
غرائب تحصل في عراق اليوم د/ علي الخالدي
بعد إغتيال تورة الفقراء تموز المجيدة ، وأجواء العراق تتلبد بغيوم سوداء تمطرة بؤسا وشقاءا ، وقفت وراء حجب مرامي كامنة لدول طامعة قربية وبعيدة ،كانت قد صفقت لصانعي هذه الغيوم ،ومكنتها السيطرة على مقدراته ،بإعتباره بلد سوق وإستثمار رائج ،وذو موقع جغرافي إستراتيجي في منطقة الشرق اﻷوسط ،علاوة على كونه أحد أهم مصادر الطاقة للعالم .ومع هذا إستطاع نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية ،أن يحوله الى كيانا رخوا تقوده حكومة فاشلة في كل اﻷصعدة ،فخلال إحد عشر عاماأستطاع المتنافسون على اﻷستحواذ على مقدراته ،و الحصول على مواقع لها فيه على الصعيدين السياسي واﻹجتماعي ،باساليب لم تَخلُ من ضبابية تفهم طبيعةتركيبته اﻹجتماعية ،و مراس نضال شعبه الوطني . مستفيدة من تغليب الحكومات المتوالية المصالح الطائفيةعلى الوطنية ،و تغييب الروح الوطنية ،و وحدة مكوناته اﻹجتماعية ،مما أدى هز المنطقة بأسرها ،والتفكير بخارطة سياسية جديدة له وللمنطقة ،باﻷرتباط مع ما جرى من إنعاش الفكر الطائفي لمكوناته المذهبية ،الذي بدوره أدى إلى أنعكاسات سلبية خلقت إضطرابات أمنية في الدول الدينية والعلمانية على حد سواء .
فأمريكا بعد أن طمأنت إستراتيجيتها في العراق ،بدأت تعترف بشراكة ﻷيران في المنطقة ،وأخذت تسعى ﻹيجاد مناخات التقارب بين مصالحها وإيران عبر محاربة داعش ،فخرجت علينا بمبادرة دولية بعد أن كانت صامتة لتوسع داعش في العراق ،لقت الترحيب من سائر دول المنطقة ،لمعرفتها المسبقة ،بأنها ستكون تحت مرمى ضربات داعش . سارع الجميع على اﻹنخراط في حلف محاربتها ،ليشكل هذا التحالف ،عاملا حاسما في أسقاط الخلافات واﻹتهامات بين أطرافه ، بينما لا زال عراقنا يعاني من تصاعدهما ،وخاصة بين طبقته السياسية التي تفرض الظروف الحالية عليهم الحاجة الى المزيد من إعادة المواقف والتعامل مع اﻷوضاع بتفاهمات في زمن لا ينتظر ،تستغله داعش بالتمدد . كما يراد له أن يستمر وقتا طويلا ،مستفيدة من سينارهوات متشابه توقعها بعدة وحدات عسكرية من الجيش العراقي تحت حصارها، ولعدة ايام ، ومن غياب الدعم واﻹسناد من قبل العمليات بالرغم من نداءات اﻹستغاثة التي يطلقها المحاصرون ،ناهيك عن تنظيم المظاهرات ضد الحكومة التي لم تكتمل شهرها اﻷول محملة بأثقال أخطاء ما سبقها . ليسجل تاريخ الجيوش ،وﻷول مرة في التاريخ ، بأنه تمكنت عصابات إرهابية من أن تحاصر جيشا نظاميا ، وتحت تأثيرها بهرب قادته ،من ساحة المعركة ، دون حساب ،ومساءلة المقصرين عن ذلك ، والذين هم وراء تنظيم المشاكسة لحكومة وضع الشعب عليها الآمال التي لم يجد لها موقعا في الحكومات السابقة ، ومما يزيد الطين بلة هو أقتصار مواجهة اﻹرهاب على الطلعات الجوية ،وإستمرار معاناة المهجرين ،و إعتراف أمريكا متأخرا بخطاء عدم تقديرها لنتائج خطر إرهاب داعش على العالم ، ومواقفها المترددة تجاه جدية التصدي للإرهاب في الوقت المناسب ،لتتجنب المسؤولية القانونية واﻷخلاقية في تقصيرها هذا ،والتي ستفرض عليها مسؤولية التعويض المادي . فالعراق تحمل نتائج حرب غير صحيحة القوام معها ومع اﻹرهاب منذ التغيير بعد أن حُل جيشه وشكل جيش أكثر ما يقال عنه ،جيش وفر لقمة عيش لآلاف العاطلين عن العمل وللهوائيين ،على مرآى ومسمع منها .ومع هذا إكتفت بالضربات الجوية التي كما يشير العسكريون بان ذلك لن يكون قادرا بمفرده على دحر داعش ،ما لم يكون مصحوبا بمشاركة فعلية برية .
إن ذلك ولد إحباط لدى الشعب العراقي والسوري ،سيما وأن مشاريع خلق بؤر ديمقراطية كما وعدت أمريكا في المنطقة ،لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع ،الرغم من معرفتها بأن الديمقراطية تبنى ولا تملى على الشعوب .فشكل الحياة لهذين الشعبين لم يتغير بل ساء وتدهور ،وإتسعت رقعة الفقر بين صفوف مواطنينهم .
وفيما إذا لم يجري التعامل بجدية في إيجاد تحالف بين الحكومة اﻹتحادية وحكومة كردستان من جهة ودول التحالف من جهة ثانية ،ويستمر اﻹتكال على الطلعات الجوية في تحرير اﻷراضي التي غزتها داعش ،سيعمق التشاؤم بين الناس ،وسيتواصل فقدان الثقة بجدية محاربة اﻹرهاب وتجفيف منابعه ،ومما يضاعف ذلك ،هو عدم إقرار المراجع الدينية في المنطقة علنا وجهارا ببراءتهم من التطرف الديني وأعمال داعش بحق الكيانات غير المسلمة ،وإعتبار ذلك يشوه تعاليم الدين اﻹسلامي ،بينما سيقوي من دعائم الهوية الوطنية الضائعة في دهاليز سياسة التوافقات والمحاصصة ،وسيدحر كل فكر متطرف يحث على الكراهية والعنف بين مكونات المجتمع في وضعنا المقلق