
النضال المطلبي بين اﻷمس واليوم / د.علي الخالدي
كرست جماهير شعبنا نضالها المطلبي مذ قيام الدولة العراقية لصيانة اﻷستقلال الوطني ، ونيل حقوق الشعب ، وعند نشوء اﻷحزاب الوطنية ، أكتسب صيغ أعمق ذات بعد سياسي لكنه لم تتضح منطلقاته ليشمل مطاليب أجتماعية وثقافية ، إلا بعد تاسيس الحزب الشيوعي العراقي حيث أضاف بعدا ديمقراطيا وطبقيا له ، ومن هذين البعدين إستلهمت الحكومات المتعاقبة مخاطر تهدد مستندات قواعد سلطتها ، فأعتمدت على القوى الخارجية في الدفاع عن نظامها ، بعقد اﻷتفاقيات التي تحد من أستقلال العراق الوطني ، سًُددت فاتوراتها بالتنازلات اﻷقتصادية والمالية ، اﻷمر الذي شدد من قيود التبعية ، بينما واصلت القوى الوطنية التقدمية ، مناهضة كل ما يسيء للإستقلال الوطني ويربط العراق بمواثيق وأحلاف تديرها القوى اﻹستعماري، ولهذا تقدم الشيوعيون المظاهرات الجماهيرية ، المطالبة بإلغاء اﻷتفاقيات الجائرة ، في وثبة كانون عام 1948 ( ضد معاهدة بورتسموث) ، وإنتفاضة تشرين 1952 . وكل مظاهر التظاهر ، تصدت لها جندرمة النظام الرجعي بالقوة المفرطة ، مما أدى الى سقوط في اﻷولى ، شهداء منهم جعفر الجواهري وقيس الآلوسي وفتاة سميت بفتاة الجسر ، كانت من ضمن هتافات المتظاهرين على سبيل المثال، نوري سعيد القندرة وصالح جبر قيطانها ، وصالح جبر يالديوس كرصة خبر بعشر فلوس* ، تنديدا بغلاء المعيشة .كما أحتلت اﻷضرابات العمالية موقعا مؤثرا في إجبار الحكومات على اﻹستقالة ، وهكذا كان النضال المطلبي تحددة الظروف الموضوعية والذاتية التي تمر بها البلاد.
، تواصل النضال المطلبي في العهد الجمهوري بعد الإطاحة بالملكية وإنبثاق ثورة الفقراء تموز المجيدة ، فكان التظاهر يصب في حماية الجمهورية ، التي تكالبت عليها القوى الرجعية واﻹستعمارية وطابورها الخامس لدرء المخاطر عنها ، وكانت مسيرة اﻷول من آيار عام 1959مثالا ساطعا على التفاف الشعب حول حكومة الثورة وصيانة إنجازلتها الشعبية . مثلت المظاهرات والمسيرات صبغة إحتفالات عرسية ، يغمرها الفرح والوئام الذي ساد كافة مكونات شعبنا العراقي بثورة الفقراء ، لكن هذا لم يستمر طويل ، فقد تكالبت قوى الردة والظلامية عليها ، مستغلة أخطاء حكومة الثورة ، التي أسهمت في تعثر مسيرة أهدافها الوطنية العامة ، فأجهضتا . في أعقاب ذلك توالت حكومات فاشية رجعية ودكتاتورية ، فتحول النضال المطلبي ضدها الى المطالبة بالديمقراطية و الحكم الذاتي كردستان العراق .
في زمن الدكتاتورية الصدامية ، أتخذ النضال المطلبي طابع الكفاح المسلح ، ﻹسقاطها، وتصاعدت ثورة الشعب الكردي ، بأنخراط الشيوعيون في صفوفها مناديا بإسقاط الدكتاتورية و بالديمقراطية والحكم الذاتي لكردستان ، وبعد إندلاع الحرب العراقية اﻷيرانية ، أنتفضت حماهير شعبية في وسط وجنوب العراق ضد الدكتاتورية ، تموحرت أهدافها بأيقاف الحرب وإسقاط الدكتاتورية ونصرة الطائفة المهمشة
بعد سقوط الصنم وتبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ،أبتعد القائمون على الحكم عن إتخاذ إجراءات تنصف الشعب بالقضاء على موروثات الدكتاتورية ، وتنهض باﻷصلاحات التي وعدوه بها ، لكن ذلك لم يحصل ، بسبب إعتماد أشخاص غير كفوئين في القبادة واﻹدارة ، مما عكر عيشة الناس في أجواء من إنفلات أمني ، مع أنتشار الفساد والمحسوبية . ومحاصرة الفكر التقدمي وتصفية البعض من حامليه ، ولدرء تعمق اﻹنحدارات وفقدان الثقة بين القائمين على النظام من جهة والشعب من الجهة الثانية ، اراد الشباب أن يعيدوا ممارسة نضال اباءهم وأجدادهم المطلبي ، فنظموا مظاهرة في الخامس والعشرين من شباط عام 2010 . لم تكن معادية للنظام ولم يتعدى سقفها سقف المطاليب العادلة ، إلا أن متبني نهج المحاصصة جابهوها بالقوة المفرطة على غرار ما جرى في العهود السابقة ، فسقط عدد من القتلى والجرحى . توالى التظاهر الذي إتخذ طابع إبراز شعارات طائفية سياسية ، إنحصرت بمطاليب حسب جغرافية الطائفة دون المطالبة باﻹصلاح ورفض نهج المحاصصة .
، بعد تشكيل كابينة جديدة ( لم تكتمل بعد ) نٌظمت مظاهرة (بدون تصريح ) ، لم تتماهى مطاليبها مع المطاليب الشعبية والوطنية العامة بالتغيير وأصلاح ما أفسده نهج المحاصصة ، بل طالبت بإسقاط الحكمومة الوليدة التي عقد الشعب آماله عليها بالتغيير ، وقد تعهدت بالتغيير في ميثاقها ومن ضمن ما جاء فيه ... ، إلتزام الحكومة والكتل السياسية المشكلة لها ، وضمن السقوف الزمنبة ، بترسيخ الوحدة الوطنية وبث روح السلم اﻷهلي من خلال المضي قدما في مشروع المصالحة الوطنية .
أحد المشاكسين لهذه المشاريع ولتصحيح العملية السياسية قال جملة تؤكد خلفيته وراء تنظيم هذه التظاهرة المناوءة لرغبات الجماهير ( قلت للمتظاهرين أن يعطوا حيدر العبادي الفرصة ) ، ومع هذا لم تُتهم المظاهرة بأنها مخترقة ، ولم تقابل بالقوة المفرطة ، إدراكا من أحقية مواصلة النضال المطلبي الذي كان تجربة رائدة تُشتق منه الدروس والموعضة في ترسيخ الوحدة الوطنية ، سيما وان من خلال تلك المظاهرات ، تَرَبى آلاف الكوادر على الدفاع عن المكاسب الوطنية ، لكن التهميش لا حقهم في الداخل و الخارج ، وكأن ما تعهد به رئيس الكابينة الوزارية من أن تصحيح مسار العملية السياسية من أخطاء من سبقه سينهض به البعض منهم مؤهل حزبيا و طائفيا فحسب ، جاء للمنصب بإطار المحاصصة والتفاهمات ، فهل سيحصل التغيير المنتظر على أيديهم
إن هذه رؤوس أقلام اردت أن أقول أنه ، حتى النضال المطلبي أحتكر طائفيا وأبعد عن روحه الوطنية
*سمعتها من والدي حصريا، وما قرأته في أدبيات الحزب الشيوعي العراقي عن النضال المطلبي