديمقراطية السياسية واﻹجتماعية ، وهذا لا يتماهى مع ما ينويه العامل الخارجي من زرع ديمقراطية في البلاد على مزاجه ، فإنتهز ، أعداء الديمقراطية هذه الفرصة ، وبدأوا بزرع ونثر بذور نصرة الطائفة في اﻷجهزة اﻹدارية واﻷمنية للدولة ، وإتباع تكتيكات بارعة معتمدين على إسناد العامل الخارجي والدول القريبة والبعيدة ، التي كانت تدرك أنها ستجني منافع ذاتية عند دعمها لهكذا نهج طائفي ، يلبي مصالح ذاتية ﻷحزاب الطوائف ، و يتيح فرصة تعضيد قدرتها اﻹقتصادية ، ضمن  إطار النهج الذي تبنوه ( المحاصصة الطائفية واﻷثنية ).

أما القشة التي قصمت ظهر البعير ، ودفعت بالبلاد الى طريق مسدود ، هو ظهور مؤهلات لوجستية للتمسك بالسلطة واﻹنفراد بمؤسساتها اﻷمنية واﻹقتصادية ، مما أدى الى تعمق الخلافات بين ظفتي المتصارعين طائفيا ، مشجعين على بروز مجموعة من الخرافات الدعائية ، ووسائل تضليل ماكرة ، غسلت أدمغة العديد من الناس وخاصة الفقراء منهم ، دافعين إياهم بإتجاه لم تكن لهم رغبة فيه ، ﻹدراكهم أن هذا سينتج عنه شحن طائفي ، من كلا الجانبين يؤدي الى تفريق صفوف أنسجة المجتمع العراق ، و يهدد كيانه الجغرافي ، و كان لدور غياب المعلومات والتضليل واﻷرتباك ، بجانب وعود هوائية للقضاء على البطالة والفساد ، ومن أن الطائفة ستوفر مستلزمات تساعد على تأمين حياة مرفهة ، وتُمتع الناس بالحرية ، وتبعد شبح الخوف من المستقبل المجهول عنهم

كل ذلك أدى إلى أن تكون العملية السياسية المعتمدة في نهج المحاصصة ، فاضية المحتوى اﻹقتصادي واﻹجتماعي والديمقراطي ،  فإقترنت بسياسة عرجاء ، كانت محط شك على الدوام ، في قدرتها على  التصدي للإرهاب وصيانة اﻷمن اﻹجتماعي ، مما عجل في إنهيار العملية السياسية ،و نهج المحاصصة تماما وصار كومة من الشظايا داخل الكتلة الواحدة فأوصلونا الى ما نحن عليه حاليا 

إن متبني نهج المحاصصة و بتشجيع من العامل الخارجي ، لا زالوا يسترشدوا فقط بمصالحهم الذاتية ، وتدور في ذهنهم الرغبة ، بعد أن غضوا الطرف عن عيوب الطريقة التي أعيد بها تشكيل الجيش العراقي ، ليكون في حماية نهجهم المحاصصاتي ، وليس الدفاع عن البلاد ، في إحياء التجييش الطائفي  للتصدي ، لغزو داعش وأخواتها  اﻹرهابي ، دون وضع  أوليات سد الفراغ السياسي دستوريا وتشريعيا في مقدمة المهام الملحة ، نتيجة تغليبهم المصالح الحزبية والطائفية على مصالح الوطن العليا  ، وقد عكسوا ذلك في أول جلسة برلمانية لهم بعد اﻹنتخابات ، عندما خططوا لتمييع فرصة ممارسة الديمقراطية  الحقيقية وإبقاءها سجينة التوافق والمحاصصة ، ليبقى التغيير الذي ينشده الشعب بعيد المنال ، ولتعود كَرة إستعصاء تشكيل الحكومة مرة ثانية ، لتصبح صفة ملازمة لما بعد كل إنتخابات برلمانية