الثأر واﻹنتقام يبعد المسائلة القانونية عن القسم الوظيفي/ د.علي الخالدي

لم أسمع طيلة حياتي ، بأن هناك مسؤولا في موقع القرار تنحى بإرادته وأعتزل من  منصبه السيادي  في الشرق اﻷوسط سوى ما قام به سوار الذهب عندما سلم السلطة بدون شوشرة الى المدنيين ،  هذه الظاهرة لم يعيدها القائمين على اﻷنظمة في المنطقة ، حتى عند تعرض أوطانهم للخراب وشعوبهم لدمار الحروب المحلية . كل ما رأيته أوسمعت عنه ، هو أن أغلب تنحيتهم أو إقصائهم من مواقع المسؤولية يتم بالضغط الشعبي ، أو بإنقلاب عسكري . و مع أن المتنحين لن يؤسف عليهم ، فلم يوجد بينهم من إعترف بفشله ، بما أقترف من جرائم بحق شعبه ووطنه ، بل يزينوا عهدهم بإنجازات وهمية . قليل منهم خضع  للمسائلة القانونية في الداخل أو الخارج ، وأغلبيتهم نجا من المسؤولية القانونية ، بفضل خيمة حزبه أو طائفته ، أو بطريقة اللإلتفاف على قسمه ، ببوس اللحى أو بالعرف العشائري ، خصوصا في المجتمعات ، التي تسود فيه  المفاهيم العشائرية والدينية البائدة التي تربي الضغينة والحقد المبيت في قلوب الناس ، على دستور النظام السياسي واﻹجتماعي القائم ، وخاصة من تفتقد وجود مفهوم مجتمعي موحد للإنسان واﻷنسلانية ، وقوانينهما التي تفسر بإرادة القوي المنفرد بالقرار ، مؤديا بسلوكه هذا الى فقدان الثقة بينه و بين المسؤولين معه من جهة  والمواطنين من جهة ثانية  ، فتفقد السلطة ( الدولة ) هيبتها ، ويتحول النظام السياسي برمته الى نظام رخو ، متحايل على الشعب ، يلبي مطامح فئة على حساب فئة إجتماعية أخرى فيحرم إحداها من حقوقها الوطنية ، وحتى المدنية ، وتُسَير أﻷمور من قبل مجموعة لها مصالح حزبية وفردية ، تستغلها فئة قليلة من رجال السياسة ، السريعي التلون ، والتقرب من صاحب القرار ، ليمرروا مشاريعهم ويحققوا نواياهم الذاتية ، وتحت هذا الغطاء يحاولوا التملص من المحاسبة ومن الشرعية القانونية ، فتتخزن حسرة اناس في القلوب ، وتتحول الى الثار واﻹنتقام ، من المسؤول المهووس بالكرسي والمستقوي بأفراد جيء بهم بالمحسوبية والمحابات والمذهبية

، إن تحديد مسؤولية المسؤول عن الفشل في مهنته أو وظيفته والمهمة التي أوكلت له ، واجب يحدده المجتمع ، وإتخاذ القرار بشأن تقصيره أمر مفروض منه ليتسنى الوقوف على كل اﻷخطاء التي تعرض لها الوطن والشعب إن كان ، عن سوء دراية أو لغرض يخدم به مصالحه الذاتية  أو الحزبية ، وفق الآليات القانونية المتاحة ، فالقاعدة تقول على أن أي خطاء أو عمل يؤدي الى اﻷضرار بمصالح الوطن والمجتمع ، يقوم على ما يستوجب التعويض ، ﻹزالة الضرر ، ليكون عبرة لمن أعتبر ، حتى يُتلافى الوقوع بها مستقبلا . هناك مثل يقال عن مسؤولية الطبيب  أن له رجل بالسجن ورجل بره ، لمجرد هفوة غير مقصودة أضرت بمصلحة المريض مما يتطلب محاسبته وقد يوضع السجن ,و تسحب شهادته في أحيان كثيرة ، فلماذا لا ينسحب هذا على كل مسؤول تعطى له مهمة خدمة وطنه وشعبه       ،

عند الحديث عن تحمل المسؤولية ، يقودنا الى نتائج مريرة على أرض الواقع ، يجري الصمت عن بعضها على مضض ، فالصمت مثلا تجاه عدم توفير الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وغير ذلك من اﻷمور التي يمكن تعويضها مستقبلا ، لكن من تلطخت أيديه بأبناء شعبه ، ومن أستهدف العقول الثقافية واﻷكاديمية ،وَ غَيَبَ جدية التحقيق بها ، أو سجل ذلك ضد مجهول ، أو من وضع نتائجه على الرف أو إستعمالها كورقة ضغط لمواصلة السكوت ، ناهيك من بذر اﻷموال العامة وتستر على ساريقيها ومهربيها للخارج  ومن كان وراء الكوارث الوطنية ، والتهجير القسري ، وسبي النساء ، وبيعهن في سوق النخاسة ، أمور لا يمكن السكوت عنها مهما كانت المبررات ، ولا تعطى لحزب أو لشخص أن يبت بها ، بل ملكية البت بها تعود للشعب ليتخذ قراره تجاهها ،

كل ما نخشاه أن تمضي اﻷمور دون محاسبة قانونية لكل مسؤول وصامت عن تلك اﻷوضاع التي أوصلونا اليها ، قد يأخذ هذا وقتا لتعود اﻷمور لمجراها الطبيعي في ظل حكومة تشارك بها جميع اﻷطراف السياسية التي تحرص على إحياء العملية السياسية .  أما إذا  أعتمد في تشكيلها اﻷستحقاق اﻷنتخابي الذي جاء به سانت ليغو الجائر في إحتساب اﻷصوات ، فإقراء على التغيير السلام ، لانها الحكومة) ستقوم على هذا لك وهذا لي ، ويعاد النهج الطائفي للحياة من جديد، ولن تجد اﻹستقرار و  التأييد الشعبي ، ولكي تقف على أقدام ثابتة ، عليها إعتماد فرارت ما يدعى الى مؤتمر وطني للقوى المؤسسة والمشاركة في العملية السياسية وتطرح برنامجها المتماهي مع الحلول لمعالجة ما ورث من الدكتاتورية ومن نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، و بإعتماد من أين لك هذا ، والنأي عن عفا الله عما سلف ، و بمشاركة حقيقية لكل اﻷطراف ، لكفيل بوضع البلد على السكة الصحيحة نحو التقدم واﻹزدهار ، وبالتالي ستزرع الثقة المفقودة بين مكونات شعبنا والمسؤول